الباحث القرآني

وهو قوله: ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ﴾ الآية. قال العلماء وأصحاب الآثار [[الطبري 12/ 152، "زاد المسير" 4/ 185، البغوي 4/ 213، القرطبي 9/ 122، الثعلبي 7/ 63 ب، ابن عطية: 7/ 437، ابن كثير 3/ 512 - 514.]]: أشفق يعقوب على يوسف حسد إخوته بهذه الرؤيا؛ لأن يوسف كان نبيًا في علم الله مذ كان، ورؤيا الأنبياء وحي لا يبطل منها شيء. قال ابن عباس [[الطبري 12/ 151، وابن أبي حاتم 7/ 2101 أ، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه كما في "الدر" 4/ 6، والبغوي 4/ 213.]]: رؤيا الأنبياء وحي، وعَلِمَ يعقوب أن إخوة يوسف يعرفون تأويلها ويشفقون من علو يوسف عليهم على صغر سنه وتقدم أمرهم أمره، وسبقهم من العلم إلى ما تأخر عنه، بهذا جاءت الآثار. وقوله تعالى ﴿رُؤْيَاكَ﴾ الرؤيا [[حديثه عن الرؤيا واشتقاقها منقول عن الفراء والزجاج والفارسي كما سيأتي.]] مصدر كالبُشْرى والسُقيا والتقى والشورى، إلا أنه لما صار اسمًا لهذا المتُخيل في المنام جرى مجرى الأسماء، وخرج من حكم الأعمال فلا يعمل واحدٌ منها أعمال المصادر، ومما يقوي خروجه عن أحكام المصادر تكسيرهم لها (رؤى) فصار بمنزلة ظلم، والمصادر في أكثر الأمر لا تكسر. وفي الرؤيا أربع لغات: تحقيق الهمز، وتحقيقها بقلبها واوًا من غير إدغامها في التاء وإن كانت ساكنة؛ لأنها في تقدير الهمز فهي ليست بواو، وإذا لم يلزم لم يقع الاعتداد بها فلم يدغم، ومن ثم جاء صنو وشي في تخفيف وشي، وبقي الاسم على حرفين أحدهما حرف لين، وجاز تحرك حرف اللين وتصحيحه مع انفتاح ما قبله؛ لأن الهمزة [[في (ب): (الهمز)]] في تقدير الثبات، وقد أدغم قوم فقالوا: ريًا؛ لأنه لما ترك الهمز سكنت الواو وبعدها ياء فتحولتا ياءً مشددة كما يقال: لويته ليًّا، وكويته كيًا، والأصل كويًا ولويا، وكسروا الفاء كما كسروا من قولهم: قرن ألوى وقرون لي، وإن أشرت إلى الضمة فقلت (رُيًا) فرفعت الراء جاز، وتكون هذه الضمة مثلها في قوله: و (حيل) و (سيق). وأنشد الفراء [[قال الفراء: أنشدني أبو الجراح. و (العرض) الوادي فيه شجر، و (الغين) جمع الغيناء وهي الخضراء من الشجر، وهو بدل من (أفنانه)، و (يصرف): يصوت، وفي "اللسان" (رنه) ولا شاهد فيه. "اللسان" (عرض) 5/ 2888، (غين) 6/ 3331 (رأى) 3/ 1541، و"معاني القرآن" 2/ 35، و"الزاهر" 2/ 205، و"ديوان الأب" 1/ 122، و"تهذيب اللغة" 2/ 1323 مادة (رأى)، 3/ 2709 مادة (غين)، و"تاج العروس" 13/ 381، و"معجم البلدات" 4/ 102 (العرض).]]: لَعِرْضٌ [[في (ب) زيادة هن فيكون: (لغيرهن). وفي "معاني القرآن" 2/ 35: (لعرض من الأعراض).]] من الأعْراضِ تَمْشِي حَمَامُه ... ويُضَحِي على أفْنَانِه الغِينِ يَهْتِفُ أحبُّ إلى قَلْبِي مِنَ الدِّيَك رَنَّة ... وبابٍ إذا ما مَالَ للغَلْقِ يَصرِفُ قال أراد: رؤية، فلما ترك الهمز أدغم على ما ذكرنا، وكل ما ذكرنا في الرؤيا [[(في الرؤيا) ساقطة من (ب).]] من كلام الفراء [["معاني القرآن" للفراء 2/ 35.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" للزجاج 3/ 92.]] وأبي علي [["الحجة" لأبي علي الفارسي 4/ 398، وأغلب النقل السابق عنه.]]. وقوله تعالى: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ أي: فيحتالوا في هلاكك؛ لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدوك [[هذه عبارة الثعلبي 7/ 63 ب، و"مشكل القرآن وغريبه" ص 216، والقرطبي 9/ 122، والطبري 12/ 152.]]، واللام في قوله ﴿لَكَ﴾ تأكيد للصلة، كقوله ﴿لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ وقيل هي من صلة الكيد، على معنى: فيكيدوا كيدًا لك. قال أهل المعاني [[البغوي 4/ 213.]]: وهذا يدل على أنه قد كان لهم علم بالرؤيا وتعبيرها، وأن يعقوب قد علم منهم حسدًا له وبغضًا، فخافهم عليه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب