الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ الآية، قال المفسرون [[الثعلبي 7/ 85 أ، وفيه: (لما دنا فرج يوسف) وهو الصحيح.]]: لما ذكرنا فرج يوسف، رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته، وذلك أنه رأى سبع بقرات سمان، وسبعًا عجافًا [[(عجافًا): ساقط من (أ)، (ب)، (ج).]] فابتلعت العجاف السمان، فدخلن في بطونهن فلم ير منهن شيئًا، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبعًا آخر يابسات قد استحصدت، والتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فجمع الكهنة وقصها عليهم، فذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي﴾ الآية، فقوله: ﴿عِجَافٌ﴾ قال الليث [["تهذيب اللغة" (عجف) 3/ 2340.]]: العجف ذهاب السمن، والفعل عجف يعجف، والذكر أعجف، والأنثى عجفاء والجميع عجاف في الذكران والإناث، وليس في كلام العرب أفْعَل وفعلاء، وجُمعا على فعال غير أعجف وعجفاء، وهي شاذة حملوها على لفظ سمان فقالوا: سمان وعجاف، وجاء أفعل وفعلاء على فعل يفعل في أحرف معدودة، منها: الأعجف والآدم والأسمر والأحمق والأخرق والأرعن، على أن ابن السكيت [["تهذيب اللغة" (عجف) 3/ 2340.]] قد حكى عن الفراء: عجف وحمق ورعن وخرق، بالكسر في هذه الأربعة، فمعنى العجاف الهزلى التي لا لحم عليها ولا شحم، وقال ابن دريد [["تهذيب اللغة" (عجف) 3/ 2340، وابن دريد هو: محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية، من الأزد، انتهى إليه علم لغة البصريين، كان من أحفظ الناس، توفي سنة 321 هـ. انظر: "معجم الأدباء" 18/ 129، و"طبقات النحويين" للزبيدي (ص 202)، و"نزهة الألباء" (323).]]: العجف غلظ العظام وعراؤها من اللحم. وقوله تعالى: ﴿أَفْتُونِي﴾ ذكرنا معنى الإفتاء والاستفتاء في سورة النساء [[عند قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ [آية: 127].]]. وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾، يقال: عبرت الرؤيا أعبرها عبرًا وعبارة، وعبرتها تعبيرًا إذا فسرتها، وحكى الأزهري [["تهذيب اللغة" (عبر) 3/ 2305.]]: أن هذا مأخوذ من العبر وهو جانب النهر، ومعنى عبرت النهر والطريق، قطعته إلى الجانب الآخر، فقيل لعابر الرؤيا عابر؛ لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا فيتفكر في أطرافها، ويمضي تفكره فيها من أول ما يرى النائم إلى آخر ما رأى، حتى يقع فهمه على الصحيح منها فيجيب، فأما اللام في قوله ﴿لِلرُّؤْيَا﴾ فقال أحمد بن يحيى [["تهذيب اللغة" (عبر) 3/ 2304.]]: أراد إن كنتم للرؤيا عابرين، وإن كنتم عابرين للرؤيا، تسمّى هذه اللام لام التعقيب، لأنها عقبت الإضافة، لأن المعنى: إن كنتم عابري الرؤيا. وقال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 230.]]: دخلت اللام مؤكدة مفيدة معنى التأكيد، وقيل: إنها أفادت معنى إلى، وكأن تلخيصها: إن كنتم توجهون العبارة إلى الرؤيا، والعرب تقول: هو لزيد ضارب، يعنون: هو يوجه ضربه إلى زيد، وأجاز النحويون: ضربت لك، بمعنى وجهت ضربي إليك. هذا كلامه. وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 112.]]: هذه اللام أدخلت على المفعول للتبيين، لمعنى إن كنتم تعبرون وعابرين، ثم جاء باللام فقال للرؤيا. وقال صاحب النظم: وضع الفعل هاهنا موضع النعت كقوله ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: 90] بمعنى حصرة، وقوله تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ﴾ [آل عمران: 7] أي قائلين، كذلك المعنى هاهنا إن كنتم للرؤيا عابرين، وكما وضعوا الفعل موضع النعت، وضعوا النعت أيضًا موضع الفعل، كقوله تعالى ﴿أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: 193] بمعنى أم صمتم، ومضى الكلام في مثل هذا مستقصى في قوله ﴿لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [[الأعراف: 154. قال هنالك بعد أن ذكر أقوال النحاة في هذه اللام: "فعلى هذا قوله (لربهم) اللام صلة وتأكيد كقوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ النمل: 72، وقال بعضهم: إنها لام أجل، والمعنى: هم لأجل ربهم يرهبون، لا رياء ولا سمعة.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب