الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ معنى (على) هاهنا الحال؛ أي: على حالة الكبر، كقول النابغة: على حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبَا [[وعجزه: وقُلتُ ألمَّا أصْحُ والشَّيبُ وازعُ "ديوان النابغة الذبياني" ص 53، وورد في: "الكتاب" 2/ 330، "جمهرة اللغة" 3/ 1315، "الأضداد" لابن الأنباري ص140، "سر صناعة الإعراب" 2/ 506، "اللسان" (وزع) 8/ 4825، "شرح شواهد المغني" 2/ 816، "الخزانة" 6/ 550، (المشيب):الشيب، (الصبا): بالكسر والقصر، اسم الصَّبوة، وهي الميل إلى هوى النفس، (أصح): من الصحو، وهو خلاف السكر، (وازع): ناهي وزاجر. يذكر الشاعر أنه بكي على الديار في حين مشيبه ومعاتبته لنفسه على طربه وصباه.]] أي: في ذلك الوقت، ومعنى: ﴿مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ أي: بتغييره إيّاي عن حال الشباب التي أطمع فيها الولد إلى حال الهَرَمِ. وقوله تعالى: ﴿فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ استفهام تعجب؛ كأنه عجيب من الولد على كبره، هذا معنى قول مجاهد [[ونص قوله، قال: عجيب من كبره وكبر امرأته. وقد ورد في "تفسيره" ص 416، و"أخرجه الطبري" 14/ 40، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 191 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، وفَتْحُ النون في (تُبَشِّرُونَ) قرأه العامة [[قرأ بها: أبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. انظر: "السبعة" ص 367، "علل القراءات" 1/ 296، "وإعراب القراءات السبع"، وعللها 1/ 345، "الحجة للقراء" 5/ 45، "المبسوط في القراءات" ص 221، "التيسير" ص 136، "المُوضَح في وجوه القراءات" 2/ 722.]]، وهذه النون علامة للرفع، والفعل غير معدى إلى مفعول، وقرأ نافع بكسر النون [[وكذا ابن كثير، لكنه شدَّد النونَ، أما نافع فخففها. انظر: المصادر السابقة.]]، وذلك أنه عُدِّي إلى المضمر المنصوب؛ لأن المعنى عليه، فاجتمع نونان [[أي أن الأصل: (تُبَشِّرُونَنِي).]]؛ إحداهما التي هي علامة للرفع، والثانية المتصلة بالياء التي المضمر المنصوب المتكلم، فاستثقل النونين فحذف أحدهما وأبقى الكسرة التي تدل على الياء المفعولة [[انظر: "علل القراءات" 1/ 297، "إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 344، "الكشف عن وجوه القراءات" 2/ 30، "المُوضَح في وجوه القراءات" 2/ 722.]]، وأنشد أبو عبيدة لأبي حَيّة النُّمَيريّ: أبِالمَوْتِ الذي لا بُدّ أنّي ... مُلاقٍ لا أبَاكِ تُخَوِّفِينِي [[ورد في "مجاز القرآن" 1/ 352، "شرح شواهد الإيضاح" ص 211، "اللسان" (أبي) 1/ 18، "الدرر اللوامع" 2/ 219، "الخزانة" 4/ 105، وورد غير منسوب في: "الكامل" 2/ 142، "المقتضب" 4/ 375، "الإيضاح العضدي" ص260، "الحجة للقراء" 5/ 46، "المنصف" 2/ 337، "الخصائص" 1/ 345، "الموضع في وجوه القراءات" 2/ 722، "شرح المفصل" 2/ 105.]] فأسقط النون التي هي علامة التأنيث في المخاطبة [[فالأصل: (تخوفينني).]]، وأنشد الفراء والزجاج [[البيت لعمرو بن مَعْدِ يكَرِب الزُّبيدي ت 21 هـ، من أبيات ثمانية قالها في امرأةٍ لأبيه تزوجها بعده في الجاهلية.]]: تراه كالثَّغَامِ يُعَلُّ مِسْكًا ... يَسُوءُ الفَالِياتِ إذا فَلَيْنِي [["شعر عمرو بن معدي كرب" ص 180، وورد في: "الكتاب" 3/ 520، "معاني القرآن" للفراء 2/ 90، "مجاز القرآن" 1/ 352، "شرح شواهد الإيضاح" (عجز) ص 213، "الخزانة" 5/ 372، وورد غير منسوب في "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 181، "إعراب القراءات السبع وعللها" 1/ 345، "الحجة للقراء" 5/ 46، "المنصف" 2/ 337، "تفسير الطوسي" 6/ 341، "شرح المفصل" 3/ 91. (تراه كالثغام) الضمير يعود على الزوجة، والثغام: واحده ثغامة؛ وهو نبتٌ له نَوْر أبيض يشته به الشيب، وقيل نبتٌ يكون في الجبل يَبْيَضُّ إذا يبس، (يُعلُّ) أي يطيّب شيئاً بعد شيء، وأصل العَلَلُ: الشُرْبُ بعد الشُرب، (يسوء الفاليات) يَحزُنُهن؛ لأنهن يكرهْن الشيب، و (الفاليات)؛ جمع فالنية: وهي التي تفلي الشعَّر، أي تُخْرج القمْلَ منه.]] أراد فلينني، فحذف إحدى النونين، قالا: والحذف بعد إدغام إحدى النونين (في الأخرى) [[في (أ)، (د): (والأخرى).]] كقراءة ابن كثير: (تُبْشِرُون)، ثم حذفت إحداهما لثقل التضعيف كما قالوا: رُبمَّا ورُبَمَا [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 181 بتصرف يسير.]]، وكما قالوا: إنْك في إنَّك، أنشد الفراء [[البيتان من قصيدة لجنوب بنت العجلان بن عامر بن هذيل [شاعرة جاهلية] ترثي أخاها عمرو؛ ذا الكلب "الخزانة" 10/ 390، ونُسب -خطأً- إلى كعب بن زُهير في: "الأُزهية" ص 62، و"أمالي ابن الشجري" 3/ 153، ولم أجده في ديوانه.]]: لقد عَلِمَ الضَّيْفُ والمُرْمِلونَ ... إذا اغْبرَّ أُفْقٌ وهبَّتْ شَمَالا بأنْكَ الرَّبِيعُ وغَيْثٌ مَرِيعٌ ... وقِدْمًا هُنَاكَ تَكونُ الثِّمَالا [[ورد في "شرح أشعار الهذليين" 2/ 585، وفيه: (المُجْتَدُون) بدل (المرْمِلون)، وأما البيت الثاني فورد برواية: بأنَّك كنت الربيع المُغِيثَ ... لِمن يَعتريك وكنت الثِّمالا وورد البيت الثاني في "الخزانة" 10/ 382، "شرح التصريح" 1/ 232 وفيهما: (ربيع)، و (وأنْك) بدل (وقدْماً). وورد البيتين بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء 2/ 90، "الإنصاف" ص 169 برواية (الصِّبْيَةُ) بدل (الضيف)، "اللسان" (أنن) 1/ 156، "الخزانة" 5/ 427، وورد البيت الثاني فقط وبرواية (وأنْك) في: "أوضح المسالك" ص 66، "المغني" ص 47، شرح الأشموني 1/ 441. (والمرملون) هو من أرمل القوم؛ إذا نفدَ زادهم، (المُجْتدون) الطالبون، (شَمالا) الشَّمال ريحٌ تهبُّ من ناحية القُطْب، وخصها بالذكر لأن وقتها تقل الأرزاق وتنقطع السُّبُل ويثقل فيه الضيف، مما يجعل الجود فيه غاية لا تدرك، (بأنْك ربيعٌ) ربيع الزَّمان، (والغيثٌ) المطر والكلاء يَنْبُت بماء السماء، (مَرِيعٌ) خَصيب كثير النَّبات، (الثِّمال) الذُّخر، وقيل: الغِياثُ.]] قال أبو علي: المحذوف النون الثانية؛ لأن التكرير بها وقع، ولم تحذف الأولى التي هي علامة للرفع، وقد حذفوا هذه النونَ في كلامهم لأنها زائدة، ولأن علامةَ الضمير الياءُ دونها، ونظيرُ حذفهم لها من المنصوب حذفهم لها من المجرور في قولهم [[اختلف في نسبته على أقوال، انظرها في عزو البيت.]]: قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَين قَدِي [[وعجزه: ليس الإمامُ بالشَّحيحِ المُلْحِدِ نُسب إلى حميد بن مالك الأرقط [من شعراء الدولة الأموية] في: التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه [ملحق بأمالي القالي] 3/ 61، "اللسان" (خبيب) 2/ 1087، == "شرح شواهد المغني" 1/ 487، "الخزانة" 5/ 393، "الدرر اللوامع" 1/ 207. ونُسب لحميد بن ثور في "اللسان" (لحد) 7/ 4005 وليس في ديوانه. ونسب لأبي بجدلة في: "شرح المفصل" 3/ 124. وورد بلا نسبة في: "الكتاب" 2/ 371، "مجاز القرآن" 2/ 173، "النوادر" لأبي زيد ص 527، "المحتَسَب" 2/ 223، "أمالي ابن الشجري" 1/ 20، "رصف المباني" ص 424، "أوضح المسالك" ص 23، "شرح ابن عقيل" 1/ 115، "شرح الأشموني" 1/ 148 الشاهد في: (قدني) و (قدي) أثبت نون الوقاية في الأول على الأصل، وحذفها في الثاني على الضرورة، وهو تأكيد للأول، (قدني): بمعنى حسبي، وأراد بـ (الإمام): عبد الملك ابن مروان، وعرَّض بوصف ابن الزبير بكونه شحيحًا، أي بخيلاً، وأراد بـ (الخبيبين): عبد الله بن الزبير -لأنه كان يكنى أبا خُبَيب- وأخاه مصعبًا، على التغليب.]] فحذف وأثبت في بيت، وقال الأعشى في حذف هذه النون اللاحقة مع الياء: فهل يَمْنَعنّي ارْتِيَادِي البلادَ .... من حَذَرِ المَوْتِ أنْ يأتيَنْ [["ديوان الأعشى" ص 205، وورد في: "الكتاب" 3/ 513، 4/ 187، "المحتَسَب" 1/ 349، "شرح المفصل" 9/ 40، "الدرر اللوامع" 5/ 151، (ارتيادي)؛ الارتياد: المجيء والذهاب، أي لا يمنع من الموت التجول في آفاق الأرض حذراً منه، ولا الإقامة في الديار تقرّبه قبل وقته. "الدرر اللوامع" 5/ 152.]] وإنّما هو يمنعَنّني [["الحجة للقراء" 5/ 45 - 46 بنصه.]]، وأما ابن كثير فإنه أدغم ولم يحذف [[لذلك شدّد النون.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب