الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، المعنى: من يريد الحياة الدنيا، و (كان) في تقدير الزيادة، ولذلك جزم جوابه، وهو قوله: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ﴾، هذا معنى قول الفراء [["معاني القرآن" 2/ 5.]]؛ لأن المعنى فيما بعد ﴿كَانَ﴾ [[في (ي): (قدكان).]]؛ فكأن ﴿كَانَ﴾ تبطل في المعنى، وحكى الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 42. وانظر: "معاني الأخفش" 1/ 455.]] عن المبرد أن معنى ﴿كَانَ﴾ و (تكون) العبارة عن الأحوال فيما مضى وفيما يستقبل، و ﴿كَانَ﴾ تستعمل فيهما جميعًا، فعلى هذا معنى ﴿كَانَ﴾ في الشرط والاستقبال؛ لأن الشرط لا يقع بالماضي، والمعنى: من يكن يريد الحياة الدنيا كقول زهير: ومن هاب أسباب المنايا ينلنه أي من يهبها، واختلفوا في نزول هذه الآية والتي بعدها، فقال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 84.]] في رواية عطاء: من كان يريد تعجيل الدنيا فلا يؤمن بالبعث ولا بالثواب ولا [[ساقط من (ب).]] بالعقاب، وهذا يدل على أن الآية نازلة في أهل الكفر. وقال قتادة [[الطبري 12/ 12، وأبو الشيخ كما في "الدر" 3/ 585، والثعلبي 7/ 35 أ، وابن كثير 2/ 481، ورواه الدارمي في المقدمة 1/ 81 عن الحسن.]]: من كانت الدنيا همه وسدمه [[السَّدَم -بفتحتين-: الولوع بالشيء واللهج به، وفي الحديث: "من كانت الدنيا همه وسدمه .. ". لسان العرب (سدم) 4/ 1976، "تهذيب اللغة" 2/ 1660.]] ونيته وطلبته، جازاه الله في الدنيا بحسناته، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها، وأما المؤمن فيجازى في الدنيا بحسناته ويثاب عليها في الآخرة، واختار قوم [[البغوي 4/ 165، "زاد المسير" 4/ 84، الرازي 17/ 198، الثعلبي 7/ 35 ب.]] هذا الوجه في النزول، وقالوا: الآية في الكفار بدليل الآية التي بعدها، وقالوا: المؤمن يريد الدنيا والآخرة، وإرادته الآخرة غالبة على إرادته الدنيا، وعلى هذا معنى الآية أن من أتى من الكافرين فعلاً حسناً من إطعام جائع، وكسوة عار، ونصرة مظلوم من المسلمين عجل له ثواب ذلك في دنياه؛ بالزيادة في ماله، والتوسعة عليه في الرزق، وإقرار العين فيما خول، وهذا معنى قول سعيد بن جبير [[الطبري 12/ 11، وأبو الشيخ كما في "الدر" 3/ 584 - 585، و"المحرر الوحيز" 7/ 254، و"زاد المسير" 4/ 84.]]: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾، قال: ثواب ما عملوا من خير أعطوا في الدنيا، وليس له في الآخرة إلا النار، فإذا جاء هذا الكافر في الآخرة رد منها على عاجل الحسرة؛ إذ لا حسنة لها هناك. وقال ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 84.]] في رواية الكلبي عن أبي صالح عنه أنها نزلت في أهل القبلة، وقال مجاهد [[الطبري 12/ 12، الثعلبي 7/ 35 ب، "المحرر الوجيز" 7/ 253، البغوي 4/ 165، "زاد المسير" 4/ 84، أبو الشيخ كما في "الدر" 3/ 584.]]: هم أهل الرياء. وقال الضحاك [[الطبري 12/ 12، ابن أبي حاتم 6/ 2011.]]: من عمل عملًا صالحًا من أهل الإيمان من غير تقوى، عجل له ثواب عمله في الدنيا، واختار الفراء [["معاني القرآن" 2/ 6.]] هذا القول وقال: يقول [[ساقط من (ب).]]: من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب [الدنيا عجل له] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] ثوابه ولم يبخس أي لم ينقص في الدنيا، ويؤكد هذا ما يروى أن معاوية لما أخبر بحديث أبي هريرة [[أخرج الترمذي (2382) كتاب: الزهد، باب الرياء والسمعة، وأخرجه مسلم (1905) كتاب: الإمارة، باب: من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، "شرح النووي" بنحوه، والطبري 12/ 13، الثعلبي 7/ 35 ب.]] عن النبي ﷺ في أهل الرياء من القراء وأصحاب الأموال والمقاتلين، إذا قيل لهم في الآخرة إنما فعلتم ليقال فلان قارئ، فلان سخي، وفلان جريء، فقد قيل ذلك، والحديث طويل، وفي آخره أن هؤلاء أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة، ولما أخبر معاوية بهذا بكى بكاء شديدًا، ثم قال: صدق الله ورسوله ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ﴾، وقرأ الآيتين. قال ابن الأنباري: فعلى هذا القول، المعني [بهذا الوصف] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] قوم من أهل الإسلام يعملون العمل الحسن لتستقيم به دنياهم، غير متفكرين في الآخرة وما ينقلبون إليه، فهؤلاء يعجل لهم جزاء حسناتهم في الدنيا، فإذا جاءت الآخرة كان جزاؤهم عليها النار، إذا لم يريدوا بها وجه الله، ولم يقصدوا التماس ثوابه وأجره، فإن قيل: على هذا القول الآية الثانية توجب تخليد المؤمن في النار؛ لأنه قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ﴾، قيل: من مات على الإيمان [لم يخلد في النار] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] وظاهر هذه الآية يدل على أن من راءا بعمله ولم يلتمس ثواب الآخرة، ونوى بعمله الدنيا، بطل إيمانه عند الموافاة؛ لأن قوله تعالى ﴿وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ شامل للإيمان وفروعه. وقال ابن الأنباري: إن القوم لا يخلدون في النار، إذ كان عموم التوحيد معهم، وإنما يحرقون بالنار بالذنوب السابقة، ثم يخرجون منها إلى الجنة [[مذهب أهل السنة والجماعة أن الموحد لا يخلد في النار وإن دخلها فإن مآله إلى الجنة، قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: فإن قيل الآية تقتضي تخليد المؤمن المريد بعمله الدنيا في النار، قيل: إن الله سبحانه ذكر جزاء من يريد بعمله الدنيا وزينتها وهو النار، وأخبر بحبوط عمله وبطلانه، فهذا أحبط ما ينجو به وبطل، لم يبق معه ما ينحيه، فإن كان معه إيمان لم يرد به الحياة الدنيا وزينتها بل أراد به الله والدار الآخرة لم يدخل هذا الإيمان في العمل الذي حبط وبطل، ونجاه هذا الإيمان من الخلود في النار، وإن دخلها بعمله الذي به النجاة المطلقة، فالإيمان إيمانان. إيمان يمنع دخول النار وهو الإيمان الباعث على أن == تكون الأعمال لله وحده، وإيمان يمنع الخلود في النار، فإن كان مع المرائي شيء منه، وإلا كان من أهل الخلود، فالآية لها حكم نظائرها من آيات الوعيد. "تيسير العزيز الحميد" ص 536.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب