الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [[في (ج): (نحبد) تصحيف.]]. اختلفت [[في (ب): (اختلف).]] مذاهب النحويين في هذا الحرف، وأنا ذاكر لك هنا منها ما يحتمله هذا الكتاب [[ما ذكره الواحدي عن (إياك) نقله عن أبي الفتح ابن جني من كتاب "سر صناعة الإعراب" == مع تصرف يسير في العبارة، وأبو الفتح اعتمد على أبي علي الفارسي، وصرح بنقله عنه، وكلام الفارسي موجود في "الإغفال" قال أبو الفتح: (وهذِه مسألة لطيفة عنت لنا في أثناء هذا الفصل، نحن نشرحها ونذكر خلاف العلماء فيها، ونخبر بالصواب عندنا من أمرها إن شاء الله وهي قوله عز اسمه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وما كان مثله. أخبرني أبو علي، عن أبي بكر محمد بن السري، عن أبي العباس محمد بن يزيد: أن الخليل يذهب إلى أن (إيا) اسم مضمر مضاف إلى الكاف ...)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 312، وانظر: "الإغفال" ص 52 (رسالة ماجستير).]]. ذهب الخليل إلى أن (إيا) اسم مضمر، مضاف إلى (الكاف) وهذا -أيضًا- مذهب أبي عثمان [[هو أبو عثمان بكر بن محمد المازني الشيباني، النحوي المشهور، أستاذ أبى العباس المبرد، اختلف في سنة وفاته فقيل: (236 هـ)، وقيل: (248 هـ)، وقيل: غير ذلك. انظر ترجمته في "طبقات النحويين واللغويين" ص 87، "تاريخ بغداد" 7/ 93، "إنباه الرواة" 1/ 246، "معجم الأدباء" 2/ 345، "نزهة الألباء" ص 140.]]. وحكى أبو بكر [[هو محمد بن السري كما في "سر صناعة الإعراب" 1/ 312.]] عن أبي العباس [[المبرد، "سر صناعة الإعراب" 1/ 312.]] عن أبي الحسن [[في (ب): (الخير).]] أنه اسم مفرد مضمر يتغير آخره كما تتغير [[في (ب): (يتغير).]] أواخر المضمرات، لاختلاف أعداد المضمرين، وأن الكاف في (إياك) كالكاف التي في (ذلك) في أنه دلالة على الخطاب فقط، مجردة من كونها علامة للضمير، ولا يجيز أبو الحسن فيما يحكى عنه: (إياك وإيا زيد) و (إياي وإيا الباطل) [[في (ج): (الباصل).]]. وقال سيبويه: حدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول: إذا بلغ الرجل ستين فإياه وإيا الشواب [["سر صناعة الإعراب" 1/ 313. وانظر قول سيبويه في "الكتاب" 1/ 279 (تحقيق عبد السلام هارون)، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 11، "اللسان" (إيا) 1/ 187.]]. وحكى ابن كيسان عن بعض النحويين أنه قال: (إياك) بكمالها: اسم. قال: وقال بعضهم: (الياء والكاف والهاء) هي الأسماء، و (إيا) عماد لها؛ لأنها لا تقوم بأنفسها [[انظر بقية كلام ابن كيسان في "سر صناعة الإعراب" 1/ 313.]]. وقال أبو إسحاق: (الكاف) في (إياك) في موضع جر بإضافة [[في (ب): (اضافة).]] (إيا) إليها، إلى أنه ظاهر يضاف إلى سائر المضمرات. [["سر صناعة الإعراب" 1/ 313، وانظر نص قول الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 10، 11. قال الزجاج: (.. و (أيا) اسم للمضمر المنصوب إلى أنه يضاف إلى سائر المضمرات ..).]] وليس يصح من هذِه الأقوال إلا قول أبي الحسن [[قال أبو الفتح: (وتأملنا هذِه الأقوال على اختلافها والاعتدال لكل قول منها، فلم نجد فيها ما يصح مع الفحص والتنقيب غير قول أبي الحسن الأخفش ..)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 314.]]. أما قول الخليل: إن (إيا) اسم مضمر مضاف فظاهر الفساد؛ وذلك أنه إذا ثبت أنه مضمر فلا سبيل إلى إضافة؛ لأن الغرض في الإضافة التعريف والتخصيص، والمضمر على نهاية الاختصاص فلا حاجة به إلى الإضافة، فهذا يفسد قول الخليل والمازني جميعا [["سر صناعة الإعراب" 1/ 315.]]. وحكاية سيبويه في إضافة [[عند أبي الفتح: (فأما ما حكاه سيبويه عنه (أي عن الخليل) من قولهم: فإياه وإيا الشواب، فليس سبيل مثله -مع قلته- أن يعترض به على السماع ... الخ)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 315.]] (إيا [[في (ب): (إيا إليها) زيادة (إليها).]]) ليس سبيل مثله -مع قلته- أن يعترض به على السماع والقياس جميعا، ألا ترى أنه لم يسمع منهم: (إياك وإيا الباطل). وأما قول من قال: (إياك) بكماله اسم، فليس [[في (ب): (فليست).]] بقوي، وذلك أن (إياك) في أن فتحة الكاف تفيد خطاب المذكر، وكسرتها تفيد خطاب المؤنث، بمنزلة (أنت) في أن الاسم هو الهمزة والنون، والتاء [[في (ب): (الياء) تصحيف.]] المفتوحة تفيد خطاب المذكر، والمكسورة خطاب [[عند أبي الفتح: (تفيد خطاب ..)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 315.]] المؤنث، فكما أن ما قبل التاء في (أنت) هو الاسم، والتاء حرف خطاب، كذلك (إيا) هو الاسم، والكاف حرف خطاب [[فلا يكون (إياك) بكماله اسم.]]. وأما من قال: إن (الكاف والهاء والياء) [[عند أبي الفتح: (وأما من قال: إن (الكاف والهاء والياء) في إياك وإياه وإياي هي الأسماء وأن (إيا) إنما عمدت بها هذِه الأسماء لقلتها فغير مرضي أيضا) "سر صناعة الإعراب" 1/ 315.]] هي الأسماء و (إيا) عماد لها لقلتها، فغير مرضي أيضا وذلك أن (إيا) في أنه [[في (ب): (ايه).]] ضمير منفصل بمنزلة (أنت وأنا ونحن، وهو وهي) في أن هذِه مضمرات منفصلة، كما أن (أنا وأنت) ونحوهما مخالف للفظ المرفوع المتصل نحو (التاء) في قمت، و (النون) في قمنا، و (الألف) في قاما، و (الواو) في قاموا، بل هي ألفاظ أخر [[في (أ): (أخرى) وما في (ب)، (ج) موافق لما عند أبي الفتح، 1/ 316.]] غير ألفاظ الضمير المتصل، وليس شيء منها معمودًا به شيء من الضمير المتصل بل هو قائم بنفسه، فكذلك (إيا) مضمر [[عند أبي الفتح: (اسم مضمر منفصل) وفي الحاشية: (اسم) سقط من (ش)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 316.]] منفصل، ليس معمودًا به غيره، كما أن (التاء) في (أنت) وإن كانت بلفظة (التاء) في (قمت)، فليست اسما مثلها [[فالتاء في (قمت) ضمير، وفي (أنت) التاء للخطاب و (الاسم) أن.]]، بل الاسم قبلها وهو (أن)، وهي بعده للخطاب، وليست [[في (ب): (ليس).]] (أن) عمادا للتاء [[في (ب): (التاء).]]، فكذلك (إيا) هي الاسم، وما بعدها يفيد الخطاب تارة، والغيبة تارة، والتكلم [[في ب، (ج): (والمتكلم) وعند أبي الفتح (التكلم) وفي الحاشية (ل)، (ب): (المتكلم) "سر صناعة الإعراب" 1/ 316.]] أخرى، وهذا محض القياس. وأما قول أبي إسحاق: وإن (إيا) اسم مظهر، خص بالإضافة إلى المضمر [["سر صناعة الإعراب" 1/ 316، وانظر رأي أبي إسحاق في "معاني القرآن" 1/ 10، 11.]] ففاسد أيضًا وليست (إيا) بمظهر كما زعم، والدليل على أن (إيا) ليست باسم مظهر اقتصارهم به على ضرب واحد من الإعراب، وهو النصب، كما اقتصروا بـ (أنا وأنت) على ضرب واحد من الإعراب، وهو الرفع [[عند أبي الفتح: (... وهو الرفع، فكما أن (أنا وأنت وهو ونحن) وما أشبه ذلك أسماء مضمرة، فكذلك (إيا) اسم مضمر لاقتصارهم به على ضرب واحد من الإعراب، وهو النصب، ولم نعلم اسما مظهرا ... الخ) 1/ 316.]]، ولم نعلم اسمًا مظهرًا اقتصر به على النصب ألبتة، إلا ما كان ظرفا [[قال أبو الفتح: (ولم نعلم اسما مظهرا اقتصر به على النصب البتة إلى ما اقتصر به من الأسماء على الظرفية وذلك نحو: ذات مرة، وبعيدات بين، وذا صباح وما جرى مجراهن، شيئا من المصادر نحو: سبحان الله ... الخ)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 316.]]، وليس (إيا) بظرف، فقد صح بما أوردناه سقوط هذِه الأقوال، ولم يبق قول يجب اعتقاده، ويلزم الدخول تحته غير قول أبي الحسن: إن (إيا) مضمر، وإن (الكاف) بعده ليست اسمًا، وإنما هي للخطاب، بمنزلة (كاف) ذلك، وأرأيتك [[في (ج): (ولرايتك).]] وأبصرك زيدا، وليسك عمرا [[في (ب): (عمروا). وقوله (ليسك عمرا) أي: (ليس عمرا) والكاف لتوكيد الخطاب، وكذا أبصرك زيدا، أى أبصر زيدا. انظر "سر صناعة الإعراب" 1/ 309.]]، والنجاءك [[(النجاءك): إذا أردت: انج، انظر: "تهذيب اللغة" (نجا) 4/ 3509، "سر صناعة الإعراب" 1/ 308.]]. فإن قيل: إذا كانت (الكاف) في إياك ليست اسمًا فكيف تقولون في (الهاء) و (الياء) في (إياه وإياي)؟ [[في "سر صناعة الإعراب" (... فكيف يصنع أبو الحسن بقولهم: إياه وإياي ...) 1/ 317.]]. قلنا: هما مثل الكاف، وإنما اختلف ما بعد (إيا) لاختلاف أعداد المضمرين وأحوالهم من الحضور والمغيب، ولسنا [[في (ج): (ولنا).]] نجد حالا سوغت هذا المعنى للكاف، وانكفت غير [[(غير) كنا في جميع النسخ، وعند أبي الفتح (عن) وهو الصحيح. "سر صناعة الإعراب" 1/ 317.]] (الهاء والياء) [[فكما كانت (الكاف) حرف خطاب في (إياك) تكون (الهاء) في (إياه) و (الياء) في (إياي) حرفين، ولا مسوغ لاختلافهما عن (الكاف).]]. وقد وجدنا غير (الكاف) لحقه من سلب الاسمية وإخلاصه للحرفية [[في (ب): (ولا خلاصة للحرفة).]] ما لحق (الكاف)، وهي (التاء) في أنت و (الألف) في قول من قال: قاما أخواك [[في (ج): (أخوك).]]، و (الواو) في: قاموا إخوتك، و (النون) في: قمن الهندات، ألا ترى أن من قال: (أخواك قاما) كانت الألف عنده علامة الضمير والتثنية، وإذا قال: (قاما أخواكا) كانت الألف مخلصة للدلالة على التثنية مجردة من مذهب الاسمية، لامتناع تقدم المضمر [[في (ب): (الضمير).]]، وخلو [[في (ج): (خلق).]] الفعل من علم الضمير بارتفاع الاسم الظاهر بعده، وكذلك الجمع والتأنيث على هذا القياس [[فصل أبو الفتح هذا بالأمثلة، انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 318.]]، فلا ينكر أيضا أن تكون (الهاء) و (الياء) في ضربه وضربني على معنى الاسمية، فإذا قلت: (إياه) و (إياي) تجردتا من معنى الاسمية، وخلصتا [[في (ب): (واخلصا).]] لدلالة الحرفية، فاعرف هذا، فإنه من لطيف ما تضمنه هذا الفصل [[قال أبو الفتح: (... فاعرف هذا، فإنه من لطيف ما تضمنه هذا الفصل وبه كان أبو علي رحمه الله ينتصر لمذهب أبي الحسن ويذب عنه، ولا غاية في جودة الحجاج بعده)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 318.]]، وهذا الذي ذكرنا كلام أبي علي وأبي الفتح [[انتهى ما نقله عن أبي الفتح من "سر صناعة الإعراب" 1/ 312 - 318، وانظر: "الإغفال" ص 50 - 57.]]. واعلم: أن الضمير ينقسم إلى ثلاثة أقسام [[هذا البحث لا علاقهَ له بتفسير الآية، ومكانه كتب النحو واللغة، وجرى الواحدي في == هذا على منهج شيخه الثعلبي حيث ذكر أقسام الضمير في هذا الموضع 1/ 129/ أ، وانظر أقسام الضمير في باب: الكنايات في (أصول النحو) لابن السرج 2/ 114، (التبصرة والتذكرة) للصيمري 1/ 493 - 511.]]: ظاهر منفصل، وظاهر متصل، ومستكن، وهو على ثلاثة [[في (ب): (ثلاثة أنواع أوجه) وكلمة (أنواع) جاءت في الجانب فلعلها شر من الكاتب]] أوجه: ضمير المرفوع، وضمير المنصوب، وضمير المجرور، وكل واحد منها على وجهين: متصل ومنفصل، إلا ضمير المجرور، فإنه متصل، ولا منفصل له. أما ضمير المرفوع المتصل فنحو (تاء) فعلت وفعلت، وتثنيتهما، وجمعهما وتأنيثهما. وأما ضمير المرفوع المنفصل فنحو (أنا وأنت وهو) وتثنيتها وجمعها، وتأنيثها [[في (ج): (وتثنيتهما وجمعهما وتأنيثهما).]]. وأما ضمير المنصوب المتصل فنحو (ياء) ضربني، و (كاف) ضربك و (هاء) ضربه [[في (ب): (ضربته).]]، وتثنيتها وجمعها وتأنيثها [[(تأنيثها) سقط من (ب).]]. وأما ضمير المجرور المتصل فنحو (ياء) بي، و (كاف) بك و (هاء) به، ولا منفصل له. وأما المستكن فهو ما كان مستكنا في الفعل كقولك: قعد، وقام، فالضمير [[في (ب): (والضمير).]] مستفاد من الفعل وإن لم يصرح به، لأن الفعل لا يقوم إلا بفاعل. واعلم: أن (إيا) مبنية على السكون؛ لأن فيها شبه الحرف، فهي مثل (أنت، وأنا، وهو) وهذِه كلها مبنية لشبه الحرف، والألف في آخرها غير منقلبة مثل ألف (لا) و (ما) و (حتى) و (كلا) [[انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 655، 656.]]. قال أبو الفتح: وحكى لي حاك عن أبي إسحاق قال [[في "سر صناعة الإعراب": (أراه قال لي: سمعته ....) 2/ 656.]]: سمعته يقول وقد سئل عن معنى قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ما تأويله؟ فقال: حقيقتك نعبد، قال: واشتقاقه من الآية، وهي العلامة، قال [[قال: المراد أبو الفتح. انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 656.]]: وهذا القول عندي من أبي إسحاق غير مرضي، وذلك أن جميع [[في (ب): (جمع).]] الأسماء المضمرة مبني غير مشتق نحو: (أنا وأنت وهو وهي) وقد قامت الدلالة على كون (إيا) اسما مضمرًا [[وهو ما تقدم مما قرره الواحدي نقلا عن أبي الفتح ابن جني.]]، فيجب أن لا يكون مشتقا [[انظر بقية كلام أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" 2/ 656، وانظر (المحتسب) 1/ 40.]]. فإن قلت: فما مثال (إيا) من الفعل؟ فإن المضمر لا ينبغي أن يمثل؛ لأنه غير مشتق ولا متصرف [[ترك الواحدي بقية كلام أبي الفتح، فلم يرد جواب السؤال واضحا، قال أبو الفتح بعد هذا: (ولكنك إن تكلفت ذلك على تبيين حاله لو كان مما يصح تمثيله، لاحتمل أن يكون من ألفاظ مختلفة، وعلى أمثلة مختلفة فالألفاظ ثلاثة: أحدها: أن يكون من لفظ (أويت)، والآخر: من لفظ الآية، والآخر: من تركيب (أوو ...)، ثم أخذ في تفصيل ذلك في كلام طويل. انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 656 - 664.]]. وقال صاحب "النظم" [[هو أبو علي الحسن بن يحيى الجرجاني، وكتابه هو "نظم القرآن" سبق الحديث عنه وعن كتابه في مصادر الواحدي في "البسيط"، وذكرت هناك: أن كتاب "نظم القرآن" مفقود، وقد نقل عنه الواحدي كثيرا.]]: معنى (إيا) الاختصاص، وقول القائل: (إياك ضربت) يعني: أن الضرب اختص بك وأردتك به، ولهذا وضعت العرب (إياك) في موضع التحذير لما فيه من تأويل الاختصاص، فقالوا: إياك والأسد، أي: احفظ نفسك واحذر الأسد، ومنه قول الشاعر: فإياك والأمر الذي إن توسعت ... موارده ضاقت عليك المصادر [[ينسب البيت للطفيل الغنوي، وهو في (ديوانه) ص 102، قال المحقق: وهو قريب من شعر الطفيل، وينسب لمضرس بن ربعي الفقعسي، وكل المصادر روت البيت (فهياك) بدل (فإياك) وهو الشاهد عندهم حيث أبدل الهمزة هاء. ورد البيت في "المحتسب" 1/ 40، ("الإنصاف") 1/ 215، "ديوان الطفيل الغنوي" ص 102، "اللسان" (هيا) 8/ 4743، "الكشاف" 1/ 62، والقرطبي 1/ 127.]] وربما قالوا: إياك الأسد، بلا (واو)، قال [[في (ب): (وقال).]] الشاعر: عليك القصد فاقصده برفق ... وإياك المحاين أن تحينا [[أنشد الفراء شطره الثاني ولم ينسبه "معاني القرآن" 1/ 166، وكذا المزني في "معاني الحروف" ص 102، وابن قتيبة في (أدب الكاتب) ص 322 وشطره الأول عنده: ألا أبلغ أبا عمرو رسولا وقوله: المحاين: المهالك، تحين: تهلك أو يأتي حينها ووقتها.]] فمن حذف (الواو)، فمعناه احذر على نفسك الأسد، وصن [[في (ج): (أوصن).]] نفسك منه. وهذا الضمير [[أي ضمير (إيا).]] يستعمل مقدما ولا يستعمل مؤخرا، إلى أن يفصل بينه وبين الفعل، فيقال: ما عنيت إلا إياك. قال أبو بكر [[ابن الأنباري، انظر: "زاد المسير" 1/ 14.]]: وقوله: ﴿إِيَّاكَ﴾ بعد [[في (ب): (إياك نعبد قوله) وفي (ج) سقطت (بعد).]] قوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [[في (ب): (مالك).]] [الفاتحة: 4] رجوع من الغيبة إلى الخطاب، والعرب تفعل ذلك كثيرًا، وهو نوع من البلاغة والتصرف في الكلام [[انظر: "زاد المسير" 1/ 14، "مجاز القرآن" 1/ 23، والطبري 1/ 67، وابن عطية 1/ 104، "الكشاف" 1/ 62، والرازي 1/ 252.]]، ومثله قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: 21] ثم قال: ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً﴾ [الإنسان: 22] وقال الأعشى: عنده البر والتقى وأسا الصد ... ع وحمل لمضلع الأثقال ووفاء [[في (ج): (ووحاء).]] إذا أجرت فما غر ... ت حبال وصلتها بحبال [[البيتان من قصيدة للأعشى يمدح الأسود بن المنذر، وليس البيتان متواليين في القصيدة، وإنما بينهما أبيات، وفي "الديوان" ورد (الحزم) بدل (البر) و (الصرع) بدل (الصدع). قوله: (التقي) أي: الحذر، (أسا): دواء. انظر: "الديوان" ص 166 - 167، ولم أجدهما في غيره.]] وأنشد أبو عبيدة [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 24.]]: يا لهف نفسي كان جدة خالد ... وبياض وجهك للتراب الأعفر [[البيت لأبي كبير الهذلي، يرثي صديقا له اسمه خالد (جدة) يعني: شبابه، (الأعفر) يقول: دفن في أرض ترابها أعفر: أي: أبيض. ورد البيت في "مجاز القرآن" 1/ 24، "شرح أشعار الهذليين" للسكري 3/ 1081، والطبري 1/ 67، "أمالي ابن الشجري" 1/ 117، وابن عطية 1/ 104.]] وقال كثير [[هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة من خزاعة، كان أحد العشاق المشهورين، وصاحبته (عزة) وهي من ضمرة، وإليها ينسب، كان كثير رافضيا توفي في اليوم الذي توفي فيه عكرمة مولى ابن عباس. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص 334، "طبقات فحول الشعراء" 2/ 534، "الخزانة" 5/ 221.]]: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت [[من قصيدة لكثير في ذكر (عزة) قوله (مقلية) من القلي وهو البغض، (تقلت) تبغضت، ورد البيت في "الشعر والشعراء" ص 343، "ديوان كثير" ص 101، نشر دار الثقافة بيروت، "أمالي ابن الشجري" 1/ 49، 118، "المحكم" 3/ 144، "الخزانة" 5/ 219.]] وقوله تعالى: ﴿نَعْبُدُ﴾ معنى العبادة: الطاعة مع الخضوع والتذلل، وهو جنس من الخضوع، لا يستحقه إلى الله عز وجل، وهو خضوع ليس فوقه خضوع، وسمي العبد عبدا لذلته وانقياده لمولاه، ويقال: طريق معبد، إذا كان مذللا موطوءا [[في (ب): (بوطوا).]] بالأقدام [[ذكر هذِه المعاني الثعلبي في "تفسيره الكشاف" 1/ 29/ ب، وانظر الطبري 1/ 69.]]، وهو في شعر طرفة [[أراد أبيات طرفة التي ذكرها الثعلبي بعد الكلام السابق وهي: قال طرفة: تباري عتاقا ناجيات وأتبعت ... وظيفا وظيفا فوق مور معبد وقوله: إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد انظر الثعلبي 1/ 29/ ب، والطبري 1/ 69، "الأضداد" لابن الأنباري ص 35.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال أبو بكر: وإنما كرر (إياك) للتوكيد، كما تقول: بين زيد وبين عمرو خصومة، فتعيد (بين) [[ذكر نحوه الثعلبي 1/ 29/ ب وذكره ابن جرير ثم رده قال: (وقد ظن من لم ينعم النظر أن إعادة (إياك) مع (نستعين) بعد تقدمها في قوله: ﴿إياك نعبد﴾ بمعنى قول عدي بن زيد: وجاعل الشمس مصرًا لا خفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فصلا وذكر بيتا آخر .. ثم قال: وذلك من قائله جهل، من أجل أن حظ إياك أن تكون مكررة مع كل فعل .. الخ). الطبري 1/ 71.]]. قال: ولأن كل واحد من الفعلين يطلب مفعولا على حدته، ولو أخر المكنيان [[يعني: الضميرين.]] إلى موضعهما بعد الفعل لقيل: (نعبدك ونستعينك) فلما كان كل واحد من الفعلين يقع على (الكاف) [[في (ج): (الكائن).]] في تأخرها وقع على (إياك) في تقدمه [[ذكر نحوه ابن جرير 1/ 71. قال أبو حيان: كرر (إياك) ليكون كل من العبادة والاستعانة سيقا في جملتين، وكل منهما مقصودة، وللتنصيص على طلب العون منه ...)، "البحر المحيط" 1/ 25. وقال أبو السعود: (تكرير الضمير المنصوب للتنصيص على تخصيصه تعالى بكل واحدة من العبادة والاستعانة)، أبو السعود 1/ 17، وانظر ابن كثير 1/ 28.]]. والقول هو الأول [[أي كرر للتوكيد، واختار ابن جرير الثاني 1/ 71.]]؛ لأن العرب إذا جمعت فعلين واقعين اكتفت بوقوع أحدهما من وقوع الآخر، فيقولون: قد أكرمتك وألطفت [[قال ابن جرير: إن الأفصح إعادة الضمير مع كل فعل اتصل به، فيقال: (اللهم إنا نعبدك ونستعينك ونحمدك ونشكرك) .. وإن كان ترك الإعادة جائزا. انظر الطبري 1/ 71.]]. قال الله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: 3] أراد (وما قلاك) فاكتفى بوقوع الأول من وقوع الثاني [[قال أبو حيان: حذف المفعول اختصارا في (قلى) إذ يعلم أنه ضمير المخاطب وهو الرسول ﷺ. "البحر المحيط" 8/ 485، وقال الرازي في حذف الكاف وجوه: 1 - اكتفاء بالكاف في (ودعك)، ولأن رؤوس الآيات بالياء، فأوجب اتفاق الفواصل حذف الكاف. 2 - الإطلاق، أنه ما قلاك، ولا أحدا من أصحابك، ولا أحدا ممن أحبك. الرازي 31/ 209، وانظر القرطبي 20/ 94.]]. ويقال: لم قدم ذكر العبادة على المعونة، وإنما المعونة بها تكون العبادة؟ والجواب: أن الواو عند النحويين لا توجب ترتيبا [[انظر: "الكتاب" 3/ 42، "سر صناعة الإعراب" 2/ 632.]]، وإنما هي للجمع [[وعليه فتقديم الخبر عن العبادة وتأخير مسألة طلب المعونة، ليس من باب الترتيب، واختار الطبري هذا قال: (.. كان سواء تقديم ما قدم منهما على صاحبه ... ثم قال: == وقد ظن بعض أهل الغفلة أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير ....). الطبري 1/ 70. وقال ابن كثير 1/ 28: (قدم ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ على ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لأن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم). وللرازي في هذا التقديم تعليلات يطول ذكرها. انظر (تفسيره) 1/ 254.]]، يدل على ذلك أنه لو اتفقت الأسماء لم نحتج [[في (ج): (يحتج).]] إليها، لا تقول: قام زيد وزيد، ولكن قام الزيدان. فكما لا يوجب (قام الزيدان) ترتيبا، كذلك لا يوجب قام زيد وعمرو ترتيبا، وسنقضي حق الواو، والكلام فيها في موضع آخر إن شاء الله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب