الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ﴾ الآية، اللام في ﴿لِيَحْمِلُوا﴾ لام العاقبة، وهم لم يقولوا للقرآن: أساطير الأولين، ليحملوا الأوزار؛ ولكن لما كانت عاقبتهم ذلك بهذا القول، جاز أن يقال: فعلوا ذلك له؛ كقوله عز وجل: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: 8]، وهم لم يلتقطوا لذلك، وكما قال النابغة: جاءت لِتُطعِمَه لحمًا ويَفْجعها بابن ... فقد أطعمتْ لحمًا وقد فَجعا [[لم أجده في "ديوان النابغة"؛ لا الجعدي ولا الذبياني، ولم أقف عليه في المصادر.]] يعني بقرًا جاءت مع عجلها للرعي، فوقع الذئب على عجلها فأكله، فزعم أنها جاءت لذلك، وهي لم تجئ له. قوله تعالى: ﴿كَامِلَةٌ﴾، قال صاحب النظم: أي أن غيرهم لا يحمل عنهم من أوزارهم شيئًا، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم لا يُكفَّر عنهم شيء من ذنوبهم بما يصيبهم في الدنيا من نكبة وبلية كالمؤمنين [[في هذا المعنى روى البخاري (5641)، (5642) في المرض ، باب ما جاء في كفارة المرض، ومسلم (2573) في البر والصلة والآداب، ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -ﷺ-: "ما يصبب المؤمن من نصبٍ ولا وصب، ولا همّ ولا حزَن، ولا أذى ولا غمّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّرَ الله بها من خطاياه"]]؛ لأنهم [[في (د): (فإنهم).]] كفار، فهم يرِدون الآخرة بما اكتسبوا من الآثام كلها. وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ﴾ لأنهم كانوا رؤساء، فلما قالوا في القرآن: إنه أساطير الأولين، اقْتُدي بهم فيه، فحُمل عليهم من أوزارهم، يبين هذا ما روي أن النبيّ -ﷺ- قال: "أيّما داعٍ دعا إلى ضلالة فاتُّبع فإن عليه أوزارَ من اتَّبَعه، من غير أن يَنقصَ من أوزارهم شيء" [[أخرجه ابن ماجه (205) المقدمة، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة بنصه عن أنس، والطبري 14/ 96 بنصه، وورد في "تفسير الرازي" 20/ 18، و"القرطبي" 13/ 331، و"الدر المنثور" 7/ 214 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، والجامع الصغير للألباني (2712)، وقد ورد برواية: "من دعا .. ، وبرواية: "من سن سنة .. " في: مسند أحمد 2/ 397، 4/ 361، وصحيح مسلم (2674) في العلم، باب: من سن سنة حسنة وما بعدها، والترمذي (2674) في العلم، باب: ما جاء فيمن دعا إلى الهدى فاتبع أو إلى ضلالة 5/ 43، والنسائي بالرواية الثانية: الزكاة، التحريض على الصدقة 5/ 75، وسنن ابن ماجه. المقدمة، من سن سنة (206).]]. فهؤلاء لمّا كانوا دعاةَ الضلالة، حُمِّلوا من أوزار من اتبعهم. و (من) في قوله: ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ﴾ ليست للتبعيض؛ لأنها لو كانت للتبعيض لخفَّ عن الأَتْبَاعِ بعضُ أوزارهم يحمل الرؤساء ذلك، ولكنها للجنس، أي ليحملوا من جنس أوزار الأتباع، وإنما ذلك لأن النبيّ -ﷺ- قال: "من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"، ولو جعلنا المحمولَ من أوزار الأتباع نقصت أوزارهم، فليس يأتي التابعُ بجنس من الذنب في ضلالته إلا وعلى المتبوع مثلُ ذلك، كما قال -ﷺ-: "فإن عليه مثل أوزار من اتبعه". وقوله تعالى: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾، أي: بجهل، يريد أن هؤلاء المتبوعين يُضِلّون من اتبعهم جهلًا منهم بما يفعلون من احتقاب [[أصلها حقب، يقال: حقب البعير واحتقب حقبًا: احتبس بوله وتَعَسَّر عليه، وحَقِب العام: احتبس مطرُه، واحتقبَ الشيءَ: ادَّخره، وكذلك: احتمله، وهو المقصود هناك. انظر: (حقب) في "تهذيب اللغة" 1/ 873، و"المحيط في اللغة" 2/ 363، و"اللسان" 2/ 937، و"معجم متن اللغة" 2/ 129.]] أوزارهم ومثل أوزار من اتبعهم، ثم ذم الله صنيعهم فقال: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾، ومضى تفسير هذا وتفسير الوزر عند قوله: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِم﴾ الآية [الأنعام: 31].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب