الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، قال الزجاج: المعنى: فلما أنجاهم بغوا [[اهـ. كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 14.]]، وذلك أن (إذا) تقع موقع الفعل كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ [بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ى) و (ز) و (ص).]] إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: 36]، [على معنى قنطوا، ونذكر الكلام في هذا عند قوله ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [[يعني آية سورة الروم السابقة.]]] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]]. ﴿إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ﴾، أي: يعملون بالفساد والمعاصي بغير الحق، قال ابن عباس: يريد بالفساد [[في (ى): (بالمعاصي والفساد ... إلخ)، ولم أثبت الكلمة لعدم وجودها في المصدر ولا في سائر النسخ.]] والتكذيب والجرأة على الله [["تفسير الرازي" 17/ 71.]]، ومعنى البغي: قصد الاستعلاء بالظلم، وأصله من الطلب [[في "تهذيب اللغة" (بغى) 1/ 367: يقال: ابغني كذا وكذا: أي اطلبه لي، ومعنى ابغني وابغ لي سواء، فإذا قال: ابغني كذا وكذا فمعناه أعني على بُغائه واطلبه معي.]]. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ يريد: أهل مكة، ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي: بغي بعضكم على بعض متاع في الدنيا، وليس مما يقرب إلى الله، وإنما تأتونه لحبكم العاجلة. قال أبو إسحاق: ﴿مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ تقرأ بالرفع وبالنصب [[قرأ بنصب (متاع) حفص وحده، وقرأ الباقون بالرفع، انظر: "الغاية في القراءات العشر" ص170، "تقريب النشر" ص 122، وقد وافق حفصًا جمع من القراء غير العشرة، انظر: "زاد المسير" 4/ 20، "البحر المحيط" 5/ 140.]]، فالرفع من جهتين: أحدهما: أن يكون ﴿مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ خبرًا لقوله: ﴿بَغْيُكُمْ﴾، ويجوز أن يكون خبر الابتداء ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ ويكون ﴿مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ رفعا على إضمار (هو) ومعنى الكلام: إن ما تنالونه بهذا الفساد والبغي إنما تتمتعون به في الحياة الدنيا ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ﴾، ومن نصب فعلى المصدر، المعنى: [تمتعون متاع الحياة] [[ما بين المعقوفين هكذا نصه في (ح) تمتعون به في الحياة، وهو خطأ سببه الجملة السابقة المشابهة لهذه الجملة في لفظها.]] الدنيا؛ لأن قوله: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ﴾ يدل على أنهم يتمتعون [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 14.]]. وزاد أبو علي الفارسي بيانًا فقال: قوله: ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ يحتمل تاويلين؛ أحدهما: أن يكون متعلقًا بالمصدر؛ لأن فعله متعد بهذا الحرف يدل على ذلك قوله: ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ﴾ [الحج: 60]، وقوله تعالى: ﴿بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: 22]، فإذا جعلت الجار من صلة المصدر كان الخبر ﴿مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [والمعنى: ما ذكرنا أن بغي بعضكم على بعض متاع] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] في الدنيا [[ما بين العلامتين من كلام المؤلف، وهو بمعناه في "الحجة"، وفيها زيادة.]]. ويجوز أن تجعل [[في (م): (تحمل).]] (على) خبر المبتدأ ولا تجعله من صلة المصدر، وحينئذ يكون خبرًا للمصدر، ويكون متعلقًا بمحذوف على تقدير: إنما بغيكم عائد على أنفسكم، أي: عملكم بالظلم يرجع إليكم، كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [[ما بين العلامتين من كلام المصنف، وليس موجودًا في "الحجة".]] [فصلت: 46]، [الجاثية: 15]، وهذا في [[ساقط من (ى).]] المعنى كقوله: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: 43]، وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [الفتح: 10]، فإذا رفعت ﴿مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ على هذا التأويل كان خبر [[في (ى): (خبره)، وهو خطأ يجعل الجملة لا معنى لها.]] مبتدأ محذوف، كأنك قلت: ذاك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا [[ساقط من (ى).]]، ومن نصب ﴿متاعَ﴾ جعل (على) من صلة المصدر، فيكون الناصب للمتاع هو المصدر الذي هو البغي، ويكون خبر المبتدأ محذوفًا، وحسن حذفه لطول الكلام، وهذا المحذوف لو أظهرته لكان يكون: مذموم [[في (م): (مذمومًا أو مكروهًا أو منهيًا عنه)، وفي بقية النسخ و"الحجة" بالرفع، والتقدير: إنما بغيكم على أنفسكم مذموم أو مكروه.]] أو مكروه أو منهي عنه، ويجوز أن تجعل (على) خبر المبتدأ وتنصب (متاع) على: تمتعون متاعًا، فيدل [[في (م): (فظهر)، وهو خطأ.]] انتصاب المصدر على المحذوف [[اهـ. كلام أبي علي. انظر: "الحجة للقراء السبعة" 4/ 266 - 268 بتصرف واختصار.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب