الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ﴾ يقال: بدا له في هذا الأمر بداة، إذا تغير رأيه عما كان عليه، وظهر له رأي آخر، قال وهب والسدي [[الطبري 12/ 213، الثعلبي 7/ 81 أ، "زاد المسير" 4/ 221، البغوي 4/ 239، القرطبي 9/ 187.]]: إن امرأة العزيز قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني فضحني في الناس، يخبرهم أني راودته عن نفسه، ولست أطيق أن أعتذر بعذري، فإما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر، وإما أن تحبسه كما حبستني، فظهر للعزيز وأصحابه من الرأي حبس يوسف. وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ﴾ يعني آيات براءته من قدِّ القميص من دبر، وخمش الوجه وإلزام الحكيم إياها، وقوله: ﴿إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾، هذا قول المفسرين، وذكر قتادة [[الطبري 12/ 212، عبد الرزاق 2/ 323.]] في هذا الآيات حز الأيدي، ولست أدري أي آية فيه على براءة [[قال ابن عطية 7/ 505: (وخمش الوجه وحز النساء أيديهن ليس فيهما تبرئة ليوسف، ولا تتصور تبرئة إلا في خبر القميص).]] يوسف، فإن قيل: أين فاعل بدا؟ قيل هو مضمر دل عليه (ليسجننه)، على تقدير: بدا لهم بداء [[هذا القول رجحه ابن عطية 7/ 504، القرطبي 9/ 186، والتقدير: ثم بدا لهم رأي.]] فقالوا والله (لنسجننه)، واللام في لنسجننه جواب ليمين [[في (أ): (ليمن).]] مضمرة، كقوله ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ [البقرة: 102] وقد مر، ورد السجن إلى الياء تغليبًا للأسماء الغيب، كما تقول: قال القوم والله ليكرمن ولنكرمن محمدًا، بالياء والنون، هذا الذي ذكرنا جواب ابن الأنباري [["الزاهر" 2/ 61، و"زاد المسير" 4/ 221.]] وغيره من النحويين. وقال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 44.]] وأصحابه: قوله ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ﴾ قام مقام فاعل بدا؛ لأن تلخيصه: ظهر لهم سجنه، فناب الفعل الذي فيه لام القسم عن فاعل بدا، وذلك لما كان في الكلام معنى قول؛ لأن تأويل قوله (بدا لهم) أي فيما قالوا ودبروا، فصار كقولك: قلت ليقومن عبد الله، فتسد اللام وما بعدها مسد الكلام حين يقال قلن كلامًا فاللام [[في (ج): (واللام).]] في (ليسجننه) هذه قصتها؛ إذ كان الفعل الذي قبلها يرجع إلى القول في المعنى. وذكر أبو علي الفارسي في "المسائل الحلبية" [["المسائل الحلبية" ص 239.]] هذه الآية، فقال: إن أبا عثمان يقول: إن فاعله مضمر فيه، كأنه عنده: ثم بدا لهم بدو، فأضمر الفاعل لدلالة فعله عليه، وجاز هذا وحسن، وإن لم يحسن أن نقول: ظهر ظهور وعلن علن؛ لأن البدو والبدا قد استعمل على معنى غير المصدر، ألا ترى أن قولهم: بدا لهم بدو، بمنزلة ظهر لهم رأي، كما أن قولهم: قيل فيه قول كذلك، فلهذا أقيم المصدر فيه مقام الفاعل، وأما قوله (ليسجننه) فحمله أبو عثمان على أنه حكاية، تقديره: بدا لهم أمر قالوا ليسجننه، فأضمر القول كما قال ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ [الزمر: 3] أي قالوا، ومثله كثير في التنزيل [[في هذه المسأله ثلاثة أقوال: 1 - مذهب سيبويه أن ليسجننه في موضع الفاعل أي: ظهر لهم أن يسجنوه، وقال محمد بن يزيد: هذا غلط لا يكون من الفاعل جملة ولكن. 2 - الفاعل ما دل عليه بدا أي بدا لهم بداءٌ، فحذف الفاعل لأن الفعل يدل عليه. 3 - أن معنى (بدا له) في اللغة ظهر له ما لم يكن يعرفه، فالمعنى ثم بدا لهم أي لم يكونوا يعرفونه، وحذف هذا لأن في الكلام عليه دليلًا، وحذف أيضًا القول أي قالوا: (ليسجننه) انظر: "الكتاب" 1/ 456، و"إعراب القرآن" للنحاس 2/ 141.]]. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ قال أهل اللغة [["تهذيب اللغة" (حين) 1/ 714، و"لسان العرب" (حين) 2/ 1073.]]: الحين وقت من الزمان غير محدود يقع على القصير منه والطويل. قال ابن عباس [[القرطبي 9/ 187، وفي البغوي 4/ 239، و"زاد المسير" 4/ 222 ونسبوه إلى عطاء.]] في رواية عطاء: يريد إلى انقطاع القالة وما شاع في المدينة من الفاحشة، وقال في رواية الكلبي [[البغوي 4/ 239، "زاد المسير" 4/ 222، القرطبي 9/ 87، الثعلبي 7/ 81 أ.]]: الحين هاهنا خمس سنين. وقال سفيان وعكرمة [[الطبري 12/ 213، وابن أبي حاتم 7/ 2141 وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 32، والبغوي 4/ 239، وابن عطية 9/ 297، و"زاد المسير" 4/ 222، القرطبي 9/ 187، عن عكرمة (تسع سنين).]]: سبع سنين. وقال مقاتل بن سليمان [["تفسير مقاتل" 154 أ.]]: حُبس يوسف اثني عشرة سنة [[قلت الراجح -والله أعلم- هو أنه قد بدا لهم أن يسجنوه من غير تعيين زمن محدد، الذي ذكره المفسرون هو مقدار ما لبث في السجن لا المدة التي قررها الملك حين أدخله السجن. انظر ابن عطية 7/ 506، و"زاد المسير" 4/ 222.]]، وفي هذه الآية بيان أن العزيز أطاع زوجته في حبس يوسف، بعد علمه ببراءته، موافقة لها، وذكر المفسرون [[الثعلبي 7/ 81 أ، القرطبي 9/ 187.]] أن الله تعالى جعل ذلك الحبس [تطهيرًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] ليوسف من همه بالمرأة، وتكفيرًا لزلته، وذكر ابن الأنباري أن الله تعالى أبهم الحين هاهنا، إرادةً لتكرمة العلماء ورفعًا لأقدارهم؛ ليفزع الناس إليهم في المشكلات وهم يعرفون ذلك بتطلب التأويل [[إلى هنا انتهى السقط من نسخة (ب).]] والبحث عن غامض التفسير.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب