الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾، قال الزجاج: الكاف في موضع نصب أي مثل أفعالهم جازاهم ربك [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 18.]] هذا كلامه. وشرحه أبو بكر [[هو ابن الأنباري.]] فقال: (ذلك) إشارة إلى مصدر ﴿تُصْرَفُونَ﴾ تلخيصه: مثل ذلك الصرف حقت كلمة ربك، وموضع ﴿ذَلِكَ﴾ خفض بالكاف، والكاف موضعها نصب [[ساقط من (ى).]] بـ ﴿حَقَّتْ﴾ على تقدير: حقت الكلمة مثل ذلك الصرف [[ذكر قوله ابن الأنباري مختصرًا بن الجوزي في "زاد المسير" 4/ 30.]]. وقال بعض أهل المعاني: المشبه به في ﴿كَذَلِكَ﴾ معنى قوله: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [ومعناه ليس بعد الحق إلا الضلال] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] كذلك حقت الكلمة، وعلى هذا: الكاف في موضسع رفع بالابتداء، وخبره ﴿حَقَّتْ﴾ وذكر أبو بكر قولًا آخر في ﴿كَذَلِكَ﴾ وهو أنه بمعنى هكذا [["زاد المسير" 4/ 30.]] إشارة إلى الحاضر وهو مصدر ﴿حَقَّتْ﴾ ويكون موضع ﴿كَذَلِكَ﴾ نصبًا بـ ﴿حَقَّتْ﴾ ولا تكون الكاف فيه منفصلة مما بعدها، وتقديره إذا لم تفصل الكاف منه: هذا الحق حقت كلمة ربك [وقد ترفع (كذلك) إذا استحق الرفع، وهذا المعنى ذهب إليه مقاتل بن سليمان [[لم أجده في "تفسيره".]]، والكلبي [[رواه الثعلبي 7/ 14 أ، والبغوي 4/ 132.]]، وجماعة من المفسرين [[انظر: "تفسير السمرقندي" 2/ 98، وابن الجوزي 4/ 30.]]، أعني أنهم يقولون: معنى الحرف: هكذا حقت كلمة ربك] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح).]]، والدليل على أن (هكذا) يرفع وينصب ويخفض بكماله وجملته ولا يُقضى عليه بانفصال [[في (ح) و (ز): (انفصال).]] بعضه من بعض حكايته الفراء عن أبي ثروان [[هو: أبو ثروان العكلي، من بني عُكْل، أعرابي فصيح مصنف، له من الكتب "خلق الإنسان"، وكتاب "معاني الشعر". انظر: "الفهرست" ص 73، "إنباه الرواة" 4/ 105، ولم أجد من ترجم له ترجمة وافية.]]: ليس بهكذا [[في (م): (هكذا)، وهو خطأ.]]، فدخول الباء على (هكذا) يكشف أنه مشبه بـ (هذا)، ويؤكد هذا الفصل ما ذكره صاحب النظم أن (كذلك) قد تكون تحقيقًا وإثباتًا لما قبله من الخبر، كما أن (كلا) ردٌ وإبطال لما قبله من الخبر، وعلى هذا (كذلك) كلمة [[في (ى): (كذلك حقت كلمة)، وهو خطأ.]] بكماله وجملته، ولا يُقضى عليه بانفصال بعضه عن بعض. وقوله تعالى: ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ وقرئ كلمات ربك [[يعني الجمع، وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر، وقرأ الباقون بالتوحيد. انظر: كتاب "السبعة" ص 326، "تحبير التيسير" ص 122، "إتحاف فضلاء البشر" ص 216.]]، وذكر المفسرون في معناها [[ساقط من (ح).]] قولين، أحدهما: حق وعد ربك الذي بينه في غير موضع من كتابه من تعذيبه أهل الكفر وإصارته إياهم إلى الهلاك والبوار، وهذا معنى قول الزجاج: أي: مثل أفعالهم جازاهم [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 18.]]. أما توحيد الكلمة وجمعها، فمن وحدها فإنه أراد الجمع؛ لأن ما أوعد الله -عز وجل- به وتهدد به الكفار كلام يجمع حروفًا وألفاظًا [[في (م): (ألفاظًا وحروفًا).]]، كقوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [السجدة: 20] الآية، فجعل هذه الجملة وغيرها من آي الوعيد كلمة وإن كانت في الحقيقة كلمات؛ لأنهم قد يسمون القصيدة والخطبة كلمة، وهذا نحو قوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى﴾ [الأعراف: 137]، يعني بالكلمة قوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: 5] الآية، فجعلها كلها كلمة؛ وذلك لأنها إذا كانت الكلمات في معنى واحد كانت كأنها كلمة واحدة، هذا قول أبي بكر، وأبي علي [[يعني الفارسي، انظر: "الحجة" 4/ 273.]]. قال أبو بكر: ويجوز أن يكون أراد الكلمات، فأوقع الواحد موقع الجمع كقوله: وأما جلدها فصليب [[هذا بعض بيت، وهو بكماله: بها جِيَف الحسرى فأما عظامها ... فبِيضٌ وأما جلدها فصليب والبيت لعلقمه الفحل في "ديوانه" ص 40، "خزانة الأدب" 7/ 559، "شرح أبيات سيبويه" 1/ 93، "كتاب سيبويه" 1/ 209. والشاعر يصف طريقًا شاقًا قطعه حتى يصل إلى ممدوحه، والحسرى: جمع حسير، وهو البعير الذي كلّ وانقطع سيره إعياء أو هزالًا فيتركه أصحابه، وابيضت عظامه: يعني أكلت السباع والطيور ما عليها من لحم، وجلد صليب: أي يابس، أو لم يدبغ. انظر: "شرح أبيات سيبويه"، "خزانة الأدب"، نفس الموضعين السابقين.]] يعني جلودها، وقال أبو علي: ويجوز أن تكون: ﴿كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ التي يراد بها الجنس، وقد أوقع على بعض الجنس، كما أوقع اسم الجنس على بض، كقوله: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ﴾ [الصافات: 137، 138]، فأوقع اسم الليل على ذلك الوقت الذي يقرون فيه عليهم وهو بعض الجنس [[اهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 273.]]. القول الثاني: في معنى الكلمة، أنه أراد: حق عليهم ما سبق من علم الله فيهم وما جبلهم عليه من الشقاء، وهذا قول ابن عباس [[رواه بمعناه مختصرًا ابن أبي حاتم 6/ 1951، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 551.]]، وقوله تعالى: ﴿عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا﴾، قال ابن عباس: يريد كذبوا [["تنوير المقباس" ص 212، ولفظه: كفروا.]]. قال أهل المعاني: فسقوا في كفرهم، أي تمردوا فيه، والفسق الخروج في المعصية إلى الكبيرة، فإن كانت كفرا فالخروج إلى أكبره [[انظر: "المفردات في غريب القرآن" (فسق) ص380 بمعناه.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ موضع (أن) رفع [[ساقط من (ى).]] بدل من (كلمة ربك) قاله الزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 18.]]، وابن الأنباري، وهذا على القول الثاني في تفسير الكلمه، وعلى القول الأول تكون (أن) [[ساقط من النسخ عدا (م).]] منصوبة، لحذف الخافض، ويكون المعنى: حقت الكلمة عليهم؛ لأنهم لا يؤمنون، أو بأنهم لا يؤمنون، ذكره الفراء [["معاني القرآن" 1/ 463.]]، والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 18.]] جميعًا، ويقول الكسائي: موضعها خفض بالخافض المضمر معها [[لم أعثر على مصدره.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب