قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ﴾ قال المفسرون [[الثعلبي 7/ 67 ب.]]: يعني رفقة تسير للسفر، ﴿فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ﴾ وهو الذي يرد الماء ليستقي للقوم.
وقوله تعالى: ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ قال عامة أهل اللغة [["تهذيب اللغة" للأزهري 2/ 1213 مع تقديم وتأخير، (دلا).]]: يقال: أدلى دلوه، إذا أرسلها في البئر، ودَلّاها: إذا نزعها من البئر، يقال: أدلى يدلي إدلاءً إذا أرسل، ودلى يدلو دلوًا، إذا جذب وأخرج.
قال الشاعر [[سبق تخريجه.]]:
يَنْزِعُ من جَمّاتِها دَلْو الدَّالىِ
أي ينزع النازع، والدلو معروف، والجميع الدلاء، والعدد إدل ودُلي، ويقال للدلو دلاة.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ﴾ قال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 194.]] وقتادة [[عبد الرزاق 2/ 302، والطبري 12/ 167، وابن أبي حاتم 7/ 2113 ب، وابن المنذر كما في "الرد" 4/ 17، القرطبي 9/ 153.]] والسدي [[الطبري 12/ 167، والقرطبي 9/ 153.]]: لما أدلى المدلي تشبث يوسف بالرشا فأخرجه الوارد، فقال: يا بشراي. قال الحسن [["تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 260.]]: يا بشراي مثل: يا فرحتنا، وهو في موضع نصب؛ لأنه نداء مضاف.
قال ابن الأنباري: وقع النداء في اللفظ بالبشرى، وهو في المعنى واقع لغيرها، تأويله: يا هؤلاء تنبهوا لبشراي. وهذا معنى قول أبي إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 97.]]، ومعنى النداء في هذه الأشياء التي لا تجيب تنبيه المخاطبين، وتوكيد القصة إذا قلت: يا عجباه، فكأنك قلت: اعجبوا، وذكر وجهًا آخر، وهو أن يكون المعنى: يا أيتها البشرى هذا من إيانك وأوانك، وزاد أبو علي [["الحجة" 4/ 412.]] لهذا الوجه بيانًا، فقال: المعنى فيه أن هذا من أوانك ولو كنت ممن يخاطب لخوطبت الآن، وهذا في كل منادى لا يجيب ولا يعقل.
وقرأ أهل [["السبعة" ص 346، و"النشر" 3/ 124، و"إبراز المعاني" ص 533، و"إتحاف" ص 263.]] الكوفة ﴿يَا بُشْرَى﴾ من غير إضافة، وهذه القراءة كالأولى في أنه نداءٌ لمن لا يجيب، إلا أن هذا نداءٌ غير مضاف فيكون رفعًا، قال السدي [[الطبري 12/ 167 - 168، وابن أبي حاتم 7/ 2113أ، وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 17، و"زاد المسير" 4/ 194، والقرطبي 9/ 153.]]: نادى المدلي صاحبه وكان اسمه بشرى، فقال: يا بشراي، كما تقول: يا زيد.
وروي عن الأعمش [[الرازي 18/ 106، و"زاد المسير" 4/ 194.]] أنه قال: دعا امرأة اسمها بشرى.
قال أبو علي [["الحجة" 4/ 411.]]: من جعل البشرى اسمًا للبشارة وهو الوجه، جاز أن يكون في محل الرفع مثل: يا رجل، لاختصاصه بالنداء، وجاز أن يكون في موضع نصب على أن يجعله نداءً شائعًا في جنس البشرى ولم يخص كما فعلت في الوجه الأول، كما يقول: يا رجلاً، و ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: 30]، فالوجه الأول على أنه بشرى مختصة، والآخر أن ينزله من جملة كلها مثلها في الشياع، إلا أن التنوين لم يلحق بشرى لأنه لا ينصرف.
وقوله تعالى: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾، قال مجاهد [[الطبري 12/ 168، وابن أبي حاتم 7/ 2114أوابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 18، و"زاد المسير" 4/ 195، والثعلبى 7/ 68 أ، والبغوي 4/ 224.]] والسدي [[الطبري 12/ 169، وابن أبي حاتم 7/ 2114 أ.]] وأكثر المفسرين [[الطبري 12/ 168، الثعلبي 7/ 68 أ، البغوي 4/ 224، و"زاد المسير" 4/ 195، الرازي 18/ 106.]]: أسره الوارد وجاءوا من كان معه من التُّجار من الذين معهم في الرفقة، وقالوا لهم: هو بضاعة استبضعناها بعض أهل الماء إلى مصر، خيفة أن يطلبوا منهم فيه الشركة؛ لرخص ثمنه.
قال إسحاق بن بشر [[هو: إسحاق بن بشر أبو حذيفة البخاري، له كتاب المبتدأ، تركوه وكذبه ابن المديني، وقال الدارقطني: كذاب متروك. توفي سنة 206 هـ. انظر: "ميزان الاعتدال" 1/ 184، و"الأعلام" 1/ 294، و"معجم المؤلفين" 1/ 340. وانظر: الرازي 18/ 107.]]: قالوا فيما بينهم: إن قلنا لهم التقطناه شاركونا، وإن قلنا اشتريناه، سألونا الشركة، فنقول: إن أهل الماء أبضعوه معنا على أن نبيعه لهم بمصر، قال ابن عباس [[الطبري 12/ 168، الثعلبي 7/ 68 أ، "زاد المسير" 4/ 195، ابن عطية 7/ 463.]] في رواية عطية: (أسروه) يعني: إخوة يوسف أسروا شأنه أن يكون أخاهم، وقالوا: هو عبد لنا أبق منا، وتابعهم يوسف على ذلك؛ لأنهم توعدوه بالقتل بلسان العبرانية.
وقوله تعالى: ﴿بِضَاعَةً﴾ البضاعة: القطعة من المال تجعل للتجارة، من: بضعت الشيء، إذا قطعته، قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 98.]]: وبضاعة منصوب على الحال، كأنه قال: وأسروه جاعليه بضاعة، [وعلى القول الأول في أسروه، الجاعلون هم الوارده، جعلوه بضاعة على ما بينا وعلى القول الثاني الجاعلون إخوته، جعلوه بضاعة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] حيث باعوه كما تباع الضائع.
قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 147.]]: يريد بيوسف [[في (ج): (يوسف). من غير باء.]].
قال أهل المعاني: هذه الآية بيان عما يوجبه حسن تدبير الله تعالى من التسبيب لنجاة من يشاء نجاته.
{"ayah":"وَجَاۤءَتۡ سَیَّارَةࣱ فَأَرۡسَلُوا۟ وَارِدَهُمۡ فَأَدۡلَىٰ دَلۡوَهُۥۖ قَالَ یَـٰبُشۡرَىٰ هَـٰذَا غُلَـٰمࣱۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةࣰۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ"}