الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ الآية، أراد بالنسوة الجمع لذلك ذَكَّر فعلهن حملًا على المعنى، وإذا أنث حُمل على اللفظ، قال أبو علي: وتأنيث النساء والنسوة تأنيث جمع، كما أن التأنيث في ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ﴾ [الحجرات: 14] كذلك، ولو لم يؤنث، كما لم يؤنث (قال نسوة) لكان حسنًا، وسمعت بعض الكبار من النحويين [[انظر: "المقتضب" 3/ 349، و"الدر المصون" 6/ 474.]] يقول: لو تأخر الفعل عن النسوة لكان: ونسوة قلن، فكانت النون علامة للجمع [[في (أ)، (ج): (للجميع).]] والتأنيث جميعًا، فإذا قدم الفعل وُحِّد؛ لأن فعل الجماعة إذا تقدم كان موحَّدًا، وإذا وُحِّد حذف منه علامة الجمع، فإذا حذفت علامة الجمع فقد حذفت علامة التأنيث؛ [لأن النون علامة لهما جميعًا، على أن تقديم الفعل يدعو إلى إسقاط علامة التأنيث] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]؛ على قياس إسقاط علامة التثنية والجمع.
وقوله تعالى: ﴿نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾ قال ابن عباس [[البغوي 4/ 236 بدون نسبة لابن عباس، القرطبي 9/ 176.]]: يريد نسوة من أشراف النساء. قال الكلبي [["زاد المسير" 4/ 214، والقرطبي 9/ 176، ونسبوه إلى ابن عباس. وانظر: "تنوير المقباس" ص 148.]]: هن أربع: امرأة ساقي العزيز، وامرأة خبازه، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة صاحب سجنه، وزاد مقاتل [["تفسير مقاتل" 153 أ، الثعلبي 7/ 77 ب.]]: امرأة الحاجب، ونحوه قال مجاهد [[لم أجده في مظانه.]]، والأشبه ما قاله ابن عباس؛ لأن زليخا إنما اتخذت مأدبة لأشراف النساء، ولو خاض في حديثها هؤلاء النسوة لأشبه أن لا [[في (أ)، (ج): (أن يؤخذ) بدون لا.]] يؤخذ خوضهن مقالتهن، والمعنى: أن ذلك الذي جرى بينهما شاع وانتشر في مدينة مصر، حتى تحدث بذلك النساء وخضن فيه.
وقوله تعالى: ﴿امْرَأَتُ الْعَزِيزِ﴾ يعنين زليخا، والعزيز [[الطبري 12/ 198 لم أجده في "تفسير الطبري" بنصه.]] بلغتهم الملك، يعنون أنه منيع بقدرته، والعرب تسمي الملك عزيزًا، وهو في شعر أبي دؤاد [[هو: أبو دؤاد وقيل أبو داود جارية بن الحجاج، وقيل: جويرية، وقيل: حنظلة، شاعر جاهلي. انظر: "خزانة الأدب" 9/ 590، و"الشعر والشعراء" ص 140.
والبيت من الرمل ونسبه الواحدي هنا إلى أبي دؤاد، ونسب إليه أيضاً في الطبري 12/ 198، والثعلبي 7/ 78 أوفيها: (جلبت عند عزيز ...) وفي "النكت والعيون" 3/ 30، و"مجمع البيان" 5/ 350.]]:
دُرّةٌ غَاصَ عليها تَاجِرٌ ... جُلِبَت يَوْمَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَل
وقوله تعالى: ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [الفتى: الحدث الشاب، والفتاة الجارية الشابة، قال ابن عباس: يريد تراود غلامها عن نفسه] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]].
وقوله تعالى: ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ قال أبو عبيد [["تهذيب اللغة" (شغف) 2/ 1894.]]: الشغف أن يبلغ الحب شغاف القلب، وهو جلدة دونه.
وقال يونس [["تهذيب اللغة" (شغف) 2/ 1894.]]: شغفها أصاب شغافها مثل كبدها، وقال ابن السكيت [["تهذيب اللغة" (شغف) 2/ 1894.]]: الشغاف هو الخلبُ، وهو جليدة لاصقة بالقلب، ومنه قيل: خلبه إذا بلغ حبه خلب قلبه، وشغفها إذا بلغ حبه شغاف قلبها، وقال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 42.]]: (شغفها حبًّا) أي: خرق شغاف قلبها، وقال ابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" ص 218.]]: يقال. شغفت فلانًا، إذا أصبت شغافه، كما تقول: كبدته [[في (أ)، (ج): (لبدته). باللام.]]، إذا أصابت كبده.
وقال ابن الأنباري [[" الزاهر" 1/ 509.]]: الشغاف غلاف القلب، وأنشد [[هو لعبد الله بن قيس الرقيات. انظر: "ديوانه" ص 37، و"الزاهر" 1/ 509.]]:
يَعْلَمُ اللهُ أنَّ حُبَّكِ مِنِّي ... في سَوَادِ الفُؤادِ وِسْطَ الشِّغَاف
قال: والمعنى: شغفها حبه، أي: أصاب شغافها، ثم نقل الفعل عن الفاعل [فخرج الفاعل] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] مفسرًا نحو قولهم: طاب نفسًا، وقر عينًا، ﴿واشتعل الرأس شيبًا﴾، وهذا من كلامهم للاتساع [[في (ج): (الاتساع).]] في اللغة، والافتنان في اللفظ، وذلك أدل على البلاغة وأحلى في السمع، ولا يتعدى في هذا ما نطقت به العرب، لا يقال: عقل محمد جارية، على معنى عقلت جارية محمد، كما يقال: حسن محمد وجهًا، فعلى هذا (الحب) فاعل نقل عنه الفعل.
وقال غير أبي بكر: المعنى شغفها الفتى بالحب، فحذف الجار ونصب الحب، كما يقال: قتله ضربًا، فعلى هذا، الفاعل هو الفتى.
وأما المفسرون، فقال ابن عباس [[الثعلبي 7/ 78 أ. وانظر: "الدر" 4/ 27 بمعناه.]] في رواية عطاء: قد دخل حبه شغاف قلبها، وهو موضع الدم، وهي الشغاف، وهذا الذي ذكره ابن عباس قول آخر في الشغاف سوى ما ذكرنا عن أهل اللغة، وقد ذكر الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 105، و"زاد المسير" 4/ 214.]] هذا القول في الشغاف فقال: هو حبَّة القلب وسويداء القلب، وهذا القول أبلغ في وصول الحب إلى القلب، ونحو هذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد [[الطبري 12/ 198، وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 28، والقرطبي 9/ 176.]]: دخل حبه في شغافها.
وقال السدي [[الثعلبي 7/ 78 أ، الطبري 12/ 199، البغوي 4/ 236، القرطبي 9/ 176.]]: الشغاف جلدة رقيقة على القلب، يقول: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب.
وقال الكلبي [[الثعلبي 7/ 78 أ، البغوي 4/ 236.]]: الشغاف حجاب القلب، [تقول: حجا حبُه قلبها حتى لا تعقل سواه، وهذه الأقوال كلها تدل على أن الحب] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).]] فاعل، ثم نقل عنه الفعل؛ لأن المفسرين أسندوا الفعل إلى الحب، وقرأ جماعة من الصحابة والتابعين (شعفها) بالعين [[ومن هؤلاء عبد الله بن عمرو، وعلي بن الحسين، والحسن البصري، ومجاهد، وابن محيصن وابن أبي عبلة، وأبو رجاء، انظر: الطبري 12/ 200، و"إتحاف" 264، و"زاد المسير" 4/ 215.]].
قال ابن السكيت [["تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1889.]]: يقال: شعفه الهوى، إذا بلغ منه، وشعف الهناء البعير، إذا بلغ منه ألمه، وقد كشف أبو عبيد [["تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1889 - 1890.]] عن هذا المعنى فقال: الشعف بالعين إحراق الحب للقلب مع لذة يجدها [[في (ج): (يجد) من غير هاء.]]، كما أن البعير إذا هُنئ بالقطران يبلغ منه مثل ذلك، ثم يستروح إليه، ونحو هذا قال أبو سعيد [["تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1890. وهو: أبو سعيد الضرير أحمد بن خالد، اعتمده الأزهري في "التهذيب". انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 44، و"معجم الأدباء" 1/ 346، و"إنباه الرواة" 1/ 41.]] في قول امرئ القيس [[البيت في "ديوانه" ص142، و"اللسان" (شعف) 4/ 228، والطبري 12/ 200، والثعلبي 7/ 78 أ، و"تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1890، و"الزاهر" 1/ 620، و"شرح أبيات سيبويه" 2/ 222، والقرطبي 9/ 177.
(المهنوءة) المطلية بالقطران، وإذا هنئ البعير بالقطران يجد له لذة مع حرقة كحرقة الهوى مع لذته.]]:
لتقتلني [[في الطبري 12/ 200، والثعلبي 7/ 78 أ: (أتقتلني) وهو أقرب.]] وقد شَعفْتُ فؤادَها ... كما شَعَفَ المهنُوءَةَ الرّجُلُ الطَّالِي
قال يقول: أحرقت فؤادها بحبي كما أحرق الطالي هذا المهنوة.
وقال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 42.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 105.]]: شعفها بالعين معناه [ذهب بها كل مذهب، مشتق من الشعف وهو رؤوس الجبال، وفلان مشعوف بكذا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] معناه قد ذهب به الحب أقصى المذاهب، وقال أبو زيد [["تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1890.]]: شعفه حبها يشعفه، إذا ذهب بفؤاده، ونحو هذا قال شمر [["تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1890.]]، قال: والمشعوف الذاهب القلب، وقال الأصمعي [["تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1890. والبيت لأبي ذؤيب، وعجزه:
فإذا يرى الصبح المصدق يفزع
"ديوان الهذليين" 1/ 10، و"المفضليات" ص 425، و"اللسان" (شعف) 4/ 2280، و"تهذيب اللغة" (شعف) 2/ 1890.]] في قوله:
شَعَفَ الكلابُ الضَّارِيات فؤادَه
المشعوف، الذاهب القلب، وبه شعاف أي جنون، الأزهري [[كذا في النسخ ولعله (قال الأزهري) وهو في "تهذيب اللغة" 2/ 1890 (شعف).]]: وأهل هجر يقولون للمجنون مشعوف، وعلى هذا معنى (شعفها حبًا)، أي شعفت به، وكاد يذهب حبه بلبها، أي بلغ أقصى المبالغ منها وذهب بها كل مذهب.
وقال أبو بكر: الشعف رؤوس الجبال، ومعنى: شعف بفلان، إذا ارتفع حبه إلى أعلى المواضع من قلبه.
وهذا الذي حكينا عنه أئمة اللغة في معنى قوله (شعفها) بالعين غير المعجمة ثلاثة أصول: أحدها: أنه من الإحراق، والثاني: أنه من الإذهاب، والثالث: أنه من الارتفاع.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ أي ضلال عن طريق الرشد، بحبها إياه [["زاد المسير" 4/ 215، والرازي 18/ 126.]]، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يوسف: 8].
{"ayah":"۞ وَقَالَ نِسۡوَةࣱ فِی ٱلۡمَدِینَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِیزِ تُرَ ٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق