الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية. اختلفوا في الرفع للمثل، فقال الزجاج: هو مرفوع على معنى: وفيما يتلى عليكم [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 157 بنصه، والتقدير - كما بيّنه: وفيما يتلى عليكم مثلُ الذين كفروا بربهم، أو مثلُ الذين كفروا بربهم فيما يتلى عليكم.]]، وهذا مذهب سيبويه [["الكتاب" 1/ 143، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 2/ 180 - 181، و"مشكل إعراب القرآن" لمكي 1/ 447، "تفسير أبي حيان" 5/ 414، و"الدر المصون" 7/ 81.]]. وقال الفراء: التقدير مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد، فحذف المضاف اعتمادًا على ذكره بعد المضاف إليه، وذلك أن العرب تقدِّم المضاف إليه لأنه أعرف [[لأن المضاف غالباً ما يكون نكرة، وتكون غامضةً ومبهمةً، فيزيل المضاف إليه الغموض ويوضحه.]]، ثم يأتي بالذي يخبر به عنه معه كهذه الآية، ألا ترى أنه قدَّم (الذين) ثم ذكر بعده الأعمال مضافة إلى الكناية عن الذين؛ كقوله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: 7] أي: خَلْقَ كُلِّ شيء، ومثله قوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: 60] المعنى: ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودَّة [["معاني القرآن" للفراء 2/ 72، مختصراً، ووردت في "تفسير الثعلبي" 7/ 148 ب بنحوه، والظاهر أنه نقلها عن الثعلبي وبسطها.]]، وفي هذا أقوال ووجوه ذكرناها مستقصاة في قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [آية: 35] في سورة الرعد.
وقوله تعالى: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ﴾ قال الليث: الرَّمادُ دُقاق الفحم من حراقةِ النار، وصار الرَّمادُ رمادًا إذا صار هباءًا أدق ما يكون [[ورد في "تهذيب اللغة" (رمد) 2/ 1466 بنصه.]]، ورمَّد اللحمَ، إذا ألقاه في الرماد [[انظر: "جمهرة اللغة" 2/ 639.]]، ومنه المثل: شَوى أَخُوك حتى إذا أنْضَجَ رَمَّدَ [[ورد في "جمهرة اللغة" 2/ 639، و"الأمثال" لابن سلاَّم 66، و"مجمل اللغة" 1/ 398، و"المحيط في اللغة" (رمد) 9/ 308، و"مجمع الأمثال" 1/ 360، و"اللسان" 3/ 1726، وُيروى هذا المثل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويضرب للرجل يصنع المعروف ثم يفسده بالمنِّ والأذى، ويضرب أيضاً للذي يبتدئ بالإحسان ثم يعود عليه بالإفساد.]].
وقوله تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ قال ابن السِّكِّيت: عصفت الريح وأعصفت، فهي ريح عاصف ومُعْصِفة إذا اشتدت [[ورد في "تهذيب اللغة" (عصف) 3/ 2463 بنصه.]]، وقال الزجاج في باب الوفاق: عَصَفَت الرِّيحُ عُصُوْفًا وأعْصَفت إعصافًا، إذا اشتد هبوبها [["فعلت وأفعلت" ص 65 بنصه.]]، قال الفراء: جعل العُصوْفَ تابعًا لليوم في إعرابه [[في جميع النسخ: (إغوائه)، والتصويب من المصدر.]]، وإنما العُصُوف للرياح، وذلك جائز على وجهين: أحديهما [[في (د): (إحداهما).]]: أن العُصُوْفَ وإنْ للرِّيح فإن اليوم قد يُوصَفُ به؛ لأن الريح تكون فيه، فجائز أن يقول: يومٌ عاصفٌ [[والتقدير: في يوم عاصفٍ ريحُه، ثم حذف "ريحه" للعلم به وجُعلت الصفة لليوم.
انظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي 1/ 447، و"البيان في غريب الإعراب" 2/ 57، و"الفريد في الإعراب" 3/ 155.]]؛ كما يقال: يومٌ باردٌ، ويومٌ حارٌ، والبرد والحر فيهما [["معاني القرآن" للفراء 2/ 73 بتصرف، وانظرت الطبري 13/ 197، و"تهذيب اللغة" (عصف) 3/ 2463.]]، وقال أبو عبيدة: العرب تفعل ذلك في الظرف، وأنشد لجرير:
لَقَد لُمْتِنا يا أُمَّ غَيْلان في السُّرَى ... ونِمْتِ وما لَيْلُ الْمَطِيِّ بنائِم [["ديوان جرير" ص 454، وهو من قصيدة قالها يجيب بها الفرزدق. وورد في: "الكتاب" 1/ 39، و"مجاز القرآن" 1/ 39، و"الكامل" للمبرد 1/ 135، 219، و"الخزانة" 1/ 465، وورد غير منسوب في: "المقتضب" 3/ 105، 4/ 331، و"الكامل" 2/ 1356، و"أمالي ابن الشجري" 1/ 53، 2/ 29.
(أم غيلان) هي بنت جرير، (المطي) جمع مطيّة؛ وهي الراحلة التي يمتطى ظهرها [أي تركب]، (السُّرى) سير الليل.]]
فوصف الليل بالنوم لَمّا كان فيه، ومثله: يوم ماطر، وليلة ماطرة [["مجاز القرآن" 1/ 339، بتصرف يسير.]]، وقال أبو حاتم: هذا من كلام العرب، قال الله تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار﴾ [سبأ: 33] أضاف إليهما وهما لا يمكران [[لم أقف على مصدره، ومعنى الآية: بل مَكْرُكُم بنا في الليل والنهار. انظر: "الكامل" للمبرد 1/ 135، و"معاني القرآن وإعرابه" 4/ 254، و"تفسير ابن الجوزي" 6/ 457.]]، وقال: {وَالنَّهَارِ مُبْصِرًا} [[أي مضيئاً تبصرون فيه، وإنما أضاف الإبصار إليه؛ لأنه ظرف يُفعل فيه غيره. انظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 46.]] [يونس: 67] ومنه قول جرير:
وأعْوَرَ من نَبْهان أمّا نَهارُهُ ... فأعْمَى وأمّا لَيْلُهُ فبصِيرُ [["ديوان جرير" ص 203.]]
قال الفراء: والوجه الآخر [[أي من كلام الفراء في جَعْل العُصُوف تابعاً لليوم في إعرابه، وقد فصل بين الوجهين بإقحام كلام أبي عبيدة وأبي حاتم لتوضيح الوجه الأول، ولما طال الفصل أعاد نسبة الكلام إلى الفراء.]] أن يريد: في يومٍ عاصفِ الريح، فَيَحذِف الريح؛ لأنها قد ذُكرت [[في (أ)، (د)، (ع): (ذكر)، والمثبت من ش وهو الأنسب للسياق.]] في أول الكلام، كما قال [[في جميع المصادر بدون نسبة، وذكر شاكر محقق تفسير الطبري 13/ 197 أن البيت لمسكين الدارمي لكن الرواية التي أوردها في 7/ 520 ليس فيها الشاهد، وهي:
إذا جاء يومٌ مظلمُ اللون كاسفُ]]:
إذا جاء يومٌ مُظلِمُ الشمسِ كاسفُ [[وصدره:
ويَضْحَكُ عِرْفان الدُّروعِ جُلُودُنا
ورد البيت في "معاني القرآن" للفراء 2/ 74، و"تفسير ابن الجوزي" 4/ 354، و"الخزانة" 5/ 89، وورد عَجُزُه في "تهذيب اللغة" (عصف) 3/ 2463، و"تفسيرالطبري" 13/ 197، و"تفسير القرطبي" 9/ 353، و"العباب الزاخر" [ف/ ص 439]، و"اللسان" (عصف) 5/ 2973.]]
يريد كاسف الشمس؛ فحذفه لأنه قَدَّم ذكره، ومضى مثل هذا في قوله: ﴿بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ [يونس: 22] قال الزجاج وغيره: تأويله أن كل ما تقرَّب به الذين كفروا إلى الله فمُحْبَطٌ [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 157 بنصه.]]؛ غير منتفع به [[(به) ساقط من (أ)، (د).]]؛ لأنهم أشركوا فيها غير الله؛ كالرماد الذي ذرَّته الريح وصار هباءً لا ينتفع به، وذلك قوله: ﴿لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا﴾ أي: في الدنيا، ﴿عَلَى شَيْءٍ﴾: في الآخرة، قال ابن عباس: يريد لا يجدون ثواب ما عملوا [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 1/ 315 بنصه، وورد بلا نسبة في "تفسير الماوردي" 3/ 129، و"تفسير القرطبي" 9/ 354.]].
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ قال ابن عباس: يريد الخسران الكبير [[ورد غير منسوب في "تفسير القرطبي" 9/ 354، و"الخازن" 3/ 74.]]، وعلى هذا يعني بالضلال: ضلالَ أعمالهم وهلاكَها وذهابها، وإذا ذهبت أعمالُهم ذهابَ الرمادِ في عُصوف الريح، فقد كَبُرَ خسرانُهم، ومعنى ﴿الْبَعِيدُ﴾ هاهنا: الذي لا يُرْجَى عَوْده، فهو بعيد من العود؛ لذهابه على الوجه الذي ذُكر، وقال الكلبي [["الكلبي" ساقط من (د).]]: الخطاء الطويل [[لم أقف عليه.]]، فعلى هذا المراد بالضلال هاهنا ضلال الكفار كقوله: ﴿ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 167] أي بعيد من الهدى والرجوع عنه.
{"ayah":"مَّثَلُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَـٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّیحُ فِی یَوۡمٍ عَاصِفࣲۖ لَّا یَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَیۡءࣲۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلۡبَعِیدُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق