الباحث القرآني
فذلك قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا﴾. قال ابن عباس [[الثعلبي 7/ 52 ب، "زاد المسير" 4/ 143، البغوي 4/ 193، القرطبي 9/ 81.]]: عذابنا، وعلى هذا يكون الأمر نفس الإهلاك.
وقال آخرون [[الطبري 12/ 89، "زاد المسير" 4/ 143.]]: يعني: جاء أمرنا الملائكة بالعذاب. ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾، قال ابن عباس وعامة المفسرين [[الثعلبي 7/ 52 ب، البغوي 4/ 193، ابن عطية 7/ 369، "زاد المسير" 4/ 143، القرطبي 9/ 81.]]: أدخل جبريل جناحه الواحد تحت مدائن قوم لوط حتى قلعها وصعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير، ونباح الكلاب، وصياح الديوك، لم ينكفئ لهم جرة، ولا ينكسر لهم إناء، ثم غشاها بالجناح الآخر بالحجارة، فذلك قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾ [النجم: 53]، يريد: أهوى بها جبريل ﴿فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾ [النجم: 54]، يريد غشاها جبريل بالحجرة وكانت خمس مدائن فدمرت وقلبت ظهرًا لبطن إلا (زغر) [[زُغَر بوزن: زُفَر، قرية بمشارف الشام، وقيل: زُغَر اسم بنت لوط -عليه السلام-، نزلت بهذه القرية فسميت باسمها. انظر: "معجم البلدان" 3/ 142، 143.]] وحدها تركها الله فضالا منه لعيال لوط، والكناية ﴿عَالِيَهَا﴾ تعود إلى المؤتفكة والمؤتفكات وهي مذكورة في موضع من القرآن وإن لم تذكر هنا، فإذا ذكرت قصتهم وأعيدت الكناية إليها عرف ذلك ويستغنى عن إعادتها.
وقوله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا﴾، الإمطار: إحدار المطر من السماء، وأنزلت الحجارة على هؤلاء بدل المطر، والكناية في عليها يجوز أن تعود على القرية [[في (ي): (قوم لوط).]] كما عادت في ﴿عَالِيَهَا﴾، ويجوز أن تعود على قوم لوط؛ لأن العرب تُعيد الهاء والألف على جميع الذكران إذا كان غير مختص بالواو والنون، و [الياء والنون] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]]، تقول: الرجال لقيتها والقوم حضرتها، قال الله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ [الشعراء: 105]. فأنث الفعل، ويؤكد هذا الوجه قوله في الحجر: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [آية: 74] فكنى عنهم بالهاء والميم.
وقوله تعالى: ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾؛ اختلفوا في السجيل، والذي عليه أعظم أهل التفسير أنه معرب عن (سنك كل) [[وضع على الكاف من كلا الكلمتين ثلاث نقط وذلك علامة على أن الكاف تنطق كالجيم القاهرية في اللغة الفارسية. انظر كتاب: "كيف تتعلم الفارسية".]] وهو قول ابن عباس [[أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر كما في "الدر" 3/ 624، وابن أبي حاتم 6/ 2068، والثعلبي 7/ 53 أ، البغوي 4/ 194، القرطبي 9/ 82.]] وقتادة [[المروي عن قتادة قوله السجيل: الطين، انظر: الطبري 12/ 94، عبد الرزاق 2/ 309، وأبا الشيخ كما في "الدر" 4/ 364، البغوي 4/ 194، القرطبي 9/ 82، الثعلبي 7/ 53 أ.]] وسعيد بن جبير [[الطبري 12/ 94، الثعلبي 7/ 53 أ، "زاد المسير" 4/ 144، البغوي 4/ 194، القرطبي 9/ 82.]].
قال أهل اللغة [["تهذيب اللغة" (سجل) 2/ 1634.]]: هذا فارسي، والعرب لا تعرف هذا.
قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 70.]]: والذي عندي في هذا التفسير أنه فارسي أعرب، ومن كلام الفرس ما لا يحصى مما قد أعربته العرب نحو جاموس وديباج، ولا ينكر أن يكون هذا مما أعرب.
وقد أعاد الله تعالى ذكر هذه الحجارة فقال: ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ﴾ فقد سمَّى للعرب ما عني بسجيل، وهذا القول اختيار الفراء [["معاني القرآن" 2/ 24.]]، وابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" 1/ 212.]] قالا: ﴿مِنْ سِجِّيلٍ﴾ من طين قد طبخ حتى صار كالآجر فهو (سنك كل) بالفارسية، ونحو هذا قال الليث [["اللسان" (سجل) 4/ 1946.]] في تفسير السجيل: إنه حجارة كالمدر وهو دخيل معرب، وقال الضحاك [[الثعلبي 7/ 53 أ، "زاد المسير" 4/ 144، البغوي 4/ 194، القرطبي 9/ 82.]]: يعني: الآجر.
وقال الحسن [[الطبري 12/ 95، الثعلبي 7/ 53 أ، البغوي 4/ 194، القرطبي 9/ 82.]]: كأن أصل الحجارة طينًا، فشددت. وهذه الأقوال كلها سواء.
وقال ابن زيد [[الطبري 12/ 94، الثعلبي 7/ 53 أ، "زاد المسير" 4/ 144، البغوي 4/ 194، القرطبي 9/ 82.]]: ﴿مِنْ سِجِّيلٍ﴾ أي: من السماء الدنيا وهي تسمى سجيل.
وقال عكرمة [[الثعلبي 7/ 53 أ، "زاد المسير" 4/ 144، القرطبي 9/ 82.]]: هو بحر في الهواء معلق بين الأرض والسماء منه أنزلت الحجارة.
وحكى الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 71.]] عن بعضهم [[ساقط من (ي).]] أنه فعيل من أسجلته أي: أرسلته، وكأنها [[في (ب): (وكأنه).]] مرسلة عليهم، قال: وقيل سجيل: كقولك من سجل أي: مما كتب لهم أن يعذبوا بها، قال: وهذا القول أحسن الأقوال عندي.
وقال أبو عبيدة [["مجاز القرآن" 1/ 296.]]: السجيل عند العرب: الشديد، وأنشد لابن مقبل [[عجز بيت لابن مقبل، وصدره:
وَرَجلة يضربون البَيْض عن عُرُض
رجلة: جمع رجل، البيض: جمع بيضة، هو الحديد الذي يلبس للوقاية في الحرب، وفي العجز "تواصت" انظر: "ديوانه" ص 333، "مجاز القرآن" 1/ 296، الطبري 12/ 94، "اللسان" (سجل) 4/ 1946، "جمهرة أشعار العرب" ص 310، "منتهى الطالب" ص 44، "المعاني الكبير" ص 991، "تهذيب اللغة" 2/ 1634، 2/ 1636، "جمهرة اللغة" ص 464، 1192، "مقاييس اللغة" 3/ 137، "مجمل اللغة" 2/ 487.]]:
ضربًا تواصى به الأبطال سجينًا
ورد هذا القول عليه من وجهين: أحدهما: قوله ﴿مِنْ سِجِّيلٍ﴾، ولو كان معناه ما ذكر لقيل حجارة سجيلا، والآخر: ما ذكره ابن قتيبة [["مشكل القرآن وغريبه" ص 211.]]، فقال: لست أدرى ما (سجيل) من (سجين) وذلك باللام وهذا بالنون، وإنما سجين في بيت ابن مقبل فعيل من سجنت أي: حبست، كأنه ضربٌ يثبت صاحبه بمكانه أي: يحبسه مقتولا، وفعيل يأتي لمن دام منه الفعل، نحو فسيق وسكيت كذلك سجين ضرب يدوم منه الإثبات والحبس.
وأما ابن الأعرابي [["تهذيب اللغة" (سجن) 2/ 1636.]] فإنه رواه سخينًا أي: سخنًا يعني: حارًّا.
قال أبو بكر بن الأنباري [[هذا القول ذكره النحاس في "معاني القرآن" 3/ 370.]]: وهذا الإلزام لا يفسد قوله، أما زيادة (من)، فإن سجيلا وصف لموصوف مضمر معناه حجارة من عذاب سجيل، فلا ينكر على هذا دخول (من) ويجوز أن تدخل (من) في الكلام زيادة للتوكيد، كقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [محمد: 15]، وقوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ [الأحقاف: 31]، وقوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: 30]، وأما إنكار ابن قتيبة عليه فقد فسر أبو عمرو [["تهذيب اللغة" (سجل) 2/ 1634.]] السجين في بيت ابن مقبل بأنه الشديد، فإذا صح الشديد في معنى السجين لم ينكر إبدال النون باللام كقول الشاعر [[النابغة الذبياني في "ديوانه" ص 138، وبلا نسبة في "ديوان الأدب" 2/ 3، ونسبه في "اللسان" (رفن) 3/ 1697 إلى الجعدي وهو في "ديوانه" 249، "تهذيب اللغة" 1446 (زمن)، "مقاييس اللغة" 2/ 366، قال البطليوسي في "الاقتضاب" ص 339: هذا البيت للنابغة الجعدي، وهو من الشعر المنحول له.]]:
بكل مُدجَّج كالليث يسموا ... على أوصال ذيَّال رِفَنِّ
أردا: رفل فأبدل اللام بالنون [[ساقط من (ي).]].
وقوله تعالى: ﴿مَنْضُودٍ﴾ هو مفعول من النضد، وهو وضع الشيء بعضه على بعض، ومعناه في قول أكثر المفسرين: الذي يتلو بعضه بعضًا عليهم، فذلك نضده، ونحو هذا قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 72.]]، وقال قتادة [[الطبري 12/ 95، الثعلبي 7/ 53 ب، "زاد المسير" 4/ 145، القرطبي 9/ 83، عبد الرزاق 2/ 309.]]: ﴿مَنْضُودٍ﴾ المصفوف، وهذا القول كالقول الأول. وقال الربيع [[الطبري 12/ 95، الثعلبي 7/ 53 ب، "زاد المسير" 4/ 145، القرطبي 9/ 83، عبد الرزاق 9/ 205.]]: هو الذي نضد بعضه على بعض، يعني: حتى صار حجرًا، يريد: أنه قد جمع أجزاؤه، ونحو هذا قال مقاتل بن سليمان [["تفسير مقاتل" 148 أ.]]، ﴿مَنْضُودٍ﴾: الملزق بعضه ببعض، وقال أبو بكر الهذلي [[الطبري 12/ 95، الثعلبي 7/ 53 ب، القرطبي 9/ 83.
وأبو بكر الهذلي هو: البصري، اسمه سُلمى بن عبد الله، وقيل: اسمه روح، روى عن الحسن وابن سيرين والشعبي وعكرمة وهو ضعيف الحديث. توفي سنة 167 هـ. انظر: "ميزان الاعتدال" 6/ 1005، "تهذيب التهذيب" 4/ 498.]]: معناه مُعَدّ للظَّلَمة. فقد حصل في المنضود ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الحجارة بعضها فوق بعض في النزول تأتي تباعًا.
الثاني: أن كل حجر منضود بجمع أجزائه، حتى صار بالقدر الذي أراد الله أن يكون على ذلك القدر.
الثالث: أنها حجارة من سجيل منضود بعضه فوق بعض في السماء، مخلوق للظلمة، معد لهم، والذي أمطر [[في (ي): (أمطرنا).]] على قوم لوط كان من جملة تلك الحجارة المعدة التي نضد بعضها فوق بعض، وفي قوله ﴿مَنْضُودٍ﴾ دليل على صحة القول الأول في سجيل، وهو قول أكثر المفسرين؛ لأن المنضود من صفة السجيل، وإنما يصح أن يكون وصفًا له إذا كان السجيل مُعَرَّبًا من (سك كل) وعلى سائر الأقوال لا يصح أن يكون المنضود من نعت السجيل، إلا أن يقال على بُعد إنَّ المنضود من نعت قوله حجارة ولكن أجرِي في اللفظ والإعراب على سجيل بحق الجوار، كقولهم [[الشاهد أنهم أجروا خرب على ضب، وهو في الحقيقة صفة للحجر؛ لأن الضب لا يوصف بالخراب. انظر: "الإنصاف" لابن الأنباري ص 83.]]:
حُجْر ضَبٍّ خَرِبٍ.
وكقوله [[عجز بيت لامرئ القيس، وصدره:
كأن ثبيرًا في عرانين وَبْله
انظر: "ديوانه" ص 122، السيوطي ص 298، "الخزانة" 2/ 327، 3/ 639، "الخصائص" 1/ 192، 3/ 221، "المحتسب" 2/ 135، "أمالي ابن الشجري" 1/ 134، "تذكرة النحاة" ص 308، "اللسان" (زمل) 3/ 1864، "مغني اللبيب" 2/ 515.]]:
كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مزمَّلِ
{"ayah":"فَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَـٰلِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهَا حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلࣲ مَّنضُودࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق