قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾، قال مجاهد: هو [[ساقط من (م).]] قول الإنسان لولده وماله إذا غضب: اللهم لا تبارك فيه والعنه [[رواه ابن جرير 11/ 92، وابن أبي حاتم 6/ 1932، والثعلبي 7/ 7 أ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" 3/ 539.]]. وقال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وولده وأهله وماله بما يكره أن يستجاب له [[رواه ابن جرير 11/ 92، وابن أبي حاتم 6/ 1932، والثعلبي 7/ 7 أ، والبغوي 4/ 123.]]، والتعجيل: تقديم الشيء قبل وقته، والاستعجال: طلب العجلة.
قال الفراء: ﴿اسْتِعْجَالَهُمْ﴾ منصوب بوقوع الفعل وهو (يعجل) كما تقول: قد ضربت اليوم ضربك [[في (ح): (مضربك).]]، والمعنى كضربك [[" معاني القرآن" 1/ 458.]].
وقال أبو إسحاق: نصب (استعجالهم) على [معنى: مثل استعجالهم، على] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]] نعت مصدر محذوف، المعنى: ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلًا مثل استعجالهم بالخير [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 8.]]، وهذا نحو قول الفراء وتفسير له؛ لأنه قد قال: هو مثل قولك ضربت اليوم ضربك، أي: كضربك فيكون المعنى تعجيلًا كاستعجالهم [["معاني القرآن" 1/ 8 بمعناه.]]، فالقولان سواء، و (استعجالهم) نصب بـ (تعجيك) [[هكذا في جميع النسخ، وفي "معاني القرآن" للفراء: يعجل، وانظر نقل المؤلف النص قبل بضعة أسطر.]] في الظاهر على ما قاله الفراء، وهو في الحقيقة نعت مصدر محذوف كما قال أبو إسحاق، واستعجالهم معناه طلبهم العجلة، وهو مصدر مضاف إلى الفاعل، والمعنى: أن الناس لو أجيبوا في الدعاء على أنفسهم وأهليهم عند الغضب كقول الرجل لابنه وحميمه: فعل الله بك وأماتك الله، وعجلوا في ذلك الشر على ما يطلبون كما يطلبون العجلة بالخير.
وزاد ابن قتيبة بيانًا فقال: إن الناس عند الغضب وعند الضجر قد يدعون على أنفسهم وأهليهم وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء، كما قد يدعونه بالرزق والرحمة وإعطاء السؤال، يقول: فلو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلونه به استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم، قال: وفي الكلام حذف واختصار كأنه قال: ولو يعجل الله للناس إجابتهم في الشر الذي يستعجلونه استعجالهم بالخير [["تأويل مشكل القرآن" ص 393.]]، وعلى [[في (م): (فعلى).]] هذا، الاستعجال مصدر لفعل محذوف، والمصدر يدل على الفعل، كما أن الفعل يدل على المصدر، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ﴾ فعل من الله -عز وجل-، وقوله تعالى: ﴿اسْتِعْجَالَهُمْ﴾ فعل من المخلوقين.
وقال مقاتل في هذه الآية: لو استجيب لهم في الشر كما يحبون أن يستجاب لهم في الخير [[هذا قول مقاتل بن سليمان، انظر: "تفسيره" 138 ب.]].
وسلك أبو علي الفارسي في الآية طريقة أخرى فقال: المعنى والله أعلم: ولو يعجل الله للناس الشر [[في "الحجة" دعاء الشر.]]، أي: ما يدعون به [[في (م): (إليه).]] من الشر على أنفسهم في حال ضجر وبطر استعجاله إياهم [[هكذا في جميع النسخ، وكذلك هو في إحدى نسخ "الحجة" كما أشار إليه المحقق، ونص بقية النسخ: استعجالهم إياه، ولعل صواب عبارة أبي علي ما ذكره المؤلف ويدل على ذلك ما يأتي:
أ- قول أبي علي: فأضيف المصدر إلى المفعول به، وحذف الفاعل، دليل على أنه أراد ما ذكره المؤلف، إذ إنه على العبارة الثانية يكون المصدر مضافًا إلى الفاعل.
ب- بيان المؤلف أن عبارة الكلبي بمعنى عبارة أبي علي وهذا لا يتحقق إلا على ما ذكره المؤلف.
ج- قول المؤلف: وعلى هذا: التعجيل والاستعجال كلاهما من الله، لا يتحقق إلا بالعبارة التي ذكرها المؤلف، إذ إن العبارة الثانية تفيد أنه أراد العبارة الأخرى؛ لأنه لو أراد العبارة التي ذكرها المؤلف لقال: استعجالًا مثل استعجاله لهم بالخير. فليتأمل.]] بدعاء الخير فأضيف المصدر إلى المفعول به، وحذف الفاعل، كقوله: ﴿مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: 49] في حذف ضمير الفاعل قال: والتقدير: ولو يعجل الله للناس الشر [[ساقط من (ح).]] استعجالًا مثل استعجالهم بالخير [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 254.]]، وهذا مذهب الكلبي في هذه الآية، فإنه قال: يقول: لو يعجل الله للناس إذا دعوا بالعقوبة كما يعجل لهم الخير إذا دعوا بالرحمة والرزق والعافية فيرزق ويعطي [[ذكره بنحوه السمرقندي في "تفسيره" 2/ 90.]]، وعلى هذا: التعجيل والاستعجال كلاهما من الله -عز وجل-.
وقوله تعالى: ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾، قال عامة المفسرين: أي لماتوا وهلكوا جميعًا وفرغ من هلاكهم [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 3/ 8، و"تفسير ابن جرير" 11/ 92، والثعلبي 7/ 7 أ، والبغوي 4/ 124، و"معاني القرآن" للزجاج 3/ 8.]]، وقال أبو عبيدة: لفرغ عن أجلهم [["مجاز القرآن" 1/ 275 ولفظه: لفرغ ولقطع ونبذ إليهم. وقد ذكره أبو علي في "الحجة" 4/ 254 بلفظ المؤلف.]]، والتقدير: لفرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة، فإذا انتهت مدتهم المضروبة للحياة هلكوا، ومعنى الفراغ من المدة: انقضاؤها، والشيء إذا انقضى فرغ منه، ونحو هذه الآية قوله: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ﴾ [الإسراء: 11].
فأما ما يتعلق به الجار في قوله: ﴿إِلَيْهِمْ﴾، قال أبو علي: لما كان معنى (قضى): فرغ [وكان فرغ] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ى).]] قد يتعدى بها الحرف نحو قوله [[هو: جرير كما في "لسان العرب" (أين) 1/ 193، ولم أجده في "ديوانه"، ورواية "اللسان": الآن وقد نزعت ... إلخ
ونمير: قبيلة عربيته معروفة منها الراعي النميري، وكان بينه وبين جرير هجاء ومناقضات. انظر: "طبقات فحول الشعراء" 2/ 436.]]:
ألان فقد فرغت إلى نمير ... فهذا حين صرت لهم عذابا
فلما تعلق (إلى) بفرغ كذلك تعلق بقضى [["الحجة للقراء السبعة" 4/ 256 بنحوه.]].
وتحقيق التأويل: لو أجيبوا إلى ما يدعون به من الشر والعذاب لفرغ إليهم من أَجَلِهم بأن ينقضي الأجل فيموتوا ويحصلوا في البلاء والعذاب.
وقرأ ابن عامر: (لقَضَى إليهم أجلَهم) على إسناد الفعل إلى الفاعل [[كتاب "السبعة" ص 323، "إرشاد المبتدي" ص 360، " النشر" 2/ 282، وقد وافقه يعقوب كما في المصدرين الأخيرين.]]؛ لأن ذكر الفاعل قد تقدم وهو الله -عز وجل-، في قوله: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ﴾.
وذكر عن بعض المفسرين [[هو: مقاتل بن سليمان كما في "تفسيره" 138 ب، "تفسير القرطبي" 8/ 315.]]: أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: 32] الآية، يدل على صحة هذا قوله: ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، يعني الكفار الذين لا يخافون البعث.
{"ayah":"۞ وَلَوۡ یُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَیۡرِ لَقُضِیَ إِلَیۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا فِی طُغۡیَـٰنِهِمۡ یَعۡمَهُونَ"}