الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ الآية، قال ابن عباس في رواية عطاء: وذلك أن موسى كان يدعو، وهارون يؤمن [[رواه أبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 567، وبمعناه ابن جرير 15/ 187.]]، وهذا قول الربيع وابن زيد وعكرمة وأبي العالية والقرظي كلهم قالوا: دعا موسي وأمّن هارون فلذلك قال: ﴿دَعْوَتُكُمَا﴾ فأضاف إليهما [[ذكر أقوالهم ابن جرير في "تفسيره" 11/ 160 - 161، والسيوطي في "الدر المنثور" 3/ 567.]]. قال الزجاج: والمؤمّن على دعاء الداعي داع أيضًا؛ لأن قوله (آمين) تأويله: استجيب، فهو سائل كسؤال الداعي [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 31.]]. وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمَا﴾ فامضيا لأمري، قال عكرمة: فهو الاستقامة، عن ابن عباس [[هكذا في جميع النسخ، وفي العبارة قلق، وقد روى ابن جرير في "تفسيره" 11/ 161، أثري ابن عباس وعكرمة، ولفظ ابن عباس: (فاستقيما) فامضيا لأمري، وهي الاستقامة، وهو من رواية ابن جريج عنه. ولفظ عكرمة: أمن هارون على دعاء موسى، فقال الله: قد أجيبت دعوتكما فاستقيما.]]، وقال المفسرون: فاستقيما على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 161، والثعلبي 7/ 24 ب، والبغوي 4/ 148.]]. قال ابن جريج: إن فرعون لبث بعد هذه الآية [[يعني الدعوة الواردة في هذه الآية، ورواية المؤلف موافقة لما في مخطوطة تفسير ابن جرير، كما أشار إلى ذلك محققه 15/ 187، وقد أثبت المحقق ما في الطبعة السابقة. انظر طبعة الحلبي 11/ 161، "الدر المنثور" 3/ 567، ولفظه: بعد هذه الدعوة.]] أربعين سنة [[رواه ابن جرير 11/ 161، والثعلبي 7/ 24 ب، وأشار البغوي 4/ 147، إلى أن هذا من القصص، يعني الذي لا يمكن التثبت من صحته.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعَانِّ﴾، قال أبو إسحاق: موضعه جزم إلا أن النون الشديدة دخلت للنهي مؤكدة وكسرت لسكونها [[في (ح) و (ز): (وسكونها)، وما أثبته موافق للمصدر.]] وسكون النون التي قبلها فاختير لها الكسرة؛ لأنها بعد الألف تشبه نون الاثنين [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 31.]]، قال أبو علي: إنما شبهتها؛ لأنها زائدة مثلها وداخلة لمعنى كدخولها [[في (ى): (كمعنى دخولها)، والمثبت موافق للمصدر.]]، فإن قيل: المكسورة في (تتبعان) ليست بعد ألف فكيف تكسر تشبيهًا بنون رجلان وهي بعد ألف؟ قيل: النون الأولى من المشددة لما كانت ساكنة وجَمعت إلى السكون الخفاء لم يعتد [[في (ى): (يعرر)، وهو خطأ.]] بها، وصارت المكسورة كأنها وليت الألف، وقد لا يعتدون بالحاجز لخفائه، وإن كان متحركًا، كما أجمعوا -فيما زعم سيبويه [[انظر: "كتابه" 3/ 534.]] - على (رُدَّهَا) بفتح الدال ولم يضموا كما أجازوا الضم في (رُدُّ)؛ لأن الدال في (ردها) صارت كأنها وليت الألف لخفاء الهاء [[اهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة" 293/ 4 بمعناه.]]، وهذا مما ذكرناه في أول هذا الكتاب. فأما قراءة ابن عامر [[في (ى): (ابن عباس)، وهو خطأ.]] (وَلَا تَتَّبِعَانِ) بتخفيف النون [[انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص 173، "إرشاد المبتدي" ص 365، "تقريب النشر" ص 123.]] فلها ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يكون خفف الثقيلة للتضعيف كما حذفوا (رب) و (إن) ونحوهما من المضاعف، إلا أنه حذف الأولى [[في (ح): (للأولى)، وفي "الحجة" الأول، وكذا في الموضع التالي، وهو أولى.]] من المثلين، كما أبدلوا الأولى في نحو قيراط ودينار [[أجل قيراط: قرّاط، بتشديد الراء، ثم قبلت إحدى الراءين ياء، وكذلك أصل دينار: دنّار فقلبت إحدى النونين ياء وذلك لئلا يلتبس بالمصادر التي تجيء على وزن فِعّال ككذّاب. انظر: "لسان العرب" (دنر) و (قرط).]]، ولزم ذلك في هذا الموضع؛ لأن الحذف لو لحق الثانية للزم التقاء الساكنين على غير ما يستعمل في الأمر الشائع، وغلط بعضهم فزعم أن هذا على مذهب يونس فإنه يجيز [[في (ح) و (ز): (يجوز).]] إدخال النون الخفيفة في فعل الاثنين وفعل جماعة النساء [[انظر قول يونس ورد سيبويه عليه في: "كتاب سيبويه" 3/ 527، "الإنصاف" ص 523، "ائتلاف النصرة" ص 131.]]، وهذا غلط؛ لأن تلك النون الخفيفة ساكنة غير متحركة، وأجاز يونس في ذلك الجمع بين ساكنين، وابن عامر يقرأ بالتخفيف والتحريك [[انظر: "النشر" 2/ 286، "إتحاف فضلاء البشر" ص 253.]] وجميع أهل النحو خالفوا يونس في ذلك الوجه [[انظر: "كتاب سيبويه" 3/ 527، "الأصول في النحو" لابن السراج 2/ 203، "الحجة" 3/ 441، "الإيضاح العضدي" 1/ 335، "أوضح المسالك" 3/ 136، وقول المؤلف: وجميع أهل النحو خالفوا يونس غير صحيح، فقد وافقه جميع الكوفيين، انظر: "الإنصاف" ص 523، "ائتلاف النصرة" ص 131.]]. الثاني: أن قوله (لا تتبعان) على هذه القراءة على لفظ الخبر، ومعناه الأمر، كقوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: 228، 234]، و ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ﴾ [البقرة: 233] أي: لا ينبغي ذلك. وإن شئت جعلته حالاً من ﴿استقيما﴾، وتقديره: استقيما غير متبعين، وهذا هو الوجه الثالث، ويدل على هذا [[ساقط من (ح).]] قول الشاعر [[لم أهتد له، والبيت بلا نسبة في "أمالي القالي" 2/ 263، "الحجة" 4/ 294، "سمط اللآلي" 2/ 901، "المعاني الكبير" لابن قتيبة 3/ 1265 قال ابن قتيبة في الموضع نفسه: شريبه: الذي يشرب معه، والمعنى: لا أسقي حتى يسقي شريبي.]]: ولا أسقي ولا يَسقي شريبي ... ويرويه إذا أوردت مائي وقول الفرزدق: بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سلت [[لم أجده في ديوانه، "شرح ديوان الحماسة" اللمرزوقي ص 122،"لسان العرب" (شيم) 4/ 2380، "المعاني الكبير" 3/ 1265. وقد بين المبرد في "الكامل" 1/ 308، أن هذا البيت ظريف عند أصحابي المعاني، وتأويل لم يشيموا: لم يغمدوا، ولم تكثر القتلى: أي لم يغمدوا سيوفهم إلا وقد كثرت بها القتلى حين سلت.]] ومعنى الآية: ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي فتستعجلا قضائي، فإن وعدي لا خلف له، ووعيدي نازل بفرعون وقومه، كذا قال المفسرون [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 161 - 162، والثعلبي 7/ 25 أ، والبغوي 4/ 148.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب