الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا﴾، قال أبو علي: التبوء: فعل يتعدى إلى مفعولين، واللام في قوله: ﴿لِقَوْمِكُمَا﴾ في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: 72] ألا ترى أن المطاوع من الأفعال على ضربين، أحدهما: ألا يتعدى نحو: انشوى وانتأى [[كذا في جميع النسخ وهو بمعنى: بعد، انظر: "اللسان" (نأى)، وفي "الحجة": انثأى، وهو من الثأي بمعنى الإفساد أو القتل أو خرم الخرز. انظر: "لسان العرب" (ثأي).]]، في مطاوع [شويته ونأيته، والآخر: أن يتعدى كما تعدى ما هو مطاوع] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ز).]] له؛ وذلك نحو تعلقته وتقطعته فـ (تعلقته) يتعدى كما تعدى (علقته) وليس فيه أن ينتقص مفعول المطاوع عما [[من (ى) وفي بقية النسخ: كما، وما أثبته موافق لما في "الحجة" وهو الصواب.]] كان يتعدى إليه ما هو مطاوع له [[ساقط من (ح) و (ز).]]، فإذا كان كذلك كان اللام على الحد الذي ذكرنا [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 309 بتصرف.]]. فعلى ما ذكر أبو علي يجوز أن تقول: تبوأت زيدا مكانًا، أي اتخذت له، ولم أر هذا لغيره؛ لأنه يقال: تبوأ المكان دارًا، فيُعدونه إلى مفعولين كما ذكر، ويقال: تبوأ لزيد منزلاً، أي اتخذه له، فلا يُعدون إلى زيد إلا باللام. وقوله تعالى: ﴿بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾، قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد مساجد [[رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص 218 من رواية الكلبي، ورواه تفسيرًا للجملة التالية ابن جرير 11/ 153 - 156، وابن أبي حاتم 6/ 1977، والفريابي == وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 5/ 566، وهو من رواية عكرمة.]]، فالبيوت هاهنا هي المساجد، لا المنازل المسكونة، كقوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ [النور: 36]. ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾، قال [[يعني ابن عباس، وقد رواه ابن جرير 11/ 154.]] يريد: إلى الكعبة [[في هذا القول نظر لما يأتي: أ- أن تشريع القبلة تجاه بيت المقدس في أول الإسلام يدل على أنها قبلة الأنبياء السابقين، وليست مما غيره أهل الكتاب من دينهم. ب- أن هذا الأثر عند ابن جرير من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو الأسدي؛ والأول سيء الحفظ جدًا، فاخش الخطأ، كثير المناكير كما في "تهذيب التهذيب" 3/ 627، والثاني صدوق ربما وهم كما في "التقريب" (6918).]]، وعلى هذا، التقدير: واجعلوا بيوتكم؛ أي مساجدكم قِبَل القبلة، أي [[في (م): (أو)، وهو خطأ.]] إلى القبلة، وهذا قول مجاهد [[رواه ابن جرير 11/ 154 - 155 من طريقين أحدهما من رواية ابن جريج وهي ضعيفة لعنعنة ابن جريج وهو مدلس كما في "التقريب" ص 363 (4194)، والثانية من رواية ابن أبي نجيح وهي ضعيفة أيضًا؛ لأن في سندها أبا حذيفة؛ وهو صدوق سيء الحفظ وكان يصحف، ولم يخرج له البخاري إلا في المتابعات، كما في المصدر السابق 2/ 288.]]، والحسن [[ذكره هود بن محكم في "تفسيره" 2/ 205، لكن بلفظ: مستقبلة القبلة، ومعلوم أن القبلة أعم من الكعبة كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾ [البقرة: 145].]]، وابن جريج عن ابن عباس قال: كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه [[رواه الثعلبي 7/ 24 أ، والبغوي 4/ 146، وفي سنده ابن جريج وقد عنعنه وهو مدلس كما في "تقريب التهذيب" ص 363 (4193)، وانظر التعليق على قول ابن عباس السابق.]]. وعلى هذا القول أمر موسى وأخوه باتخاذ المساجد لقومهما بمصر على رغم أعدائهما وأعداء قومهما؛ لأن الله عز وجل يمنعهم من أعدائهم حتى لا [[ساقط من (ح) و (ز).]] يَصِلُوا إيقاع مكروه بهم. وقال أكثر المفسرين: لما أُرسل [[في (ى): (أرسل الله).]] موسى أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت كلها، ومُنعوا من الصلاة، فأُمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفًا من فرعون [[انظر: "تفسير الثعلبي" 7/ 23 ب، والسمرقندي 2/ 108، والبغوي 4/ 146، وابن الجوزي 4/ 54.]]، وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 154، والثعلبي 7/ 23 ب، والبغوي 4/ 146.]]، وإبراهيم [[يعني النخعي، وانظر قوله في: المصادر السابقة "تفسير ابن أبي حاتم" 6/ 1977.]]، وابن زيد [[انظر: "تفسير ابن جرير" 11/ 154، والثعلبي 7/ 23 ب.]]، والربيع [[انظر: المصدرين السابقين، نفس الموضع.]]، وأبي مالك [[رواه ابن جرير 11/ 154، وابن أبي حاتم 6/ 1977، والثعلبي 7/ 23 ب.]]، والسدي [[رواه ابن جرير، الموضع السابق.]]، والضحاك [[المصدر السابق، نفس الموضع.]]، واختيار الفراء [["معاني القرآن" 1/ 447.]]، والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 30.]]. قال الزجاج: وقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ أي: صلوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 30.]]، وقال الفراء: أمروا أن يتخذوا المساجد في جوف الدور لتخفى من القبط، ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ أي إلى الكعبة [["معاني القرآن" 1/ 477، ولفظه: لتخفى من فرعون.]]. وقال ابن الأنباري: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ أي قبلا، يعني مساجد فاكتفى بالواحد من الجمع، كقول العباس بن مرداس: فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور [[انظر: "ديوان العباس بن مرداس" ص 52، "لسان العرب" (أخا) 1/ 41، "المقتضب" 2/ 174، وقبل هذا البيت: كأن بني معاوية بن بكر ... إلى الإسلام ضائنة تخور]] [أراد إنا إخوتكم [["زاد المسير" 4/ 55، وذكره مختصرًا الرازي في "تفسيره" 17/ 147.]]. وقال عكرمة عن ابن عباس: واجعلوا بيوتكم مساجد [[رواه ابن جرير 11/ 153، 154، وابن أبي حاتم 6/ 1977، والفريابي وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه كما في "الدر المنثور" 3/ 566.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب