الباحث القرآني
﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا ولَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وكَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ وهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وما نَقَمُوا إلّا أنْ أغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهم وإنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذابًا ألِيمًا في الدُّنْيا والآخِرَةِ وما لَهم في الأرْضِ مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى المُنافِقِينَ. فَقِيلَ: هو حَلِفُ الجُلاسِ، وتَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ مَعَ عامِرِ بْنِ قَيْسٍ، وقِيلَ: حَلِفُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أنَّهُ ما قالَ ﴿لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ﴾ [المنافقون: ٨] الآيَةَ. وقالَ الضَّحّاكُ: حَلِفُهم حِينَ نَقَلَ حُذَيْفَةُ إلى الرَّسُولِ ﷺ سَبَّهم أصْحابَهُ وإيّاهُ في خَلْوَتِهِمْ، وأمّا ﴿وهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا﴾ فَنَزَلَتْ، قِيلَ: في ابْنِ أُبَيٍّ في قَوْلِهِ: (لَيُخْرِجَنَّ)، قالَهُ قَتادَةُ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقِيلَ: بِقَتْلِ الرَّسُولِ، والَّذِي هَمَّ بِهِ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ الأسْوَدُ مِن قُرَيْشٍ، رَواهُ مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وقالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ في خَمْسَةَ (p-٧٣)عَشَرَ هَمُّوا بِقَتْلِهِ وتَوافَقُوا عَلى أنْ يَدْفَعُوهُ عَنْ راحِلَتِهِ إلى الوادِي إذا تَسَنَّمَ العَقَبَةَ، فَأخَذَ عَمّارُ بْنُ ياسِرٍ بِخِطامِ راحِلَتَهُ يَقُودُها، وحُذَيْفَةُ خَلْفَها يَسُوقُها، فَبَيْنَما هُما كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ حُذَيْفَةُ بِوَقْعِ أخْفافِ الإبِلِ وقَعْقَعَةِ السِّلاحِ، فالتَفَتَ فَإذا قَوْمٌ مُتَلَثِّمُونَ، فَقالَ: إلَيْكم يا أعْداءَ اللَّهِ، فَهَرَبُوا، وكانَ مِنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبِي سَرْحٍ، وطُعَيْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، والجُلاسُ بْنُ سُوَيْدٍ، وأبُو عامِرِ بْنُ نُعْمانَ، وأبُو الأحْوَصِ. وقِيلَ: هَمُّهم بِما لَمْ يَنالُوا هو أنْ يُتَوِّجُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ إذا رَجَعُوا مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ يُباهُونَ بِهِ الرَّسُولَ ﷺ، فَلَمْ يَنالُوا ما هَمُّوا بِهِ، فَنَزَلَتْ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: كانَ الرَّسُولُ ﷺ جالِسًا في ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقالَ: إنَّهُ سَيَأْتِيكم إنْسانٌ فَيَنْظُرُ إلَيْكم شَيْطانٌ، فَإذا جاءَ فَلا تُكَلِّمُوهُ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أنْ طَلَعَ رَجُلٌ أزْرَقُ فَدَعاهُ، فَقالَ: عَلامَ تَشْتُمُنِي أنْتَ وأصْحابُكَ ؟ فانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَجاءَ بِأصْحابِهِ، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ ما قالُوا، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
وكَلِمَةُ الكُفْرِ: قَوْلُ ابْنِ أُبَيٍّ لَمّا شاوَرَ الجَهْجاهَ الغِفارِيَّ وسِنانَ بْنَ وبَرَةَ الجُهَنِيَّ، وقَدْ كَسَعَ أحَدُهُما رِجْلَ الآخَرِ في غَزْوَةِ المُرَيْسِيعِ، فَصاحَ الجَهْجاهُ: يا لَلْأنْصارِ، وصاحَ سِنانٌ: يا لَلْمُهاجِرِينَ، فَثارَ النّاسُ، وهَدَّأهُمُ الرَّسُولُ، فَقالَ ابْنُ أُبَيٍّ: ما أرى هَؤُلاءِ إلّا قَدْ تَداعَوْا عَلَيْنا، ما مَثَلُنا ومَثَلُهم إلّا كَما قالَ الأوَّلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ - أوِ الِاسْتِهْزاءُ، أوْ قَوْلُ الجُلاسِ المُتَقَدِّمُ، أوْ قَوْلُهم: نَعْقِدُ التّاجَ، أوْ قَوْلُهم: لَيْسَ بِنَبِيٍّ، أوِ القَوْلُ: ”لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ“ أقْوالٌ. (وكَفَرُوا): أيْ أظْهَرُوا الكُفْرَ بَعْدَ إسْلامِهِمْ أيْ إظْهارِ إسْلامِهِمْ. ولَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ: بَعْدَ إيمانِهِمْ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَجاوَزْ ألْسِنَتَهم. والهَمُّ دُونَ العَزْمِ، وتَقَدَّمَ الخِلافُ في الهامِّ والمَهْمُومِ بِهِ. وقِيلَ: هو هَمُّ المُنافِقِينَ أوِ الجُلاسِ بِقَتْلِ ناقِلِ حَدِيثِ الجُلاسِ إلى الرَّسُولِ، وفي تَعْيِينِ اسْمِ النّاقِلِ خِلافٌ، فَقِيلَ: عاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ. وقِيلَ: حُذَيْفَةُ. وقِيلَ: ابْنُ امْرَأةِ الجُلاسِ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ. وقِيلَ: اسْمُهُ مُصْعَبٌ. وقِيلَ: هَمُّوا بِالرَّسُولِ والمُؤْمِنِينَ أشْياءَ لَمْ يَنالُوها.
﴿وما نَقَمُوا إلّا أنْ أغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾ هَذا مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إلّا أنْ آمَنّا﴾ [المائدة: ٥٩] ﴿وما نَقَمُوا مِنهم إلّا أنْ يُؤْمِنُوا﴾ [البروج: ٨] وكانَ حَقُّ الغَنِيِّ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ أنْ يَشْكُرَ لا أنْ يَنْقِمَ، جَعَلُوا الغِنى سَبَبًا يَنْتَقِمُ بِهِ، فَهو كَقَوْلِهِ:
؎ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهم بِهِنَّ فُلُولٌ مِن قِراعِ الكَتائِبِ
وكانَ الرَّسُولُ قَدْ أعْطى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ دِيَةً، كانَتْ قَدْ تَغَلَّظَتْ لَهُ، قالَ عِكْرِمَةُ: اثْنا عَشَرَ ألْفًا. وقِيلَ: بَلْ كانَتْ لِلْجُلاسِ. وكانَتِ الأنْصارُ حِينَ قَدِمَ الرَّسُولُ ﷺ المَدِينَةَ في ضَنْكٍ مِنَ العَيْشِ لا يَرْكَبُونَ الخَيْلَ، ولا يَحُوزُونَ الغَنِيمَةَ، فَأُثِرُوا، وقالَ الرَّسُولُ لِلْأنْصارِ: «وكُنْتُمْ عالَةً فَأغْناكُمُ اللَّهُ بِي» وقِيلَ: كانَ عَلى الجُلاسِ دَيْنٌ كَثِيرٌ فَقَضاهُ الرَّسُولُ، وحَصَلَ لَهُ مِنَ الغَنائِمِ مالٌ كَثِيرٌ. وقَوْلُهُ: ﴿وما نَقَمُوا﴾ الجُمْلَةُ كَلامٌ أُجْرِيَ مَجْرى التَّهَكُّمِ بِهِ، كَما تَقُولُ: ما لِي عِنْدَكَ ذَنْبٌ إلّا أنِّي أحْسَنْتُ إلَيْكَ، فَإنَّ فِعْلَهم يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا لِئامًا. وقالَ الشّاعِرُ:
؎ما نَقَمُوا مِن بَنِي أُمَيَّةَ إلّا ∗∗∗ أنَّهُم يَحْلُمُونَ إنْ غَضِبُوا
؎وأنَّهم سادَةُ المُلُوكِ ولا ∗∗∗ يَصْلُحُ إلّا عَلَيْهِمُ العَرَبُ
وقالَ الآخَرُ وهو نَظِيرُ البَيْتِ السّابِقِ:
؎ولا عَيْبَ فِينا غَيْرَ عِرْقٍ لِمَعْشَرٍ ∗∗∗ كِرامٍ وأنّا لا نَحُطُّ عَلى النَّمْلِ
(فَإنْ يَتُوبُوا) هَذا إحْسانٌ مِنهُ تَعالى ورِفْقٌ ولُطْفٌ بِهِمْ، حَيْثُ فَتَحَ لَهم بابَ التَّوْبَةِ بَعْدَ ارْتِكابِ تِلْكَ الجَرائِمِ العَظِيمَةِ. وكانَ الجُلاسُ بَعْدَ حَلِفِهِ وإنْكارِهِ أنْ قالَ ما نُقِلَ عَنْهُ - قَدِ اعْتَرَفَ وصَدَّقَ النّاقِلَ عَنْهُ وتابَ وحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، ولَمْ يَرِدْ أنَّ أحَدًا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ مِنهم غَيْرَ الجُلاسِ. قِيلَ: وفي هَذا دَلِيلٌ عَلى قَبُولِ (p-٧٤)تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ المُسِرِّ الكُفْرَ المُظْهِرِ لِلْإيمانِ، وهو مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ والشّافِعِيِّ. وقالَ مالِكٌ: لا تُقْبَلُ فَإنْ جاءَ تائِبًا مِن قِبَلِ نَفْسِهِ قَبْلَ أنْ يُعْثَرَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ بِلا خِلافٍ، (وإنْ يَتَوَلَّوْا)، أيْ: عَنِ التَّوْبَةِ، أوِ الإيمانِ، أوِ الإخْلاصِ، أوِ الرَّسُولِ. والمَعْنى: وإنْ يُدِيمُوا التَّوَلِّي إذْ هم مُتَوَلُّونَ في الدُّنْيا بِإلْحاقِهِمْ بِالحَرْبِيِّينَ إذْ أظْهَرُوا الكُفْرَ، فَيَحِلُّ قِتالُهم وقَتْلُهم وسَبْيُ أوْلادِهِمْ وأزْواجِهِمْ، وغَنْمُ أمْوالِهِمْ. وقِيلَ: ما يُصِيبُهم عِنْدَ المَوْتِ ومُعايَنَةِ مَلائِكَةِ العَذابِ. وقِيلَ: عَذابُ القَبْرِ. وقِيلَ: التَّعَبُ والخَوْفُ والهُجْنَةُ عِنْدَ المُؤْمِنِينَ، وفي الآخِرَةِ بِالنّارِ.
{"ayah":"یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُوا۟ وَلَقَدۡ قَالُوا۟ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَكَفَرُوا۟ بَعۡدَ إِسۡلَـٰمِهِمۡ وَهَمُّوا۟ بِمَا لَمۡ یَنَالُوا۟ۚ وَمَا نَقَمُوۤا۟ إِلَّاۤ أَنۡ أَغۡنَىٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ مِن فَضۡلِهِۦۚ فَإِن یَتُوبُوا۟ یَكُ خَیۡرࣰا لَّهُمۡۖ وَإِن یَتَوَلَّوۡا۟ یُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِیمࣰا فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۚ وَمَا لَهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق