الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم﴾ الآية. ذكر أهل العلم وأصحاب المعاني في هذه الآية، قولين [[ورد القولان في "تفسير الماوردي" 3/ 192، بنحوه، والطوسي 6/ 389 بنصه تقريبًا، وانظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 331، وابن عطية 8/ 437، وابن الجوزي 4/ 455، وأبي حيان 5/ 499، و"الدر المصون" 7/ 234.]]؛ أحدهما: أن الآية من باب حذف المضاف، على تقدير يخافون عقاب ربهم من فوقهم [[ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 203 ب، بمعناه، والطبري 14/ 117 - 118 بمعناه، والثعلبي 2/ 158، بنحوه، وانظر: "تفسير القرطبي" 10/ 113.]]؛ لأن أكثر ما يأتي العقاب المهلك من فوق، سيّمَا والآية في صفة الملائكة، والآخر: أن الله تعالى لما كان موصوفًا بأنه علىٌّ ومتعال علو الرتبة في القدرة، حَسُن أن يقال: ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ ليدل على أنه في أعلى مراتب القادرين [[ورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 238، بمعناه. والقولان باطلان؛ لأن فيهما تعطيلًا وتأويلاً؛ فالأول تعطيل ظاهر لصفة الفوقية، والثاني تأويل وصرفٌ لظاهر النص من فوقية العلو إلى فوقية القدرة والعظمة، وهو خلاف مذهب أهل الحق؛ يقول ابن القيم: ومما ادعى المعطلة مجازه: الفوقية، وقد ورد به القرآن؛ كقوله ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾، وحقيقة الفوقية علو ذات الشيء على غيره، فادعى الجهمي أنها مجاز في فوقية الرتبة والقهر، كما يقال الذهب فوق الفضة، والأمير فوق نائبه، وهذا وإن كان ثابتًا للرب تعالى، لكن == إنكار حقيقة فوقيته سبحانه وحملها على المجاز باطل من وجوه عديدة، وقد ذكر سبعة عشر وجهًا. انظر: "مختصر الصواعق المرسلة" ص 355 - 363، و"الفتاوى" 5/ 126.]]، وهذا معنى قول أبي إسحاق: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ﴾: خوف مُجِلِّين [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 203، بنصه. وقد ردّ الألوسي القول بأن خوفهم ليس إلا خوف إجلال ومهابة لا خوف وعيد وعذاب، بقوله: ﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء].]]، ويدل على صحة هذا المعني قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: 61]، وقوله إخبارًا عن فرعون: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: 127]، وقد روى مجاهد عن ابن عباس في قوله: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ قال: ذاك مخافة الإجلال [[أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 225، وعزاه للخطيب في تاريخه [لم أقف عليه]، وانظر: "تفسير الرازي" 20/ 44، و"تفسير الألوسي" 14/ 159، وأورداه بصيغة التمريض، وانتصر له الفخر الرازي وردّه الألوسي -كما مرّ في الحاشية السابقة-، وورد بلا نسبة في "تفسير أبي حيان" 5/ 499، وأبي السعود 5/ 119.]]، وذهب بعض الناس إلى أن قوله: ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ من صفة الملائكة [[ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 203 ب، بنحوه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 454، و"تفسير القرطبي" 10/ 113، وأبي حيان 5/ 499.]]، والمعنى: أن الملائكة الذين هم فوق بني آدم وفوق ما في الأرض من دابة يخافون الله مع علو رتبتهم، فلأن يخاف من دونهم أولى [[وفي هذا المعنى تكلُّف وصَرْفٌ لِلَّفظ عن ظاهره؛ فالفوقية هنا صفة لله وليس للملائكة.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ قال المفسرون: يعني الملائكة [[ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 203 ب، بنحوه، و"تفسير الماوردي" 3/ 192، بمعناه، وانظر: "تفسير البغوي" 5/ 23، وابن الجوزي 4/ 454، و"تفسير القرطبي" 10/ 113، و"الشوكاني" 3/ 238.]]، وهذا كقوله في آية أخرى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ الآية [التحريم: 6].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب