الباحث القرآني

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ استثناء من الضمير في ﴿لَمُنَجُّوهُمْ﴾ فعادت إلى القوم المجرمين؛ لأنه استثناء بعد استثناء، فتعود إلى المستثنى منه أولاً؛ كما تقول: لفلان عليّ خمسة إلا درهمين إلا درهمًا، فيصير هذا إقرارًا بأربعة [[وقد وافق الزمخشري على أنه استثناء من الضمير، ولم يوافق على التعليل؛ بدعوى أن الاستثناء بعد الاستثناء إنما يصح عند اتحاد الحكم؛ كالمثال الذي ذكره الواحدي -رحمه الله- وكقول المطلق: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين إلا واحدة، أما هنا فقد اختلف الحكمان؛ لأن (آل لوط) متعلق بأرسلنا أو بمجرمين، و (إلا امرأته) قد تعلق بمنجوهم، فكيف يكون استثناء بعد استثناء؟؟! يمكن اعتباره لو قيل: أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته. انظر: "تفسير الزمخشري" 2/ 316، وذهب أبو البركات بن الأنباري إلى أنه استثناء من النفي؛ أي من (آل لوط) فيكون إيجاباً؛ وذلك أن الاستثناء من الإيجاب نفي، ومن النفي إيجاب، وهنا استثنى آل لوط من المجرمين، فلم يدخلوا في الإهلاك، ثم استثنى من آل لوط امرأته؛ فدخلت في الهلاك. انظر: "البيان في غريب إعراب القرآن" 2/ 71، و"تفسير أبي حيان" 5/ 460.]]. وقوله تعالى: ﴿قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ معنى التقدير في الغة: جعل الشيء على مقدار غيره، يقال: قَدِّر هذا الشيء بهذا، أي: اجعله على مقداره [[انظر: "المفردات" ص 658، (قدر) في "اللسان" 6/ 3578، "التاج" 7/ 370.]]، وقدَّر الإلهُ الأقواتَ، أي: جعلها على مقدار الكفاية، ثم يفسر التقدير بالقضاء؛ فيقال: قضى الله عليه كذا، وقدَّره عليه؛ أي: جعله على مقدار ما يكفي في الخير والشر، وقيل في معنى قدّرنا هاهنا: كتبنا [[ورد منسوباً إلى علي بن عيسى في "تفسير الماوردي" 3/ 164، وانظر: "تفسير الطوسي" 6/ 343، "تفسير القرطبي" 10/ 37.]]، وحكى الزجاج: دبَّرنا [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 181 بلفظه.]]، وقيل: قضينا [[ورد في "تفسير الثعلبي" 2/ 149 ب بلفظه، وورد منسوباً إلى النخعي في "تفسير == الماوردي" 3/ 164، و"تفسير البغوي" 4/ 385، وابن الجوزي 4/ 406، والفخر الرازي 19/ 199 [نقل الفقرة كلها وبنصها دون عزو]، وانظر: "تفسير القرطبي" 10/ 37، والخازن 3/ 99، والشوكاني 3/ 193، وصديق خان 7/ 181.]]، وقرأ عا صم في رواية أبى بكر [[شعبة بن عياش بن سالم، أبو بكر الحناظ الأسدي الكوفي، الإمام العلم راوي عاصم، اختلف في اسمه كثيراً، عرض القرآن على عاصم ثلاث مرات، قرأ عليه أبو الحسن الكسائي وغيره، توفي سنة 193 هـ، انظر: "معرفة القراء الكبار" 1/ 134، "غاية النهاية" 1/ 325، "جمال القراء" 2/ 465.]]: ﴿قَدَّرْنَا﴾ مخففًا [[انظر: "السبعة" ص 367، "علل القراءات" 1/ 298، "إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 348، "الحجة للقراء" 5/ 48، "المبسوط في القراءات" ص 221، "المُوضَح في وجوه القراءات" 2/ 724، "النشر" 2/ 302.]]، يقال: قدَّرت الشيء وقدْرته، قال الهذلي: ومفْوِهَةِ عَنْسٍ قَدَرْتُ لساقِها ... فخرَّتْ كما تَتَّايَعُ الرِّيحُ بالقَفْلِ [["شرح أشعار الهذليين" 1/ 92 وفيه: (لِرِجْلِها) بدل (لساقها)، وورد في "الحجة للقراء" 5/ 49، "تفسير ابن عطية" 8/ 331، "اللسان" (تبع) 1/ 460، (قفل) 11/ 561، وورد غير منسوب في: "المنصف" 3/ 70، "المُوضَح في وجوه القراءات" 2/ 725، (مفرهة) هي الناقة التي تلد الفُرْهَ، النوق الجميلات، (عَنْس) الناقة القوية، شُبهت بالصخرة لصلابتها، (تَتَّابع)؛ التتايع: التهافت والإسراع، (القَفْل) بالفتح، ما يَبِس من الشجر، ومعنى البيت، يقول: قدّرت ضربتي لساق هذه الناقة القوية -التي تلد الملاح- فخرت وتهافتت كما تفعل الريح بورق الشجر اليابس.]] المعنى: قَدَّرْتُ ضربتي لساقها فضربتها [[ورد في "الحجة للقراء" 5/ 48 بنصه.]] فخرت، ومن هذا قراءة ابن كثير ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ﴾ [الواقعة: 60]، خفيفًا [[انظر: "السبعة" ص 367، "علل القراءات" 1/ 299، "إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 350، "الحجة للقراء" 5/ 48، "المُوضَح في وجوه القراءات" 2/ 724.]]، وقراءة الكسائي ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [[انظر: "السبعة" ص 368، "إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 349، "الحجة للقراء" 5/ 48، "تلخيص العبارات" ص 166، "المُوضَح في وجوه القراءات" 3/ 1360، "النشر" 2/ 399.]] [الأعلى: 3]، والمشددة في هذا المعنى أكثر استعمالاً، كقوله ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: 10]، وقوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان: 2]. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾ في موضع مفعول التقرير، والمعنى: قضينا أنها تتخلف وتبقى مع من يبقى حتى تهلك كما يهلكون، ولا تكون ممن يسري مع لوط فينجو.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب