الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ الآية، يقال سيرت القوم من بلدة إلى بلدة: أي أشخصتهم، وقرأ ابن عامر: (ينشركم) [[انظر: كتاب "السبعة" ص 325، "النشر" 2/ 282، "إرشاد المبتدي" ص 361، وقد وافقه أبو جعفر كما في المصدرين الأخيرين.]] من النشر بعد الطي، والمعنى: يفرقكم ويبثكم، وحجته قوله: ﴿فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: 10]. وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾، قال بعضهم: في الآية إضمار على تقدير: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ فتسيرون ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ [[انظر: "تفسير الكشاف" 2/ 231، والرازي 17/ 69.]]، وذكرنا الكلام في الفلك في سورة البقرة [[البقرة: 164، وقال في هذا الموضع: الفلك: واحد وجمع، ويذكر ويؤنث، وأصله من الدوران، وكل مستدير فلك، وفلك السماء اسم لأطواق سبعة تجري فيها النجوم، والسفينة سميت فلكًا؛ لأنها تدور بالماء أسهل دور ... إلخ.]]. وقوله تعالى: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾، قال أبو إسحاق: ابتداء الكلام خطاب، وبعد ذلك إخبار عن غائب؛ لأن كل من أقام الغائب مقام من يخاطب جاز له أن يرده إلى الغائب، وأنشد: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية [[في (ح): (مقلة)، وهو خطأ.]] إن تقلت [[البيت لكثير عزة من تائيته المشهورة، انظر: "ديوانه" 2/ 13، "أمالي القالي" 2/ 109، "لسان العرب" (قلا) 6/ 3731، وهو في "الصحاح" (قلا) بلا نسبة.]] [[اهـ كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" 3/ 13.]] فقوله (تقلت)، خبر عن غائب بعد المخاطبة. وقوله تعالى: ﴿جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾، قال الفراء: يعني الفلك، فقال: ﴿جَاءَتْهَا﴾ وقد قال: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ ولم يقل وجرت، وكلٌ صواب، تقول: النساء قد ذهبت وذهبن، والفلك يؤنث ويذكر، ويكون واحداً [[في "معاني القرآن": واحدة.]] وجمعًا [["معاني القرآن" 1/ 460، وانظر التذكير والتأنيث للفلك في "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري 1/ 278.]]. وقوله تعالى: ﴿عَاصِفٌ﴾، قال الزجاج والفراء: ريح عاصف وعاصفة وقد عصفت عصوفًا وأعصفت، فهي معصف ومعصفة [[انظر قول الفراء في المصدر السابق، نفس الموضع، وقول الزجاج في "زاد المسير" 3/ 19، "تفسير الرازي" 17/ 70، ولم أجده في كتابه "معاني القرآن".]]. قال الفراء: والألف [[في "معاني القرآن" (وبالألف) يعني: أعصفت.]] لغة بني أسد [["معاني القرآن" 1/ 460.]] ومعنى عصفت الريح: اشتدت، وأصل العصف السرعة، يقال: ناقة عاصف وعصوف: سريعة، وإنما قيل ريح عاصف؛ لأنه يراد ذات عصوف، كما قيل لابن، وتامر [[في "لسان العرب" (تمر) 1/ 445: يقال: رجل تأمر ولابن: أي ذو تمر وذو لبن.]]، أو لأن لفظ الريح مذكر [[قال ابن الأنباري: الريح من الرياح مؤنثة، والريح: الأرَج والنشر -وهما حركتا الريح- مذكر، أنشدنا أبو العباس، عن سلمة، عن الفراء، قال: أنشدني بعض بني أسد: كم من جراب عظيم جئت تحمله ... ودهنة ريحها يغطي على التفل قال: أنشدنيه عدة من بني أسد كلهم يقول: يغطي، فيذكرونه على معنى النشر، ويجوز أن يكون ذكَّروه إذ كانت الريح لا علامة فيها للتأنيث موجودة. "المذكر والمؤنث" 1/ 257، وانظر: "اللسان" (روح) فقد نص على أن الريح مؤنثة.]]. وقوله تعالى: ﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾، الموج ما ارتفع من الماء فوق الماء، ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾، قال أبو عبيدة والقتيبي: أي دنوا من الهلاك [["مجاز القرآن" 1/ 277، "تفسير غريب القرآن" ص 202.]]، وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بقوم أو بلد فقد دنوا من الهلاك، وذكرنا ما في هذا عند قوله: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ [[قال هناك ما نصه: ويكون المعنى في (أحاطت به خطيئته) أهلكته، من قوله: ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾، وقوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾، قال ابن السراج: أحاطت به خطيئته: أي. سدت عليه مسالك النجاة.]] [البقرة: 81]. وقوله تعالى: ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾، قال ابن عباس: يريد تركوا الشرك فلم يشركوا به من آلهتهم شيئًا، وأخلصوا لله الربوبية والوحدانية [["زاد المسير" 4/ 20، "الوسيط" 2/ 543، "مفاتيح الغيب" 17/ 73، "البحر المحيط" 5/ 139.]]، وقالوا: ﴿لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ﴾ أي: من هذه الريح العاصف، ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ قال [[يعني ابن عباس، انظر: "تنوير المقباس" ص 211، "الوسيط" 2/ 543.]]: يريد من الموحدين والطائعين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب