الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ في الرِّزْقِ﴾: كَثَّر وقَلَّلَ، وبَسَطَ وقَبَضَ، ووَسَّعَ وضَيَّقَ، ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا﴾: في الرزق وأُعطوا الفضْل، ﴿بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾، يقول: لا يردّ المولى على ما ملكت يمينه مما رُزق شيئًا حتى يكون المولى والمملوك في المال سواء.
قال أبو إسحاق: أي قد فَضَّلَ اللهُ المُلاَّكَ على ممالِيكِهِم، فجعلَ المملوك لا يقدر على مِلْكٍ من مَوْلَاه، وأعلم أن المالكَ ليس يَرُدُّ على مملوكه من فضل ماله حتى يستوي حالهما في الملك [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 212، بنصه تقريبًا.]]، وهذا مَثَلٌ ضربه اللهُ مثلًا للمشركين في تَصْيِيرِهم عباد الله شركاء له، فقال: إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء في الملك، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء؟! وقال صاحب النظم: معنى الفاء في قوله: ﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ حتى [[أشار المرادي إلى أن الفاء قد تأتي بمعنى (حتى) عند بعض النحويين؛ كما في قوله ﴿فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام: 139] لكنه ضعف هذا القول، معتبرًا الفاء هنا عاطفة. "الجنى الداني" ص 77، وهذا القول الذي ذكره صاحب النظم قول جيد، وقد إنفرد به، فلم أجده في كتب إعراب القرآن، وقد ذكر المنتجب في "الفريد في إعراب القرآن" 3/ 239، عند قوله تعالى: ﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ ثلاثة أقوال: أن الجملة من المبتدأ والخبر جملة اسمية واقعة في موضع جملة فعلية، ومحلها النصب على جواب النفي بالفاء، والتقدير: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا مع عبيدهم، أو على الحال على تقدير زيادة الفاء. أن محلها الرفع، إما على الاستئناف، أي هم سواء في أني رزقت الجميع، أو على العطف على موضع برادي، على تقدير: فما الذين فضلوا يردون رزقهم على ما ملكت أيمانهم فما يستوون. أنه على إضمار ألف الاستفهام، أي: أفهم فيه سواء؟ على سبيل التوبيخ والتقريع، ومعناه النفي: أي ليسوا مستوين فيه.]]؛ لأن التأويل: ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا﴾: بجاعلي رزقهم لعبيدهم حتى يكون عبيدهم فيه معهم سواء في الملك، فقدله: ﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ صفة لما تَقَدَّمه من الخبر لا جوابٌ له؛ ولو كان جوابًا له لكان قد أوجب أن يكون المولى والعبيد في ذلك سواء، وهو عز وجل إنما أراد أنهم لا يستوون في الملك، ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم: 28] بمعنى: حتى أنتم فيه سواء إليّ، هل يشاركونكم في أموالكم حتى تكونوا أنتم وهم فيه سواء.
وهذا الذي ذكرنا هو قول جميع المفسرين في هذه الآية؛ قال مجاهد: هذا مَثَلُ آلهة الباطل مع الله [["تفسير مجاهد" ص 349، بنصه، وأخرجه الطبري 14/ 143 بنصه، وورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 242، بنحوه، وانظر: "تفسير ابن كثير" 2/ 636، و"الدر المنثور" 4/ 233، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]].
وقال السدي: يقول: فكما لا يرد أحدهم على مملوكه مما رزقه الله حتى يكون مثله، فلذلك لا أكون أنا وهذا الصنم الذي هو من خلقي ومما ملكت سواءً فيما خلقت [[لم أقف عليه.]].
وقال قتادة: يقول: هذا الذي فُضِّل في المال والولد لا يشرك عبدَه في ماله وزوجته، يقول: قد رضيتَ بذلك لله ولم ترض به لنفسك، فجعلت لله شريكًا في خلقه وملكه [[أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 358) بنصه، والطبري 14/ 143 بنصه، ومن طريق آخر بمعناه، وورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 242، بنحوه، وورد بمعناه في "تفسير الجصاص" 3/ 185، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 86، و"تفسير الثعلبي" 2/ 159 ب، والطوسي 6/ 406، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 31، و"تفسير القرطبي" 10/ 141، والخازن 3/ 126، وأبي حيان 5/ 514، وابن كثير 2/ 636، و"الدر المنثور" 4/ 233، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]].
وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في نصارى نجران حين قالوا: عيسى ابن مريم ابن الله [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 160 أ، بنصه بلا إسناد، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 468، بنصه، و"تفسير القرطبي" 10/ 141، بنصه، وورد بلا نسبة في "تفسير السمرقندي" 2/ 242، ولم أجده في أسباب النزول، ولم يورده المؤلف في أسباب النزول، كما أنه ورد بدون إسناد، فلا يثبت.]].
قال الفراء: فهذا مثل ضربه الله للذين قالوا: إن عيسى ابنه، فقال: أنتم لا تُشركون عبيدكم فيما ملكتم، فتكونون سواءً فيه، فكيف جعلتم عَبْدَه شريكًا له تعالى [["معاني القرآن" للفراء 2/ 110، بنصه.]]، وتلخيص معنى الآية، أنه يقول: إنكم كلكم (من بني آدم وأنتم بينكم فيما ملكت أيمانكم، وأنتم [[(أنتم): ساقطة من (ش).]] كلكم) [[ما بين القوسين ساقط من (ع)، وهو أشبه بكلام معترض، ويستقيم الكلام بدونه، بل بدونه أوضح.]] بشر، فكيف تشركون بين الله وبين الأصنام وأنتم لا ترضون لأنفسكم فيمن هو مثلكم بالشركة.
وقوله تعالى: ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾ قرأه العامة: يجحدون بالياء [[انظر: "السبعة" ص 374، "إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 358، و"علل القراءات" 1/ 308، و"الحجة للقراء" 5/ 76، و"المبسوط في القراءات" ص 225، و"شرح الهداية" 2/ 381، و"التيسير" ص 138.]]؛ لأنه يراد به غير المسلمين، والمسلمون لا يخاطبون بجحدهم نعمة الله، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بالتاء [[انظر: المصادر السابقة.]]؛ على تقدير: قل لهم: أفبنعمة الله -بهذه الأشياء التي تقدم اقتصاصها- تجحدون بالإشراك به.
وذكر الزجاج في هذا وجهين، أحدهما: أفبِأنْ أَنْعَمَ اللهُ عليكم اتَّخَذْتُم النِّعَمَ لتجحدوا وتشركوا به الأصنام؛ فعلى هذا النعمة بمعنى الإنعام.
والثاني: قال أفبما أنعم الله به عليكم بأن بَيَّنَ لكم ما تحتاجون إليه تجحدون [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 212، بنصه.]]، وعلى هذا، النِّعْمَة: اسم لما أَنعمَ اللهُ عليهم لا مصدر، والباء في: ﴿أَفَبِنِعْمَةِ﴾ يجوز أن تكون زيادة [[انظر: التعليق على دعوى الزيادة في القرآن، عند آية [10]، من سورة إبراهيم.]]؛ لأن الجحود لا يُعدَّى بالباء، وهذا قول المفضَّل كما يقول: خذ الخطام وبالخطام، وتعلقت زيدًا وبه [[انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 80، بنصه بلا نسبة.]]، ويجوز أن يراد بالجحود: الكفر [[ورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 242، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" 3/ 77، و"تفسير البيضاوي" 3/ 187، وأبي السعود 5/ 127.]]، فعُدِّيَ بالباء لمعنى الكفر [[انظر: "تفسير الفخر الرازي" 20/ 80، بنصه دون عزو للواحدي.]].
{"ayah":"وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ فِی ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِینَ فُضِّلُوا۟ بِرَاۤدِّی رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِیهِ سَوَاۤءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق