الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ معنى الصَّدْع في اللغة: الشَّقُّ والفَرْقُ والفَصْلُ [[انظر: (صدع) في "تهذيب اللغة" 2/ 1987، "المحيط في اللغة" 1/ 324، "الصحاح" 3/ 1241.]]، أنشد ابن السِّكِّيت لجرير: هُو الخَليفهُ فارْضَوْا ماقَضى لَكُمُ .... بالحَقّ يَصْدَعُ ما في قَوْلِهِ جَنَفُ [["ديوان جرير" ص 308، وورد في "تهذيب اللغة" (صدع) 2/ 1987، و"تفسير الفخر الرازي" 19/ 214.]] يصدع: يفصل، وأنشد الفراء [[ليس في معانيه، والبيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي (جاهلي).]]: وأنْحَرُ لِلشَّرْبِ الكرامِ مَطِيَّتي ... وأَصْدَعُ [[ساقطة من (د).]] بين القَيْنَتَيْن رِدَائِيا [[ورد في "المفضليات" ص 158، "جمهرة اللغة" 2/ 653، "الأغاني" 16/ 362، "ذيل أمالي القالي" 3/ 133، "الخزانة" 2/ 201، (الشرب) جمع شارب، (المطية) البعير، (القينة) المغنية، يريد أن يعطي كل منها شطر ردائه.]] أي: أشقُّ، وتَصَدَّع القومُ، إذا تفرقوا، ومنه قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: 43]، قال الفراء: يتفرقون [["معاني القرآن" للفراء 2/ 325 بلفظه.]]، فأما معنى الآية فقال ابن عرفة: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي فرق بين الحق والباطل [["تهذيب اللغة" "صدع" 2/ 1988 بنصه.]]، وروى أبو العباس [[في جميع النسخ: (ابن عباس)، وهو تصحيف، والتصحيح من التهذيب.]] عن ابن الأعرابي في قوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي شُقّ جماعتَهم بالتوحيد [["تهذيب اللغة" "صدع" 2/ 1988 بنصه وورد غير منسوب فى "تفسير القرطبى" 10/ 61.]]؛ كأنه يقول: ادعهم إلى التوحيد لتفرق جماعتهم؛ بإجابة بعضهم إيّاك فيكون ذلك تَفَرُّقَ كلمتهم، هذا معنى قول ابن الأعرابي، فالصدع على هذا يعود إلى صدع جماعة المشركين، وقال غيرُه: فَرّق القول فيهم [["تهذيب اللغة" "صدع" 2/ 1988 بنصه وورد فى "تفسير الماوردى" 3/ 174 عن النقاش.]]، وعلى هذا: الصَّدع يعود إلى دعوة النبيّ -ﷺ- وهو أن يفرقها في الناس فيذيعها فيهم وقال أبو إسحاق: يقول أظهر ما تؤمر به؛ أُخذَ من الصِّدِيع وهو الصبح، وقال: وتأويل الصَّدْع في الزُّجَاج، أن يَبِيْنَ بعضُه من بعض [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 186 بتصرف يسير، "تهذيب اللغة" (صدع) 2/ 1987 بنصه، ويبدو أنه نقله مز التهذيب لا المعاني.]]، وهذا الذي ذكره أبو إسحاق يعود إلى الشَّق أيضًا، قال الأزهري: وسُمّي الصبحُ صديعًا كما سُمّي فلقًا، وقد انصدع وانفلق وانفجر الصبح [["تهذيب اللغة" (صدع) 2/ 1988 بنصه.]]، وقال ابن قتيبة: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي: أظهر ذلك، قال: وأصله الفَرْق والفتحُ، أي: اصدع بحقِّك الباطلَ [["الغريب" لابن قتيبة ص 240 بنصه.]]، وهذا قولُ أهل اللغة والمعاني، وقال ابن عباس: أظهر [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 152 ب، "تفسير البغوي" 4/ 395، الخازن 3/ 104، "تنوير المقباس" ص 281 بلفظه، وهذه الرواية أوهى الطرق؛ لأنها من طريق محمد بن مروان عن الكلبي، أخرجها أبو نُعيم في "الدلائل" ص 270، وقد رويت عن الكلبي -نفسه- في "تفسير هود" 2/ 358، والماوردي 3/ 174، والغريب إيراد الواحدي -رحمه الله- الأقوال الضعيفة عن ابن عباس وتركه للروايات الصحيحة والمشهورة في بعض المواضع، ففي هذه الآية مثلاً؛ ثبت عن ابن عباس تفسيرها بـ: أمضه، وافعل ما تؤمر. انظر: "تفسير الطبري" 14/ 67 من طريق ابن أبي طلحة (صحيحة)، والثعلبي 2/ 152 ب، و"تفسير البغوي" 4/ 395، وابن الجوزي 4/ 420، وابن كثير 2/ 615، و"الدر المنثور" 4/ 199 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، ولعل سبب إيراده للروايات الضعيفة عن ابن عباس -مع ورود الروايات الصحيحة- أنه نظر إليها من جهة اللغة والمعنى لا من جهة السند، فاختارها -على القوية سندًا- لهذه الحيثية، والمعروف عن الواحدي -رحمه الله- أنه يغلب عليه الاهتمام باللغة والعناية بها في تفسيره.]]، وقال الأخفش وأبو عبيدة: افرق [["مجاز القرآن" 1/ 355 بلفظه، ولم أجده في معاني الأخفش، وورد منسوبًا للأخفش في "تفسير الثعلبي" 2/ 152 ب بلفظه، و"تفسير البغوي" 4/ 395.]]، وقال المؤرج: افصل [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 152 ب بلفظه.]]. وقوله تعالى: ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال الفراء: أراد فاصدع بالأمر، و (ما) مع الفعل بمنزلة المصدر، وكذلك لم يعد إليه عائد من الصلة كقولك: ما أحسنَ ما ينطلق؛ لأنك تريد: ما أحسنَ انطلاقك، وما أحسنَ ما تأمر، أي: أمرك، ومثله قوله: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ [الصافات: 102] كأنه قيل له: افعل الأمر الذي تؤمر، قال ويجوز أن يكون المعنى: بما تؤمر به، فحذف الجار؛ لأن العرب قد تقول: إني لآمرك وآمر بك، وأكفرك وأكفر بك، وأنشد [[البيت لِلُجَيْم بن صعْب، وحَذَامُ امرأتُه، وهي بنتُ الريَّان، سميت بذلك لأن ضرَّتها حذمت -قطعت- يدها بشفرة.]]: إذا قَالَتْ حَذَامِ فأنْصِتُوها ... فإنّ الأمْرَ ما قَالَتْ حَذَامِ [[في نسخة (أ) أثبت عجز البيت في الهامش. ورد البيت في: "العقد الفريد" 3/ 84، 365، "اللسان" (رقش) 6/ 306، (نصت) 2/ 99، "شرح التصريح" 2/ 225، "شرح شواهد المغني" 2/ 596، وورد غير منسوب في: "ما ينصرف وما لا ينصرف" ص 101، "تفسير الطوسي" 6/ 355، "شرح المفصل" 4/ 64 "أوضح المسالك" 4/ 131، وفي جميع المصادر: (فصدقوها) بدل (فأنصتوها) و (القول) بدل (الأمر).]] قال: يريد فأنصتوا لها. وقال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ [["معاني القرآن" للفراء 2/ 94 بتصرف يسير. والشاهد: أي كفروا بربهم.]] [هود: 68]، وقال مجاهد في قوله: ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾ أي بالقرآن، قال: أراد الجهر بالقرآن في الصلاة [["تفسير مجاهد" ص 419 بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق 2/ 351 مختصرًا، والطبري 14/ 68 بنحوه من عدة روايات، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 44 بنحوه، و"تفسير هود الهواري" 2/ 358 بنحوه، و"تهذيب اللغة" (صدع) 2/ 1987 مختصرًا، "تفسير الثعلبي" 2/ 153أبنصه، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 199 وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، فعلى هذا المراد بالصدع الجهر والإظهار، والباء في ﴿بِمَا تُؤْمَرُ﴾ من صلة معنى الصدع، لا لفظه؛ وهو الجهر، وما تؤمر هو القرآن؛ لأنه إنما تؤمر بما في القرآن، و (ما) في هذا القول موصولة، وليست بمعنى المصدر، وتكون مع الجار في موضع نصب، وأكثر المفسرين على أن المعنى: اجهر بالأمر؛ أي بأمرك، يعني إظهار الدعوة، قالوا: ومازال النبيّ -ﷺ- مستخفيًا حتى نزلت هذه الآية [[ورد في "تفسير السمرقندي" 2/ 225 بنحوه، والثعلبي 2/ 152 ب، بنصه، "تفسير البغوي" 4/ 395، و"ابن الجوزي" 4/ 420، والفخر الرازي 19/ 315، و"تفسير القرطبي" 10/ 62، والخازن 3/ 104، وابن كثير 2/ 615، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 199.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: لا تبال بهم ولا تلتفت إلى لائمتهم إياك على إظهار الدعوة ولا تسمعها، قال المفسرون: هذا منسوخ بآية القتال [[ورد في "تفسير مقاتل" 1/ 199 أ، بنحوه، و"أخرجه الطبري" 14/ 68 بنحوه عن ابن عباس من طريق العوفي (غير مرضية)، وأخرجه كذلك عن الضحاك بنحوه، وورد في:"الناسخ والمنسوخ" للنحاس 2/ 483 بصيغة التمريض، و"تفسير هود الهواري" 2/ 358 بنحوه، والثعلبي 2/ 153 أ، والماوردي 3/ 175 بنحوه عن ابن عباس، و"تفسير البغوي" 4/ 395، وابن عطية 8/ 359، وابن الجوزي 4/ 421، "تفسير القرطبي" 10/ 62، والخازن 3/ 104، وأبي حيان 5/ 470، "الدر المنثور" 4/ 199 وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي داود في ناسخه عن ابن عباس.]]؛ يعنون الإعراض عنهم وتركهم وما هم فيه، فإن جعلنا معنى الإعراض عنهم ترك المبالاة بهم، لا يكون منسوخًا [[وهذا القول هو الأولى من دعوى النسخ، وانظر: التعليق على دعوى النسخ بآية السيف، عند الآية [851] من هذه السورة.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب