الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾. قال ابن عباس: يعني الشكر لله، وهو أن صنع إلى خلقه فحمدوه [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 24 ب، وأخرج الطبري عن ابن عباس بمعناه، دون قوله (وهو أن صنع إلى خلقه فحمدوه) قال شاكر: إسناده ضعيف. الطبري في "تفسيره" 1/ 135 وبمثل رواية الطبري أخرجه ابن أبي حاتم، قال المحقق: سنده ضعيف 1/ 150، وانظر: "الدر" 1/ 34 - 35، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 24 - 25.]].
وقال الأخفش: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: الشكر لله [[في (ج): (والحمد لله) ومثله في "اللسان".]]، قال: والحمد [[نص كلام الأخفش في "تهذيب اللغة" (حمد) 1/ 913، وفيه (قال الأخفش ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ الشكر لله، قال والحمد أيضًا: الثناء)، وانظر: "اللسان" (حمد) 2/ 987، وفي "معاني القرآن" للأخفش ذكر اللغات فيها ولم يذكر المعنى 1/ 155، والنص في "اللسان".]] -أيضًا- الثناء، [وكأن [[في (ب): (فكأن)، وفي "التهذيب" مكانها (قلت ...) فهو من كلام الأزهري، ونص عليه في "اللسان" قال: قال الأزهري: الشكر لا يكون ... "اللسان" (حمد) 2/ 987، فكيف تصحف عند الواحدي، فصار كأنه من كلامه، أو من كلام الأخفش.]] الشكر لا يكون إلى ثناء ليد أوليتها [[في (ب): (أولاها).]]، والحمد قد يكون شكرا للصنيعة، ويكون ابتداء الثناء [[في "التهذيب" "اللسان" (للثناء).]] على الرجل، فحمد الله الثناء] [[مابين المعقوفتين ساقط من (ج).]] عليه والشكر لنعمه [[انتهى من "التهذيب" (حمد) 1/ 913، مع اختلاف يسير في العبارة، وانظر: "اللسان" (حمد) 2/ 987.]].
وقال أبو بكر [[هو ابن الأنباري، وقد نقل عنه الواحدي في هذا الموضع كثيرا، ولم أجده في كتبه الموجودة، ولعله ضمن كتبه المفقودة كـ "المشكل في معاني القرآن"، انظر الدراسة.]]: قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ يحتمل أن يكون هذا إخبارًا أخبر الله تعالى به، والفائدة فيه أنه يبين [[في (ب): (أن بين) وفي (ج): (أنه بين).]] أن حقيقة الحمد له، وتحصيل كل الحمد له [[في (ب): (لله).]] لا لغيره، وذلك أنا [[في (ب): (أنه).]] نرى بني الدنيا ينعم [[في (ب): (يُنَعَّم) بالتشديد.]] بعضهم على بعض، فيحمده على إنعامه، فيكون حقيقة الحمد في ذلك لله، إذ هو الذي أنعم على الذي أنعم بما أنعم به، ورزقه إياه، وهو الذي وفق المعطي للعطية، وأجراها على يديه، فكان حقيقة الإنعام من الله تعالى، ومكافأة المنعَم عليه بالشكر [[في (ب): (الشكر).]] والحمد راجعة إليه جل اسمه [[انظر: "الوسيط" للواحدي 1/ 17، "تفسير الثعلبي" 1/ 24/ ب، 25/ أ، "الزاهر" 2/ 84، "تفسير الطبري" 1/ 59، "تفسير ابن عطية" 1/ 99 - 100، "تفسير الماوردي" 1/ 53، "تفسير البغوي" 1/ 52، "القرطبي" 1/ 114 - 115، "الكشاف" 1/ 46، 47.]].
وعلى هذا فقد حُكِي أن ابن التوءم [[ابن التوءم لم أجد له ترجمة، وكلامه أورده ابن قتيبة في عيون الأخبار أوسع مما ذكره الواحدي هنا. "عيون الأخبار" 3/ 191، قال ابن قتيبة: (قال ابن التوءم: كل من كان جوده يرجع إليه ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك .. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة، ويشكر على النفع في حجة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد ..).]] كان يقول: إنما يجب أن يشكر من إن جاد عليك فلك جاد، وإن [[(إن نفعك) ليس في "عيون الأخبار" 3/ 191.]] نفعك فنفعك أراد، من غير أن يرجع إليه من جوده بشيء [[في (ب): (شيء) بسقوط الباء وما في (أ)، (ج) موافق لما في "عيون الأخبار".]] من المنافع على جهة من الجهات، وهو الله [[في (ب): (اله).]] وحده لا شريك له. ألا [[بعد قوله: (وحده لا شريك له) كلام لابن التوءم تركه هنا، انظر: "عيون الأخبار" 3/ 191.]] ترى أن عطية الرجل لصاحبه لا تخلو من أن تكون لله أو لغيره فإن كانت [[في (ب): (كان).]] لله فثوابها على الله، فلا [[في (ب): (ولا معنى).]] معنى للشكر، وإن كانت [[في (ب): (كان).]] لغير الله فلا تخلو من أن تكون لطلب المجازاة، أو حب المكافأة، وهذِه تجارة معروفة، والتاجر لا يشكر على تجارته، وجر المنفعة إلى نفسه، وإما أن تكون لخوف يده أو لسانه، أو رجاء نصرته أو [[في (ب): (ومعونته).]] معونته، ولا معنى لشكر من هذِه إحدى أحواله، وإما أن تكون [[في (ب): (يكون).]] للرقة والرحمة، ولما يجد في قلبه من الألم، ومن جاد على هذا [[في (ب): (ومن حاد عن هذا).]] السبيل، فإنما داوى نفسه من دائها، وخفف عنها ثقل برحائها [[إلى هنا ما ذكره ابن قتيبة عن ابن التوءم مع اختلاف في بعض العبارات، انظر: "عيون الأخبار" 3/ 191.]].
فأما من مدحه بشار [[هو بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء، وأصله من (طخارستان)، أشعر الشعراء المولدين، نشأ بالبصرة، ومات سنة سبع أو ثمان وستين ومائة. انظر ترجمته في: == "الشعر والشعراء" ص 511، "طبقات الشعراء" لابن المعتز ص 21، "البيان والتبيين" 1/ 65، "خزانة الأدب" 3/ 230.]] بن برد بقوله: لَيْسَ [[في (ج): (لئن).]] يُعْطِيكَ لِلرَّجَاء ولِلْخَوْ ... فِ ولكن يَلَذُّ طَعْمَ العَطَاءِ [[من قصيدة قالها بشار يمدح عقبة بن سلم، ويروى (ولا الخوف) بدل (وللخوف) انظر: "ديوانه" ص 14، "طبقات الشعراء" لابن المعتز ص 30، "عيون الأخبار" لابن قتيبة 1/ 164، "شرح ديوان المتنبي" للعكبري 4/ 279.]]
فأي معنى لشكر [[في (ب): (فإن معنى الشكر).]] من يعطي لاجتلاب لذته، ويجيب [[في (ب): (ويحبب).]] داعي رأفته.
قال أبو بكر: ويحتمل أن يكون هذا ثناء أثنى به على نفسه، علم عباده في أول كتابه ثناء [[في (ب): (الثناء).]] عليه، وشكرا [[في (ب): (والشكرا).]] له، يكتسبون بقوله وتلاوته أكمل الثواب وأعظم الأجر، لطفا بهم، وحسن نظر لهم، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي قولوا: يا معشر الناس ما إذا قلتموه علت منزلتكم [وارتفعت درجتكم بقوله] [[مابين المعقوفين ساقط من (ب).]] عند ربكم، فيضمر القول هاهنا كما أضمر في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3] معناه يقولون: ما نعبدهم [[انظر: "الوسيط" 1/ 17، ونحوه في "تفسير الطبري" 1/ 60، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 23 ب، "تفسير أبي الليث" 1/ 79، "ابن عطية" 1/ 100، "القرطبي" 1/ 118.]].
ثم إذا قال القائل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ فقد [[في (ب): (قد).]] أثنى على الله تعالى، فيكون بذلك متعرضًا لثواب الله، ومن أثنى على واحد فقد تعرض لإحسانه وثوابه.
يدل على صحة هذا أن بعض العلماء، سئل عن تفسير الحديث المروي: "أفضل الدعاء سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلى الله، والله أكبر" [[لم أجده بهذا اللفظ، وقد أخرج ابن ماجه عن سمرة بلفظ: "أربع أفضل الكلام لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلى الله، والله أكبر" "سنن ابن ماجه" (3811) كتاب الأدب، باب: فضل التسبيح، ونحوه عند أحمد في "المسند" 5/ 20، وذكره البخاري معلقا (الفتح) 11/ 566، وأخرج ابن ماجه عن جابر: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله" "سنن ابن ماجه" كتاب الأدب، باب: فضل الحامدين، قال العجلوني في "كشف الخفاء": رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وصححاه 1/ 152، وانظر: "فيض القدير" 1/ 601.]] فقيل له: ما في هذا من [[(من) ساقطة من (ب).]] الدعاء؟ وإنما الدعاء: (اللهم اغفر لنا، وافعل بنا). فقال للسائل: أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن [[عبد الله بن جدعان التيمي القرشي، أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية، لهذا مدحه أمية بن أبي الصلت، أدرك النبي ﷺ قبل النبوة. انظر ترجمته وبعض أخباره في "المحبر" ص 138، "السيرة" لابن هشام 1/ 144، "الخزانة" 8/ 366، "الأعلام" 4/ 76.]] جدعان:
كَرِيمٌ لاَ يُغَيِّرُهُ صبَاحٌ ... عَنِ الخُلُقِ الجَمِيلِ وَلاَ مَسَاءُ
إِذاَ أَثْنى عَلَيْهِ المَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ [[تروى الأبيات بروايات أخرى منها: (خليل) بدل (كريم)، و (السنى) بدل (الجميل) و (عليك) بدل (عليه). انظر: "ديوان أمية بن أبي الصلت" ص 254، "المحبر" ص 138، "طبقات فحول الشعراء" للجمحي 1/ 265، "ديوان الحماسة" 2/ 372، "العمدة" لابن رشيق 2/ 158.]] فهذا مخلوق اجتزأ من مسألة مخلوق مثله بالثناء عليه، فكيف يحتاج العبد مع ثنائه على ربه أن يسمي له حوائجه؟.
قال [[أبو بكر ابن الأنباري.]]: وإنما اختير (الحمد) على الشكر للمبالغة والعموم، وذلك أن الشكر لا يكون إلى مكافأة لنعمة سبقت إليك وأيضًا، فإنه لا يشكر أحد على ما فيه من الأوصاف الجميلة، وليس كذلك الحمد، فإنه يقع ابتداء قبل الصنيعة، ويقع على الأوصاف المحمودة فهو أبلغ وأعم وأجمع [[انظر: "الزاهر" 2/ 84، 85، وفيه تكلم ابن الأنباري عن الفرق بين الحمد والشكر بنحو هذا، وإلى هذا ذهب أكثر المفسرين، انظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة 1/ 3، "تفسير أبي الليث" 1/ 79، "تفسير الثعلبي" 1/ 24/ ب، "تفسير الماوردي" 153، وانظر: "تهذيب اللغة" (حمد) 1/ 913، "اشتقاق أسماء الله" ص 90، وذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد، واستدل على هذا بصحة قول القائل: (الحمد لله شكرا). "تفسير الطبري" 1/ 60، وهذا قول المبرد، كما قال القرطبي في "تفسيره" 1/ 116، ونسبة في "اللسان" للحياني. "اللسان" (حمد) 2/ 987، وقد تكلم العلماء في نقض ما قاله الطبري ورده، منهم ابن عطية في "تفسيره" 1/ 99، والقرطبي في "تفسيره" 1/ 116، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 201. قال محمود شاكر في حاشية "تفسير الطبري": والذي قاله الطبري أقوى حجة وأعرق عربية من الذين ناقضوه.]].
قال الشاعر:
يَا أَيُّهَا المَائِحُ دَلْوى دُونكا ... إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونكا [[نسبه الأكثر لراجز جاهلي من بني أسد بن عمرو بن تميم، ونسبه بعضهم لجارية في مازن، وقيل: روته وليس لها، ونسبه بعضهم لرؤبة. و (المائح) الرجل في جوف البئر يملأ الدلاء. ورد الرجز في "معاني القرآن" للفراء 1/ 260، "الزاهر" 2/ 85، "أمالي الزجاجي" ص 237، "أمالي القالي" 2/ 244، "الإنصاف" ص 187، "مغني اللبيب" 2/ 609، 618، "شرح شذور الذهب" ص 485، "شرح المفصل" 1/ 117، "الخزانة" 6/ 200.]] فترجم بالثناء [[ورد الثناء والتمجيد في بيت آخر لم يورده الواحدي هنا وهو قوله:
يُثْنُون خَيْرًا ويَمُجِّدُوَنَكاَ
أورد ابن الأنباري في "الزاهر" 2/ 85، وأنظر المصادر السابقة.]] والتمجيد [[في (أ)، (ج): التحميد، وما في (ب) أصح؛ لأنه أراد: الثناء والتمجيد الذين وردا في البيت الثالث الذي لم يذكره.]] عن الحمد، فدل هذا على عموم الحمد.
وقد أخبرنا أبو الحسين بن أبي عبد الله الفسوي [[أحد شيوخ الواحدي: عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي أبو الحسين، حدث عن أبي سليمان الخطابي بغريب الحديث سبق ذكره في، وانظر المنتخب من السياق 106، "سير أعلام النبلاء" 18/ 19.]] -رضي الله عنه-، أنبا [[في (ب): (أنا) وفي (ج): (أن) في الموضعين.]] أحمد بن محمد الفقيه [[هو أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي الشافعي، وقيل: اسمه: حمد، له مصنفات منها "غريب الحديث" "ت 388 هـ"، انظر ترجمته في "الأنساب" 5/ 158، 159، "إنباه الرواة" 1/ 125، "تذكرة الحفاظ" 3/ 1018.]]، أبنا محمد بن هاشم [[محمد بن هاشم أحد شيوخ الخطابي، روى عنه في "غريب الحديث" كثيرا، ولم أجد له ترجمة، حتى إن محقق "غريب الحديث" ترجم لجميع شيوخ الخطابي، ولم يذكر محمد بن هاشم مع كثرة روايته عنه، ولعله لم يجد له ذكرا. والله أعلم.]]، عن الدَّبَرِي [[أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدَّبَرِي و (الدَّبَرِي) بفتح الدال والباء نسبة إلى (الدَّبَر) قرية من قرى صنعاء، راوية عبد الرزاق، (ت 285 هـ). انظر ترجمته في "اللباب" 1/ 489، "ميزان الاعتدال" 1/ 181، "سير أعلام النبلاء" 13/ 416.]]، عن عبد الرزاق [[هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحافظ، عالم اليمن، أبو بكر الحصيري بالولاء. حدث عن جماعة منهم الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وحدث عنه أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وابن معين، وابن المديني وجماعة (ت 211 هـ) وانظر ترجمته في "طبقات ابن سعد" 5/ 548، "سير أعلام النبلاء" 9/ 568، "ميزان الاعتدال" 3/ 323.]]، عن مَعْمر [[هو الإمام الحافظ مَعْمَر بن راشد، أبو عروة، الأزدي بالولاء البصري، نزيل اليمن، حدث عن قتادة، والزهري وعمرو بن دينار، وهمام بن منبه وجماعة، وعنه السفيانان، وابن المبارك، وعبد الرزاق بن همام (ت 153 هـ)، انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 546، "الجرح والتعديل" 8/ 255، "سير أعلام النبلاء" 7/ 5.]]، عن قتادة، عن عبد الله بن عمر أن النبي ﷺ قال: (الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبدًا لا يحمده) [[أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" 10/ 424 (19574) كتاب الجامع، باب: شكر الطعام، وذكره الخطابي في "غريب الحديث" 1/ 345، 346، وذكره السيوطي في "الجامع الصغير" ورمز له بالحسن، انظر: "فيض القدير شرح الجامع الصغير" 3/ 418، وقال الألباني: في "ضعيف الجامع" 3/ 411 (2790): ضعيف.]].
قال أحمد [[هو أحمد بن محمد الخطابي البستي، سبقت ترجمته. قال في "غريب الحديث" بعد أن ذكر الحديث. وقال أبو سليمان: الحمد نوع .. 1/ 346.]] على إثر هذا الحديث: الحمد نوع والشكر جنس [[الجنس: كلي دال على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب (ماهو). والنوع: كلي دال على كثيرين متفقين في الحقيقة واقع في جواب (ما هو). انظر: "التعريفات" للجرجاني ص 78، 247، "المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين" للآمدي ص 73.]]، وكل حمد شكر [[في (ج): (شكرا).]]، وليس كل شكر حمدا.
وهو على ثلاث منازل: شكر القلب، وهو الاعتقاد بأن الله ولي النعم، قال الله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]، وشكر اللسان وهو إظهار النعمة بالذكر لها، والثناء على مسديها، قال الله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11] وهو رأس الشكر المذكور في الحديث. وشكر العمل، وهو [[في (ب): (وهو شكر اداب).]] إدآب النفس بالطاعة.
قال الله سبحانه [[في (ج): (تعالى).]]: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [[في (ب): (الى) تصحيف.]] [سبأ: 13].
وقام رسول الله ﷺ حتى تفطرت قدماه، فقيل: يا رسول الله أليس قد غفر الله [[لفظ الجلالة غير موجود في (ب).]] لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا شكورا" [[متفق عليه من حديث المغيرة وعائشة، حديث المغيرة رواه البخاري (1130) كتاب: التهجد، باب: قيام النبي ﷺ الليل، ومسلم (2819) كتاب: صفة الجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والإجتهاد في العبادة، وحديث عائشة رواه البخاري (4837) كتاب التفسير، باب: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾، ومسلم (2820) كتاب صفة الجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة.]].
وقد جمع الشاعر أنواعه الثلاثة فقال:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّى ثَلاَثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي والضمِيرَ المُحَجَّبَا [[يقول: إن نعمتكم علي أفادتكم مني يدي ولساني وجناني فهي وأعمالها لكم. ورد البيت بدون عزو في "غريب الحديث" للخطابي 1/ 346، " الكشاف" 1/ 47، "الفائق" 1/ 314، "الدر المصون" 1/ 36، وانظر: "مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف" ص 7.]] [[انتهى من "غريب الحديث" للخطابي 1/ 346، وانظر: "الكشاف" 1/ 47.]]
وبين الحمد والشكر فرق واضح [[سبق بيان خلاف العلماء في ذلك، وأن قول الأكثر على أن بينهما فرقا وقال الطبري ومعه طائفة: إنهما بمعنى واحد، انظر ص 275.]]، يظهر بالنقيض؛ لأن نقيض الشكر الكفر، ونقيض الحمد الذم [[انظر: "الزينة" 2/ 112، "تهذيب اللغة" (حمد) 1/ 913، "اللسان" (حمد) 2/ 987.]]، فهذا ما في معنى الحمد والشكر.
ولا بد من ذكر طرف من مذهب النحويين في (الألف واللام) اللتين للتعريف وحكمهما. ومذهب [[الكلام عن (أل) نقله الواحدي عن أبي الفتح بن جني من كتاب "سر صناعة الإعراب" وأذكر الفروق الهامة بين عبارة الواحدي وعبارة ابن جني في موضعه إن شاء الله.
قال ابن جني: (وذهب الخليل إلى أن (أل) حرف التعريف بمنزلة (قد) ..) 1/ 333.]] الخليل في هذا أن (ال) حرف التعريف، بمنزلة (قد [[انظر مذهب الخليل في "الكتاب" 3/ 324.]]) في الأفعال، فإن الهمزة واللام جميعا [[عند أبي الفتح: (إن الهمزة واللام جميعهما ..) 1/ 333.]] للتعريف، وحكي عنه أنه كان يسميها (أل) كقولنا: (قد)، وأنه لم يكن يقول: (الألف [[انظر: "الكتاب" 3/ 325.]] واللام) كما لا يقول في (قد) القاف والدال.
واحتج لهذا المذهب بفصلين [[في (ج): (بفضلين).]] [[عند أبي الفتح: (ويقول هذا المذهب قطع (أل) في أنصاف الأبيات، نحو قول عبيد ..) 1/ 333.]]:
أحدهما: أن العرب قد قطعت (أل) في أنصاف الأبيات، نحو قول عبيد [[هو عبيد بن الأبرص بن جُشْم، من بني أسد، يعد من فحول شعراء الجاهلية، قيل: إنه عمر طويلا. ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 161، "طبقات فحول الشعرء" ص 58، "خزانة الأدب" 2/ 215.]]:
يا خَلِيلَيَّ ارْبَعَا واستَخبِرَا الـ ... مَنْزِلَ الدّارِس مِنَ أَهْلِ الحِلاَل
مِثْلَ سَحْقِ البُرْدِ عَفَّى بَعْدَكَ الـ ... قَطْرُ مَغْنَاهُ وتَأْوِيبُ الشَّمَالِ [[قوله: (اربعا) أقيما، (الحلاَل): جمع حال أي نازل، أو جمع حِلَّة وهو جماعة البيوت، (سحق البرد) الثوب البالي، (عفى) غطى، (القطر): المطر، (مغناه) المغنى: المنزل الذي غنى به أهله ثم ظعنوا، (التأويب) الرجوع وتردد هبوبها. وردت الأبيات وفي "ديوان عبيد" ص 115، "المنصف" 1/ 333، "شرح المفصل" 9/ 17، "الخزانة" == 7/ 198. والشاهد فيه فصل (أل) في البيتين، استدل به الخليل على أن (أل) جميعها حرف التعريف، ولو كانت اللام وحدها للتعريف لما جاز فصلها.]] قال [[من القائل؟ ظاهر كلام الواحدي أن القائل الخليل، لأنه هو المذكور قبله، والواقع أن الكلام لأبي الفتح ابن جني، حيث قال بعد الأبيات: (وهذِه قطعة لعبيد مشهورة عددها بضعة عشر بيتا يطرد جميعها على هذا القطع الذي تراه إلى بيتا واحدا من جملتها، ولو كانت اللام وحدها حرف التعريف لما جاز فصلها من الكلمة التي عرفتها .. "سر صناعة الإعراب" 1/ 333.]]: فلو كانت اللام وحدها حرف التعريف؛ لما جاز فصلها من الكلمة التي عرفتها، لاسيما واللام ساكنة، والساكن لا ينوي به الانفصال [[بعده كلام لأبي الفتح تركه الواحدي. انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 333.]]. فصار قطعهم وهم يريدون الاسم بعدها كقطع النابغة [[في (ب): (لقطع التابعه). والنابغة: هو زياد بن معاوية الذبياني، أحد شعراء الجاهلية المشهورين، توفي في زمن النبي ﷺ قبل أن يبعث. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 83، "طبقات فحول الشعراء" 1/ 51. "جمهرة أنساب العرب" ص 253، "الخزانة" 2/ 135.]] (قد) في قوله:
أَفِدَ [[في (ب): (أرف) وفي (جـ): (أفر) وفي نسخة من "سر صناعة الإعراب" (أزف) 1/ 334.]] التَّرحُّلُ [[في (ب): (الترجيل).]] غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ... لمَّا تَزُلْ بِرِحَالِهَا [[في (ب): (برجالها) وعند أبي الفتح (برحالنا) وفي الحاشية: في (ش): (برحالها)، والأكثر في رواية البيت (برحالنا).]] وَكَأَنْ قَدِ [[من قصيدة قالها النابغة في (المتجردة) امرأة النعمان بن المنذر (أفد الترحل): أي دنا الرحيل وقرب. و (الركاب): الإبل. و (كأن قد): (أي: زالت لقرب وقت زوالها ودنوه. انظر: "ديوان النابغة الذيباني" ص 89، "الخصائص" 2/ 361، 3/ 131، "مغنى اللبيب" 1/ 171، 2/ 342، "شرح المفصل" 8/ 5، 110، 148، 9/ 18، 52، "الأزهية" ص 211، "شرح ابن عقيل" 1/ 19، "الهمع" 2/ 188، 4/ 315، "الخزانة" 1/ 70، 7/ 197.]] ألا ترى أن التقدير: (كأن قد زالت)، فقطع (قد) من الفعل كقطع (ال) من الاسم.
وإذا [[ترك بعض كلام أبي الفتح. انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 334.]] كان (ال) عند الخليل حرفا واحدا، فقد ينبغي أن تكون همزته مقطوعة ثابتة، كقاف (قد) وباء (بل)، إلى أنه لما كثر استعمالهم لهذا الحرف عرف موضعه، فحذفت همزته، كما حذفوا: (لم يَكُ) و (ولا أَدْرِ) [[والقياس فيهما: لم يكن (و) لا أدري (لكن لما كثر في الاستعمال حذفت النون في الأول والياء من الثاني، قال أبو الفتح: وحذفها شاذ انظر: "المنصف" 2/ 227.]].
والفصل [[في (ج): (الفضل).]] الثاني [[نص كلام أبي الفتح: (ويؤكد هذا القول عندك أيضا: أنهم قد أثبتوا ... الخ)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 334.]]: أنهم قد أثبتوا هذِه الهمزة بحيث تحذف همزات الوصل، نحو قوله ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [[في (ب) تصحيف في الآية، حيث حذف (أذن) وكرر (لكم).]] [يونس: 59] و ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ﴾ [الأنعام: 143]، ولم [[عند أبي الفتح: (... ونحو قولهم في القسم (أفألله) و (لا ها ألله ذا) ولم نر همزة الوصل تثبت في نحو هذا .... الخ)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 335.]] تر همزة وصل تثبت في نحو هذا، فهذا يؤكد أن همزة (أل) ليست بهمزة وصل وأنها مع اللام كقد.
ومذهب الجمهور [[عند أبي الفتح: (وأما ما يدل على أن اللام وحدها هي حرف التعريف، وأن الهمزة إنما دخلت عليها لسكونها، فهو إيصالهم جر الجار إلى ما بعد حرف التعريف ....) "سر صناعة الإعراب" 1/ 335.
قال في "شرح المفصل": (واللام هي حرف التعريف وحدها، والهمزة وصلة إلى النطق بها ساكنة، هذا مذهب سيبويه، وعليه أكثر البصريين والكوفيين ما عدا الخليل ....)، 9/ 17، وانظر: "الخزانة" 7/ 198 - 199.]] في هذا أن اللام وحدها هي حرف التعريف، وأن الهمزة إنما دخلت عليها لسكونها، والدليل على هذا [[أي على مذهب الجمهور وهو أن حرف التعريف (اللام) وحدها.]] إيصالهم حرف الجار إلى ما بعد حرف التعريف نحو قولهم: (عجبت من الرجل) و (مررت بالغلام) فنفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف يدل على أن حرف التعريف غير فاصل عندهم بين الجار والمجرور، وإنما كان كذلك لأنه في نهاية اللطافة والاتصال بما عرفه؛ لأنه على حرف واحد، ولاسيما ساكن، ولو كان حرف التعريف في نية الانفصال كـ [[عند أبي الفتح: (... ولو كان حرف التعريف عندهم حرفين كـ (قد) و (هل) لما جاز الفصل به بين الجار والمجرور به ....) ثم أخذ يشرح ولفصل في هذا في كلام طويل تركه الواحدي، ثم قال: (... وكذلك لو كان حرف التعريف في نية الانفصال لما جاز نفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف، وهذا يدل على شدة امتزاج حرف التعريف بما عرفه ...) 1/ 336، 337.]] (قد) لما جاز نفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف.
وأيضا فإن [[قال أبو الفتح: (.. ويزيدك تأنيسا بهذا أن حرف التعريف نقيض التنوين ..) 1/ 337.]] حرف التعريف نقيض التنوين، لأن التنوين دليل التنكير، كما أن هذا [[أي حرف التعريف.]] دليل التعريف، فكما [[في (ج): (وكما).]] أن التنوين في [آخر الاسم حرف واحد، كذلك حرف التعريف في] [[ما بين المعقوفتين ساقط من (ج).]] أوله ينبغي أن يكون حرفا واحدا.
فأما ما احتج به الخليل من قطع (أل) عن الحرف الذي بعده في الشعر فقد يقطعون [[في (ب): (يقطعونه).]] في المصراع الأول بعض الكلمة وما هو منها أصل، ويأتون بالبقية في أول المصراع الثاني، كما قال: يَا نَفْسِ أَكْلًا واضْطِجَا ... عًا نَفْسِ لَسْتِ بِخَالِدَه [[نسب البيت لكثير عزة، وليس في "ديوانه". انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 340، "شرح المفصل" 9/ 19، "الخزانة" 7/ 202، وانظر: "معجم الشواهد العربية" لعبد السلام هارون 1/ 99. والشاهد فيه: أنه فصل الكلمة بين مصراعي البيت، وأورده ردا على ما ذهب إليه الخليل من أن قطع (أل) في المصراع الأول دليل على أن (الألف واللام) أداة تعريف، وليس اللام وحدها.]]
وهو كثير، وإذا جاز ذلك في أَنْفُسِ الكَلِم، ولم يدل على انفصال بعض الكلمة من بعض، فغير منكر أيضًا أن تفصل (لام المعرفة) في الأول [[أي: المصراع الأول من البيت، انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 340.]].
وأما ما احتج به من قطع الهمزة في نحو: ﴿آللَّهُ﴾ [[أي قوله تعالى: ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس: 59].]] فإنما جاز ذلك لمخافة التباس الاستفهام بالخبر [[يلحظ أن الكلام من قوله: (فأما ما احتج به الخليل ....) إلى قوله: (بالخبر) ليس بهذا السياق والترتيب عند أبي الفتح، وانما تصرف فيه الواحدي. انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 337، 340، انظر: "الخزانة" 7/ 201، 202.]].
وإنما جعل حرف التعريف حرفا واحدا؛ لأنهم أرادوا خلطه [[في (ب): (خالطه).]] بما بعده، فجعلوه على حرف واحد؛ ليضعف عن [[في (أ)، (جـ): (على)، وما في (ب) موافق لـ"سر صناعة الإعراب" 1/ 346.]] انفصاله مما بعده، فيعلم بذلك أنهم قد [[(قد) ساقط من (ج).]] اعتزموا [[في (أ)، (ج): (اعترفوا)، وما في (ب) موافق لـ"سر صناعة الإعراب" 1/ 346.]] على خلطه به، ولهذا سكنوه، لأنه أبلغ فيما قصدوا، لأن الساكن أضعف من المتحرك، وأشد حاجة وافتقارا إلى ما يتصل به [[من قوله (وإنما جعل حرف التعريف) ملخص من "سر صناعة الإعراب" 1/ 346.]].
وإنما اختاروا [[عند أبي الفتح (وأما لم اختاروا له اللام دون سائر حروف المعجم؟ فالجواب عنه أنهم إنما أرادوا ....) 1/ 346، قوله (له) أي: للتعريف.]] (اللام) دون سائر حروف المعجم؛ لأنهم أرادوا إدغام حرف التعريف فيما بعده؛ لأن الحرف المدغم أضعف من الحرف الساكن غير المدغم؛ ليكون إدغامه دليلا على شدة اتصاله، فلما آثروا إدغامه فيما بعده اعتبروا حروف المعجم، فلم يجدوا فيها حرفا أشد مشاركة لأكثر الحروف من (اللام) فعدلوا إليها؛ لأنها تجاور أكثر حروف الفم [[في (ب): (المعجم) والمراد بحروف الفم التي مخارجها في الفم.]] التي هي معظم الحروف، وليصلوا بذلك إلى الإدغام المترجم عما عزموه [[في (ج): (عرضوه) وعند أبي الفتح (اعتزموه) 1/ 347.]] من شدة وصل التعريف بما عرفه [[في (ب): (عرقوه).]] [[انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 347، وفي كلام أبي الفتح زيادة عما هنا.]]، ولو جاؤوا بغير (اللام) للتعريف لما أمكنهم أن يكثر [[في (ب): (يكثروا).]] إدغامها، كما أمكنهم ذلك مع (اللام)، فإدغامهم إياها مع ثلاثة [[في (ب): (ثلاث). والرابع عشر اللام نفسها. ومثلها الليل]] عشر حرفا، وهي: (التاء، والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والنون) وذلك قولهم التمر، والثَّرِيد، والدِّبْس، والذَّوْق [[عند أبي الفتح: (الذرق)، وفي حاشيته: (ب): (الذوق). الذرق: نبات كالفسفسة، تُسميه الحاضرة: الحندقوقى. انظر: "تهذيب اللغة" (ذرق) 2/ 1280.]]، والرُّطَب، والزُّبْد، والسَّفَرْجَل، والشَّعِير، والصَّيْر، والصَّنَاب [[في (ج): (الضباب) وفي (ب): (الضناب) وعند أبي الفتح: (والصَّناب والضَّرْو) 1/ 347، وهو الصواب؛ لأنه تمثيل للصاد ثم للضاد. الصِّير: هو الشق، كما في الحديث: "من اطلع من صير باب"، والصير: الماء يحضره الناس، والصِّير: السمكات == المملوحة التي تعمل منها الصحناة. انظر: "تهذيب اللغة" (صير) 2/ 2075، "اللسان" (صير) 4/ 2535، الصَّنَاب: صباغ يتخذ من الخردل والزبيب. انظر: "تهذيب الغة" (صنب) 2/ 2062، "اللسان" (صنب) 4/ 2504.
الضِّرو والضَّرو: (شجر طيب الريح يستاك به، ويجعل ورقه في العطر. "اللسان" ضرا 14/ 483.]]، والطَّبِيخ، والظُّلْم [[عند أبي الفتح (الظبي)، وفي الحاشية: (ل): (الظئر) 1/ 347.]]، والنَّبِق، يدلك على [[اختصر الواحدي كلام أبي الفتح ونص كلامه: (.. ويدلك على إيثارهم الإدغام للام التعريف لما قصدوا من الإبانة عن غرضهم، أنك لا تجد لام التعريف مع واحد من هذِه الأحرف الثلاثة عشر إلا مدغمًا في جميع اللغات، ولا يجوز إظهارها ولا إخفاؤها معهن ما دامت للتعريف البتة، وأنك قد تجد اللام إذا كانت ساكنة وهي لغير التعريف مظهرة .. الخ)، 1/ 347.]] ما ذكرنا أنك [[في (ب): (أنا).]] تجد (اللام) ساكنة وهي لغير التعريف مظهرة غير مدغمة مع أكثر هذِه الحروف، وذلك نحو: (التقت) [[في (ب): (السقب) وعند أبي الفتح (التفت).]]، و (هل ثم أحد) [[في (ب): (أخذ).]]، و (الْزَمْ [[في (ج): (ولزم به): (وعند أبي الفتح (أُلْزِمَ به) وفي الحاشية ل (إِلْزَمْ به)، 1/ 348.]] بِه) و (أَلْسِنَة) هذا هو الكلام في (اللام) [[إلى هنا ما أخذ الواحدي من كتاب أبي الفتح "سر صناعة الإعراب" حرف اللام 1/ 333 - 348.]].
فأما الكلام في (الهمزة) الداخلة على هذِه (اللام): فاعلم أن (الهمزة) [[انتقل الواحدي إلى موضع آخر من نفس كتاب "سر صناعة الإعراب" 1/ 112 قال == أبو الفتح: (واعلم أن هذِه الهمزة إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن ....)، وسأذكر الفروق الهامة بين كلام أبي الفتح وكلام الواحدي في مواضعها.]] (إنما جيء بها توصلا إلى النطق بالساكن الذي بعدها، إذ لم يمكن [[في (ب): (يكن) وعند أبي الفتح (لما لم يمكن) 1/ 112.]] الابتداء به، وكان حكم هذِه (الهمزة) أن تكون ساكنة، لأنها حرف جاء لمعنى، ولا حظ له في الإعراب. وهي في أول الحرف كالهاء التي لبيان الحركة [[عند أبي الفتح (.. الحركة بعد الألف في آخر الحرف ..) 1/ 112.]] في آخر الحرف. نحو (وازيداه) و (واعمراه) فكما أن تلك ساكنة فكذلك كان ينبغي في الألف [[أي: الهمزة التي جيء بها للتوصل إلى النطق بالساكن.]] أن تكون ساكنة [[انظر: "سر صناعهَ الإعراب" 1/ 113، اختصر الواحدي بعض الكلام، وتصرف في بعض العبارات.]]، إلا أنها [[في (ب): (إنها) بكسر الهمزة.]] حركت لأجل الساكن الذي بعدها، ولم يجز أن يحرك ما بعدها لأجلها من قبل أنك لو فعلت ذلك لبقيت هي عليك [[(عليك): ليست في كلام أبي الفتح.]] أيضًا في أول الكلمة ساكنة، وكان يحتاج لسكونها إلى حرف قبلها محرك يقع به [[في (أ)، (ج): (يقع به الابتداء به) وعند أبي الفتح (يقع الابتداء به)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 113.]] الابتداء.
وإنما اختاروا الهمزة لوقوع الابتداء [[هذا جواب تساؤل افترضه أبو الفتح، انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 113.]] بها [[في (أ)، (ب)، (ج): (به) وصححتها على حسب ما عند أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" 1/ 113.]]؛ لأنهم أرادوا حرفا يتبلغ به في الابتداء، ويحذف في الوصل للاستغناء عنه بما قبله، فجعلوه الهمزة؛ لأن العادة فيها في أكثر الأحوال حذفها للتخفيف، وهي مع ذلك أصل، فكيف بها إذا كانت زائدة، ألا تراهم حذفوها في نحو: (خذ) و (مر) [[أصلها: (أُؤخُذُ) و (أؤْمُر) فلما اجتمعت همزتان وكثر استعمال الكلمة حذفت الهمزة الأصلية فزال الساكن، فاستغني عن الهمزة الزائدة. انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 112.]] و (وَيْلُمِّه) [[الأصل فيها: (وَيْلٌ لِأُمِّه) فحذف التنوين فالتقت لام ويل ولام الخفض فأسكنت الأولى وأدغمت الثانية ثم حذفت الهمزة، ثم خفف بحذف أحد اللامين، فمنهم من جعل المحذوفة (لام) الخفض وأبقى (لام) ويل وأبقى لام الخفض مكسورة، ومنهم في جعل المحذوفة (لام) ويل على أصلها مضمومة، ففيها الوجهان. انظر: "المسائل الحلبيات" للفارسي ص 43، "الكتاب" 3/ 5، "سر صناعة الإعراب" 1/ 113، 235، "الخزانة" 3/ 275، 276.]] وفي قول الشاعر:
وَكَانَ حَاملُكُمْ مِنَّا وَرَافِدُكُمْ ... وَحَامِلُ المِينَ بَعْد المِينَ والْأَلَفِ [[ورد البيت غير منسوب في "سر صناعة الإعراب" 1/ 114، "الخصائص" 2/ 334، "اللسان" (ألف) 1/ 107، و (مأى) 7/ 4124.]]
أراد المئين، فحذف الهمزة، وأراد (الألف) فحرك اللام ضرورة [[وقيل: أراد: (الآلاف) فحذف للضرورة، قاله في "اللسان" 9/ 9.]].
وقالوا: (ذن [[في (ب): (اذن).]] لا أفعل) فحذفوا همزة (إذن) [["سر صناعة الإعراب" بتصرف 1/ 113، 114.]] ولو أنهم جعلوا مكان الهمزة غيرها لم يمكن حذفه؛ لأنه لم يحذف غيرها من الحروف كما حذفت هي، وكانت (الهمزة) بالزيادة في الابتداء أولى من سائر الحروف؛ لأنهم شرطوا على أنفسهم حرفا يحذف عند الغنى [[في حاشية "سر صناعة الإعراب": (ب) و (ش): (الغناء).]] عنه، وذلك في أكثر أحواله؛ لأن الوصل أكثر من الابتداء والقطع، ولم يجدوا حرفا يطرد فيه الحذف اطراده في الهمزة، فأتوا بها دون غيرها من سائر حروف المعجم.
والأصل في جميع (ألفات الوصل) أن تبدأ بالكسر؛ لأنها إنما دخلت وصلة إلى النطق بالساكن [[في (ج) كلام مقدم في غير موضعه ونص العبارة (بالساكن الآخر وإنما فتحت مع لام التعريف لأن اللام حرف فجعلوا حركة الهمزة معها فتحة لتخالف، وقد ذكرنا ...). وشطب الناسخ كلمة (والآخر) و (لتخالف) وهما أول ونهاية الكلام المكرر فلعله تنبه له بعد كتابته.]]، وقد ذكرنا أن حقها كان في الأصل السكون، فلما كان حقها السكون ودخلت على الساكن حركت بالكسرة تشبيها بحركة الساكن إذا لقيه ساكن، لأن تحريك أحد الساكنين في سائر المواضع إنما هو أيضًا ليتصل به إلى النطق بالساكن الآخر [[أخذه بمعناه من "سر صناعة الإعراب" 1/ 112، 113.]]. وإنما فتحت مع (لام التعريف) لأن (اللام) حرف، فجعلوا حركة الهمزة معها فتحة؛ لتخالف حركتها في الأسماء والأفعال [[حيث تكون مكسورة أو مضمومة مع الأسماء والأفعال.]] [[بنصه من "سر صناعة الإعراب" 1/ 117.]].
و (لام التعريف) تقع [[في (ب): (تقطع).]] في الكلام في أربعة مواضع [[مواضع لام التعريف، أخذه كذلك عن أبي الفتح بن جني من "سر صناعة الإعراب" (حرف اللام) 1/ 350، مع إعادة ترتيب الكلام والتصرف اليسير في العبارة.]] وهي:
1 - تعريف الواحد بعهد، نحو قولك لمن كنت معه في ذكر رجل: (قد وافى الرجل) أي: الرجل الذي كنا في حديثه وذكره.
2 - وتعريف الواحد بغير عهد نحو قولك لمن لم تره قط ولا ذكرته: (يا أيها الرجل أقبل) فهذا تعريف لم يتقدمه ذكر ولا عهد.
3 - الثالث: تعريف الجنس، نحو قولك: (العسل حلو والخل حامض) فهذا التعريف لا يجوز أن يكون عن إحاطة بجميع الجنس ولا مشاهدة له؛ لأن ذلك متعذر، وإنما معناه: أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة [[في الكلام عدم وضوح، حيث إن قوله: (وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس ... الخ) يعود على مثال لم يذكره الواحدي، ونص عبارة أبي الفتح: (الثالث: نحو قولك الملك أفضل من الإنسان، والعسل حلو، والخل حامض، وأهلك الناس الدينار والدرهم، فهذا التعريف لا يجوز أن يكون عن إحاطة بجميع الجنس ... الخ). ثم يقول: (... وإنما معناه أن كل واحد من هذا الجنس المعروف بالعقول دون حاسة المشاهدة أفضل من كل واحد من هذا الجنس الآخر، وأن كل جزء من العسل الشائع في الدنيا حلو، وكل جزء من الخل الذي لا تمكن مشاهدة جميعه حامض). "سر صناعة الإعراب" 1/ 350.]].
4 - الرابع: أن تكون زائدة، نحو قوله: (الآن، ولام الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما، ولام اللات والعزى) وسنذكر كل واحد من هذِه الحروف إذا انتهينا إليه إن شاء [[قوله: (وسنذكر كل واحد من هذِه الحروف إذا انتهينا إليه ...) من كلام الواحدي، أما أبو الفتح فتكلم عنها في نفس الموضع، انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 350 وما بعدها، ليت الواحدي لم يثقل الكتاب بهذِه النقول التي مكانها كتب النحو المطولة.]] الله.
فأما قوله: (الحمد) فـ (اللام) فيه تحتمل [[في (ج): (يحتمل).]]: أن تكون للجنس، أي جميع المحامد له؛ لأنه الموصوف بصفات الكمال في نعوته وأفعاله الحميدة [[وعليه أكثر المفسرين، انظر: "تفسير الطبري" 1/ 60، "تفسير ابن عطية" 1/ 99، "الكشاف" 1/ 49، "تفسير القرطبي" 1/ 116، "تفسير ابن كثير" 1/ 25، "البحر" 1/ 18.]]، وتحتمل: أن تكون للعهد، أي: الحمد الذي حمد به نفسه وحمده به أولياؤه [[ذكره الرازي في "تفسيره" 1/ 220، وأبو حيان في "البحر" 1/ 18.]].
ورفعه على معنى قولوا: (الحمد لله) على ما حكينا عن ابن الأنباري [[سبق كلام ابن الأنباري ص 271، وانظر: "تفسير الطبري" 1/ 61.]]، ويجوز أن يكون ابتداء، وخبره فيما بعده [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 119، "البيان في غريب القرآن" 1/ 34، "مشكل إعراب القرآن" لمكي 1/ 8، "الكشاف" 1/ 47، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 5.]].
وقوله تعالى: ﴿لِلَّهِ﴾: هذِه (اللام) تسمى لام الإضافة [[الكلام عن (اللام) نقله عن كتاب "سر صناعة الإعراب" 1/ 325، قال أبو الفتح: (فأما العاملة فلام الجر، وذلك قولك: المال لزيد، والغلام لعمرو. وموضعها في الكلام الإضافة، ولها في الإضافة معنيان: أحدهما الملك ..).]]، ولها في الإضافة معنيان [[ذكر الرازي لها ثلاثة معان في "تفسيره" 1/ 22، وانظر: "البحر" 1/ 18.]]:
أحدهما: الملك نحو: (المال لزيد).
والآخر: الاستحقاق [[عند أبي الفتح (الاستحقاق والملابسة) 1/ 325.]] نحو: (الجُلُّ [[(الجُلُّ): واحد جِلاَل الدواب، الذي تلبسه لتصان به. انظر: "الصحاح" (جلل) 4/ 1658، "اللسان" (جلل) 2/ 664.]] للدابة) أي: استحقته ولابسته، وكذلك (الباب للدار). وهذِه الجارة مكسورة مع المظهر، ومفتوحة مع المضمر، وإنما كسرت مع المظهر وكان من حقها الفتح؛ لأنا ذكرنا أن هذِه الحروف التي تستعمل على واحدة حقها الفتح [[ذكره الواحدي عند الحديث عن (الباء) في تفسير (بسم الله) ناقلا عن أبي الفتح من هذا الموضع. انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 325.]]، وكسرت مع المظهر للفرق بينها [[في (ب): (بينهما).]] وبين (لام الابتداء) وذلك قولك في الملك: (إن زيدا لهذا) أي: في ملكه، و (إن زيدا لهذا) أي: هو [[عند أبي الفتح (أي هو هذا) 1/ 326.]] هو، فلو فتحت في الموضعين لالتبس [[في (ج): (للا لا لتبس).]] معنى [[في (ج): (بمعنى).]] الملك بمعنى الابتداء.
وإنما كسرت الجارة وتركت (لام الابتداء) بحالها مفتوحة [[هذا مضمون سؤال أثاره أبو الفتح حيث قال: (وهنا زيادة ما علمتها لأحد من أصحابنا، وهي أن يقال: إذا كان الفرق بين (اللام) الجارة و (لام) الابتداء واجبا لما ذكرته من المعنيين، فلم كسرت الجارة وتركت لام الابتداء بحالها مفتوحة؟. فالجواب عن هذا أن يقال: إن أول أحوال الاسم هو الابتداء ....) الخ 1/ 328.]]؛ لأن أول أحوال [[في (ب): (الأحوال).]] الاسم هو الابتداء، وإنما يدخل الناصب والجار والرافع على المبتدأ [[في (ب): (الابتداء).
نص كلام أبي الفتح: (وإنما يدخل الرافع أو الناصب سوى الابتداء والجار على المبتدأ وفي حاشيته: في ب (الناصب والرافع)، "سر صناعة الإعراب" 1/ 328 تأمل الفرق بينهما.]] فلما كان المبتدأ متقدما في المرتبة، وكان فتح هذِه اللام هو الأول المتقدم من حالتها [[عند أبي الفتح (حاليها) 1/ 328.]]، جعل الفتح الذي هو أول مع الابتداء الذي هو أول، ولما كان الكسر فيها إنما هو ثان غير أول، جعل مع الذي هو تبع للابتداء، هذا هو القياس [[انتهى من "سر صناعة الإعراب" 1/ 328.]].
وقوله تعالى ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: (الرب) في اللغة له معنيان [[ذكر ابن الأنباري أن الرب ثلاثة أقسام: السيد المطاع، والمالك، والمصلح. "الزاهر" 1/ 575. ونحوه عند ابن جرير ثم قال: "وقد يتصرف معنى (الرب) في وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلى بعض هذِه الوجوه الثلاثة ...) "تفسير الطبري" 1/ 62، وانظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 25/ ب، "المخصص" 17/ 154، "معجم مقاييس اللغة" (رب) 2/ 381، "الزينة" 2/ 27، "اللسان" (ربب) 1/ 404.]]: أحدهما: أن يكون معناه من الرب بمعنى التربية.
قال الأصمعي: (رب فلان الصنيعة يَرُبُّها رَبًّا إذا أتمها وأصلحها) قال: ويقال: فلان رَبَّ نِحْيَهُ يَرُبُّه رَبًّا [[(ربا) ساقط من (ب).]] إذا جعل فيه الرُّبَّ ومتَّنَهُ به، وهي [[في "تهذيب اللغة" (وهو نحى مربوب).]] نِحْيٌ مَرْبُوب [[انظر قولي الأصمعي في "تهذيب اللغة" (رب) 2/ 1336.]] وهذا -أيضًا- عائد إلى معنى التربية والإصلاح. قال الشاعر:
فَإِنْ كُنْتِ مِنِّي أَوْ تُرِيدِين صُحْبَتِي [[في (ب): (تريدن نصيحتي).]] ... فَكُونِي لَهُ كَالسَّمْنِ [[في (ب)، (ج): (كالشمس).]] رُبَّتْ لَهُ الأَدَم [[البيت لعمرو بن شأس، كان له ابن يقال له (عرار) من أمة سوداء، وكانت امرأته تؤذيه وتستخف به، فقال قصيدة يخاطبها، ومنها هذا البيت، يقول: إن كنت تريدين مودتي، فأحسني إليه كما تستصلحين وعاء السمن حتى لا يفسد عليك، و (الأَدَم) جمع أَدِيم: الجلد المدبوغ، و (الرُّبُّ): خلاصة التمر بعد طبخه وعصره. ورد البيت في "شعر عمرو" ص 71، "الشعر والشعراء" ص 274، "طبقات الشعراء" للجمحي ص 80، "أمالي القالي" 2/ 189، "اشتقاق أسماء الله" ص 33، "الصحاح" (ربب) 1/ 131، "اللسان" (ربب) 3/ 1550.]] وتقول: رَبَّ الشيء يَرُبُّه ربوبًا فهو رَبٌّ، مثل: (بَرّ وَطَبّ [[يقال: (رجل طب) أي: عالم. انظر: "الصحاح" (طبب) 1/ 171.]]) [[ذكر الثعلبي نحوه قال: (تقول العرب: رَبَّ يَرُبُّ رَبَابَةً ورُبُوبًا فهو رَبٌّ مثل بَرٌّ وَطبٌّ) "تفسير الثعلبي" 1/ 25/ ب، وانظر: "الزاهر" 1/ 576، "الصحاح" (ربب) 1/ 130، "الوسيط" للواحدي 1/ 17.]]، إذا تممه وأصلحه، قال الشاعر:
يَرُبُّ الذِّي يَأْتِي مِنَ الخَيْرِ أَنَّهُ ... إذَا فَعَلَ المَعْرُوفَ زَادَ وَتَمَّمَا [[ورد البيت بدون عزو في "الزاهر" 1/ 576، "تهذيب اللغة" (رب) 2/ 1336، "تفسير الثعلبي" 1/ 25/ ب، "الوسيط" للواحدي 1/ 17، "اللسان" (ربب) 3/ 1547، ورواية البيت في غير الثعلبي (من العرف) بدل (من الخير)، (سئل) بدل (فعل).]]
فالمعنى [[في (ب): (والمعنى).]] على هذا أنه يربي الخلق ويغذوهم [[في (ب): (ويعددهم).]] بما ينعم عليهم [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 119.]].
الثاني: أن يكون الرب بمعنى المالك، يقال: رب الشيء إذا ملكه، ورببت [[في (ب): (بيت).]] فلانا، أي: كنت فوقه [[انظر: "الزينة" 2/ 27، "تهذيب اللغة" (رب) 2/ 1336، "اللسان" (ربب) 3/ 1546.]].
ومنه قول صفوان بن أمية [[صفوان بن أمية بن خلف الجمحي القرشي، أسلم بعد الفتح، وروى أحاديث وشهد اليرموك، توفي سنة إحدى وأربعين. انظر ترجمته في "الإصابة" 2/ 187، "تجريد أسماء الصحابة" 1/ 266، "سير أعلام النبلاء" 2/ 562، "طبقات ابن سعد" 5/ 449.]]: لأن يَرُبَّنِي رجل من قريش أحب إِلي من أن يَرُبَّنِي رجل من هوازن [[ذكره الأزهري في "التهذيب"، وفيه: أن صفوان كان يرد بذلك على أبي سفيان. == "التهذيب" (رب) 2/ 1336، وذكره ابن هشام في "السيرة"، وذكر عن ابن إسحاق أنه كان يرد به على (جبلة بن الحنبل) وقال ابن هشام (كلدة بن الحنبل) "السيرة" لابن هشام 4/ 72 - 73.]] يعني: أن يكون ربًا فوقي، وسيدًا يملكني. وكل من ملك شيئا فهو ربّه [[في (ب): (رب).]]، يقال: هو ربّ الدار وربّ الضيعة [[انظر: "تهذيب اللغة" (رب) 2/ 1336، " الزينة" 2/ 27، "اشتقاق أسماء الله" ص 32.]]، وقال النبي ﷺ لرجل [[(لرجل) ساقط من (أ).]]: "أَرَبُّ إِبلٍ أنت أم رَبُّ غنم؟ " [[أخرجه أحمد في (مسنده) عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت النبي ﷺ فصعد في النظر وصوَّب وقال: "أَرَبُّ إبل .... " الحديث 4/ 136، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 25/ ب، والرازي في "الزينة" 2/ 29.]]، وقال النابغة:
فَإِنْ تَكُ رَبَّ أَذْوَادٍ بِحُزْوى ... أَصَابُوا مِنْ لِقَاحِكَ مَا أَصَابُوا [[رواية البيت في "الديوان":
فَإِنْ تَكُنِ الفَوَارِسُ يَوْمَ حِسْي ... أَصَابُوا مِنْ لِقَائِكَ مَا أَصَابُوا
"الديوان" ص 84، ونحو رواية الديوان في "مجاز القرآن" 1/ 311، "الزاهر" 1/ 575، "الزينة" 2/ 27، وبمثل رواية الواحدي ورد في "تفسير الثعلبي" 1/ 25/ ب، ولعله أخذه عنه، و (حُزْوى) بضم الحاء موضع بنجد، انظر: "معجم البلدان" 2/ 255.]]
ثم (السيد) يسمى ربًّا وإن لم يكن مالكا على الحقيقة [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 25/ ب، "مجاز القرآن" 1/ 311، "الزينة" 2/ 27.]]، قال الله تعالى: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: 42]. وقال الأعشى [[تبع الواحدي شيخه الثعلبي فنسب البيت للأعشى، والبيت للبيد كما نسبه الطبري وغيره في "ديوانه" كما سيأتي.]]:
وَأَهْلَكْنَ يَوْمًا رَبَّ كِنْدَةَ وابْنَه [[شطره الثاني: وَرَبَّ مَعَدًّ بَيْنَ خَبْتٍ وَعَرْعَرِ.
(رب كندة): ملكهم حجر أبو امرئ القيس، و (رب معد): ملكهم حذيفة بن بدر، (خبت): الأصل فيه المطمئن من الأرض ويطلق على عدة أماكن، و (عرعر) اسم == مكان. انظر البيت في "شرح ديوان لبيد" ص 55، "تفسير الطبري" 1/ 62، "الزينة" 2/ 27، "الزاهر" 1/ 576، "تفسير الثعلبي" 1/ 25/ ب.]].
أي: سيدها.
والله تعالى ربُّ كل شيء أي: مالكه، وهو السيد على الحقيقة.
وقال بعض أهل اللغة: المعنى الثاني راجع إلى الأول الذي هو بمعنى التربية [[انظر: "معجم مقاييس اللغة" (رب) 2/ 381، 382.]] وقيل للمالك: (رب) لأنه يرب مملوكه، ويملك تربيته وتنشئته، والسيد رب لأنه مالك.
فأما ما يذهب إليه المتكلمون أنه لم يزل ربًّا [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 26/ أ.]]، وأن هذا من صفة الذات، وقولهم: إن معناه الثابت الدائم، من قولهم: (ربُّ بالمكان) إذا أقام به [[ذكره الثعلبي عن الحسين بن الفضل في "تفسيره" 1/ 25/ ب.]]. فهذا لا يعرفه أهل اللغة، وليس يصح ربَّ [[في (ب): (في رب).]] بمعنى: أقام [[بل ورد عند بعض أهل اللغة (رب) بمعنى: أقام، قال ابن دريد في "الجمهرة" (... رب بالمكان وأرب به إذا أقام به) 1/ 28، وانظر: "الاشتقاق" له ص 536، وفي "اللسان": رب بالمكان وأرب: لزمه. "اللسان" (ربب) 3/ 1548، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 25/ ب.]]، وأربَّ بمعنى: أقام صحيح [[انظر: "تهذيب اللغة" (رب) 2/ 1339، "الصحاح" (ربب) 1/ 132، "اللسان" (ربب) 3/ 1548.]]، فان أمكن بناء [[في (ب): (بنى).]] هذا الاسم من الإرباب صح قولهم.
وقوله تعالى: ﴿الْعَالَمِينَ﴾: هو جمع (عالم) على وزن (فَاعَل) [[انظر: "تهذيب اللغة" (علم) 3/ 2554.]]، كما قالوا: خَاتَم [[الخاتم: ما يوضع على الطينة التي على الكتاب، وتكون علامة على أنه لم يفتح، والطابع بمعناه، انظر. "تهذيب اللغة" (ختم) 1/ 983، و (طبع) 3/ 2161.]]، وطَابَع، ودَانَق [[(الدانق) بفتح النون وكسرها: سدس الدرهم، انظر: "اللسان" (دنق) 3/ 1433.]]، وقَالَب [[(القالب) بفتح اللام وكسرها، الشيء الذي يفرغ فيه الجواهر، ليكون مثالا لما يصاغ منها، "اللسان" (قلب) 6/ 3715.]]، واختلفوا في اشتقاقه على وجهين: فمنهم من قال: اشتقاقه من (العَلَم) و (العلامة)، وذلك أن كل مخلوق دلالة وعلامة على وجود صانعه [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 26/ ب، وانظر: "معجم مقاييس اللغة" (علم) 4/ 110.]]، فالعالم اسم عام لجميع المخلوقات، يدل على هذا قول الناس: (العالم محدث) يريدون به جميع المخلوقات، وهذا قول الحسن [[هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، مولى الأنصار، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وتوفي سنة عشر ومائة من الهجرة، كان غزير العلم بكتاب الله تعالى. ورعًا زاهدًا فصيحا. انظر ترجمته في "حلية الأولياء" 2/ 131، "طبقات القراء" لابن الجزري 1/ 235، "تذكرة الحفاظ" 1/ 71، "طبقات المفسرين" للداودي 1/ 150.]] ومجاهد وقتادة [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 26/ ب وذكره الطبري عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة. "تفسير الطبري" 1/ 63، وكذا ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 27.]] في تفسير العالم: إنه جميع المخلوقات. ولدل على هذا القول من التنزيل قوله: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الشعراء: 23، 24] فسر [[في (ب): (فيفسر).]] العالمين بجميع المخلوقات. ومنهم من قال: إنه مشتق من العِلْم [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 26/ ب.]].
فالعالمون على هذا هم من يعقل، قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: هم الجن والإنس [[أخرجه الطبري بسنده. قال شاكر: إسناه حسن. "تفسير الطبري" 1/ 144 (ط. شاكر)، وابن أبي حاتم. وقال المحقق: (إسناده ضعيف)، "تفسير ابن أبي حاتم" رسالة دكتوراه 1/ 154، والحاكم في "المستدرك"، وقال بعده: ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند. ووافقه الذهبي، "المستدرك"، كتاب التفسير تفسير سورة الفاتحة 2/ 258، وانظر: "الدر المنثور" 1/ 36.]].
واختاره أبو الهيثم [[انظر: الثعلبي 1/ 26/ أ.]] والأزهري [[انظر: "تهذيب اللغة" (علم) 3/ 2554.]]، واحتجوا بقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1] وإنما بعث محمد نذيرا للجن والإنس [["التهذيب" (علم) 3/ 2554.]]. وقال الحسين بن الفضل وأبو معاذ [[أبو معاذ النحوي المقرئ اللغوي، له عناية باللغة والقراءات. انظر مقدمة "تهذيب اللغة" 1/ 44، "إنباه الرواة" 179.]] النحوي: هم بنو آدم [[قال الثعلبي في "تفسيره" (قال أبو معاذ النحوي: هم بنو آدم .. وقال الحسين بن الفضل: (العالمون): الناس واحتج بقوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ "تفسير الثعلبي" 1/ 26/ أ.]]، لقوله: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165)﴾ [الشعراء: 165].
وقال الفراء [[أبو زكرياء يحي بن زياد الديلمي الفراء، كان أبرع أهل الكوفة في النحو، له كتب من أشهرها معاني القرآن، توفي سنة سبع ومائتين. انظر ترجمته في "طبقات النحويين واللغويين" للزبيدي ص 131، "تاريخ بغداد" 14/ 149، "اللباب" 2/ 414، "إنباه الرواة" 4/ 1.]] وأبو عبيدة: هو عبارة عما يعقل، وهو أربع أمم: الملائكة والإنس والجن والشياطين، ولا يقال للبهائم: عالم [[بنصه في "تفسير الثعلبي" 1/ 26/ ب.]].
وقد ذكر الله تعالى ﴿الْعَالَمِينَ﴾ وأراد به أهل عصر واحد، وهو قوله لبني إسرائيل: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 47] يعني عالمي زمانهم [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 264، "التصاريف" المنسوب ليحيى بن سلام ص 266، "إصلاح الوجوه والنظائر" للدامغاني ص 331.]].
وهذِه الأقوال صحيحة على أصل من يجعله مشتقًّا من العِلْم، والذين صححوا هذِه الطريقة قالوا في جواب موسى لفرعون: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [[يشير بهذا إلى ما سبق في قوله تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء: 23، 24] حيث استدل بالآيتين من قال: إن العالمين: جميع المخلوقات.]]: إنه لم يشتغل بتفسير العالمين، وإنما أراد تعريفه على وجه أظهر من الأول [[هو ما ورد في الآيات قبلها حين توجه موسى إلى فرعون بقوله تعالى: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 16].]]، ليصير الخصم مبهوتًا.
وأبو إسحاق [[الزجاج.]] اختار الطريقة الأولى، وقال: معنى العالمين: كل ما خلق الله. قال: وقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ كقوله ﴿وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 164] [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 8.]].
والعالم على كلا [[في (ج): (كل).]] الأصلين: اسم للجمع [[في (ج): (جمع).]]، ولا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 62، "تفسير الثعلبي" 1/ 26/ أ.]].
قال أبو إسحاق: وإنما لم يستعمل الواحد من لفظه؛ لأن (العالم) اسم لأشياء مختلفة، فإن جعل لواحد منها اسم من لفظه صار جمعا لأشياء متفقة [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 8، ذكر كلامه بتصرف.]].
وهذا النوع من الجمع [[أي: (العالمين) جمع (عالم)، انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 8.]] يسمى (السالم) لسلامة لفظ الواحد فيه، ويجمع على الواو والياء [[انظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 162، "شرح ابن عقيل" 1/ 63.]].
واختلف النحويون في (الواو والياء والألف) اللواتي تلحق التثنية والجمع [[نقل الواحدي في هذا الموضوع عن أبي الفتح ابن جني من "سر صناعة الإعراب" بعضه بنصه، وبعضه بمعناه. 2/ 695، ومثل هذا المبحث مكانه كتب النحو لا كتب التفسير.]]، فمذهب سيبويه فيها أنها حروف إعراب بمنزلة (الدال) من زيد [[انظر: "الكتاب" 1/ 17، 18.]].
والدليل على ذلك [[أي ما ذهب إليه سيبويه، انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 696.]]: أن الذي أوجب للواحد المتمكن نحو: (زيد ورجل) حرف الإعراب، هو [[في (أ)، (ج): (فهو) وما في (ب) موافق لما في "سر صناعة الإعراب" 2/ 696.]] موجود في التثنية والجمع [[لم يرد في كلام أبي الفتح ذكر للجمع، وإنما الحديث عن المثنى، وأضاف الواحدي كلمة (الجمع) لكلامه في جميع المواضع؛ لأن حكمهما واحد. انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 696.]]، وهو التمكن، فكما أن الواحد المعرب المتمكن يحتاج إلى حرف إعراب، فكذلك الاسم المثنى والمجموع إذا كان معربا متمكنا احتاج إلى حرف إعراب، وإذا كان كذلك فقولنا: (الزيدان والزيدون) [[عند أبي الفتح: (الزيدان والعمران، والرجلان والغلامان) 2/ 697، فهي أمثلة على المثنى وليس للجمع ذكر.]] لا يخلو حرف الإعراب، إما أن يكون ما قبل الألف والواو، أو هما، أو ما بعدهما.
ويفسد أن تكون (الدال) من زيد هي حرف الإعراب في التثنية؛ لأنها قد كانت في الواحد حرف الإعراب، وقد انقلبت عن الواحد الذي هو الأصل إلى التثنية التي هي فرع، كما تقول في (قائمة) لما انقلبت عن المذكر [[وهو (قائم)، انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 697.]] الذي هو الأصل إلى المؤنث الذي هو الفرع، بطل أن تكون (الميم) التي كانت [[في (ب): (الذي كان).]] في المذكر حرف إعراب أن تكون [[في (ب): (يكون).]] في المؤنث حرف إعراب، وصار حرف الإعراب علم التأنيث وهو (الهاء) [[في كلمة (قائمة)، "سر صناعة الإعراب" 2/ 697.]] فكذلك ينبغي أن يكون علم التثنية والجمع [[(الجمع) زيادة من الواحدي على كلام أبي الفتح، 2/ 697.]] هو حرف الإعراب [[تكلم أبو الفتح بعد هذا عن المقارنة بين المثنى وجمع التكسير، ولماذا لا تكون (الدال) من (الزيدان) حرف إعراب كما في المفرد؟ مثل (فرس) فالسين حرف إعراب و (أفراس) السين حرف إعراب وهو جمع تكسير. انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 697 - 698.]]. ولا يجوز أن يكون ما بعد الألف والواو حرف إعراب، وهو (النون) لأنها حرف صحيح يتحمل [[في (ب): (محمل).]] الحركة، فلو كانت حرف إعراب لوجب أن تعربه [[في (ب): (تعرفه).]] في الرفع والنصب والخفض [[قال أبو الفتح: تقول: (قام الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان)، "سر صناعة الإعراب" 2/ 699.]]، كما تعرب (الدال) من زيد، وكما تقول: هؤلاء غلمان، ورأيت غلمانا، ومررت بغلمان [[انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 699 وما بعدها من الصفحات فقد أطال أبو الفتح بن جني الشرح حول هذِه المسألة.]].
وهذا الذي ذكرنا من مذهب سيبويه، مذهب أبي إسحاق وابن كيسان، وأبي بكر، وأبي علي [[انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 695، قال أبو الفتح: (.. وهو قول أبي إسحاق، وابن كيسان، وأبي بكر، وأبي علي ..).]].
وإذا ثبت أن هذِه الحروف حروف إعراب [[قال أبو الفتح: (واعلم أن سيبويه يرى أن (الألف) في التثنية كما أنه ليس في لفظها إعراب، فكذلك لا تقدير إعراب فيها كما يقدر في الأسماء المقصورة المعربة نية الإعراب، ألا ترى أنك .. الخ) "سر صناعة الإعراب" 2/ 706.]] فلا إعراب في لفظها استثقالا للحركات فيها، ولا تقدير إعراب فيها -أيضًا- كما يقدر في الأسماء المقصورة المعربة نية الإعراب، ألا ترى أنك إذا قلت: هذا فتى، ففي الألف تقدير ضمة، وإذا قلت: رأيت فتى، ففي الألف تقدير فتحة، وإذا قلت: مررت بفتى، ففي الألف تقدير كسرة، وهو لا يرى [[في (ب): (لا ترى). والمراد (سيبويه) كما هو في النص السابق الذي نقلناه عن أبي الفتح 2/ 706.]] أنك إذا قلت: هذان الزيدان، أن في الألف تقدير ضمة، ولا إذا قلت: مررت بالزيدين، وضربت الزيدين، ففي الياء تقدير كسرة ولا فتحة [[في "سر صناعة الإعراب" (أن في الياء ..) وفي حاشيته: في (ش): (ففي) ويظهر أن الواحدي أخذ عن هذِه النسخة، والصحيح ما أثبت في أصل "سر صناعة الإعراب" 2/ 706.]].
قال أبو علي: [[عند أبي الفتح: (قال أبو علي: ويدل على صحة ما قال سيبويه من أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية تقدير حركة في المعنى -كما أن ذلك ليس موجودا في اللفظ- صحة (الياء) في الجر والنصب ...) فلم يرد في كلامه لفظ الجمع، انظر: "سر صناعة الإعراب" 2/ 706.]] يدلك على أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية والجمع تقدير حركة في المعنى، صحة (الياء) في الجر والنصب في قولك: (مررت برجلين) و (ضربت رجلين)، ولو كان في (الياء) منهما [[في (ب): (منها).]] تقدير حركة، لوجب أن تقلب ألفا كرحى وفتى، ألا ترى أن (الياء) إذا انفتح ما قبلها وكانت في تقدير حركة وجب أن تقلب ألفا [[لم أجده فيما اطلعت عليه من كتب أبي علي الفارسي، ولعل أبا الفتح أخذه من أبي علي مشافهة حيث قال: (وهذا أيضًا من لطيف ما حصلته عنه فافهمه). "سر صناعة الإعراب" 2/ 707.]].
وهذا استدلال من أبي علي في نهاية الحسن، وصحة المذهب وسداد الطريقة [[بنصه من "سر صناعة الإعراب" 2/ 706.]]. ودخلت النون فيهما عوضا من الحركة والتنوين، وذلك أن من شرط التثنية، والجمع -الذي على حد التثنية- أن يكون [[في (ب): (تكون).]] له علامة مزيدة على لفظ الواحد، والواحد فيه حركة وتنوين، فكان حق العلامة أن تدخل على لفظ الواحد، ثم تلحقها الحركة والتنوين، فلما وجب أن يدخل التنوين والحركة في التثنية والجمع، ثم عرض ما يمنع من دخولهما، وجب أن يعوض [[في (ج): (يعرض).]] منهما، وقد بينا أن الحركة إنما أسقطت استثقالا، والتنوين وجب إسقاطه لأنه ساكن، وهذِه الحروف سواكن ولم يمكن إسقاط هذِه الحروف لأنها علامات، ولا تحريكها للثقل، ولا تحريك التنوين؛ لأنه يخرج عن حكم العلامة ويصير نونا لازمة، فلم يبق إلا إسقاطه، فلما دخلت النون دخلت ساكنة؛ لأنه لا حظ لها من الإعراب فاجتمع ساكنان، فحركت نون التثنية بالكسرة ونون الجمع بالفتحة فرقا بينهما [[أخذه بمعناه من "سر صناعة الإعراب" 2/ 448 - 449.]]. وكانت نون التثنية أولى بالكسرة لأن قبلها (ألفا) وهي خفيفة والكسرة ثقيلة [[في (ب): (ثقيلا).]]، فاعتدلا، وقبل نون الجمع (واو [[عند أبي الفتح: (وقبل نون الجمع (واو) أو (ياء)) 2/ 488.]]) وهي ثقيلة ففتحوا النون ليعتدل الأمر.
فإن قلت: إنك تكسر النون مع (الياء) في النصب والجر، فهلا هربت إلى الفتحة لمكان (الياء) كما هربت إلى الفتحة لمكانها في (أين وكيف)؟. والجواب: أن (الياء) في التثنية ليست بلازمة كلزومها في (أين) لأن الأصل هو الرفع، والنصب والجر فرعان عليه، فأجروا الباب على حكم الرفع الذي هو الأصل [[انتهى ما نقله عن أبي الفتح ابن جني من كتاب "سر صناعة الإعراب" ملخصا قال أبو الفتح (فهذِه حال نون التثنية والجمع الذي على حد التثنية ولم يتقص أحد من أصحابنا القول عليها هذا التقصي، ولا علمته أشبعه هذا الإشباع) 2/ 487 - 489.]]، وصارت النون أولى بالزيادة من بين سائر الحروف، لشبهها بحروف المد. وسترى وجه الشبه بينهما فيما يمر بك من الكتاب إن شاء الله.
{"ayah":"ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق