الباحث القرآني
﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهم إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهم سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهم ذَلِكَ بِأنَّهم كَفَرُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ﴾: «سَألَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وكانَ رَجُلًا صالِحًا، أنْ يَسْتَغْفِرَ لِأبِيهِ في مَرَضِهِ فَفَعَلَ، فَنَزَلَتْ، فَقالَ: ”قَدْ رُخِّصَ لِي فَأزِيدُ عَلى السَّبْعِينَ“ فَنَزَلَتْ: ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأسْتَغْفَرْتَ لَهم أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]» . وقِيلَ: لَمّا نَزَلَ ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنهم ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩]، سَألُوا الرَّسُولَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَهم فَنَزَلَتْ. وعَلى هَذا فالضَّمائِرُ عائِدَةٌ عَلى الَّذِينَ سَبَقَ ذِكْرُهم، أوْ عَلى جَمِيعِ المُنافِقِينَ، قَوْلانِ. والخِطابُ بِالأمْرِ لِلرَّسُولِ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِهَذا الكَلامِ التَّخْيِيرُ، وهو الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وقَدْ قالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ تَسْتَغْفِرُ لِعَدُوِّ اللَّهِ وقَدْ نَهاكَ اللَّهُ عَنِ الِاسْتِغْفارِ لَهم ؟ فَقالَ ﷺ: ”ما نَهانِي ولَكِنَّهُ خَيَّرَنِي“ فَكَأنَّهُ قالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنْ شِئْتَ فاسْتَغْفِرْ، وإنْ شِئْتَ فَلا تَسْتَغْفِرْ، ثُمَّ أعْلَمَهُ أنَّهُ لا يُغْفَرُ لَهم وإنِ اسْتَغْفَرَ سَبْعِينَ مَرَّةً. وقِيلَ: لَفْظُهُ أمْرٌ ومَعْناهُ الشَّرْطُ، بِمَعْنى إنِ اسْتَغْفَرْتَ أوْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أنْفِقُوا طَوْعًا أوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ﴾ [التوبة: ٥٣] وبِمَنزِلَةِ قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎أسِيئِي بِنا أوْ أحْسِنِي لا مَلُومَةً لَدَيْنا ولا مَقْلِيَّةً إنْ تَقَلَّتِ
(p-٧٧)ومَرَّ الكَلامُ في هَذا في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أنْفِقُوا طَوْعًا أوْ كَرْهًا﴾ [التوبة: ٥٣] وإلى هَذا المَعْنى ذَهَبَ الطَّبَرِيُّ وغَيْرُهُ، وهو اخْتِيارُ الزَّمَخْشَرِيِّ قالَ: وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ هَذا الأمْرَ في مَعْنى الخَبَرِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمُ اسْتَغْفَرْتَ أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ، وأنَّ فِيهِ مَعْنى الشَّرْطِ، وذَكَرْنا النُّكْتَةَ في المَجِيءِ بِهِ عَلى لَفْظِ الأمْرِ. انْتَهى. يَعْنِي في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى: (قُلْ أنْفِقُوا) وكانَ قالَ هُناكَ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ أمَرَهم بِالإنْفاقِ ثُمَّ قالَ: (لَنْ يُتَقَبَّلَ) ؟ قُلْتُ: هو أمْرٌ في مَعْنى الخَبَرِ كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ مَن كانَ في الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] ومَعْناهُ: لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنكم أنْفَقْتُمْ طَوْعًا أوْ كَرْهًا، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾، وقَوْلُهُ:
؎أسِيئِي بِنا أوْ أحْسِنِي لا مَلُومَةً
أيْ: لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمُ اسْتَغْفَرْتَ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرُ لَهم، ولا نَلُومُكَ أحْسَنْتِ إلَيْنا أوْ أسَأْتِ. فَإنْ قِيلَ: مَتى يَجُوزُ نَحْوُ هَذا ؟ قُلْتُ: إذا دَلَّ الكَلامُ عَلَيْهِ كَما كانَ في قَوْلِكَ: غَفَرَ اللَّهُ لِزَيْدٍ ورَحِمَهُ. فَإنْ قُلْتَ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ قُلْتُ: لِنُكْتَةٍ، وهي أنَّ كَثِيرًا كَأنَّهُ يَقُولُ لِعَزَّةَ: امْتَحِنِي لُطْفَ مَحَلِّكِ عِنْدِي، وقُوَّةَ مَحَبَّتِي لَكِ، وعامِلِينِي بِالإساءَةِ والإحْسانِ، وانْظُرِي هَلْ تَتَفاوَتُ حالِي مَعَكِ مُسِيئَةً كُنْتِ أوْ مُحْسِنَةً. وفي مَعْناهُ قَوْلُ القائِلِ:
؎أُحَوِّلُ الَّذِي إنْ قُمْتَ بِالسَّيْفِ عامِدًا ∗∗∗ لِتَضْرِبَهُ لَمْ يَسْتَغْشِكَ في الوُدِّ
وكَذَلِكَ المَعْنى: أنْفِقُوا وانْظُرُوا هَلْ يُتَقَبَّلُ مِنكم، واسْتَغْفِرْ لَهم أوْ لا تَسْتَغْفِرُ لَهم، وانْظُرْ هَلْ تَرى خِلافًا بَيْنَ حالَيِ الِاسْتِغْفارِ وتَرْكِهِ ؟ انْتَهى. وقِيلَ: هو أمْرُ مُبالَغَةٍ في الإياسِ ومَعْناهُ: أنَّكَ لَوْ طَلَبْتَ الِاسْتِغْفارَ لَهم طَلَبَ المَأْمُورِ، أوْ تَرَكْتَهُ تَرْكَ المَنهِيِّ عَنْهُ؛ لَمْ يُغْفَرْ لَهم. وقِيلَ: مَعْناهُ الِاسْتِواءُ، أيْ: اسْتِغْفارُكَ لَهم وتَرْكُ الِاسْتِغْفارِ سَواءٌ. فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ جازَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَهم وقَدْ أخْبَرَ أنَّهم كَفَرُوا ؟ فالجَوابُ: قالُوا مِن وُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّ ذَلِكَ كانَ عَلى سَبِيلِ التَّأْلِيفِ لِيَخْلُصَ إيمانُ كَثِيرٍ مِنهم. وقَدْ رُوِيَ أنَّهُ لَمّا اسْتَغْفَرَ لِابْنِ سَلُولَ وكَساهُ ثَوْبَهُ، وصَلّى عَلَيْهِ، أسْلَمَ ألْفٌ مِنَ الخَزْرَجِ لَمّا رَأوْهُ يَطْلُبُ الِاسْتِشْفاءَ بِثَوْبِ الرَّسُولِ، وكانَ رَأْسَ المُنافِقِينَ وسَيِّدَهم. وقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ ولَدِهِ ومَن أسْلَمَ مِنهم، وهَذا قَرِيبٌ مِمّا قَبْلَهُ. وقِيلَ: كانَ المُؤْمِنُونَ يَسْألُونَ الرَّسُولَ ﷺ أنْ يَسْتَغْفِرَ لِقَوْمِهِمُ المُنافِقِينَ في حَياتِهِمْ رَجاءَ أنْ يُخْلِصُوا في إيمانِهِمْ، وبَعْدَ مَماتِهِمْ رَجاءَ الغُفْرانِ، فَنَهاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وأيْأسَهم مِنهُ، وقَدْ سَألَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّسُولَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لِأبِيهِ رَجاءَ أنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ. وقِيلَ: إنَّما اسْتَغْفَرَ لِقَوْمٍ مِنهم عَلى ظاهِرِ إسْلامِهِمْ مِن غَيْرِ أنْ يُحَقِّقَ خُرُوجَهم عَنِ الإسْلامِ، ورُدَّ هَذا القَوْلُ بِأنَّهُ تَعالى أخْبَرَ بِأنَّهم كَفَرُوا فَلا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّهُ غَيْرُ عالِمٍ بِكُفْرِهِمْ. وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: الأقْرَبُ في تَعَلُّقِ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها ما ذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: أنَّ الَّذِينَ كانُوا يَلْمِزُونَ هُمُ الَّذِينَ طَلَبُوا الِاسْتِغْفارَ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الرَّسُولُ ﷺ اشْتَغَلَ بِالِاسْتِغْفارِ فَنَهاهُ عَنْهُ لِوُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ المُنافِقَ كافِرٌ، وقَدْ ظَهَرَ في شَرْعِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ الِاسْتِغْفارَ لِلْكافِرِ لا يَجُوزُ، فَلِهَذا السَّبَبِ أمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِالِاقْتِداءِ بِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِما السَّلامُ - إلّا في قَوْلِهِ: ﴿لَأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: ٤] وإذا كانَ هَذا مَشْهُورًا في الشَّرْعِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ الإقْدامُ عَلَيْهِ ؟ الثّانِي: أنَّ اسْتِغْفارَ الغَيْرِ لِلْغَيْرِ لا يَنْفَعُهُ إذا كانَ ذَلِكَ الغَيْرُ مُصِرًّا عَلى القَبِيحِ والمَعْصِيَةِ. الثّالِثُ: أنَّ إقْدامَهُ عَلى الِاسْتِغْفارِ لِمُنافِقِينَ يَجْرِي مَجْرى إغْرائِهِمْ بِالإقْدامِ عَلى الذَّنْبِ. الرّابِعُ: أنَّهُ إذا كانَ لا يُجِيبُهُ بَقِيَ دُعاءُ الرَّسُولِ مَرْدُودًا عِنْدَ اللَّهِ، وذَلِكَ يُوجِبُ نُقْصانَ مَنصِبِهِ ﷺ . الخامِسُ: أنَّ هَذا الدُّعاءَ لَوْ كانَ مَقْبُولًا مِنَ الرَّسُولِ لَكانَ قَلِيلُهُ مِثْلَ كَثِيرِهِ في حُصُولِ الإجابَةِ. فَثَبَتَ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذا الكَلامِ أنَّ القَوْمَ لَمّا طَلَبُوا مِنهُ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَهم مَنَعَهُ اللَّهُ مِنهُ، ولَيْسَ المَقْصُودُ مِن ذِكْرِ هَذا العَدَدِ تَحْدِيدَ المَنعِ، بَلْ هو كَما يَقُولُ القائِلُ إنْ سَألَهُ حاجَةً: لَوْ سَألْتَنِي سَبْعِينَ مَرَّةً لَمْ أقْضِها لَكَ (p-٧٨)لا يُرِيدُ بِذَلِكَ أنَّهُ إذا زادَ قَضاها، فَكَذا هاهُنا. والَّذِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى في الآيَةِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم كَفَرُوا﴾ . فَبَيَّنَ أنَّ العِلَّةَ الَّتِي لِأجْلِها لا يَنْفَعُهُمُ اسْتِغْفارُ الرَّسُولِ لَهم، وإنْ بَلَغَ سَبْعِينَ مَرَّةً - هي كُفْرُهم وفِسْقُهم. وهَذا المَعْنى قائِمٌ في الزِّيادَةِ عَلى السَّبْعِينَ، فَصارَ هَذا القَلِيلُ شاهِدًا بِأنَّ المُرادَ إزالَةُ الطَّمَعِ أنْ يَنْفَعَهُمُ اسْتِغْفارُ الرَّسُولِ مَعَ إصْرارِهِمْ عَلى كُفْرِهِمْ، ويُؤَكِّدُ: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ﴾ . والمَعْنى: أنَّ فِسْقَهم مانِعٌ مِنَ الهِدايَةِ، فَثَبَتَ أنَّ الحَقَّ ما ذَكَرْناهُ. وقالَ الأزْهَرِيُّ في جَماعَةٍ مِن أهْلِ اللُّغَةِ: السَّبْعُونَ هُنا جَمْعُ السَّبْعَةِ المُسْتَعْمَلَةِ لِلْكَثْرَةِ، لا السَّبْعَةِ الَّتِي فَوْقَ السِّتَّةِ. انْتَهى. والعَرَبُ تَسْتَكْثِرُ في الآحادِ بِالسَّبْعَةِ، وفي العَشَراتِ بِالسَّبْعِينَ، وفي المِئِينَ بِسَبْعِمِائَةٍ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والسَّبْعُونَ جارٍ مَجْرى المَثَلِ في كَلامِهِمْ لِلتَّكْثِيرِ. قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ:
؎لَأُصَبِّحَنَّ العاصِ وابْنَ العاصِي ∗∗∗ سَبْعِينَ ألْفًا عاقِدِي النَّواصِي
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وأمّا تَمْثِيلُهُ بِالسَّبْعِينَ دُونَ غَيْرِها مِنَ الأعْدادِ فَلِأنَّهُ عَدَدٌ، كَثِيرًا ما يَجِيءُ غايَةً ومُقْنِعًا في الكَثْرَةِ. ألا تَرى إلى القَوْمِ الَّذِينَ اخْتارَهم مُوسى، وإلى أصْحابِ العَقَبَةِ ؟ وقَدْ قالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: إنَّ التَّصْرِيفَ الَّذِي يَكُونُ مِنَ السِّينِ والباءِ والعَيْنِ هو شَدِيدُ الأمْرِ مِن ذَلِكَ السَّبْعَةِ، فَإنَّها عَدَدٌ مُقْنِعٌ، هي في السَّماواتِ وفي الأرْضِ، وفي خَلْقِ الإنْسانِ، وفي بَدَنِهِ، وفي أعْضائِهِ الَّتِي بِها يُطِيعُ اللَّهَ، وبِها يَعْصِيهِ، وبِها تَرْتِيبُ أبْوابِ جَهَنَّمَ فِيما ذَكَرَ بَعْضُ النّاسِ، وهي: عَيْناهُ، وأُذُناهُ، وأسْنانُهُ، وبَطْنُهُ، وفَرْجُهُ، ويَداهُ، ورِجْلاهُ. وفي سِهامِ المَيْسِرِ، وفي الأقالِيمِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، ومِن ذَلِكَ السَّبْعِ العُبُوسُ، والعَنْبَسُ، ونَحْوُ هَذا مِنَ القَوْلِ. انْتَهى. واسْتَدَلَّ القائِلُونَ بِدَلِيلِ الخِطابِ وأنَّ التَّخْصِيصَ بِالعَدَدِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الحُكْمَ فِيما وراءَ ذَلِكَ بِخِلافِهِ - بِما رَوِيَ أنَّهُ قالَ: «واللَّهِ لَأزِيدَنَّ عَلى السَّبْعِينَ» ولَمْ يَنْصَرِفْ حَتّى نَزَلَ: ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأسْتَغْفَرْتَ لَهم أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهم لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦] فَكَفَّ عَنْهُ. قِيلَ: ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: هَذا الِاسْتِدْلالُ بِالعَكْسِ أوْلى؛ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ لا يَغْفِرُ لَهُمُ ألْبَتَّةَ ثَبَتَ أنَّ الحالَ فِيما وراءَ العَدَدِ مُساوٍ لِلْحالِ في العَدَدِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ التَّقْيِيدَ بِالعَدَدِ لا يُوجِبُ أنْ يَكُونَ الحَكَمُ فِيما رَآهُ بِخِلافِهِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ خَفِيَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو أفْصَحُ العَرَبِ وأخْبَرُهم بِأسالِيبِ الكَلامِ وتَمْثِيلاتِهِ، والَّذِي يُفْهَمُ مِن ذِكْرِ هَذا العَدَدِ كَثْرَةُ الِاسْتِغْفارِ، كَيْفَ وقَدْ تَلاهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم كَفَرُوا﴾ الآيَةَ، فَبَيَّنَ الصّارِفَ عَنِ المَغْفِرَةِ لَهم حَتّى قالَ: «رَخَّصَ لِي رَبِّي فَأزِيدُ عَلى السَّبْعِينَ» ؟ قُلْتُ: لَمْ يَخْفِ عَلَيْهِ ذَلِكَ، ولَكِنَّهُ خُيِّلَ بِما قالَ إظْهارًا لِغايَةِ رَحْمَتِهِ ورَأْفَتِهِ عَلى مَن بُعِثَ إلَيْهِ كَما قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿ومَن عَصانِي فَإنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] وفي إظْهارِ النَّبِيِّ ﷺ الرَّأْفَةَ والرَّحْمَةَ لُطْفٌ لِأُمَّتِهِ، ودُعاءٌ لَهم إلى تَرَحُّمِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ. انْتَهى. وفي هَذا السُّؤالِ والجَوابِ غَضٌّ مِن مَنصِبِ النُّبُوَّةِ، وسُوءُ أدَبٍ عَلى الأنْبِياءِ، ونِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ ما لا يَلِيقُ بِهِمْ. وإذا كانَ ﷺ يَقُولُ: «لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ خائِنَةُ الأعْيُنِ» أوْ كَما قالَ، وهي الإشارَةُ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ النُّطْقُ بِشَيْءٍ عَلى سَبِيلِ التَّحْيِيلِ ؟ حاشا مَنصِبَ الأنْبِياءِ عَنْ ذَلِكَ، ولَكِنَّ هَذا الرَّجُلَ مُسَرِّحُ الألْفاظِ في حَقِّ الأنْبِياءِ بِما لا يَلِيقُ بِحالِهِمْ، ولَقَدْ تَكَلَّمَ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿عَفا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣] بِكَلامٍ في حَقِّ الرَّسُولِ نَزَّهْتُ كِتابِي هَذا أنْ أنْقُلَهُ فِيهِ، واللَّهَ تَعالى يَعْصِمُنا مِنَ الزَّلَلِ في القَوْلِ والعَمَلِ، ذَلِكَ إشارَةٌ إلى انْتِفاءِ الغُفْرانِ وتَبْيِينُ العِلَّةِ المُوجِبَةِ لِذَلِكَ، وانْتِفاءُ هِدايَةِ اللَّهِ الفاسِقِينَ هو لِلَّذِينَ حَتَمَ لَهم بِذَلِكَ، فَهو عامٌّ مَخْصُوصٌ.
{"ayah":"ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِینَ مَرَّةࣰ فَلَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق