الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾، قال ابن عباس [["تنوير المقباس" 140.]] والمفسرون [[البغوي 4/ 171، ابن عطية 7/ 270، ابن كثير 2/ 484، الرازي 17/ 211، "معاني القرآن" للزجاج 3/ 47، "تفسير مقاتل" 145 أ.]]: يعني: الأشراف ورؤساء القوم وكبراءهم ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ لا فضل لك علينا ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ أي لم يتبعك الملأ منا وإنما اتبعك أخساؤنا، قال ابن عباس [[القرطبي 9/ 23.]]: يريد: المساكين الذين لا عقول لهم ولا شرف ولا مال، وهذا كقوله في الشعراء: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: 111].
قال الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 95، القرطبي 9/ 23، "تهذيب اللغة" 2/ 1397 (رذل).]]: نسبوهم إلى الحياكة، والصناعات لا تضر في باب الديانات، والرذل [[في (ب): (الرذال).]] الدون من كل شيء في منظره وحالاته، ورجل رذل الثياب، والفعل رذل يرذل رذالة، وأرذل الشيء جعله رذلًا؛ يقال: أرذل فلان دراهمي، فالأراذل [[في (ب): (فالأرذال).]] يجوز أن تكون جمع الجمع، والواحد رذل والجمع أرذل [[في (ب): (أرذال).]] ثم يجمع على أراذل، كقولك: كلب وأكلب وأكالب، ويجوز أن يكون جمع الأرذل إذا جعلته اسمًا كالأساود في جمع الأسود من الحيات، هذا قول بعضهم، قال: الأصل فيه هو أرذل من كذا ثم كثر حتى قالوا هو الأرذل، فصارت الألف واللام عوضًا من الإضافة.
وقوله تعالى: ﴿مَا نَرَاكَ﴾، ﴿نَرَاكَ﴾ عند الفراء [["معاني القرآن" 2/ 11، ولم يقل الفراء بأنها لغو، وإنما قال: "كأنه حذف (نراك)، وقال ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾.]] لغو اعترض به وكأنه قيل: وما اتبعك، قال أبو علي [["الحجة" 4/ 320.]]: لا يجوز أن يكون "نراك" اعتراضًا؛ لأنه قد تعدى إلى المفعول فلا يحسن الاعتراض به، ولو لم يتعد لحسن، كما تقول: زيد ظننت منطلق، ولو ألغيته وقد عديته إلى مفعول لم يجز، فإن قلت فقد قال الشاعر [[ابن هرمة. هو: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة القرشي من الخلج وهم من قيس بن الحارث بن فهر. سكن المدينة وهو من آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم، مات سنة 150هـ تقريبًا. انظر: "طبقات الشعراء" 20، و"تاريخ بغداد" 6/ 127.
والبيت في "ديوانه" (56) وفيه: تظهر لي قرحة وتنكؤها، وانظر: السيوطي 277، 279، "تاج العروس" (اقط) 19/ 134، أساس البلاغة /402 (لبأ)، الدرر 1/ 81، 207، وهو بلا نسبة في الهمع 1/ 111، 248، "تهذيب اللغة" 15/ 483، "اللسان" (أنف) 9/ 14.]]:
وما أراها تزال ظالمة ... تحدث لي قرحة وتنكأها
فعدى أرى إلى الضمير، وجعل أراها اعتراضًا، قيل: إن الضمير في قوله (أراها) كناية عن المصدر [فلا يقتضي مفعولًا ثانيًا، وفي قوله "نراك" المفعول للخطاب، والخطاب لا يكون كناية عن المصدر] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]، فلا تكون الآية في قياس البيت.
وقوله تعالى: ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾، البادي [["تهذيب اللغة" (بدا) 1/ 287 - 288.]]: الظاهر، من قولك: بدا الشيء إذا ظهر، ومنه يقال للبرية: بادية لظهورها وبروزها للناظر، واختلفوا في معنى ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ فذكر أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 47، وانظر: "تهذيب اللغة" (بدا) 1/ 287 - 288.]] فيه وجهين:
أحدهما: اتبعوك في الظاهر، وباطنهم على خلاف ذلك.
قال: ويجوز أن يكون: اتبعوك في ظاهر الرأي، ولم يتدبروا ما قلت ولم يتفكروا.
والوجه الأول روى معناه عطاء الخراساني عن ابن عباس [[الطبري 12/ 28، وابن المنذر كما في "الدر" 3/ 590.]]: في قوله ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ قال: فيما ظهر لنا.
وذكر ابن الأنباري [[" الزاهر" 1/ 226، "زاد المسير" 4/ 96.]] وجهًا آخر، فقال: معناه اتبعك سفلتنا أو سقطاؤنا، فيما يظهر من أمرهم لنا ولغيرنا، أي الذي وصفناهم به من الانتقاص لهم والازدراء بهم ظاهر لجميع من يراهم، وليس ذلك أمرًا يغيب ويغمض فيخالفنا فيه غيرنا.
قال: وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل بن سليمان [["زاد المسير" 4/ 96، "تنوير المقباس" 145 أ.]]، و ﴿الرَّأْيِ﴾ على هذا من رأي العين، لا من رأي القلب، وكذلك في الوجه الأول الذي ذكره الزجاج، ويؤكد ما ذكره ابن الأنباري من مذهب مقاتل بن سليمان: ما رواه عبد الوهاب بن مجاهد [[هو: عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، روي عن أبيه، كذبه الثوري وضعفه وكيع وأحمد وابن معين وأبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 496، "تهذيب التهذيب" 2/ 640.]]، عن أبيه [[في (ب): (مجاهد).]] قال: معناه إلا الذين هم أراذلنا رأي العين [[البغوي 4/ 171، الثعلبي 7/ 39 أ.]].
هذا كله على قراءة من قرأ (بادي) من غير همز [[وقرأ بها السبعة غير أبي عمرو، "السبعة" ص 332، "التبصرة" ص 538، "الكشف" 1/ 526، "الحجة" 4/ 316.]]، ومن قرأ بادئ بالهمز [[وقرأ بها أبو عمرو، "السبعة" 332، "التبصرة" ص 538، "الكشف" 1/ 526، "الحجة" 4/ 316.]] فقال أبو عليّ الفارسي [["الحجة" 4/ 317.]]: هاتان الكلمتان يعني: بادي وبادئ متقاربتان في المعنى؛ لأن الهمز فيها بمعنى: ابتداء الشيء وأوله، واللام إذا كانت واوًا كان المعنى: الظهور، وابتداء الشيء يكون ظهورًا، وإن كان الظهور قد يكون ابتداء وغير ابتداء، ولذلك ما [[هكذا في النسخ، ولعل الصواب: ولذلك كثيرًا ما تستعمل. "الحجة" 4/ 317.]] تستعمل كل واحدة من الكلمتين في موضع الأخرى كقولهم: أما بادي بدء فإني أحمد الله، وأما بادئ باد فإني أحمد الله.
وأما المعنى على هذه القراءة، فقال أبو إسحاق [[هو الثعلبي 7/ 39 أ.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 47.]]: اتبعوك ابتداء الرأي، أي حين ابتدأوا ينظرون، ولو فكروا [لم يتبعوك، ونحو هذا قال ابن الأنباري [["تهذيب اللغة" (بدا) 1/ 287 - 288، "زاد المسير" 4/ 96.]]: أي ابتدءوك أول ما ابتدؤوا ينظرون، ولو فكروا] [[ما بين القوسين، ساقط من (ب) و (ج).]] لم يعدلوا عن موافقتنا في تكذيبك.
ونحوه قال أبو علي [["الحجة" 4/ 317.]]: أراد اتبعوك في أول الأمر من غير أن يتبعوا الرأي بفكر وروية فيه.
وهذه الأقوال معناها واحد، وذكرتها لزيادة البيان، قال غير هؤلاء: معنى قوله: ﴿أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ أول ما نراهم نزدريهم ونسترذلهم.
قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 96.]]: ويجوز لمن ترك الهمز في بادي أن ينوي اصطحاب الهمز ويحتج بأن الهمز مُلَيَّن ومعناه مطلوب، وبنحو من هذا قال أبو علي [["الحجة" 4/ 318 بنحوه.]]، وقد يجوز في قول من همز أن يخفف ويقول: بادي، فتقلب الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، فيكون كقولهم [[في (ب): (قولهم من غير كاف).]]: (مِيَر) في جمع ميرة، و (ذِيَب) في جمع ذيبة.
قال أبو بكر: وانتصاب المهموز وغير المهموز بالاتباع على مذهب المصدر، أي اتبعوك اتباعًا ظاهرًا أو اتباعًا مبتدأ.
وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 47.]]: فأما نصب ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ فعلى اتبعوك في ظاهر الرأي، وعلى ظاهر الرأي، ومن قال: بادي فعلى ذلك نصبه. وهذا الذي قاله أبو إسحاق مخالف لما قاله أبو بكر، وشرح أبو علي [["الحجة" 4/ 318 بتصرف.]] قولة أبي إسحاق، وذلك أنه لما قال: في ظاهر الرأي، وعلى ظاهر الرأي جعله ظرفًا فقال أبو علي: اسم الفاعل جاز أن يكون ظرفًا كما جاز في (فعيل) نحو قريب ومليء؛ لأن (فاعلًا) و (فعيلاً) يتعاقبان على المعنى، نحو عالم وعليم وشاهد وشهيد ووالي وولي، قال: والعامل في هذا الظرف هو قولى: "اتبعك"، التقدير: ما اتبعك في أول رأيهم، أو في ما ظهر من رأيهم، إلا أراذلنا، فأخّر الظرف، وأوقع بعد (إلا) ولو كان بدل الظرف غيره لم يجز، ألا ترى أنك لو قلت: ما أعطيت أحدًا إلا زيدًا درهمًا، فأوقعت بعد (إلا) اسمين لم يجز؛ لأن الفعل أو معنى الفعل في الاستثناء يصل إلى ما انتصب بتوسط الحرف [ولا يصل الفعل بتوسط الحرف] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] إلى أكثر من مفعول، ألا ترى أنك لو قلت: استوى الماء والخشبة، فنصبت الخشبة لم يجز أن تتبعه اسمًا آخر ينصبه، كذلك المستثنى إذا لحقته (إلا) وأوقعت بعدها اسمًا مفردًا لم يجز أن تتبعه آخر، وجاز ذلك في الظرف لأن الظرف قد اتسع فيه في مواضع، ألا ترى أنهم قالوا: كم في الدار رجلاً ففصلوا بينهما في الكلام [[إلى هنا انتهى النقل من "الحجة" 4/ 319.]].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾، قال ابن عباس [[لم أجده عن ابن عباس، وهو قول الطبري 12/ 27، ابن عطية 7/ 273، القرطبي 9/ 24.]]: يريد التكذيب له ولما جاء به من النبوة، وهل الفضل كله إلا بالنبوة، ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ يريد ليس هذا من الله.
قال ابن الأنباري [[الطبري 12/ 27 - 28.]]: وجمعت الكاف في خطاب نوح بعد توحيدها في أول الآية؛ لأنه ذهب إلى مخاطبة نوح وأصحابه، كما قال عزت أسماؤه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: 1] فجمع بعد التوحيد.
{"ayah":"فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرࣰا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِینَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِیَ ٱلرَّأۡیِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَیۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَـٰذِبِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق