الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾ قال صاحب النظم: أشار بقوله ﴿ذَلِكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ﴾ دون ما قبله لأنه قال: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي﴾ وخَوْفُهم لا يكون سببًا لإهلاك الظالمين، وإنما يمون سببًا لإسكانهم [[في (أ)، (د): (لأسكنانهم) والمثبت من (ش)، (ع).]] الأرض، وهذا يدل على أن (ذلك) يجوز أن يكون إشارة إلى شيء دون شيء مما تقدمه، كقوله: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 25] إشارة إلى إباحة تزويج الأمة، وقد ذكر قبله أحكامًا سوى هذا، وهو قوله: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: 25] ثم قال: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ﴾ وهو في الظاهر كأنه متصل بهذه القصة، وهو بالمعنى متصل بالقصة التي قبل هذا، وهو قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ إلى قوله ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾. والمقام هاهنا مصدر كالقيام، يقال: قام قِيَامًا ومُقَامًا [[انظر (قوم) في "المحيط في اللغة" ص 1152، و"المحكم" لابن سيده 6/ 364، و"المفرادات" للراغب ص 690، و"عمدة الحفاظ" 3/ 418، و"القاموس المحيط" ص 1487.]]. ومعنى: ﴿خَافَ مَقَامِي﴾ قال ابن عباس: خاف مُقامه بين يَدَيَّ [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 1/ 311 بنصه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 350.]]. وقال الكلبي: مقامه بين يَدَي رب العالمين يوم القيامة [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 1/ 311 بنصه.]]، وهذا قول أكثر المفسرين [[ورد في "معاني القرآن" للفراء 2/ 71، و"معاني القرآن" للنحاس 3/ 520، و"تفسير السمرقندي" 2/ 202، والثعلبي 7/ 147 ب، و"الماوردي" 3/ 126، وانظر: "تفسير البغوي" 4/ 340، و"تفسير القرطبي" 9/ 348، و"الخازن" 3/ 73.]]. وعلى هذا، هو من باب إضافة المصدر إلى المفعول [[انظر هذه المسألة في "شرح جمل الزجاجي" لابن هشام ص 201، و"شرح ابن عقيل" 3/ 103، و"شرح الأشموني" 2/ 554.]]؛ كما تقول: ندمت على ضربك [[وتقديره: ندمت على ضربي إيَّاك. انظر: "تفسير الثعلبي" 7/ 147 ب.]]، وسُرِرْتُ [[في (أ)، (د): (سرت) والمثبت من (ش)، (ع).]] برؤيتك [[وتقديره: سررت برؤيتي إياك. انظر: "تفسير الثعلبي" 7/ 147 ب.]]، ومنه: في ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾ [[وسياقها ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ والتقدير: لقد ظلمك بسؤاله إيَّاك نعجتك، فحذف الهاء التي هي فاعل في المعنى، والمفعول الأول، وأضاف المصدر إلى المفعول الثاني. انظر: "البيان في الإعراب" 2/ 314، و"الفريد في الإعراب" 4/ 160.]] [ص: 24]، و ﴿مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [[وسياقها: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾، والتقدير: لا يسأم الإنسان من دعائه الله بالخير، فحذف الفاعل والمفعول الأول، والباء من المفعول الثاني، وأضاف المصدر إلى المفعول الثاني. انظر: "البيان في الإعراب" 2/ 342، و"الفريد في الإعراب" 4/ 233.]] [فصلت: 49]. قال الفراء: وإن شئت قلت: ذلك لمن خاف مقامي عليه ومراقبتي [[هذا القول الذي نسبه إلى الفراء، لم أجده في معاني القرآن للفراء، إنما المذكور هو قول الجمهور حيث قال معناه: ذلك لمن خاف مقامه بين يديّ. "معاني القرآن" للفراء 2/ 71، ولعل الواحدي نقله من كتب الفراء الآخرى، ويؤيده أن بعض المفسرين نسبوا معنى هذا القول إلى الفراء، إلا أن يكونوا نقلوه عن الواحدي == وهو احتمال قوي. انظر: "الدر المصون" 7/ 78، و"حاشية الجمل على الجلالين" 2/ 518، و"تفسير الألوسي" 13/ 200.]]، كقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33]. وعلى هذا الوجه: المصدر مضاف إلى الفاعل، وفي قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ [الرحمن: 46]، الوجهان [[فإذا قُدِّر إضافته إلى فاعله، كان تقديره: خاف قيام ربه عليه، وإذا قُدِّر إضافته إلى مفعوله كان تقديره: خاف قيامه بين يدي ربه انظر: "تفسير أبي حيان" 8/ 196، و"الدر المصون" 10/ 177.]]. وقوله تعالى: ﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾، الوعيد: اسم من أوعد إيعادًا [[قال ابن السكيت: قال الفراء: يقال وعدْته خيراً ووعدْته شرّاً بإسقاط الألف، فإذا أسقطوا الخير والشرَّ، قالوا في الخير: وعدْتُه، وفي الشرَّ: أوعدْتُه، وفي الخير: الوعْدُ والعِدةُ، وفي الشر: الإيعادُ والوعيدُ، وإذا قالوا: أوعدته بالشر أو بكذا، أثبتوا الألف مع الباء كقولك: أوعدته بالضرب. "إصلاح المنطق" ص 226. وانظر: "تهذيب اللغة" (وعد) 4/ 3915، و"المحكم" 2/ 236، و"تهذيب إصلاح المنطق" ص 518، و"اللسان" 8/ 4872، و"عمدة الحفاظ" 4/ 372.]]، أي: تهدد، معناه: الخبر عن العقاب على الإجرام، قال ابن عباس: خاف مما أوعدت من العذاب [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 1/ 311 بنصه، وانظر: "الرازي" 19/ 101.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب