الباحث القرآني
﴿فَلا تُعْجِبْكَ أمْوالُهم ولا أوْلادُهم إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم بِها في الحَياةِ الدُّنْيا وتَزْهَقَ أنْفُسُهم وهم كافِرُونَ﴾ لَمّا قَطَعَ رَجاءَ المُنافِقِينَ عَنْ جَمِيعِ مَنافِعَ الآخِرَةِ، بَيَّنَ أنَّ الأشْياءَ الَّتِي يَظُنُّونَها مِن بابِ مَنافِعِ الدُّنْيا جَعَلَها اللَّهُ تَعالى أسْبابًا لِيُعَذِّبَهم بِها في الدُّنْيا؛ أيْ: ولا يُعْجِبُكَ أيُّها السّامِعُ بِمَعْنًى لا يُسْتَحْسَنُ ولا يُفْتَتَنُ بِما أُوتُوا مِن (p-٥٤)زِينَةِ الدُّنْيا كَقَوْلِهِ: ﴿ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [طه: ١٣١] وفي هَذا تَحْقِيرٌ لِشَأْنِ المُنافِقِينَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ ومُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ وابْنُ قُتَيْبَةَ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والمَعْنى: فَلا تُعْجِبُكَ أمْوالُهم ولا أوْلادُهم في الحَياةِ الدُّنْيا، إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم بِها في الآخِرَةِ. انْتَهى. ويَكُونُ إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم بِها جُمْلَةَ اعْتِراضِ فِيها تَشْدِيدٌ لِلْكَلامِ وتَقْوِيَةٌ لِانْتِفاءِ الإعْجابِ؛ لِأنَّ مَن كانَ مَآلُ إتْيانِهِ المالَ والوَلَدَ لِلتَّعْذِيبِ لا يَنْبَغِي أنْ تُسْتَحْسَنَ حالُهُ ولا يُفْتَتَنَ بِها، إلّا أنَّ تَقْيِيدَ الإيجابِ المَنهِيِّ عَنْهُ الَّذِي يَكُونُ ناشِئًا عَنْ أمْوالِهِمْ وأوْلادِهِمْ مِنَ المَعْلُومِ أنَّهُ لا يَكُونُ إلّا في الحَياةِ الدُّنْيا، فَنَفْيُ ذَلِكَ كَأنَّهُ زِيادَةُ تَأْكِيدٍ بِخِلافِ التَّعْذِيبِ، فَإنَّهُ قَدْ يَكُونُ في الدُّنْيا كَما يَكُونُ في الآخِرَةِ، ومَعَ أنَّ التَّقْدِيمَ والتَّأْخِيرَ لَخَّصَهُ أصْحابُنا بِالضَّرُورَةِ. وقالَ الحَسَنُ: الوَجْهُ في التَّعْذِيبِ أنَّهُ بِما ألْزَمَهم فِيها مِن أداءِ الزَّكاةِ والنَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ، فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: بِها عائِدٌ في هَذا القَوْلِ عَلى الأمْوالِ فَقَطْ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهُ: التَّعْذِيبُ هو مَصائِبُ الدُّنْيا ورَزاياها هي لَهم عَذابٌ، إذْ لا يُؤْجَرُونَ عَلَيْها. انْتَهى. ويَتَقَوّى هَذا القَوْلُ بِأنَّ تَعْذِيبَهم بِإلْزامِ الشَّرِيعَةِ أعْظَمُ مِن تَعْذِيبِهِمْ بِسائِرِ الرَّزايا؛ وذَلِكَ لِاقْتِرانِ الذِّلَّةِ والغَلَبَةِ وأمْرِ الشَّرِيعَةِ لَهم، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وقَدْ جَمَعَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذا كُلَّهُ فَقالَ: إنَّما أعْطاهم ما أعْطاهم لِلْعَذابِ بِأنْ عَرَّضَهم لِلْمَغْنَمِ والسَّبْيِ، وبَلاهم فِيهِ بِالآفاتِ والمَصائِبِ، وكَلَّفَهُمُ الإنْفاقَ مِنهُ في أبْوابِ الخَيْرِ وهم كارِهُونَ لَهُ عَلى رَغْمِ أُنُوفِهِمْ، وأذاقَهم أنْواعَ الكُلَفِ والمَجاشِمِ في جَمْعِهِ واكْتِسابِهِ وفي تَرْبِيَةِ أوْلادِهِمْ. وقِيلَ: أمْوالُهُمُ الَّتِي يُنْفِقُونَها فَإنَّها لا تُقْبَلُ مِنهم ولا أوْلادُهُمُ المُسْلِمُونَ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وغَيْرِهِ، فَإنَّهم لا يَنْفَعُونَ آباءَهُمُ المُنافِقِينَ، حَكاهُ القُشَيْرِيُّ. وقِيلَ: يَتَمَكَّنُ حُبُّ المالِ مِن قُلُوبِهِمْ، والتَّعَبُ في جَمْعِهِ، والوَصْلُ في حِفْظِهِ، والحَسْرَةُ عَلى تَخْلِفَتِهِ عِنْدَ مَن لا يَحْمَدُهُ، ثُمَّ يَقْدُمُ عَلى مَلِكٍ لا يَعْذُرُهُ. وقَدَّمَ الأمْوالَ عَلى الأوْلادِ؛ لِأنَّها كانَتْ أعْلَقَ بِقُلُوبِهِمْ، ونُفُوسُهم أمْيَلُ إلَيْها، فَإنَّهم كانُوا يَقْتُلُونَ أوْلادَهم خَشْيَةَ ذَهابِ أمْوالِهِمْ. قالَ تَعالى: ﴿ولا تَقْتُلُوا أوْلادَكم خَشْيَةَ إمْلاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] .
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: إنْ صَحَّ تَعْلِيقُ العَذابِ بِإرادَةِ اللَّهِ تَعالى، فَما بالُ زُهُوقِ أنْفُسِهِمْ وهم كافِرُونَ ؟ قُلْتُ: المُرادُ الِاسْتِدْراجُ بِالنِّعَمِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما نُمْلِي لَهم لِيَزْدادُوا إثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨] كَأنَّهُ قِيلَ: ويُرِيدُ أنْ يُدِيمَ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ إلى أنْ يَمُوتُوا وهم كافِرُونَ مُلْتَهُونَ بِالتَّمَتُّعِ عَنِ النَّظَرِ لِلْعاقِبَةِ. انْتَهى. وهو بَسْطُ كَلامِ ابْنِ عِيسى وهو الرُّمّانِيُّ، وهُما كِلاهُما مُعْتَزِلِيّانِ. قالَ ابْنُ عِيسى: المَعْنى: إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُمْلِيَ لَهم ويَسْتَدْرِجَهم لِيُعَذِّبَهُمُ انْتَهى. وهي نَزْعَةٌ اعْتِزالِيَّةٌ. والَّذِي يَظْهَرُ مِن حَيْثُ عَطَفَ وتَزْهَقَ عَلى لِيُعَذِّبَ أنَّ المَعْنى لِيُعَذِّبَهم بِها في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ، ونَبَّهَ عَلى عَذابِ الآخِرَةِ بِعِلَّتِهِ وهو زُهُوقُ أنْفُسِهِمْ عَلى الكُفْرِ؛ لِأنَّ مَن ماتَ كافِرًا عُذِّبَ في الآخِرَةِ لا مَحالَةَ. والظّاهِرُ أنَّ زُهُوقَ النَّفْسِ هُنا كِنايَةٌ عَنِ المَوْتِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ وتَزْهَقَ أنْفُسُهم مِن شِدَّةِ التَّعْذِيبِ الَّذِي يَنالُهم.
{"ayah":"فَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَ ٰلُهُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُهُمۡۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم بِهَا فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَتَزۡهَقَ أَنفُسُهُمۡ وَهُمۡ كَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق