الباحث القرآني

قوله تعالى ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ﴾ يعني زليخا ﴿بِمَكْرِهِنَّ﴾ قال ابن عباس: يريد مقالتهن [["زاد المسير" 4/ 215.]]، وقال قتادة والسدي [[الطبري 12/ 201، الثعلبي 7/ 78 أ، البغوي 4/ 236.]]: بقولهن وحديثهن، فإن قيل: لم سمي قولهن مكرًا؟ فالجواب عن ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق [[الطبري 12/ 201، الثعلبي 7/ 78 أ، "زاد المسير" 4/ 215.]]، وهو أن قال: إن النسوة قلن ما قلنه استدعاء لرؤية يوسف والنظر إلى وجهه، فعبنها بحبها يوسف لتريهن يوسف، وكان يوصف لهن حسنه وجماله، فلما كان هذا القول منهن طمعًا في أن يكون سببًا لمشاهدة يوسف، سمي مكرًا، لِمَا خالف ظاهرُه باطنه، وذلك أنهن قدرن أن هذا القول إذا اتصل بها أبرزت لهن يوسف ليعذرنها، ويزلن العيب عنها. وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 105.]] وابن الأنباري [[الرازي 18/ 126.]]: إن امرأة العزيز كانت أسَرَّت إليهن وَجْدها بيوسف واستكتمتهن شأنها، فلما غدرن بها وأظهرن سرها كان ذلك منهن مكرًا، فلما سمعت بما فعلن أرادت أن توقعهن فيما وقعت فيه، ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ﴾، قال وهب [[الثعلبي 7/ 78 ب، البغوي 4/ 237، القرطبي 9/ 178.]]: اتخذت مأدبة ودعت أربعين امرأة، منهن هؤلاء اللاتي عيرنها. وقوله تعالى: ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾ أي أعدت، ومضى الكلام فيه مستقصى [[عند قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: 18]، وقال ما ملخصه: اعتدت الشيء فهو عتيد ومعتد، وقد عتد الشيء عتادة وهو عتيد حاضر، وعتد بتاء أصل على حدة، وقيل: الأصل أعدد من عين ودالين ثم قلبت إحدى الدالين تأء.]] ﴿لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ معنى المتكأ في اللغة، ما تتكأ عليه من نُمرقة أو وسادة، قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 105.]]: هو ما يتكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث، ومتكأ أصله موتكا بالواو، مثل: موتزن أصله من الواو ثم قيل: متزن، واتكيت اتكأ أصله أوتكيت، فأدغمت الواو في التاء وشددت، والتوكؤ التحامل على العصا في المشي، يقال هو يتوكأ على عصاه ومنه قوله تعالى: ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ [طه: 18] وقولهم: رجل تكأة، إذا كان كثير الاتكاء، هو في الأصل وكأة، هذا الذي ذكرنا معنى المتكأ، وأصله في اللغة [[(في اللغة) ساقط من (أ، ب)، انظر: "تهذيب اللغة" (تكأ) 1/ 445.]]. فأما التفسير، فقال الكلبي عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 216، و"تنوير المقباس" ص 148، والثعلبي 7/ 78 ب.]]: المتكأ الوسائد التي يتكأ عليها، وقال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 309.]]: المتكأ: النمرق الذي يتكأ عليه، وعلى هذا التفسير لم يذكر الطعام الذي اتخذته لهن؛ لأن الحال وسياق القصة تدلان على أنها اتخذت طعامًا يحتاج إلى قطعه. وقال ابن عباس [[الطبري 12/ 202 - 203، ومسدد وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2132، وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر" 4/ 28.]] في رواية عطاء ومجاهد في تفسير المتكأ قال: هو الأترج، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد [[الطبري 12/ 203، وأبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2133، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 29.]] ﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ طعامًا، ومثله روى سعيد عن قتادة [[الطبري 12/ 203، الثعلبي 7/ 78 ب. وابن أبي حاتم 7/ 2133.]]. وقال ابن جريج عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 216، البغوي 4/ 237.]]: المتكأ الأترج، وكل ما نحر بالسكاكين ونحوه. قال الضحاك [[الطبري 12/ 203، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 29، و"زاد المسير" 4/ 216.]] وهو قول سعيد بن جبير [[الطبري 12/ 203، ابن المنذر كما في "الدر" 4/ 29، الثعلبي 7/ 78 ب، البغوي 4/ 237.]] والحسن [[الطبري 12/ 203، الثعلبي 7/ 78 ب، البغوي 4/ 237.]] وابن إسحاق [[الطبري 12/ 203، الثعلبي 7/ 78 ب.]] قالوا: طعامًا، قال ابن الأنباري وابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" ص 218، 219.]] وأهل المعنى: سمي الطعام والأترج متكأً؛ لأنهما من سبب الاتكاء، والعرب تقول: اتكأ الرجل، إذا أكل، فالمتكأ الطعام المأكول، والموضع الذي يؤكل فيه، بناءً على تسمية الشيء باسم سببه، ولما كان المضيف يتخذ لأضيافه نمارق يتكئون عليها للجلوس والأكل، سمي الطعام متكأ، كما يسمى المعلف أريًا [[قال ابن السكيت: في قولهم: (العلف) أري، قال: هذا مما يضعه الناس في غير موضعه، وإنما الآري لحبس الدابة. "تهذيب اللغة" (ورى) 4/ 3881.]]، وهو الحبل الذي يحبس الدابة، وأنشد [[القائل جميل بن معمر، و (القلل) جمع قلة وهي الحب العظيم وقيل الجرة الكبيرة وقيل الكوز الصغير، "ديوانه" ص 53، و"أساس البلاغة" 2/ 273، و"الأغاني" 7/ 79، و"شرح شواهد المغني" 126، و"مشكل القرآن وغريبه" ص 218، والثعلبي 7/ 78 ب، والقرطبي 9/ 178.]]: فظَلِلْنَا بنِعْمَةٍ واتَّكَأنَا ... وشَرِبْنَا الحَلالَ من قُلَلِه أراد باتكأنا أكلنا، وقال الأزهري [["تهذيب اللغة" (تكأ) 1/ 445.]]: وقيل للطعام متكأ؛ لأن القوم إذا قعدوا على الطعام اتكأوا، وقد نُهيت هذه الأمةُ عن ذلك، قال النبي ﷺ "أما أنا فلا آكل متكئًا، آكل كما يأكل العبيد" [[اللفظ الأول "أما أنا فلا آكل متكئًا"، أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة (5398) كتاب: الأطعمة، باب: الأكل متكئًا، وأبو داود (3769)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في الآكل متكئا، والترمذي (1890) باب ما جاء في كراهية الأكل متكئًا، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والبيهقي في "السنن" 7/ 462 برقم (14651) باب الأكل متكئًا، وأما اللفظ الآخر "آكل كما يأكل العبيد" فقد قال البيهقي بعد أن ساق كلام الخطابي في معنى الاتكاء، قال: (وروي أنه كان يأكل مقعيًا ويقول: "أنا عبد آكل كما يأكل العبد"، ويؤيده حديث عبد الله بن بسر ولفظه: (اهديت للنبي ﷺ شاة فجثا على ركبتيه يأكل، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: "إن الله جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا" أخرجه أبو داود (3773)، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة وابن ماجه (3263)، كتاب الأطعمة، باب الأكل متكئًا، والضياء المقدسي في "المختارة" 1/ 112، وصححه الألباني في "الإرواء" (1966).]]. وقرأ جماعة من التابعين [[وممن قرأ بها مجاهد وسعيد بن جبير ونسبت إلى ابن عباس، وقرأ بها أبو جعفر، انظر: الطبري 12/ 202 - 203، و"إتحاف" ص 264، و"زاد المسير" 4/ 216، القرطبي 9/ 178.]] (مُتْكًا) قال ابن عباس [[الطبري 12/ 202، و"زاد المسير" 4/ 216، وابن أبي حاتم 123/ 202.]] ومجاهد [[المرجع السابق.]]: هو الأترج. وقال الضحاك [[الثعلبي 7/ 78 ب، البغوي 4/ 237 بهامش الصفحة، و"زاد المسير" 4/ 216، وابن أبي حاتم 7/ 2133 بلفظتي "البزماورد، البرماورد"، وفي "القاموس": الزماورد: بالضم طعام من البيض واللحم معرب.]]: الزُّمَاوَرْد. وقال عكرمة [[الثعلبي 7/ 78 ب، البغوي 4/ 237 ابن أبي حاتم 7/ 2133.]]: هو كل شيء يحز بالسكين. قال ابن زيد [[الطبري 12/ 204، والثعلبي 7/ 78 ب، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 29، وابن أبي حاتم 7/ 2134.]]: يحززن [[في (ب): (يحزرن).]] الأترج بالسكين، ويأكلن بالعسل. قال أبو زيد [[الثعلبي 7/ 78 ب، "تهذيب اللغة" (متك) 4/ 3338.]]: كل ما حز بالسكين فهو عند العرب متك، والمتك والبتك القطع، والعرب تعاقب بين الميم والباء. وأنكر أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 309.]] كل هذا، وقال: الذين قالوا المتكأ الأترج، فقد كذبوا، ليس للأترج في كلام العرب اسم إلا الأترج، وإنما لما احتج عليهم بأنه المتكأ من النمارق والوسائد، فروا وقالوا إنما هو المتك، وإنما المتك طرف بصر المرأة. قال أبو عبيد [[الطبري 12/ 202.]]: والفقهاء الذين رووا هذا وأخذوا به أعلم بتأويل القرآن من أبي عبيدة، فيجوز أن يكون من لغة قوم من العرب درست ومات من يتكلم بها، فقد قال الكسائي إن شيئًا من الكلام سقط لانقراض أهله ومن كان يتكلم به. قال أبو بكر [["الزاهر" 2/ 21.]]: وأنشدنا رجل في مجلس أبي العباس حُجةً؛ لأن المتك الأترج: تَشْرَبُ الإثْمَ بالصُّواعِ جِهَارا ... وتَرَى المُتْكَ بَيْنَنَا مُسْتَعَارا [[البيت غير منسوب. وهو في "الزاهر" 2/ 25، و"البحر المحيط" 5/ 299، و"المحرر الوجيز" 7/ 493، و"الدر المصون" 6/ 479، والقرطبي 9/ 178، و"اللسان" (إثم) 1/ 29، و"تهذيب اللغة" 1/ 122، و"تاج العروس" (متك) 13/ 638.]] وأجاز الفراء [["معاني القرآن" 2/ 42.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 106.]] أن يكون المتك بمعنى الأترج. وقوله تعالى: ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ قال ابن عباس [[الطبري 12/ 204، وابن مردويه كما في "الدر" 4/ 28.]]: وأعطت كل واحدة منهن سكينًا وترنجة، فإن قلنا بهذا وحملنا المتكأ على الطعام الذي يقطع أو الأترج، فلا إشكال، وإن حملناه على الوسادة، والموضع الذي تتكأ عليه، فإنما أعطتهن [[في (أ)، (ج): (أعطهن).]] السكين لتقطع فاكهة قدمت إليهن، ولم يذكر الفاكهة لدلالة الحال والسكين، ومعنى ﴿وَآتَتْ﴾ هاهنا ناولت، والسكين يذكر ويؤنث، ومتخذه يقال له: السَّكَّان. وقوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ﴾ أي قالت ذلك ليوسف، قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 106.]]: أمرته بالخروج عليهن، ولم يكن تهيأ له [[ساقط من (أ)، (ب).]] ألا يخرج؛ لأنه بمنزلة العبد لها، ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ قال ابن عباس [[الطبري 12/ 205، و"زاد المسير" 4/ 218، وابن أبي حاتم 7/ 2135 وروى هذا القول أيضًا عن ابن زيد وابن إسحاق قال: وروى عن السدي مثله.]]، ومعظم المفسرين: أعظمنه وهالهن أمره وبهتن، وهو قول مجاهد [[الطبري 12/ 205، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم (لم أجده في النسخة التي بين يدي) وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 29، و"زاد المسير" 4/ 218.]] في رواية ابن أبي نجيح وقتادة [[الطبري 12/ 204 - 205.]] في رواية سعيد، وروى ليث عن مجاهد [["زاد المسير" 4/ 218.]] أعظمنه فحضن. وروى عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده [[الطبري 12/ 205، وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2135 كما في "الدر" 4/ 29، والثعلبي 7/ 79 ب، وعبد الصمد كان أميرًا على مكة، قال الذهبي: ليس بحجة. انظر: "الجرح والتعديل" 6/ 50، و"الميزان" 3/ 334، وأبوه هو أبو محمد ثقة عابد، مات سنة 118 هـ على الصحيح وأخرج له الجماعة إلا البخاري. انظر: "الكاشف" 2/ 43، و"التهذيب" 3/ 146 والأثر ضعيف.]] أكبرنه قال: حضن من الفرح [[في (أ)، (ج): (من الفرج) بالعجمة "زاد المسير" 4/ 218، ابن عطية 7/ 494، القرطبي 9/ 180.]]. قال: وفي ذلك يقول الشاعر [[البيت غير منسوب وهو في الطبري 12/ 205، والثعلبي 7/ 79 ب، والقرطبي 9/ 180، و"زاد المسير" 4/ 218، و"تهذيب اللغة" 4/ 3091، وابن أبي حاتم 7/ 2135، و"البحر المحيط" 5/ 303، و"المحرر الوجيز" 7/ 494، و"اللسان" (كبر)، قال الطبري: البيت مصنوع، ط. البابي الحلبي 12/ 205.]]: يأتي النِّساءَ على أطْهَارِهِنَّ ولا ... يأتي النِّساءَ إذا أكْبَرْنَ إكْبَارا ونحو هذا القول روى أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس [["تهذيب اللغة" (كبر) 4/ 3091، و"زاد المسير" 4/ 218، وفي ابن أبي حاتم 7/ 2135 عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: أعظمنه، فلعل الرواية هنا نقلها عن الأزهري في "التهذيب" فقد روى بسنده هذا القول إلى ابن عباس.]]. وأنكر هذا أكثر أهل اللغة، قال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 309.]]: أكبرنه: أعظمنه في جماله وبهائه ونور النبوة، ومن أخذ الإكبار من الحيض فليس بحيض، ولكنه قد يُجْرِ الحيض، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها وتحيض، فإن كان ثم حيض، فعسى أن يكون من فزعهن وما هالهن من هيئته، وهذا الذي ذكره أبو عبيدة هو معنى رواية ليث عن مجاهد. وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 106.]]: منكر أيضًا أن يكون أكبر بمعنى حاض، هذه اللفظة ليست بمعروفة في اللغة، والهاء في أكبرنه تمنع هذا، لأنه لا يجوز النساء قد حضنه، لأن حضن لا يتعدَّى إلى مفعول. وقال الأزهري [["تهذيب اللغة" (كبر) 4/ 3091.]]: إن صحت هذه اللفظة في اللغة فلها مخرج، وذلك أن المرأة إذا حاضت أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغار ودخلت في حد الكبار، فقيل لها: أكبرت، أي حاضت على هذا المعنى. وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم، قال: سألت رجلاً من طي فقلت: ما لك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوجت، وقد وعدت في بنت عم لي، قلت: وما سنها، قال قد أكبرت أو كربت، قلت: وما أكبرت؟ قال: حاضت، قال الأزهري أرى اللغة تصحح: أكبرت المرأة، إذا حاضت، إلا أن الكناية في (أكبرنه) تنفي هذا المعنى، فإن صحت الرواية عن ابن عباس سلم له، وجعلنا الهاء في قوله ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾ هاء الوقفة لا هاء الكناية. وقال ابن الأنباري: من أبطل هذا القول إنما أبطله من أجل الهاء، وقد رأو أن الهاء تنصرف إلى يوسف وليست منصرفة إليه، لكنها كناية عن مصدر الفعل يعنى بها أكبرن إكبارًا، أي حضن حيضًا، فكنى عن المصدر كما يقال: قدم زيد فأحببته، يعنون فأحببت قدومه [[في (ب): (وكما) بزيادة الواو.]] كما قال الشاعر [[البيت بلا نسبة في الأزهية ص 293، و"الإنصاف" 2/ 675، و"خزانة الأدب" 5/ 504، و"الدرر" 1/ 255، و"رصف المباني" ص 76، و"اللسان" (ضمن) 13/ 259 (لذا) 15/ 245، و"همع الهوامع" 1/ 82، برواية العجز: (من الأقوام إلا للذي).]]: وليسَ المَالُ فاعْلَمْهُ بمَالٍ ... وإن أغْنَاكَ إلا للدُنِّي أراد: فاعلم علمًا، قال: وهذا القول مقبول لقول ابن عباس به، وبناء جماعة من التابعين عليه، والقول في الهاء ما قاله أبو بكر، لا ما قاله الأزهري، لأن هاء الوقفة تسقط في الوصل ولا توصل بواو. وقوله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ قال المفسرون: حززن [[في (ب): جززن.]] أيديهن بالسكاكين، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج، قال قتادة [[الطبري 12/ 207، والثعلبي 7/ 79 ب، والبغوي 4/ 238، و"زاد المسير" 4/ 218، وابن أبي حاتم 7/ 2136 بنحوه عن غير قتادة.]]: أبن أيديهن حتى ألقينها، وقال مجاهد [[الطبري 12/ 206، الثعلبي 7/ 79 ب، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم 7/ 2136، وفيه حز حزًّا بالسكين، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 30، البغوي 4/ 238، و"زاد المسير" 4/ 218.]]: لم يحسسن إلا بالدم، ولم يحدث الألم من حز الأيدي لشغل قلوبهم بيوسف. قال أهل المعاني: قوله ﴿وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ يحتمل ضروبًا من القطع: أحدها: أن يكون كما ذكره قتادة، والثاني: أن يجرحن أيديهن في مواضع، وكذلك ذكر بلفظ التكثير، والثالث: أن كل واحدهَ جرحت يدها جراحة واحدة، ولكنهن لما كن عدة حسن فعل التكثير. وقوله تعالى: ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ﴾ قال أهل اللغة [["تهذيب اللغة" (حشو) 1/ 825، و"الزاهر" 2/ 288.]] والنحويون: حاش وحاشا يستعملان في الاستثناء والتبرئة، فالاستثناء أن تقول: أتاني القوم حاشا زيد، ومعناه: إلا زيد، وموضع الجار مع المجرور نصب، وأكثر ما يستعمل معه اللام، نحو: ضربت القوم حاشا لزيد، وحاش لزيد، فإن أسقطت اللام جررت بحاشا ما بعدها، وقد أجاز النصبَ بها جماعةٌ من النحويين، وكالتي في الآية، وتأويلها: معاذ الله، وهو تنزيه ليوسف على حال البشر أو عما قُرف به. وأما اشتقاق هذه الكلمة، فقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 107.]]: اشتقاقه من الحشا والحاشية بمعنى الناحية، من قولك: كنت في حشا فلان، أي: في ناحيته، ومعنى قولك: حاشا لزيد: قد تنحى زيد عن هذا وتباعد منه، كما تقول: تنحى من الناحية، كذلك تحاشى من هذا الفعل بمعنى تباعد من حاشية الشيء، وهي ناحيته، ونحو هذا قال أحمد بن عبيد: حاشا مأخوذة من قول العرب: لا أدري أي الحشا أخذ فلان، يعنون أي النواحي، واحتج بقول الهذلي [[لمالك بن خالد الخناعي، ويقال: للمعطل، والحشا: أجواف الأودية، والخليط: الذين يخالطون في الدار، المباين: المفارق المزايل، انظر: "شرح أشعار الهذليين" للسكري 1/ 446، و"تهذيب اللغة" (حشا) 1/ 826، و"المخصص" 5/ 118، و"شرح المفصل" 2/ 85، و"جمهرة اللغة" 2/ 1049.]]: يَقُولُ الذي أمْسَى إلى الحزْنِ أهْلُه ... بأيِّ الحَشَا أمْسَى الخَلِيطُ المُبَايِنُ أراد: بأي النواحي، واحتج أيضًا بقول النابغة [[عجز بيت للنابغة الذبياني من قصيدة يمدح بها النعمان ويعتذر إليه، وصدره: ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه انظر: "ديوانه" ص 12، و"الإنصاف" 241، و"الخزانة" 2/ 44، و"الهمع" 1/ 233، و"الدرر" 1/ 98، والقرطبي 9/ 181، و"الدر المصون" 6/ 484.]]: وما أُحَاشِي مِنَ الأقْوَامِ مِنْ أَحَدِ قال: معناه ما أعدل أحدًا من الأقوام في حشا، أي في ناحية، ولهذا احتمل هذه الكلمة معنى الاستثناء والتنزيه، لأن معنى التنزيه التنحيةُ والإبعاد، وكذلك معنى الاستثناء هو الإخراج عن جملة المذكورين. وقال أبو علي [["الحجة" 4/ 423.]]: حاشا فاعل من حاشى يحاشي، ومعنى: حاش لله، أي: صار يوسف في حشًى، أي: ناحية مما قُرِف به، أي لم يلابسه، وصار في عزلة عنه وناحية، وإذا كان حاشا فعلًا فلابد له من فاعل وفاعله يوسف، كأن المعنى بعد عن هذا الذي رُمي به، (لله) أي لخوفه ومراقبته أمره، وأما حذف الألف منه، فلأن الأفعال قد حذف منها، نحو: لم يك، ولا أدر، ولم أبل، وقد حذفوا الألف من الفعل، نحو ما حكي عن العرب سماعًا: أصاب الناس جهد ولو نر [[سقط من (أ، ب، ج) وما أثبته في (ي)، وفي "الحجة" 4/ 423: ولو تَرَما أهل مكة.]] أهل مكة، وإنما هو (نرى) فحذفت الألف المنقلبة عن اللام كما حذفت من حاشا، وقد قال رؤبة [[من أرجوذة له في "ديوانه" ص 187، وقبله: مُسرول في آلة مُربن ... يمشي العرضى في الحديد المتقن وبلا نسبة في "الأشباه والنظائر" 2/ 449، و"الخزانة" 1/ 131.]]: وصَّاني العَجَّاجُ فيما وَصنِي ومن أثبث الألف جاء به على التمام والأصل، واختلف النحويون في أن حاشا في الاستثناء حرف جر أم فعل، فهو عند سيبويه [["الكتاب" 2/ 309.]] حرف، وعند المبرد [["المقتضب" 4/ 391، قال محقق الكتاب: وهذه المسألة من المسائل التي رد فيها المبرد على سيبويه، وقد تعقبه ابن ولاد في الانتصار، وانظر: "الحجة" 4/ 422.]] يجوز أن يكون فعلًا، وهو اختيار أبي علي، قال: لأن الحرف الجار لا يدخل على مثله، وقد دخل حاشا على اللام الجارة، ولأن الحروف لا تحذف إذا لم يكن فيها تضعيف، واحتج المبرد بقول النابغة [[سبق التعليق على البيت.]]: وما أُحَاشِي مِنَ الأقْوَامِ من أَحَدِ قال: لما صرف فاستعمل منه أحاشي، علم أنه فعل. قال أصحاب سيبويه: قول سيبويه أولى، لأنه يتعلق بالحكاية عن العرب فكان أولى، وحجته في أنها لا تكون إلا حرفًا اجتماع النحويين على أنها لا تكون صلة لما، فلا تقول: جاءني القوم ما حاشا زيدًا، كما تقول: ما خلا زيدًا، فلما امتنعت أن تكون صلة لـ (ما)، دل على أنها ليست بفعل، واحتجاج أبي العباس عليه بقول النابغة لا يلزم؛ لأن قوله (وما أحاشى) ليس بتصريف فعل بل هو بناء فعل على حكاية [قول القائل: حاشا فلان، نحو قولهم: حوقل وبسمل، كأنه قال: ما أقول هذا القول. وأما] [[ما بين المعقوفين في (ب) وهو ساقط من (أ)، (ج).]] قول أبي علي، وقد ذكره أبو العباس أيضًا أن حاشا دخلت على اللام الجارة، فتقدير ذلك أن تكون اللام معلقة بفعل آخر، وتكون زائدة، وأما قوله: الحروف لا تحذف، قيل: إنها تخفف وتشدد فيجوز أن تحذف أيضا من حاشا لكثرة استعمالهم إياه، ولاتصال اللام بها. وذكر أبو علي [["الإيضاح" ص 33.]] في "الإيضاح" أن حاشا حرف فيه معنى الاستثناء، تقول: أتاني القوم حاشا زيد، فموضع الجار والمجرور النصب، وأكثر أهل العربية على أن معنى قوله ﴿حَاشَ لِلَّهِ﴾ تنزيه ليوسف عما رمته به امرأة العزيز كما ذكرنا، وذهبت طائفة إلى أن المراد تنزيهه من [[من هنا يبدأ سقط في نسخة (ب) حتى ص 111.]] شبه البشرية، لفرط جماله وروعة بهائه، ويؤكد هذا المعنى سياقُ الآية بعد هذا، ويكون تقدير الآية على هذا المعنى: حاشا يوسف، أي: بعد عن أن يكون بشرًا، ودخلت (لله) تأكيدًا لهذا المعنى. وقوله تعالى: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾ قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 42.]]: نصبت بشرًا؛ لأن الباء قد استعملت فيه، ولا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء، فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه، فنصبوا على ذلك، ألا ترى أن كل ما في القرآن أتى بالياء إلا هذا، وقوله تعالى: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ [المجادلة: 2]. وقال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 107.]]: سيبويه والخليل وجميع النحويين القدماء يزعمون أن بشرًا منصوب لأنه خبر (ما) ويجعلونه بمنزلة (ليس)، و (ما) معناه معنى (ليس) في النفي. وقوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ تأكيد أنه ليس من البشر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب