الباحث القرآني

قوله عز وجل [[قوله (عز وجل) ساقط من (ج).]]: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اختلفت عبارة النحويين في تسمية هذِه الباء الجارة، فسموها مرة: حرف إلصاق، ومرة: حرف استعانة، ومرة: حرف إضافة، وكل هذا صحيح من قولهم [[نقل الواحدي الكلام عن (الباء) من كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني 1/ 122 بالنص في الغالب، وقد يتصرف بالعبارة أحيانا. وللباء معان كثيرة أوصلها المزني إلى واحد وعشرين معنى. انظر: "الحروف" للمزني ص 54، "حروف المعاني" للزجاجي ص 47، 86، 87، "مغني اللبيب" 1/ 101، "البحر المحيط" 1/ 14.]]. أما الإلصاق: فنحو قولك: تمسكت بزيد، وذلك أنك ألصقت محل قدرتك به، وبما اتصل به، فقد صح إذن معنى الإلصاق [["سر صناعة الإعراب" 1/ 123، وفيه (ألصقت محل قدرتك أو ما اتصل بمحل قدرتك به أو بما اتصل به ..). وسمى سيبويه هذا المعنى: إلزاقا واختلاطا "الكتاب" 4/ 217، قال ابن هشام: وهو معنى لا يفارقها، ولهذا لم يذكر سيبويه غيره. "مغني اللبيب" 1/ 101، ولكن نجد سيبويه ذكر معنى الإضافة في "الكتاب" 1/ 421.]]. وأما الاستعانة: فقولك: ضربت بالسيف، وكتبت بالقلم، وبريت بالمدية، أي: استعنت بهذِه الأدوات على هذِه الأفعال. وأما الإضافة: فقولك: مررت بزيد، أضفت مرورك إلى زيد بالباء [["سر صناعة الإعراب" 1/ 123، انظر: "الكتاب" 1/ 121، "المقتضب" 1/ 177، "مغني اللبيب" 1/ 101، "البحر المحيط" 1/ 14.]]. وأما قول النحويين [["سر صناعة الإعراب" 1/ 120.]]: (الباء والكاف واللام الزوائد) فإنما قالوا فيهن: إنهن زوائد، لأنهن لما كن على حرف واحد، وقللن غاية القلة، واختلطن بما بعدهن خشي عليهن لقلتهن وامتزاجهن بما يدخلن عليه أن يظن بهن أنهن بعضه وأحد أجزائه، فوسموهن بالزيادة، ليعلموا [[في (ب): (لتعلموا).]] من حالهن أنهن لسن من أنفس ما وصلن به. ألا ترى أن (اليوم تنساه) لا باء فيه، ولا كاف [[(اليوم تنساه) جملة يستعملها النحويون تجمع الحروف الزوائد وهي عشرة حروف، والمراد أن (الباء) و (الكاف) ليستا من الحروف الزوائد. انظر: "سر صناعة الإعراب" 1/ 120، "التبصرة والتذكرة" للصيمري 2/ 788.]]. وحذاق النحويين لا يسمونها زوائد، بل يقولون في الباء واللام: إنهما حرفا إضافة [[عند أبي الفتح: (فأما حذاق أصحابنا فلا يسمونها بذلك، يقولون في الباء واللام أنهما حرفا إضافة). "سر صناعة الإعراب" 1/ 121، وهذا قول سيبويه. انظر: "الكتاب" 1/ 421، وانظر: "المقتضب" 1/ 183، 4/ 136 - 143، ووسمها ابن هشام في "مغني اللبيب" بالزيادة 1/ 106.]]، وفي الكاف يقولون: حرف جر [[انظر: "الكتاب" 4/ 217، "المقتضب" 4/ 140، "مغني اللبيب" 1/ 176 - 179.]]. وهذِه حروف أدوات عاملة [[في (ب): (عاملات).]]، تجر ما تدخل عليه من الأسماء نحو: من وعن وفي [[قوله: (وهذِه حروف أدوات ..) ليس من كلام أبي الفتح والنص في "سر صناعة الإعراب": (وهذا موضع لابد فيه من ذكر العلة التي لها صارت حروف الإضافة هذِه جارة .. إلى أن قال: إنما جرت الأسماء ..) 1/ 123. وعن عمل حروف الجر، وهل هي حروف أو أسماء؟. انظر: "الكتاب" 1/ 419 - 420، "المقتضب" 4/ 136، "الأصول في النحو" لابن السراج 1/ 408. قال الصيمري في "التبصرة والتذكرة": الحروف تنقسم قسمين: أحدهما يستعمل حرفا وغير حرف، والآخر يكون حرفا لا غير. فأما== ما يستعمل حرفا وغير حرف فنحو (على) و (عن) و (كاف التشبيه) و (منذ) و (مذ) فهذِه تكون حروفا في حال، وأسماء في أخرى .. وأما ما لا يستعمل إلا حرفا في هذا الباب: فالباء الزائدة .. واللام الزائدة .. و (من) و (إلى) و (في) و (رب) و (حتى) إذا كانت غاية. "التبصرة والتذكرة" 1/ 282 - 285.]]. وإنما جرت [[في (ج): (وإنما تدخل جرت).]] الأسماء من قبل أن الأفعال التي قبلها ضعفت عن وصولها وإفضائها إلى الأسماء التي بعدها نحو قولك: (عجبت، ومررت، وذهبت) لو قلت: عجبت زيدًا، ومررت جعفرًا، وذهبت محمدًا، لم يجز كما بجوز ضربت زيدًا؛ لضعف هذِه الأفعال في العرف [[في (ج): (القرن).]] والعادة [[في (أ)، (ج): (في الاستعمال) وفي "سر صناعة الإعراب" (لضعف هذِه الأفعال في العرف والعاة والاستعمال عن إفضائها إلى هذِه الأسماء ..) 1/ 124.]] والاستعمال، فلما قصرت هذِه الأفعال عن الوصول إلى الأسماء رفدت بحرف الإضافة، فجعلت موصلة [[في (ج): (موصولة).]] لها إليها، فقالوا: عجبت من زيد، ونظرت إلى محمد [[في "سر صناعة الإعراب": (نظرت إلى عمرو) 1/ 124.]]، فلما احتاجت هذِه الأفعال إلى هذِه الحروف لتوصلها إلى بعض الأسماء جعلت تلك الحروف جارة، وأعملت هي في الأسماء [[هذا مذهب البصريين في سبب تسميتها حروف جر، أما الكوفيون فيسمونها حروف خفض، قالوا: لانخفاض الحنك الأسفل عند النطق به، انظر: "الإيضاح في علل النحو" ص 93.]]. ولم يفض إلى الأسماء النصب الذي يأتي من الأفعال؛ لأنهم أرادوا أن يجعلوا بين الفعل الواصل بنفسه وبين الفعل الواصل بغيره فرقًا، ولما هجروا لفظ النصب لما ذكرنا، لم يبق إلى الرفع والجر. فأما الرفع فقد استولى عليه الفاعل، فلم يبق إذا غير الجر، فعدلوا إليه ضرورة [[من "سر صناعة الإعراب" 1/ 124، 125، مع اختصار بعض الجمل.]] [و] [[الواو ساقطة من (ب).]] الجار والمجرور جميعا في موضع نصب [["سر صناعة الإعراب" 1/ 130، وانظر: "المقتضب" 4/ 33، قال النحاس عند قوله ﴿بسم الله﴾: (موضع الباء وما بعدها عند الفراء نصب، وعند البصريين رفع، وقال الكسائي: الباء لا موضع لها من الإعراب). "إعراب القرآن" 1/ 116، وانظر: "مشكل إعراب القرآن" 1/ 6، "إملاء ما من به الرحمن" 1/ 4.]]، ألا ترى أنهم عطفوا عليه بالنصب [[هذا أحد وجهين ذكرهما أبو الفتح للدلالة على صحة دعوى أن الفعل إذا أوصله حرف جر إلى الاسم، فإن الجار والمجرور في موضع نصب بالفعل الذي قبلهما. "سر صناعة الإعراب" 1/ 130.]] فقالوا: مررت بزيد ومحمدا، ونظرت إلى عمرو وخالدا، وعلى هذا [[(على هذا) مكرر في (ب).]] ما أنشده سيبويه: مُعَاويَ إِنَّناَ بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ... فَلَسْنَا بِالجِبَالِ ولَا الحَدِيدَا [[البيت لـ (عقيبة الأسدي) ونسبه بعضهم لعبد الله بن الزبير، ومعنى (أسجح) سهل علينا حتى نصبر، فلسنا بجبال ولا حديد. والبيت من شواهد سيبويه، استشهد به في مواضع من كتابه 1/ 67، 2/ 291، 2/ 344، 3/ 91، وورد في "المقتضب" 2/ 337، 4/ 112، 4/ 371، "جمل الزجاجي" ص 54، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 1/ 22، 300، "مغني اللبيب" 2/ 477، "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 440، "الإنصاف" ص 284، "شرح المفصل" 2/ 109، 4/ 9. والشاهد فيه: نصب الحديد، وعطفه على موضع الباء، وقد أنكر بعضهم على سيبويه استشهاده بالبيت، ورووه مجرورًا، ورد ذلك السيرافي وقال: إن البيت جاء بروايتين. انظر: "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي 1/ 22، 300، "الخزانة" 2/ 260 - 264.]] عطف الحديد على موضع بالجبال [[في (ب): (الجبال).]]، ولهذا قال سيبويه: (إنك إذا قلت: مررت بزيد [فكأنك قلت: مررت زيدا) [[انظر: "الكتاب" 1/ 92، والنص من "سر صناعة الإعراب" 1/ 131.]]، تريد [[في "سر صناعة الإعراب" (يريد) وهذا أقرب، فأبو الفتح يقول: يريد سيبويه.]] بذلك أنه لولا الباء الجارة لانتصب زيد، وعلى ذلك أجازوا مررت بزيد] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ج).]] الظريفَ، تنصبه على موضع (بزيد) [[بنصه من "سر صناعة الإعراب" 1/ 144.]]. (وجميع [[بنصه عن أبي الفتح من "سر صناعة الإعراب" 1/ 144.]] الحروف المفردة التي تقع في أوائل الكلم حكمها الفتح أبدًا. نحو (واو) العطف و (فائه) و (همزة) الاستفهام و (لام) الابتداء. فأما (الباء) في (بزيد) فإنما كسرت لمضارعتها (اللام) الجارة [[قال الثعلبي العلة في كسرها أن (الباء) حرف ناقص ممال، والإمالة من دلائل الكسرة. "تفسير الثعلبي" 1/ 15.]] في قولك: (المال لزيد) وسنذكر العلة في كسر اللام في قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الفاتحة: 2] إن شاء الله [[في "سر صناعة الإعراب" وسنذكر العلة في كسر (اللام) في موضعها ... ، 1/ 144، وقد تكلم الواحدي عن العلة في كسر (اللام) عند الكلام عن اللام الجارة في لفظ الجلالة في قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ونقل في ذلك عن أبي الفتح ابن جني.]] ووجه المضارعة بينهما اجتماعهما في الجر ولزوم كل واحد منهما الحرفية [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 3، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 116، "تفسير الثعلبي" 1/ 15/ ب، "المشكل" لمكي 1/ 5، "الكشاف" 1/ 23.]]، وليست كذلك (كاف التشبيه)؛ لأنها قد تكون اسما في بعض المواضع). فأما المتعلق به (الباء) في قوله ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ فإنه محذوف، ويستغنى عن إظهارها لدلالة الحال عليه، وهو معنى الابتداء، كأنه قيل (بدأت بسم الله) [[في (ب): (إعراب باسم بالله).]] (وأبدأ بسم الله) والحال تبين أنك مبتدئ فاستغنيت عن ذكره [[قال الطبري: أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل: (بسم الله)، على ما بطن من مراده الذي هو محذوف. ومفهوم أنه مريد بذلك: (أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم). "تفسير الطبري" 1/ 50، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 1، "الوسيط" للواحدي 1/ 14، "الكشاف" 1/ 26، "لباب التفسير" للكرماني 1/ 26 (رسالة دكتوراه).]]. وحذفت الألف من بسم الله؛ لأنها وقعت [[في (ب): (وقفت).]] في موضع معروف، لا يجهل القارئ معناها، فاستخف طرحها؛ لأن من شأن العرب الإيجاز إذا عرف المعنى، وأثبتت في قوله ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: 74، 96، الحاقة: 52] لأن هذا لا يكثر كثرة (بسم الله) ألا ترى أنك تقول: (بسم الله) عند ابتداء كل شيء [[أخذه عن "معاني القرآن" للفراء، مع اختلاف يسير في اللفظ ص 36، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 117، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 3.]]. ولا تحذف الألف إذا أضيف (الاسم) إلى غير [[في (ص): (لغير).]] الله، ولا مع غير الباء من الحروف، فتقول: لاسم الله حلاوة في القلوب، وليس اسم كاسم الله، فتثبت الألف مع اللام والكاف [["معاني القرآن" للفراء 1/ 2، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 3، "المشكل" لمكي 1/ 5، "تفسير ابن عطية" 1/ 84، "الكشاف" 1/ 35.]]. هذا في سقوطها في الكتابة، وأما سقوطها في اللفظ، فلأنها [[في (ب): (ولا منها).]] للوصل، وقد استغنى عنها بالباء [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 1، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 147، "إعراب القرآن" للنحاس 117.]]. فأما معنى: (الاسم) واشتقاقه ومأخذه من اللغة، فقد كثر فيها الاختلاف، فقال [[في (ب): (فقالوا).]] نحويو [[(نحويو) مكانها بياض في (ب).]] الكوفة: (الاسم) مشتق من السمة، وهي العلامة، كالعدة والزنة من (الوزن) و (الوعد)، كذلك (السمة) من (الوسم) [[حذفت فاؤه اعتلالا على غير قياس، والأصل في اسم (وسم) فحذفت الفاء التي هي (الواو) من (وسم). انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 2، "تفسير ابن عطية" 1/ 84، "الإنصاف في مسائل الخلاف" ص 4، "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 32، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 6.]]، ومن هذا قال أبو العباس (ثعلب): الاسم وسم وسمة توضع على الشيء يعرف به [[انظر: "تهذيب اللغة"، وفيه (الاسم رسم وسمة ..)، (سما) 2/ 1748، "اللسان" (سما) 4/ 2109، "الإنصاف" ص 4.]]. وقال مشيخة البصرة: (الاسم) مشتق من السمو، لأنه يعلو المسمى، فالاسم: ما علا وظهر [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 2، "تهذيب اللغة" للأزهري (سما) 2/ 1748، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 255، "الإنصاف" ص 5، "تفسير ابن عطية" 1/ 84، "الكشاف" 1/ 34، 35، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 6.]]، فصار علما للدلالة على ما تحته من المعنى [[هذا قول الزجاج، وفيه إشارة إلى أن الاسم هو المسمى، انظر: "معاني القرآن" 1/ 2، "الإنصاف" ص 5.]]. وقال بعضهم: العلة في اشتقاقه من السمو أن الكلام ثلاثة: اسم وفعل وحرف، فالاسم يصح أن يكون خبرا ويخبر عنه، والفعل يكون خبرا ولا يخبر عنه، والحرف لا يكون خبرا ولا يخبر عنه، فلما كان للاسم مزية على النوعين الآخرين وجب أن يشتق مما [[في (ب): (عما).]] ينبئ عن هذِه المزية، فاشتق من السمو ليدل على علوه وارتفاعه [[انظر: "الإيضاح في علل النحو" ص 49، "الإنصاف" ص 6.]]. وعند المتكلمين أنه اشتق من السمو؛ لأنه سما عن حد العدم إلى الوجود [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 16/ ب.]]. وقالوا: أصله سِمْو [[أو (سمو) بالضم. انظر: "المقتضب" 1/ 229، "مشكل إعراب القرآن" 1/ 6.]]، وجمعه (أسماء) مثل قنو وأقناء [[في (ب): (فتو أفتاء).]] وحنو وأحناء فحذفت الواو استثقالًا [[في (ب): (استقلالا).]] [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 2، "اشتقاق أسماء الله" ص 255، "المنصف" 1/ 60.]]، ولم تحذف من نظائره؛ لأنها لم تكثر [[في (ب): (تكن).]] كثرته، ثم سكنوا السين استخفافًا لكثرة ما تجري على لسانهم، واجتلبت ألف الوصل ليمكن الابتداء به، وكان هذا أخف عليهم من ترك الحرف متحركا، لأن الألف تسقط في الإدراج، وكان إثبات الحرف الذي يسقط كثيرا أخف من حركة السين التي [[في (ب): (الذي).]] تلزم أبدا [[انظر: "اشتقاق أسماء الله" ص 256، 257، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 117، "الكشاف" 1/ 34، قال الزمخشري: (ومنهم من لم يزدها، أي: الألف، واستغنى عنها بتحريك الساكن فقال: (سم) و (سم).]]. قالوا: و [[(الواو) ساقطة من (ج).]] لا يصح مذهب الكوفيين في هذا الحرف، لأنه لا يعرف شيء حذفت منه فاء الفعل، فدخلت عليه ألف الوصل كالعدة والزنة. وأيضا فلو كان من الوسم لكان تصغيره (وسيما)، كما يقول: (وعيدة) و (وصيلة) في تصغير: صلة وعدة [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 2، "اشتقاق أسماء الله" ص 255 - 257، "المخصص" 17/ 134، "تفسير ابن عطية" 1/ 84، "الإنصاف" لابن الأنباري وقد ذكر خمسة وجوه في (بيان فساد مذهب الكوفيين) ص 4، "تهذيب اللغة" (سما) 2/ 1747.]]. وأما معنى (الاسم) ففيه مذهبان [[ذكر الرازي وابن كثير فيه ثلاثة مذاهب وهي: 1 - الاسم نفس المسمى وغير التسمية. 2 - الاسم غير المسمى ونفس التسمية. 3 - الاسم غير المسمى وغير التسمية. "التفسير الكبير" للرازي 1/ 108، "تفسير ابن كثير" 1/ 20، وقد كثر الخوض في هذِه المسألة، وجعل بعضهم كثرة الحديث فيها من باب العبث الذي لا طائل تحته. انظر: "تفسير الرازي" 1/ 109. قال الطبري: (وليس هذا هو الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم: أهو المسمى أم غيره، أم هو صفة له؟ فنطيل الكتابة، وإنما هذا موضع من مواضع الإنابة عن الاسم المضاف إلى الله، أهو اسم أم مصدر بمعنى التسمية؟ ..) ثم أخذ ابن جرير يرد على أبي عبيدة قوله: إن الاسم هو المسمى بتقريع مرير. وقد علق الأستاذ (محمود شاكر) على كلام الطبري بكلام جيد. انظر: "تفسير الطبري" 1/ 188 - 122. (تحقيق محمود شاكر) كما تكلم عن هذا ابن عطية في تفسير "المحرر الوجيز" 1/ 85. وقد أوضح العلامة ابن أبي العز في شرح "العقيدة الطحاوية" المنهج الصحيح في هذا حيث قال: قولهم: الاسم عين المسمى أو غيره؟ وطالما غلط كثير من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه، فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك. فهذا المراد به المسمى== نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحيم من أسماء الله تعالى ونحو ذلك، فالاسم ها هنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره، لما في لفظ الغير من الإجمال ..)، "شرح الطحاوية" ص 82. وقد ذكر ابن عطية في "تفسيره" أن مالكا رحمه الله سئل عن الاسم أهو المسمى؟ فقال: ليس به ولا غيره، قال ابن عطية: يريد دائما في كل موضع 1/ 89.]]: أحدهما: أنه بمعنى التسمية [[قال الرازي: قالت المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، 1/ 108، وانظر: "تفسير ابن كثير" 1/ 20.]]، وعلى هذا قول القائل: بسم الله: أي: بتسمية الله أفتتح تيمنا وتبركا. والثاني وهو الصحيح: أن الاسم هو المسمى [[وبه أخذ شيخه الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" 1/ 16/ أ، وقرره أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 16، والزجاج في "معاني القرآن" 1/ 2. وقد رد الطبري هذا القول كما سبق، كما رد عليه ابن جني في كتابه "الخصائص" حيث أبان في (باب في إضافة الاسم إلى المسمى، والمسمى إلى الاسم) قال: (فيه دليل نحوي غير مدفوع يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الاسم هو المسمى). "الخصائص" 3/ 24، والصحيح هنا أنه لا يقال: الاسم هو المسمى ولا غيره، بل قد يكون هو المسمى في موضع وغيره في موضع آخر، كما سبق في بيان كلام ابن أبي العز في "شرح الطحاولة".]] كقوله [[في (ب): (لقوله).]] تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: 59] فلو كان الاسم غير المسمى وجب أن يكون المأمور بطاعته غير الله وغير الرسول، وإذا قال القائل: رأيت زيدا، وجب أن يكون لم ير شخص زيد. وسئل أحمد بن يحيى [[المعروف بـ (ثعلب).]] عن الاسم أهو المسمى أو غيره؟ فقال: قال أبو عبيدة: الاسم هو المسمى [[انظر: "مجاز القرآن" 1/ 16.]]، وقال سيبويه: الاسم غير المسمى. قيل له: فما قولك؟ فقال: ليس لي فيه قول [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (سما) 2/ 1747، "اللسان" 4/ 2107.]]. وإذا كان الاسم هو المسمى فمعنى قول القائل: (بسم الله) أي بالله، ومعناه بالله أفعل، أي بتوفيقه، أو بالله تكونت الموجودات، أو ما أشبه هذا من الإضمار [[ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 1/ 16/ أ.]]. وأدخل الاسم ليكون فرقا بين اليمين والتيمن [[ذلك أن قولك (بالله) يمين، وقولك: (باسم الله) تيمن. انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 16/ أ.]]. وأكثر ما يستعمل الاسم يستعمل بمعنى التسمية [[سبق قريبًا اختيار الواحدي أن الاسم هو المسمى وليس بمعنى التسمية.]]، وإذا استعمل بمعنى التسمية فهو كلمة تدل على المعنى دلالة الإشارة دون دلالة الإفادة [[قال ابن سيده في "المخصص": (والاسم كلمة تدل على المسمى دلالة الإشارة دون الإفادة .. الخ بنصه) 17/ 134. والإشارة عند الأصوليين: دلالة اللفظ على المعنى من غير سياق الكلام له مثل قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233] ففي قوله ﴿له﴾ إشارة إلى أن النسب للأب. انظر: "التعريفات" للجرجاني ص 27، "كشاف اصطلاحات الفنون" للتهانوي 1/ 750.]]، وذلك أنك إذا قلت: زيد [[في (ب): (زيدًا).]]، فكأنك قلت: هذا، وإذا قلت: الرجل، فكأنك قلت: ذاك. ودلالة الإفادة هو ما أفاد السامع معنى، كقولك: قام وذهب [[في "المخصص" بعد هذا الكلام: (.. فأما الأول -يريد دلالة الإشارة- فإنما الغرض فيه أن تشير إليه ليتنبه عليه ..) 17/ 134.]]، ووزن (الاسم) يصلح أن يكون (فِعْل)، ويصلح فيه (فُعْل) [[انظر: "المقتضب" 1/ 229، "المخصص" 17/ 135.]] لأنهم أنشدوا: باسم الذي في كل سورة سمه [[أنشده أبو زيد. قال: قال رجل زعموا أنه من كلب: أَرْسَلَ فِيَهِا بَازِلا يُقرِّمه ... وَهْو بِهَا يَنْحو طَرِيقًا يَعْلَمْه باسم الذي في كل سورة سِمُهْ "نوادر أبي زيد" ص 461، 462. ومعنى الرجز: يقول أرسل الراعي في الإبل للضراب بعيرا في التاسعة من عمره محجوزًا عن العمل ليقوى على الضِرَاب، أرسله باسم الله الذي يُذكر اسمه في كل سورة. ورد البيت في "المقتضب" 1/ 229، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 1، "تهذيب اللغة" (سما) 2/ 1747، "المنصف" 1/ 16، "المخصص" 17/ 135، "الإنصاف" 1/ 12، "اللسان" (سما) 4/ 2107.]] بالكسر والضم وقوله [[أي: قول الله عز وجل.]]: أما أصل هذِه الكلمة [[تكلم أبو علىِ الفارسي عن أصل لفظ الجلالة (الله) وأطال في كتابه "الإغفال" متعقبا الزجاج فيما ذكره في "معاني القرآن" ونقل عنه الواحدي ذلك مع تصرف يسير في العبارة، ولم يعزه له، ونقل كلام أبي علي ابن سيده في "المخصص" وعزاه له. "الإغفال" ص 4 - 49 (محقق رسالة ماجستير)، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 5، "المخصص" 17/ 136 - 151.]]، فقد حكى أصحاب سيبويه عنه فيه [[في "الإغفال" ص 11: فقد حمله سيبويه على ضربين، "المخصص" 17/ 138، وذكر الزجاج فيه أربعة أقوال، أحدها: أنه غير مشتق، وعن الخليل: أن أصله (ولاه) من الوله والتحير، وقولان مثل قولي سيبويه. "اشتقاق أسماء الله" ص 23.]] قولين: أحدهما: قال: كان أصل هذا الاسم إلاها [["الكتاب" 2/ 195.]]، ففاؤها (همزة)، وعينها (لام)، و (الألف) ألف فعال الزائدة، واللام (هاء)، ثم حذف (الفاء) حذفا لا على التخفيف القياسي في مثل قولك: (الخب) [[في (ب)، (ج): (بالحاء) المهملة في الموضعين. و (الخبء) ما خبِّئ، سمي بالمصدر، انظر: "اللسان" (خبأ) 2/ 1085.]] في (الخبء)، و (ضو) في (ضَوْء)، لأنه لو كان كذلك [[أي: على التخفيف القياسي، اختصر الواحدي كلام الفارسي، حيث افترض أن سائلا يسأل لماذا كان على هذا التقدير؟ ولم يكن على التخفيف، فأجاب عنه بما محصله ما ذكر. انظر: "الإغفال" ص 11.]] لما لزم أن يكون منها عوض؛ لأنها إذا حذفت على حد التخفيف كانت ملقاةً في اللفظ مبقاةً في النية، ومعاملةً معاملة المثبتة غير المحذوفة، يدلك على ذلك تركهم (الياء) مصححة في قولهم (جَيْأَل) [[(الجَيْأَل) الضبع. انظر: "معجم مقاييس اللغة" (جيل) 1/ 499.]] إذا خففوا قالوا: جَيَل، ولو كانت محذوفة في التقدير كما أنها محذوفة في اللفظ للزم قلب (الياء) (ألفا) ولما كانت (الياء) في نية السكون [[أي على نية بقائها ساكنة كما كانت قبل التخفيف (جَيْأَل).]] لم تقلب. ويدل عليه [[ترك بعض حجج الفارسي. انظر: "الإغفال" ص 12.]] أيضًا تثبيتهم [[في "المخصص" (تبينهم) 17/ 138.]] (للواو) في (نُوْي) إذا خفف (نُؤي) [[في (ج): (بدون همز).]]، ولولا نية الهمزة لقلبت (ياء) وأدغمت [[في (ب): (أودعت).]] كما فعل في (مَرْمِيٍّ) وبابه [[في (ب): (ربابه) وباب مَرْمِي هو كل كلمة التقت فيها الواو والياء والأولى منهما ساكنة، تقلب فيها (الواو) (ياء) وتدغم في (الياء). انظر: "أوضح المسالك" ص 310.]]. وفي تعويضهم من همزة (إلاه) ما يدل على أن حذفها ليس على حد القياس [[أورد كلام أبي علي مختصرا. انظر: "الإغفال" ص 12، 13.]]، وذلك العوض هو (الألف واللام)، والدلالة على أنها عوض استجازتهم قطع الهمزة الموصولة الداخلة على (لام التعريف) في (القسم [[في (ج): (القيم).]] و (النداء) مثل: أَفَأَللهِ لَتَفْعَلَنَّ، ويا أَللهُ اغفر لي [[انظر: "الكتاب" 2/ 195.]]. فلو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت في غير هذا الاسم، ولما اختص هذا الاسم بقطع الهمزة فيه عَلِمنا أن ذلك لمعنى ليس في غيره، وهو كونها عوضا من المحذوف الذي هو (الفاء). ألا ترى أنك إذا أثبت الهمزة في (الإله) لم تكن (الألف واللام) فيه على حدهما في قولنا: (الله) لأن قطع همزة الوصل لا يجوز في (الإله)، كما جاز في قولنا: (الله) لأنهما ليسا بعوض من شيء [[قوله: (ألا ترى .. إلى شيء) ورد في "الإغفال" في موضع آخر بعيدا عما قبله. وانظر: "الإغفال" ص 35، "المخصص" 17/ 146.]]. القول الثاني: في أصل هذِه الكلمة: أن أصله (لَاهٌ) ووزنه على هذا (فَعْلٌ) [["الإغفال" ص 26، "المخصص" 17/ 143، "اشتقاق أسماء الله" ص 27.]] (اللام) فاء الفعل، و (الألف) منقلبة عن الحرف الذي هو العين، و (الهاء) لام، والذي دلّه [[أي سيبويه فهذا قوله الثاني، قال في "الإغفال": (فأما القول الآخر الذي قاله سيبويه في اسم الله تعالى فهو أن الاسم أصله (لاه) .. والذي دله على ذلك أن بعضهم يقول: (لَهْيَ أبوك)، ... "الإغفال" ص 26، وانظر: "الكتاب" 3/ 498.]] على ذلك قول بعضهم: (لَهْيَ أبوك) بمعنى: لله أبوك، قال سيبويه: فقلب العين وجعل اللام ساكنة، وهو (الهاء) [[في (ج): (الاها).]] إذا صارت مكان العين، كما كانت العين ساكنة في (لاه) [[قوله (لاه) زيادة ليست في "الإغفال" ولا في "الكتاب".]]، وترك آخر الاسم مفتوحًا كما تركوا آخر (أين) مفتوحًا [[مبنية على الفتح، انظر: "المسائل الحلبيات" ص 103.]]، وإنما فعلوا ذلك به حيث غيروه لكثرته في كلامهم، فغيروا إعرابه كما غيروه [[انتهى كلام سيبويه، "الكتاب" 3/ 498، "الإغفال" ص 26، "المخصص" 17/ 143، "المسائل الحلبيات" للفارسي ص101، "المسائل البصريات" للفارسي 2/ 909.]]. فالألف -على هذا القول- في الاسم منقلبة عن (الياء) لظهورها في موضع (اللام) المقلوبة إلى موضع (العين) وهي في [[في (ب): (من).]] القول الأول زائدة لفعال غير منقلبة عن شيء. واللفظتان على هذا مختلفتان، وان كان في كل واحدة منهما بعض حروف الأخرى [[انظر بقية كلام أبي علي الفارسي في "الإغفال" ص 26 وما بعدها.]]. وحكى أبو بكر محمد بن السري [[في "الإغفال" (أبو بكر بن السراج) ص 34، وفي "المخصص" (أبو بكر) 17/ 145. وابن السراج: هو أبو بكر محمد بن السري بن السراج النحوي.]] أن أبا العباس محمد بن يزيد، اختار القول الثاني [[في (ب): (الأول) ولم يرد لفظ (الأول) أو (الثاني) في "الإغفال" وإنما فيه (اختار في هذا الاسم أن يكون أصله لاها ....) وهذا هو القول الثاني لسببويه. "الإغفال" ص 34، "المخصص" 17/ 145، وقد أورد المبرد في "المقتضب" القول الأول لسيبويه 4/ 240، وانظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص 25، "الخزانة" 2/ 266، 267.]] من القولين اللذين ذكرهما سيبويه. وأما اشتقاق هذا الاسم من اللغة فذهبت طائفة منهم الخليل [[هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، البصري، صاحب العربية والعروض (100 - 175 هـ). انظر ترجمته في: "معجم الأدباء" 3/ 300، "طبقات النحويين == واللغويين" للزبيدي ص 47، "إنباه الرواة" 1/ 376، "وفيات الأعيان" 2/ 244، ومقدمة "تهذيب اللغة" 1/ 32، "إشارة التعيين" ص 114.]]، وابن كيسان [[هو أبو الحسين محمد بن أحمد بن كيسان، النحوي، كان يجمع بين المذهبين البصري والكوفي، وإلى مذهب البصريين أميل، توفي سنة تسع وتسعين ومائتين. انظر ترجمته في "طبقات النحويين" للزبيدي ص 139، "تاريخ بغداد" 1/ 335، "إنباه الرواة" 3/ 57.]] وأبو بكر القفال [[هو محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر الشاشي القفال، أحد أعلام المذهب الشافعي، يتكرر ذكره في التفسير والحديث والأصول والكلام، توفي سنة خمس وستين وثلاثمائة على الصحيح. انظر ترجمته في "الأنساب" 7/ 244، "وفيات الأعيان" 4/ 200، "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة 1/ 148.]]، والحسين [[في (ب): (الحسن).]] بن الفضل [[الحسين بن الفضل، هو أبو علي الحسين بن الفضل بن عمير البجَلِي الكوفي ثم النيسابوري، المفسر، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. انظر ترجمته في: "العبر" 1/ 406، "طبقات المفسرين" للداودي 1/ 159.]] إلى أنه ليس بمشتق، وأنه اسم تفرد به الباري سبحانه وتعالى، يجري في وصفه مجرى الأسماء الأعلام، لا يشركه فيه أحد، قال الله عز وجل: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: 65] [[انظر: "تفسير أسماء الله" للزجاجي، وانظر: "اشتقاق اسماء الله" للزجاجي: ص 28 "تفسير الثعلبي" 1/ 18 أ "الزينة" 2/ 12.]] وأما الذين قالوا: إنه مشتق فاختلفوا، فذهب عُظْمُ أهل اللغة إلى أن معناه المستحق للعبادة، وذو العبادة الذي إليه تُوَجَّه، وبها يُقْصَد [[انظر: "الإغفال" ص 5، "المخصص" 17/ 136، "تفسير الثعلبي" 1/ 18/ أ، "تفسير أسماء الله" ص 26، "اشتقاق أسماء الله" ص 3023، "تهذيب اللغة" (الله) 1/ 189.]]. ورُويَ عن ابن عباس أنه كان يقرأ (ويذرك وإِلاهَتَك) [الأعراف: 127] قال معناه: عبادتك [[أخرجه الطبري عن ابن عباس ومجاهد، من طرق، 1/ 84، 9/ 25 - 26، وذكره ابن خالويه في "الشواذ" ص 50، وابن جني في "المحتسب" وعزاه كذلك إلى علي وابن مسعود وأنس بن مالك وعلقمة الجحدري والتيمي وأبي طالوت وأبي رجاء، 1/ 256، والفارسي في "الإغفال" ص 5، وانظر: "المخصص" 17/ 136، "تفسير الماوردي" 2/ 248، "تهذيب اللغة" (الله) 1/ 190، "البحر" 4/ 367.]]. وقال أبو زيد [[هو سعيد بن أوس بن ثابت، أبو زيد الأنصاري، صاحب النحو واللغة، مات سنة خمس عشرة ومائتين. انظر ترجمته في مقدمة "تهذيب اللغة" 1/ 34 - 35، "تاريخ بغداد" 9/ 77، "طبقات النحويين واللغويين" ص 165، "إنباه الرواة" 2/ 30.]]: تَأله الرجل إذا نسك [["الإغفال" ص 6، "المخصص" 17/ 136.]]، وأنشد: سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ [[في (ج): (استرحبن).]] مِنْ تَأَلُّهِي [[البيت لرؤبة وقبله: لله دَرُّ الغَانِيَاتِ المُدَّهِ. (المُدَّه) جمع مَادِه، بمعنى المادح، يقول: إن هؤلاء سبحن: وقلن إنا لله وإنا إليه راجعون، يقلنها حسرة كيف تنسك وهجر الدنيا. ورد البيت في "الطبري" 1/ 54، "الإغفال" ص 6، "المخصص" 17/ 136، "المحتسب" 1/ 256، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص 26، "اشتقاق أسماء الله" ص 24، "التهذيب" (الله) 1/ 189، "شرح المفصل" 1/ 3، "زاد المسير" 1/ 9، وابن عطية 1/ 57، "تفسير الثعلبي" 1/ 18/ أ، "ديوان رؤبة" ص 165.]] وقد سَمَّت [[في (ج): (سمعت).]] العرب الشمس لما عبدت (إِلاهَةَ)، و (الإلاهة) قال عتيبة بن الحارث اليربوعي [[نسبه الطبري لبنت عتيبة 9/ 26، ونسبه بعضهم لـ (مية) وهو اسمها وكذا (أم البنين) وقيل: لنائحة عتيبة، والأقرب أنه لبنت عتيبة ترثي أباها حين قتله (بنو أسد) يوم (خَوّ) مع أبيات أخرى ذكرها في "معجم البلدان" 5/ 18.]]: تَرَوَّحْنَا مِنَ اللعْبَاءِ أَرْضًا ... وأَعْجَلْنَا الإلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا [[(اللعباء) مكان بين الربذة وأرض بني سليم، وقيل: غير ذلك، وقوله: (أرضا) يروى (عصرا) ويروى (قصرا) أي: عشيا. ورد البيت في الطبري 9/ 26، "الإغفال" ص 8، 9، "المخصص" 17/ 137، "تهذيب اللغة" (الله) 1/ 190، "معجم ما استعجم" 4/ 1156، "معجم البلدان" 5/ 18، "تفسير الثعلبي" 1/ 18 ب، "المحتسب" 2/ 123، "اللسان" (لعب) 7/ 4041.]] وإنما سموها الإلاَهَة على نحو تعظيمهم لها وعبادتهم إياها كفرا. وعلى ذلك نهاهم الله وأمرهم بالتوجه في العبادة إليه في قوله جل وعلا: ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ﴾ [فصلت: 37] [فصلت: 37] الآية [[انظر: "الإغفال" ص 9.]]، وكذلك أيضًا كانوا يدعون معبوداتهم من الأصنام والأوثان (آلهة)، وهي جمع (إلاه) [[في (ب): (الإله).]] كإزار وآزرة، وإناء وآنية. قال الله تعالى: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: 127] وهي أصنام كان يعبدها [[في (ب): (كانوا يعبدوها).]] قوم فرعون معه [[انظر: "الإغفال" ص 10، 11، "تهذيب اللغة" 1/ 190.]]، وعلى هذا قال قائلهم: كَحَلْفَةٍ مِنْ أَبِي رِيَاحٍ ... يَسْمَعُهَا لاَهُهُ [[في (ب): (لأهه)]] الكُبارُ [[من قصيدة للأعشى، قالها فيما كان بينه وبين بني جحدر، و (أبو رياح) رجل من بني ضبيعة، قتل جارا لبني سعد بن ثعلبة، فسألوه الدية، فحلف لا يفعل، ثم قُتِل بعد حلفته، و (لاهه): الهه، (الكبار): العظيم، ويروى (بحلفة) ويروى (كدعوة). انظر: "ديوان الأعشى" ص 72، "الجمهرة" 1/ 327، "اشتقاق أسماء الله" ص 27، "تفسير الثعلبي" 1/ 17 ب، "الزينة" 2/ 18، "معاني القرآن" للفراء 1/ 207، والقرطبي 4/ 53، "اللسان" (أله) 1/ 116، و (لوه) 7/ 4107، "شرح المفصل" 1/ 3، "الخزانة" 7/ 176.]] يريد: الصنم، وهذا البيت حجة للقول الثاني [[وهو أن أصل (الله): (لاه).]] من قول سيبويه. قالوا: وهو [[في (ب): (وهم).]] اسم حدث، ثم جرى صفة للقديم سبحانه، ونظير هذا قولنا: (السلام)، والسلام من سَلَّم كالكلامِ من كَلَّم، والمعنى ذو السلام، أي: يُسَلم من عذابه من يشاء من عباده، كما أن المعنى في الأول أن العبادة تجب له [[بنصه في "الإغفال" ص 6، "المخصص" عن "الإغفال" 17/ 136.]]، فهذا وجه، وهو طريقة أهل اللغة [[انظر: "تهذيب اللغة" 1/ 189، "معجم مقاييس اللغة" (أله) 1/ 127، "الصحاح" (أله) 6/ 2223، "اللسان" (أله) 1/ 114.]]. وأخبرني أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله العروضي -رحمه الله- قال: أبنا [[(أبنا) ساقط من (ج).]] أبو منصور أحمد بن محمد الأزهري [[صاحب "تهذيب اللغة" سبقت ترجمته.]]، أبنا [[في (ج): (أن).]] أبو الفضل المنذري [[هو محمد بن أبي جعفر المنذري اللغوي (أبو الفضل) يروي عن أبي العباس ثعلب، وأبي الهيثم الرازي، روى عنه الأزهري كثيرًا. انظر مقدمة "تهذيب اللغة" 1/ 30، 41، "اللباب" 3/ 262.]]، قال: سألت أبا الهيثم خالد بن يزيد الرازي، عن اشتقاق اسم (الله) في اللغة، فقال (الله) أصله (إلاه)، قال الله جل ذكره: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ﴾ [المؤمنون: 91] ولا يكون إلهًا حتى يكون معبودًا، وحتى يكون لعابده [[في (ب): (لعباده).]] خالقًا، ورازقًا، ومدبرًا، وعليه مقتدرًا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإن عَبِدَ ظلما، بل هو مخلوق [[في (ب): (وهو مخلوق).]] ومتعبد، قال: وأصل (إلاه) (ولاه) فقلبت الواو همزة، كما قالوا: للوشاح: إشاح، ولِلْوِجَاح: إِجَاح [[يقال ليس دونه وِجاح، ووَجاح، ووُجاح، وأجاح، إجاح: أي: ستر "اللسان" (وجح) 8/ 4769.]]، ومعنى وِلاه: أن الخلق يَوْلَهون إليه في حوائجهم، ويضرعون إليه فيما ينوبهم، ويفزعون إليه في كل ما يصيبهم كما يَوْلَه كل طفل إلى أمه [[كلام أبي الهيثم ورد في "التهذيب" ضمن كلام طويل له قال الأزهري: (وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه سأله عن اشتقاق اسم الله في اللغة فقال ..) ثم ذكره، "التهذيب" (الله والإله) 1/ 189، وانظر: "اللسان" (أله) 1/ 114.]]. وحكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه مشتق من أَلِهْت في الشيء آلَهُ إلها إذا تحيرت فيه [[ذكره الثعلبي 1/ 18 أ.]]. وتسمى المفازة ميلها. وقال الأعشى [[هو أبو بَصير، ميمون بن قيس، من فحول شعراء الجاهلية، ويدعى (الأعشى الكبير) تمييزًا له عن غيره ممن سمي (الأعشى)، أدرك الإسلام آخر عمره، وعزم على الدخول فيه، فصدته قريش في قصة مشهورة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 154، "معاهد التنصيص" 1/ 196، "خزانة الأدب" 1/ 175.]]: وَبَهْمَاءَ تِيهٍ تَأْلهَ العَيْنُ وَسْطَهَا ... وَتَلْقَى بِهَا بَيْضَ النَّعَام تَرَائِكَا [[في (ج): (برائكا). البيت في وصف صحراء مطموسة المعالم، (ترائكا) متروكة، ورواية الشطر الأول في الديوان: وَيَهْمَاءَ قَفْرٍ تَخْرُجْ العَيْنَ وَسْطَهَا. وعليه فلا شاهد في البيت هنا. (الديوان) ص 130، والثعلبي بعد أن ذكر قول أبي عمرو ابن العلاء استشهد بقول زهير: == وَبَيْدَاء تِيهٍ تَألْهُ العَيْنُ وَسْطَهَا ... مُخَفَّقةٍ غَبْرَاءَ صَرْمَاءَ سَمْلَقِ الثعلبي 1/ 18 أ، وكذا في "الزينة" 2/ 19.]] ومعناه: أن العقول تتحير في كنه صفته وعظمته [[الثعلبي 1/ 18 ب، وانظر: "الزينة" 2/ 19.]]. وعند متكلمي أصحابنا [[هم المتكلمون من الأشاعرة، الذين تكلموا في العقائد بالطرق العقلية. انظر: "درء تعارض العقل والنقل" 1/ 28، 38، "الرسالة التدمرية" لابن تيمية ص 147.]]: أن الإله من الإلَهية، والإلَهِية القدرة على اختراع الأعيان [[هذا التفسير لمعنى الإلَهية هو منهج المتكلمين، وعند أهل السنة هو المستحق للعبادة. قال ابن تيمية: (وليس المراد بـ) بالإله (هو القادر على الاختراع كما ظنه من ظنه من أئمة المتكلمين .. بل الإله الحق هو الذي يستحق أن يعبده فهو إله بمعنى مألوه لا إله بمعنى آله ..)، "الرسالة التدمرية" ص 186.]]. وقد أشار أبو الهيثم إلى هذا فيما ذكر، قالوا: وانما سَمَّت العرب معبوداتهم آلهة [[مرَّ كلام أبي الهيثم قريبا، وليس فيه دليل على أن الإلهية: القدرة على الاختراع، بل يدل على المعنى الثاني وهو أن الإلهية؛ استحقاق العبادة، وقوله: (لأنهم اعتقدوا فيها صفة التعظيم ..). ليس من كلام أبي الهيثم، انظر: "تهذيب اللغة" أله 1/ 189.]]؛ لأنهم اعتقدوا فيها صفة التعظيم، واستحقاق هذا الاسم فأصابوا في الجملة، وأخطؤوا في التعيين. والإمالة في اسم الله تعالى جائزة في قياس العرب [[الكلام عن إمالة (الألف) من لفظ الجلالة نقله عن أبي علي الفارسي من "الإغفال" ص 46، قال الفارسي: (فأما الإمالة في الألف من اسم الله تعالى فجائزة في قياس العربية، والدليل على جوازها ..). ونقل ابن سيده كلام الفارسي. "المخصص" 17/ 150. ومعنى الإمالة: هو تقريب الألف نحو الياء والفتحة التي قبلها نحو الكسرة وهناك ثلاث علل للإمالة: هي الكسرة، وما أميل ليدل بالإمالة على أصله، والإمالة لإمالة بعده. انظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي 1/ 168، 170.]]، والدليل على جوازها أن هذِه (الألف) لا تخلو من أن تكون زائدة لفِعَال كالتي [[في (جـ): (كالذي).]] في (إزار) و (عِمَاد)، أو تكون عين الفعل. فإن كانت زائدة جازت فيها الإمالة من وجهين: أحدهما: أن الهمزة المحذوفة كانت مكسورة، وكسرها يوجب الإمالة في الألف، كما أن الكسرة في (عماد) توجب إمالة ألفه. فإن قلت: كيف تمال الألف من أجل الكسرة في الهمزة وهي محذوفة؟ فالقول فيها إنها وإن كانت محذوفة، موجبة للإمالة [[في (أ)، (ج): (الإمالة) وما في (ب) موافق لـ"الإغفال" ص 47.]]، كما كانت توجبها قبل الحذف؛ لأنها -وإن كانت محذوفة- فهي من الكلمة، ونظير ذلك ما حكاه سيبويه من أن بعضهم يميل الألف في: مَادٍّ [[في (أ)، (ب)، (ج): (صاد) بالصاد، وصححت الكلمة على ما ورد في "الإغفال" ص 48، "المخصص" 17/ 150، ووردت كذلك عند سيبويه (جاد وماد) 7/ 132، ولا تصح بالصاد؛ لأن الإمالة تمنع بعد (الصاد) لأنه حرف مستعمل. انظر: "الكتاب" 4/ 128.]] وَشَاذٍّ، للكسرة المنوية [[في (ب): (المنونة).]] في عين الفعل عند ترك الإدغام، وإن لم يكن في لفظ الكلمة كسرة [[حكى كلام الفارسي بالمعنى، انظر: "الإغفال" ص 48، "الكتاب" 4/ 122، 132، "المخصص" 17/ 150.]]، كذلك الألف في اسم الله، تجوز إمالتها وإن لم تكن الكسرة ملفوظا بها. والوجه الثاني: (لام) [[في "الإغفال" (وتجوز إمالتها من جهة أخرى، وهي أن لام الفعل منجرة ..) ص 48.]] الفعل منجرة، فتجوز الإمالة لانجرارها. وإن كانت الألف عينا ليست [[في (ب): (ليس).]] بزائدة جازت إمالتها، وحسنت فيها إذ كان انقلابها عن الياء [[في (ب): (الباء) وكذا قوله: (وظهور الباء).]] بدلالة قولهم: (لَهْيَ أبوك [[مرت هذِه الصيغة قريبا وهي بمعنى (لله أبوك) انظر ص 252.]]) وظهور الياء لما قلبت إلى موضع السلام [[انتهى عن "الإغفال" لأبي علي الفارسي، وقال بعده: (فإن ثبتت بها قراءة فهذِه جهة جوازها) ص 49، وانظر: "المخصص" 17/ 151.]]. وقوله: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. معنى الرحمة في صفة الله تعالى: إرادته الخير والنعمة بأهله، وهي صفة ذات، وفي صفة أحدنا تكون رقة قلب وشفقة [[الرحمة صفة من صفات الله تعالى، نثبتها له تعالى، كما أثبتها لنفسه، ولا يلزم من إثباتها مشابهة صفة المخلوقين، ولا نؤولها بإرادة الخير كما فعل الواحدي هنا. انظر: "تفسير الطبري" 1/ 58 - 59، (الرسالة التدمرية) لابن تيمية ص 23، 30.]]. قال أبو بكر محمد بن القاسم بن [[هو أبو بكر بن الأنباري، سبقت ترجمته عند الحديث عن مصادر الواحدي.]] بشار: سألت أبا العباس [[هو أبو العباس ثعلب كما صرح بذلك الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص 42، وانظر: "الزاهر" 1/ 153، "تهذيب اللغة" (رحم) 2/ 1383، "الزينة" 2/ 25، "الاشتقاق" لابن دريد ص 58، ووهم القرطبي فقال: زعم المبرد فيما ذكر ابن الأنباري في كتاب "الزاهر" 1/ 104، وإنما هو ثعلب كما سبق وليس أبا العباس المبرد.]] لم جمع بين الرحمن والرحيم؟ فقال: لأن الرحمن عبراني فأتى معه الرحيم العربي، واحتج بقول جرير [[هو أبو حَرْزَة، جرير بن عطية بن حذيفة من بني كليب بن يربوع، أحد فحول الشعراء في صدر الإسلام، توفي سنة عشر ومائة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 304، "طبقات فحول الشعراء" 2/ 297، "الخزانة" 1/ 75.]]: أو تَتْرُكُونَ إِلَى القَسَّيْنِ [[في (ج): (القيز).]] هِجْرَتَكُم ... وَمَسْحَهُمْ صُلْبَهُمْ رَحَمَانَ قُرْبَانَا [[البيت من قصيدة له يهجو فيها الأخطل وهو نصراني، فحكى في البيت قول النصارى، ولهذا نصب (رحمن): (قربانا) أي قائلين ذلك، ويروى البيت (هل تتركن)، (مسحكم) وفي "الزينة" (رخمن) بالمعجمة وهو بمعنى: الحاء. انظر: "الزينة" 2/ 25، "الزاهر" 1/ 153، "اشتقاق أسماء الله" ص 43، "تهذيب اللغة" (رحم) 2/ 1383، "تفسير الماوردي" 1/ 52 "تفسير القرطبي" 1/ 91، "اللسان" (رحم) 3/ 1612.]] فأنكر عليه بعض الناس [[ممن أنكر ذلك الطبري في "تفسيره" حيث قال: (وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف (الرحمن) ولم يكن ذلك في لغتها ...) 1/ 57، والزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص 42، وابن سيده في "المخصص" 17/ 151 وغيرهم.]]، وقال: لم تزل العرب تعرف الرحمن وتذكره في أشعارها، واحتج بقول الشاعر: أَلاَ ضَرَبَت تِلْكَ الفَتَاة [[في (ب): (الفتاو).]] هَجِيَنَهَا ... أَلاَ قَضَبَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَميِنَهَا [[لم يعرف له قائل وقد ذكره الطبري في "تفسيره" 1/ 58، وابن سيده في "المخصص" 17/ 152، وقال محمد محمود التركزي الشنقيطي في تعليقه على "المخصص": إن البيت من صنع بعض الرجال الذين يحبون إيجاد الشواهد المعدومة لدعاويهم. ورد عليه ذلك محمود شاكر في حاشيته على الطبري 1/ 131، وذكره ابن دريد في "الاشتقاق"، وقال: (وقد روي بيت في الجاهلية، ولم ينقله الثقات وهو للشنفرى: لَقَدْ لَطَمَتْ تَلِكَ الفَتَاةُ هَجِينَهَا ... أَلاَ بَتَرَ الرَّحْمَنُ رَبَّي يَمِينَهَا "الاشتقاق" ص 58، ورواية هذا البيت تختلف قليلا عن البيت المستشهد به، وانظر (اشتقاق أسماء الله) ص 82، (تفسير الماوردي) 1/ 52.]] فقال [[أي ثعلب، ولم أجده، ولعله في كتب ابن الأنباري المفقودة، وأورد نحوه الطبري في == "تفسيره" 1/ 58، وانظر: "الاشتقاق" ص 58، والماوردي في "تفسيره" 1/ 52، والقرطبي في "تفسيره" 1/ 104.]]: إن جمهور العرب كانوا لا يعرفون "الرحمن" في الجاهلية، الدليل على هذا أنهم لما سمعوا النبي ﷺ يذكره قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رجلًا باليمامة [[انظر الطبري فىِ "تفسيره" 19/ 29، والقرطبي في "تفسيره" 13/ 64.]]، وذلك قوله تعالى: ﴿قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: 60] وإنما يذكر بعض الشعراء الرحمن في الجاهلية، إذ [[في (ج): (إذا).]] لقنه [[في (ب): (لقيته)]] من أهل الكتاب، أو أخذه عن بعض من قرأ الكتب كأمية بن أبي الصلت [[واسمه عبد الله بن ربيعة بن عوف الثقفي، سمع النبي ﷺ شعره فقال: "آمن شعره وكفر قلبه" وكان يخبر أن نبيا يخرج قد أظل زمانه، فلما خرج النبي ﷺ كفر به حسدا، ومات كافرا سنة ثمان أو تسع. انظر: "الشعر والشعراء" ص 300، "طبقات فحول الشعراء" ص 101، "الاشتقاق" ص 143، "الخزانة" 1/ 247.]] وزيد بن [[زيد بن عمرو بن نفيل، والد سعيد بن زيد أحد العشرة، مات قبل المبعث. انظر: "الإصابة" 1/ 569، "تجريد أسماء الصحابة" 1/ 200.]] عمرو، وورقة بن نوفل [[هو ورقة بن نوفل بن أسد، ابن عم خديجة رضي الله عنها، قال ابن منده: اختلف في إسلامه، والأظهر أنه مات قبل الرسالة، وبعد النبوة وكذا قال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" 2/ 128، وانظر: "الإصابة" 3/ 633، "الخزانة" 3/ 391.]]، ولا تجعل هذا حجة على ما عليه أكثرهم. ومراد أبي العباس أن الرحمن يتكلم به بالعبرانية [[في (ج): (بالعبراني).]]، وتتكلم به العرب، فلما لم يخلص في كلامهم، ولم ينفردوا به دون غيرهم، أتى [[في (ب): (أوتى).]] بعده بالرحيم الذي لا يكون إلى عربيا، ولا يلتبس بلغة غيرهم [[لعل هذا من قول ابن الأنباري، لأن كلام الواحدي بعد هذا يدل على ذلك، لأنه رجح أن أصله عربي، وأنه مشتق، وأورد بعض الردود على أبي العباس كما سيأتي. قال الزجاجي رادا على من قال: إن أصله غير عربي ... الرحمن معروف (الاشتقاق) والتصريف في كلام العرب، والأعجمي لا معنى له في كلام العرب ولا تصريف "اشتقاق أسماء الله" ص 42. وقول أبي العباس: إنه أورد (الرحيم) لأنها تعرفه العرب، مع (الرحمن) الذي يلتبس بكلام غيرهم. فكأنه جعلهما بمعنى واحد. وجمهور العلماء على أن لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر، وأن (الرحمن) عربي، وانما الكلام لم قدم (الرحمن) على (الرحيم)؟ وأجاب عنه الطبري في "تفسيره" 1/ 58 - 59، ويرد قريبا في كلام الواحدي.]]. والصحيح أنه مشتق من الرحمة، وأنه اسم عربي لوجود هذا البناء في كلامهم، كاللهفان والندمان والغضبان [[انظر: "تفسير الطبري" 1/ 55، "اشتقاق أسماء الله" ص 38، "المخصص" 1/ 151.]]. قال الليث: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ اسمان، اشتقاقهما [[في (ب): (اشتقاقهم).]] من الرحمة [["تهذيب اللغة" (رحم) 2/ 1383.]]. وقال أبو عبيدة: هما صفتان لله تعالى، معناهما ذو الرحمة [["مجاز القرآن" 1/ 21، "تهذيب اللغة" (رحم) 2/ 1383، والنص من "التهذيب"، وقد رد الطبري على أبي عبيدة قوله وأغلظ له حيث قال: (وقد زعم بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير أن (الرحمن) مجازه: ذو الرحمة ..) الطبري في "تفسيره" 1/ 58.]]. وأما ما احتج به أبو العباس من قوله: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ﴾ [الفرقان: 60] فهو سؤال عن الصفة، ولذلك قالوا: ﴿وَمَا الرَّحْمَنُ﴾، ولم يقولوا: ومن، والقوم جهلوا صفته، والاسم كان معلوما لهم في الجملة [[وجعله الطبري من إنكار العناد والمكابرة، وإن كانوا عالمين بصحته، وليس ذلك منهم إنكارا لهذا الاسم، الطبري في "تفسيره" 1/ 57 - 58، وقال ابن عطية: وإنما وقفت العرب على تعيين الإله الذي أمروا بالسجود له، لا على نفس اللفظة 1/ 93، وانظر ابن كثير في "تفسيره" 1/ 23، والقرطبي في "تفسيره" 13/ 67.]]. وقيل: هذا على جهة ترك التعظيم منهم. واختلفوا في أن أي الاسمين من هذين أشد مبالغة، فقال قوم: الرحمن أشد مبالغة من الرحيم، كالعلام من العليم، ولهذا قيل: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، لأن رحمته في الدنيا عمت المؤمن والكافر والبر والفاجر، ورحمته في الآخرة اختصت بالمؤمنين [[انظر الطبري في "تفسيره" 1/ 55، "تهذيب اللغة" (رحم) 2/ 1383، "المخصص" 17/ 151، "معاني القرآن" للزجاج 58، "اشتقاق أسماء الله" ص 40.]]. فإن قيل: على هذا كان الرحمن أشد مبالغة، فلم بدئ بذكره [[هذا التساؤل والإجابة عنه بنصه في "المخصص" 17/ 151.]]؟ وإنما يبدأ في نحو هذا بالأقل ثم يتبع [[في (ج): (تتبع).]] الأكثر كقولهم: (فلان جواد يعطي العشرات والمئين [[في (أ)، (ج): (الماتين) وفي (ب): (المايتين) وما أثبت من "المخصص".]] والألوف). والجواب: أنه بدئ [[في (ب): (بدأ).]] بذكر الرحمن، لأنه صار كالعلم، إذ كان لا يوصف به [[(به) ساقط من (ج).]] إلا الله عز وجل، وحكم الأعلام وما كان من الأسماء أعرف أن يبدأ به، ثم يتبع [[في (ج): (تتبع).]] الأنكر، وما كان في التعريف أنقص. هذا مذهب سيبويه وغيره من النحويين، فجاء هذا على منهاج كلام العرب [[إلى هنا بنصه في "المخصص" 17/ 151، وإلى نحوه ذهب الطبري في "تفسيره" == 1/ 58، وانظر: "اشتقاق أسماء الله" ص 40، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 92.]]. وقال وكيع: الرحيم أشد مبالغة؛ لأنه ينبئ عن رحمته في الدنيا والآخرة ورحمة الرحمانية في الدنيا دون الآخرة [[لم أجده، عن وكيع فيما اطلعت عليه، والله أعلم. قال ابن كثير: وقد زعم بعضهم أن (الرحيم) أشد مبالغة من (الرحمن)، ثم رد هذا القول ابن كثير في "تفسيره" 1/ 23، وعند جمهور العلماء أن (الرحمن) أشد مبالغة من (الرحيم) وأن (الرحمن) أعم فهو في الدنيا والآخرة ولجميع الخلق، و (الرحيم) خاص بالمؤمنين. انظر الطبري في "تفسيره" 1/ 55، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص 29، "المخصص" 17/ 151، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 19 أ، والماوردي في "تفسيره" 1/ 52 - 53، وابن عطية في "تفسيره" 1/ 91، والقرطبي في "تفسيره" 1/ 105، 106، "الدر" 1/ 29، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 22 - 23.]]. وقال آخرون: إنهما بمعنى واحد كندمان ونديم، ولهفان ولهيف، وجيء بهما للتأكيد والإشباع، كقولهم: جادٌّ ومُجِدُّ [[هذا قول أبي عبيدة، ونسبه ابن الأنباري كذلك لقطرب، وبهذا النص مع الشواهد ذكره الثعلبي، أما أبو عبيدة فذكر شواهد غيرها، انظر: "مجاز القرآن" 1/ 21، والثعلبي في "تفسيره" 1/ 19 أ، "الزاهر" 1/ 153، "تفسير أسماء الله" ص 29، "اشتقاق أسماء الله" ص 38، 39، وقد رد الطبري على أبي عبيدة، وأغلظ له الرد، وسبق ذكر بعض كلامه. انظر: "تفسيره" 1/ 58.]]، وقول طَرْفَه [[هو الشاعر الجاهلي المشهور، عُدَّ بعد امرئ القيس في الشعر، واسمه (عمرو) ولقب بـ (طَرْفَه) وأحد الطرفاء لبيت قاله، قتل وهو ابن ست وعشرين سنة، وقيل: ابن عشرين. ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 103، "الخزانة" 2/ 419.]]: مَتَى أَدْنُ مِنْه يَنْأَ مِنِّي [[في (ب): (عنى).]] وَيَبْعُدِ [[صدره: مَالِي أَرَانِي وابْنَ عَمِّي مَالِكًا والبيت من معلقة طرفة المشهورة، يتحدث عما كان بينه وبين ابن عمه (مالك) من == جفوة وخصام، (ينأ عني) و (يبعد) معناهما واحد، وإنما جاء بهما لأن اللفظين مختلفان، والمعنى يبعد ثم يبعد بعد ذلك، وقيل: ينأ: بالفعل، ويبعد: بالنفس لشدة بغضه لي. أورد البيت الثعلبي في "تفسيره" 1/ 19 أ، وانظر: "ديوان طرفة" ص 34 تحقيق وتحليل د. علي الجندي.]] وقول عدي [[عدي بن زيد بن حماد، من بني امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم شاعر فصيح، من شعراء الجاهلية، وكان نصرانيا، قتله النعمان بن المنذر ملك الحيرة. ترجمته في "الشعر والشعراء" ص 130، "معاهد التنصيص" 1/ 325، "الخزانة" 1/ 381.]]: وأَلْفى قَولَهَا كَذِبًا وَمَيْنَا [[من قصيدة قالها عدي بن زيد، في قصة طويلة مشهورة بين الزَّباء وجذيمة وردت في كتب التاريخ والأدب وصدر البيت: وَقدَّدَت الأَدِيَم لِرَاهِشيْه ... .. .. .. .. ويروي (قدمت) و (الراهش) عرق في باطن الذراع و (المين) بمعنى: الكذب، ورد البيت في "معاني القرآن" للفراء 1/ 37، "الشعر والشعراء" ص 132، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 175، "تفسير الثعلبي" 1/ 19 أ، 73 أ، "أمالي المرتضى" 2/ 258، "المستقصى" 1/ 243، "مغني اللبيب" 2/ 357، "الهمع" 5/ 226، "معاهد التنصيص" 1/ 310، "اللسان" (مين) 7/ 4311، والقرطبي في "تفسيره" 1/ 399، "الدر المصون" 1/ 358. والشاهد (كذبا ومَيْنا) فأكد الكذب بالمين وهو بمعناه.]] في أمثال لهذا، وروي عن ابن عباس أنه قال. الرحمن الرحيم، اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 19 ب، وابن الأنباري في "الزاهر" 1/ 152، والأزهري في "تهذيب اللغة" (رحم) 2/ 1383، والقرطبي في "تفسيره" 1/ 92، وابن كثير عن القرطبي في "تفسيره" 1/ 22، وقد أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما عن ابن عباس، قال: (الرحمن الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب قال: الرحمن الرحيم: الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف == عليه) في سنده ضعف. انظر الطبري 1/ 57، "تفسير ابن أبي حاتم" (رسالة دكتوراه) 1/ 148، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 23، "المفسر عبد الله بن عباس والمروي عنه" (رسالة ماجستير) 1/ 130.]]. قال الحسين [[في (ب): (الحسن).]] بن الفضل: غلط الراوي؛ لأن الرقة في صفة الباري لا تصح. وإنما هما أسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر [[ذكره القرطبي، وذكر نحوه عن الخطابي 1/ 92، وذكره ابن كثير في "تفسيره" في القرطبي 1/ 22.]]. يدل على هذا ما روي في الخبر: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي [[(الواو) ساقطة من (ب).]] على الرفق مالا يعطي على العنف" [[أخرجه مسلم (2593) كتاب البر، باب: فضل الرفق، وأبو داود (4807) كتاب الأدب، باب: في الرفق، وأحمد في "مسنده" عن علي 1/ 112، وعن عبد الله بن مغفل 4/ 87، وأخرج البخاري عن عائشة وفيه: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله (6927) كتاب استتابة المرتدين، باب: إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي ﷺ.]]، وسمعت من يقول [[في (ج): (تقول).]]: معنى قول ابن عباس (اسمان رقيقان) أي يدلان فينا على الرقة. وقال بعضهم: الرحمن خاص اللفظ عام المعنى، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى [[الثعلبي في "تفسيره" 1/ 19/ أ. ومعنى أن (الرحمن) خاص اللفظ لأنه لا يطلق إلا على الله، عام المعنى؛ لأنه لجميع الخلق في الدنيا والآخرة، و (الرحيم) عام اللفظ لأنه يطلق على الله بما يليق به، ويطلق على غيره بما يليق به، وخاص المعنى: لأنه خاص بالمؤمنين، أو بالآخرة. انظر الطبري في "تفسيره" 1/ 56 - 58، وابن كثير في "تفسيره" 1/ 22 - 23.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب