الباحث القرآني
﴿إلّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكم شَيْئًا ولَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكم أحَدًا فَأتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهم إلى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾؛ قالَ قَوْمٌ: هَذا اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ، التَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ فَثَبَتُوا عَلى العَهْدِ أتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهم، وقالَ قَوْمٌ مِنهُمُ الزَّجّاجُ: هو اسْتِثْناءٌ مُتَّصِلٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ١]، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وجْهُهُ أنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِن قَوْلِهِ: ﴿فَسِيحُوا في الأرْضِ﴾ [التوبة: ٢]؛ لِأنَّ الكَلامَ خِطابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، ومَعْناهُ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَقُولُوا لَهم: سِيحُوا، إلّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنهم، ثُمَّ لَمْ يَنْقُضُوا فَأتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهم. والِاسْتِثْناءُ بِمَعْنى الِاسْتِدْراكِ، كَأنَّهُ قِيلَ بَعْدَ أنْ أُمِرُوا في النّاكِثِينَ: ولَكِنَّ الَّذِينَ لَمْ يَنْكُثُوا فَأتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهم ولا تُجْرُوهم مَجْراهم، ولا تَجْعَلُوا الوَفِيَّ كالغادِرِ. وقِيلَ: هو اسْتِثْناءٌ مُتَّصِلٌ، وقَبْلُهُ جُمْلَةٌ مَحْذُوفَةٌ تَقْدِيرُها: اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ المُعاهَدِينَ إلّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ، وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، والأظْهَرُ أنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا لِطُولِ الفَصْلِ بِجُمَلٍ كَثِيرَةٍ بَيْنَ ما يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنهُ وبَيْنَهُ.
قالَ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ: هم قَوْمٌ كانَ بَيْنَهم وبَيْنَ الرَّسُولِ عَهْدٌ لِمُدَّةٍ، فَأُمِرَ أنْ يَفِيَ لَهم. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: لَمّا قَرَأ عَلِيٌّ (بَراءَةٌ) قالَ لَبَنِي ضَمْرَةَ وحَيٍّ مِن كِنانَةَ وحَيٍّ مِن سُلَيْمٍ: إنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَثْناكم ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ.
والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: إلى مُدَّتِهِمْ، يَكُونُ في المُدَّةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَهم وبَيْنَ الرَّسُولِ أُمِرُوا بِإتْمامِ العَهْدِ إلى تَمامِ المُدَّةِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: كانَ بَقِيَ لِحَيٍّ مِن كِنانَةَ تِسْعَةُ أشْهُرٍ، فَأُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدُهم. وعَنْهُ أيْضًا: إلى مُدَّتِهِمْ؛ إلى الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ الَّتِي في الآيَةِ. وهَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّهُ يَكُونُ الِاسْتِثْناءُ لا يُفِيدُ تَجْدِيدَ حُكْمٍ؛ إذْ يَكُونُ حُكْمُ هَؤُلاءِ المُسْتَثْنَيْنَ حُكْمَ باقِي المُعاهَدِينَ الَّذِينَ لَمْ يَتَّصِفُوا بِما اتَّصَفَ بِهِ هَؤُلاءِ مِن عَدَمِ النَّقْصِ وعَدَمِ المُظاهَرَةِ.
وقَرَأ عَطاءُ بْنُ السّائِبِ الكُوفِيُّ وعِكْرِمَةُ، وأبُو زَيْدٍ، وابْنُ السَّمَيْفَعِ: (يَنْقُضُوكم) بِالضّادِ مُعْجَمَةً وتُناسِبُ العَهْدَ، وهي بِمَعْنى قِراءَةِ الجُمْهُورِ؛ لِأنَّ مَن نَقَصَ مِنَ العَهْدِ فَقَدْ نَقَصَ مِنَ الأجَلِ المَضْرُوبِ. وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ ولَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَكم، فَحُذِفَ المُضافُ وأُقِيمَ المُضافُ إلَيْهِ مَقامَهُ؛ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ. وقالَ الكَرْمانِيُّ: هي بِالضّادِ أقْرَبُ إلى مَعْنى العَهْدِ، إلّا أنَّ القِراءَةَ بِالصّادِ أحْسَنُ لِيَقَعَ في مُقابَلَتِهِ التَّمامُ في قَوْلِهِ: (فَأتِمُّوا إلَيْهِمْ)، والتَّمامُ ضِدُّ النَّقْصِ.
وانْتَصَبَ شَيْئًا عَلى المَصْدَرِ، أيْ: لا قَلِيلًا مِنَ النَّقْصِ ولا كَثِيرًا.
﴿ولَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكم أحَدًا﴾ كَما (p-٩)فَعَلَتْ قُرَيْشٌ بِبَنِي بَكْرٍ حِينَ أعانُوهم بِالسِّلاحِ عَلى خُزاعَةَ. وتَعَدّى (أتَوْا) بِإلى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى (فَأدُّوا)؛ أيْ: فَأدُّوهُ تامًّا كامِلًا. وقَوْلُ قَتادَةَ: إنَّ المُسْتَثْنَيْنَ هم قُرَيْشٌ عُوهِدُوا زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ مَرْدُودٌ بِإسْلامِ قُرَيْشٍ في الفَتْحِ قَبْلَ الإذْنِ بِهَذا كُلِّهِ. وقَوْلُهُ: ﴿يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ الوَفاءَ بِالعَهْدِ مِنَ التَّقْوى، وأنَّ مِنَ التَّقْوى أنْ لا يُسَوّى بَيْنَ القَبِيلَتَيْنِ.
﴿فَإذا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهم وخُذُوهم واحْصُرُوهم واقْعُدُوا لَهم كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى (انْسَلَخَ) في قَوْلِهِ: (فانْسَلَخَ) . وقالَ أبُو الهَيْثَمِ: يُقالُ: أهْلَلْنا هِلالَ شَهْرِ كَذا أيْ دَخَلْنا فِيهِ ولَبِسْناهُ، فَنَحْنُ نَزْدادُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلى مُضِيِّ نِصْفِهِ لِباسًا مِنهُ، ثُمَّ نَسْلَخُهُ عَنْ أنْفُسِنا بَعْدَ تَكامُلِ النِّصْفِ مِنهُ جُزْءًا حَتّى نَسْلَخَهُ عَنْ أنْفُسِنا كُلَّهُ، فَيَنْسَلِخُ. وأنْشَدَ:
؎إذا ما سَلَخْتَ الشَّهْرَ أهْلَلْتَ مِثْلَهُ كَفى قاتِلًا سَلْخُ الشُّهُورِ وإهْلالُ
والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الأشْهُرَ هي الَّتِي أُبِيحَ لِلنّاكِثِينَ أنْ يَسِيحُوا فِيها، ووُصِفَتْ بِالحُرُمِ لِأنَّها مُحَرَّمٌ فِيها القِتالُ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلافِ في ابْتِدائِها وانْتِهائِها.
وإذا تَقَدَّمَتِ النَّكِرَةُ وذُكِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فالوَجْهُ أنْ تُذْكَرَ بِالضَّمِيرِ نَحْوُ: لَقِيتُ رَجُلًا فَضَرَبْتُهُ. ويَجُوزُ أنْ يُعادَ اللَّفْظُ مُعَرَّفًا بِـ ”ألْ“ نَحْوُ: لَقِيتُ رَجُلًا فَضَرَبْتُ الرَّجُلَ، ولا يَجُوزُ أنْ يُوصَفَ بِوَصْفٍ يُشْعِرُ بِالمُغايَرَةِ، لَوْ قُلْتُ: لَقِيتُ رَجُلًا فَضَرَبْتُ الرَّجُلَ الأزْرَقَ وأنْتَ تُرِيدُ الرَّجُلَ الَّذِي لَقِيتَهُ لَمْ يَجُزْ، بَلْ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلى غَيْرِهِ، ويَكُونُ المَضْرُوبُ غَيْرَ المُلْقى. فَإنْ وصَفْتَهُ بِوَصْفٍ لا يُشْعِرُ بِالمُغايَرَةِ جازَ نَحْوُ: لَقِيتُ رَجُلًا فَضَرَبْتَ الرَّجُلَ المَذْكُورَ. وهُنا جاءَ الأشْهُرُ الحُرُمُ؛ لِأنَّ هَذا الوَصْفَ مَفْهُومٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢]؛ إذِ التَّقْدِيرُ: أرْبَعَةَ أشْهُرٍ حُرُمٌ، لا يُتَعَرَّضُ إلَيْكم فِيها، فَلَيْسَ الحُرُمُ وصْفًا مُشْعِرًا بِالمُغايَرَةِ. وقِيلَ: الأشْهُرُ الحُرُمُ هي غَيْرُ هَذِهِ الأرْبَعَةِ، وهي الأشْهُرُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فِيها القِتالَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ، وهي الَّتِي جاءَ في الحَدِيثِ فِيها: «”إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرا مِنها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبٌ“» فَتَكُونُ الأرْبَعَةُ مِن سَنَتَيْنِ. وقِيلَ: أوَّلُها المُحَرَّمُ، فَتَكُونُ مِن سَنَةٍ.
وجاءَ الأمْرُ بِالقَتْلِ عَلى سَبِيلِ التَّشْجِيعِ وتَقْوِيَةِ النَّفْسِ، وأنَّهم لا مَنَعَةَ عِنْدَهم مِن أنْ يُقْتَلُوا. وفي إطْلاقِ الأمْرِ بِالقَتْلِ دَلِيلٌ عَلى قَتْلِهِمْ بِأيِّ وجْهٍ كانَ، وقَدْ قَتَلَ أبُو بَكْرٍ أصْحابَ الرِّدَّةِ بِالإحْراقِ بِالنّارِ، وبِالحِجارَةِ، وبِالرَّمْيِ مِن رُءُوسِ الجِبالِ، والتَّنْكِيسِ في الآبارِ. وتَعَلَّقَ بِعُمُومِ (p-١٠)هَذِهِ الآيَةِ، وأحْرَقَ عَلِيٌّ قَوْمًا مِن أهْلِ الرِّدَّةِ، وقَدْ ورَدَتِ الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنِ المُثْلَةِ. ولَفْظُ (المُشْرِكِينَ) عامٌّ في كُلِّ مُشْرِكٍ، وجاءَتِ السُّنَّةُ بِاسْتِثْناءِ الأطْفالِ والرُّهْبانِ والشُّيُوخِ الَّذِينَ لَيْسُوا ذَوِي رَأْيٍ في الحَرْبِ، ومَن قاتَلَ مِن هَؤُلاءِ قُتِلَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي الَّذِينَ نَقَصُوكم وظاهَرُوا عَلَيْكم.
ولَفْظُ: (حَيْثُ وجَدْتُمُوهم) عامٌّ في الأماكِنِ مِن حِلٍّ وحَرَمٍ. (وخُذُوهم) عِبارَةٌ عَنِ الأسْرِ، والأخِيذُ الأسِيرُ. ويَدُلُّ عَلى جَوازِ أسْرِهِمْ: (واحْصُرُوهم)؛ قَيِّدُوهم وامْنَعُوهم مِنَ التَّصَرُّفِ في البِلادِ، وقِيلَ: اسْتَرِقُّوهم، وقِيلَ: مَعْناهُ: حاصِرُوهم إنْ تَحَصَّنُوا. وقُرِئَ: (فَحاصِرُوهم) شاذًّا، وهَذا القَوْلُ يُرْوى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وعَنْهُ أيْضًا: حُولُوا بَيْنَهم وبَيْنَ المَسْجِدِ الحَرامِ، وقِيلَ: امْنَعُوهم عَنْ دُخُولِ بِلادِ الإسْلامِ والتَّصَرُّفِ فِيها إلّا بِإذْنٍ. قالَ القُرْطُبِيُّ في قَوْلِهِ: ﴿واقْعُدُوا لَهم كُلَّ مَرْصَدٍ﴾: دَلالَةٌ عَلى جَوازِ اغْتِيالِهِمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ؛ لِأنَّ المَعْنى اقْعُدُوا لَهم مَواضِعَ الغِرَّةِ، وهَذا تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ المَقْصُودَ إيصالُ الأذى إلَيْهِمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ: إمّا بِطْرِيقِ القِتالِ، وإمّا بِطَرِيقِ الِاغْتِيالِ. وقَدْ أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلى جَوازِ السَّرِقَةِ مِن أمْوالِ أهْلِ الحَرْبِ، وإسْلالِ خَيْلِهِمْ، وإتْلافِ مَواشِيهِمْ إذا عُجِزَ عَنِ الخُرُوجِ بِها إلى دارِ الإسْلامِ، إلّا أنْ يُصالِحُوا عَلى مِثْلِ ذَلِكَ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (كُلَّ مَرْصَدٍ) كُلَّ مَمَرٍّ ومُجْتازٍ تَرْصُدُونَهم فِيهِ، وانْتِصابُهَ عَلى الظَّرْفِ كَقَوْلِهِ: ﴿لَأقْعُدَنَّ لَهم صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف: ١٦] انْتَهى. وهَذا الَّذِي قالَهُ الزَّجّاجُ، قالَ: (كُلَّ مَرْصَدٍ) ظَرْفٌ، كَقَوْلِكَ: ذَهَبْتُ مَذْهَبًا، ورَدَّهُ أبُو عَلِيٍّ؛ لِأنَّ المَرْصَدَ المَكانُ الَّذِي يُرْصَدُ فِيهِ العَدُوُّ، فَهو مَكانٌ مَخْصُوصٌ لا يُحْذَفُ الحَرْفُ مِنهُ إلّا سَماعًا كَما حَكى سِيبَوَيْهِ: دَخَلْتُ البَيْتَ، وكَما عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ انْتَهى. وأقُولُ: يَصِحُّ انْتِصابُهُ عَلى الظَّرْفِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: (واقْعُدُوا لَهم) لَيْسَ مَعْناهُ حَقِيقَةَ القُعُودِ، بَلِ المَعْنى ارْصُدُوهم في كُلِّ مَكانٍ يُرْصَدُ فِيهِ، ولَمّا كانَ بِهَذا المَعْنى جازَ قِياسًا أنْ يُحْذَفَ مِنهُ في كَما قالَ: وقَدْ قَعَدُوا أنْفاقَها كُلَّ مَقْعَدٍ. فَمَتى كانَ العامِلُ في الظَّرْفِ المُخْتَصِّ عامِلًا مِن لَفْظِهِ أوْ مِن مَعْناهُ، جازَ أنْ يَصِلَ إلَيْهِ بِغَيْرِ واسِطَةِ ”في“، فَيَجُوزُ جَلَسْتُ مَجْلِسَ زِيدٍ، وقَعَدْتُ مَجْلِسَ زِيدٍ، تُرِيدُ في مَجْلِسِ زِيدٍ، فَكَما يَتَعَدّى الفِعْلُ إلى المَصْدَرِ مِن غَيْرِ لَفْظِهِ إذا كانَ بِمَعْناهُ، فَكَذَلِكَ إلى الظَّرْفِ. وقالَ الأخْفَشُ: مَعْناهُ عَلى كُلِّ مَرْصَدٍ، فَحُذِفَ وأُعْمِلَ الفِعْلُ، وحُذِفَ ”عَلى“، ووُصُولُ الفِعْلِ إلى مَجْرُورِها فَتَنْصِبُهُ، يَخُصُّهُ أصْحابُنا بِالشِّعْرِ، وأنْشَدُوا:
؎تَحِنُّ فَتُبْدِي ما بِها مِن صَبابَةٍ ∗∗∗ وأُخْفِي الَّذِي لَوْلا الأسى لَقَضانِي
أيْ لَقَضى عَلَيَّ.
﴿فَإنْ تابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهم إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أيْ عَنِ الكُفْرِ والغَدْرِ. والتَّوْبَةُ تَتَضَمَّنُ الإيمانَ وتَرْكَ ما كانُوا فِيهِ مِنَ المَعاصِي، ثُمَّ نَبَّهَ عَلى أعْظَمِ الشَّعائِرِ الإسْلامِيَّةِ، وذَلِكَ إقامَةُ الصَّلاةِ وهي أفْضَلُ الأعْمالِ البَدَنِيَّةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ وهي أفْضَلُ الأعْمالِ المالِيَّةِ، وبِهِما تَظْهَرُ القُوَّةُ العَمَلِيَّةُ، كَما بِالتَّوْبَةِ تَظْهَرُ القُوَّةُ العِلْمِيَّةُ عَنِ الجَهْلِ. (فَخَلُّوا سَبِيلَهم)، كِنايَةٌ عَنِ الكَفِّ عَنْهم وإجْرائِهِمْ مَجْرى المُسْلِمِينَ في تَصَرُّفاتِهِمْ حَيْثُ ما شاءُوا، ولا تَتَعَرَّضُوا لَهم، كَقَوْلِ الشّاعِرِ:
؎خَلِّ السَّبِيلَ لِمَن يُبْنى المَنارُ بِهِ
أوْ يَكُونُ المَعْنى: فَأطْلِقُوهم مِنَ الأسْرِ والحَصْرِ، والظّاهِرُ الأوَّلُ؛ لِشُمُولِ الحُكْمِ لِمَن كانَ مَأْسُورًا وغَيْرَهُ.
وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: افْتُرِضَتِ الصَّلاةُ والزَّكاةُ جَمِيعًا، وأبى اللَّهُ أنْ لا تُقْبَلَ الصَّلاةُ إلّا بِالزَّكاةِ، وقالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أبا بَكْرٍ ما كانَ أفْقَهَهُ في قَوْلِهِ: ”لَأُقاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ“ . وناسَبَ ذِكْرُ وصْفِ الغُفْرانِ والرَّحْمَةِ مِنهُ تَعالى لِمَن تابَ عَنِ الكُفْرِ والتَزَمَ شَرائِعَ الإسْلامِ. قالَ الحافِظُ أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ: لا خِلافَ بَيْنِ المُسْلِمِينَ أنَّ مَن تَرَكَ (p-١١)الصَّلاةَ وسائِرَ الفَرائِضِ مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، ودُفِنَ في مَقابِرِ الكُفّارِ، وكانَ مالُهُ فَيْئًا. ومَن تَرَكَ السُّنَنَ فَسَقَ، ومَن تَرَكَ النَّوافِلَ لَمْ يُحْرَجْ إلّا أنْ يَجْحَدَ فَضْلَها فَيَكْفُرُ؛ لِأنَّهُ يَصِيرُ رادًّا عَلى النَّبِيِّ ﷺ ما جاءَ بِهِ وأخْبَرَ عَنْهُ انْتَهى. والظّاهِرُ أنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ لا يَنْتَهِضُ أنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلى تَعْيِينِ قَتْلِ مَن تَرَكَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ مُتَعَمِّدًا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ ومَعَ القُدْرَةِ؛ لِأنَّ انْتِفاءَ تَخْلِيَةِ السَّبِيلِ تَكُونُ بِالحَبْسِ وغَيْرِهِ، فَلا يَتَعَيَّنُ القَتْلُ. وقَدِ اخْتَلَفَ العُلَماءُ في ذَلِكَ، فَقالَ مَكْحُولٌ، ومالِكٌ، والشّافِعِيُّ، وحَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، ووَكِيعٌ، وأبُو ثَوْرٍ: يُقْتَلُ. وقالَ ابْنُ شِهابٍ، وأبُو حَنِيفَةَ، وداوُدُ: يُسْجَنُ ويُضْرَبُ، ولا يُقْتَلُ. وقالَ جَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ: يُقْتَلُ كُفْرًا، ومالُهُ مالُ مُرْتَدٍّ، وبِهِ قالَ إسْحاقُ. قالَ إسْحاقُ: وكَذَلِكَ كانَ رَأْيُ أهْلِ العِلْمِ مِن لَدُنِ النَّبِيِّ ﷺ إلى زَمانِنا.
﴿وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ قالَ الضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ: هي مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ الأمْرِ بِقَتْلِ المُشْرِكِينَ. وقالَ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ: هي مُحْكَمَةٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: جاءَ رَجُلٌ إلى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقالَ: إنْ أرادَ الرَّجُلُ مِنّا أنْ يَأْتِيَ مُحَمَّدًا بَعْدَ انْقِضاءِ هَذا الأجَلِ لِيَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ، أوْ يَأْتِيَهُ لِحاجَةِ قُتِلَ ؟ قالَ: لا؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ﴾ الآيَةَ انْتَهى. وقِيلَ: هَذِهِ الآيَةُ إنَّما كانَ حُكْمُها مُدَّةَ الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهم أجَلًا، والظّاهِرُ أنَّها مُحْكَمَةٌ.
ولَمّا أمَرَ تَعالى بِقَتْلِ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وُجِدُوا، وأخْذِهِمْ وحَصْرِهم، وطَلَبِ غِرَّتَهم، ذَكَرَ لَهم حالَةً لا يُقْتَلُونَ فِيها ولا يُؤْخَذُونَ ويُؤْسَرُونَ، وتِلْكَ إذا جاءَ واحِدٌ مِنهم مُسْتَرْشِدًا طالِبًا لِلْحُجَّةِ والدَّلالَةِ عَلى ما يَدْعُو إلَيْهِ مِنَ الدِّينِ. فالمَعْنى: ﴿وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ﴾؛ أيْ طَلَبَ مِنكَ أنْ تَكُونَ مُجِيرًا لَهُ، وذَلِكَ بَعْدَ انْسِلاخِ الأشْهُرِ لِيَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ وما تَضَمَّنَهُ مِنَ التَّوْحِيدِ، ويَقِفَ عَلى ما بُعِثْتَ بِهِ، فَكُنْ مُجِيرًا لَهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ويَتَدَبَّرَهُ، ويَطَّلِعَ عَلى حَقِيقَةِ الأمْرِ، ثُمَّ أبْلِغْهُ دارَهُ الَّتِي يَأْمَنُ فِيها إنْ لَمْ يُسْلِمْ، ثُمَّ قاتِلْهُ إنْ شِئْتَ مِن غَيْرِ غَدْرٍ ولا خِيانَةٍ.
و(حَتّى) يَصِحَّ أنْ تَكُونَ لِلْغايَةِ أيْ: إلى أنْ يَسْمَعَ. ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، وهي مُتَعَلِّقَةٌ في الحالَيْنِ بِأجِرْهُ. ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِن بابِ التَّنازُعِ، وإنْ كانَ يَصِحُّ مِن حَيْثُ المَعْنى أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِاسْتَجارَكَ أوْ بِفَأْجِرْهُ؛ وذَلِكَ لِمانِعٍ لَفْظِيٍّ وهو: أنَّهُ لَوْ أعْمَلَ الأوَّلَ لَأضْمَرَ في الثّانِي، و(حَتّى) لا تَجُرُّ المُضْمَرَ، فَلِذَلِكَ لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِن بابِ التَّنازُعِ. لَكِنْ مَن ذَهَبَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ إلى أنَّ (حَتّى) تَجُرُّ المُضْمَرَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِن بابِ التَّنازُعِ، وكَوْنُ (حَتّى) لا تَجُرُّ المُضْمَرَ هو مَذْهَبُ الجُمْهُورِ.
ولَمّا كانَ القُرْآنُ أعْظَمَ المُعْجِزاتِ، عُلِّقُ السَّماعُ بِهِ، وذُكِرَ السَّماعُ؛ لِأنَّهُ الطَّرِيقُ إلى الفَهْمِ. وقَدْ يُرادُ بِالسَّماعِ الفَهْمُ، تَقُولُ لِمَن خاطَبْتَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنكَ: أنْتَ لَمْ تَسْمَعْ، تُرِيدُ لَمْ تَفْهَمْ. و(كَلامَ اللَّهِ) مِن بابِ إضافَةِ الصِّفَةِ إلى المَوْصُوفِ، لا مِن بابِ إضافَةِ المَخْلُوقِ إلى الخالِقِ، ومَأْمَنَهُ: مَكانُ أمْنِهِ. وقِيلَ: مَأْمَنُهُ مَصْدَرٌ؛ أيْ ثُمَّ أبْلِغْهُ أمْنَهُ. وقَدِ اسْتَدَلَّتِ المُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ عَلى حُدُوثِ كَلامِ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ لا يُسْمَعُ إلّا الحُرُوفُ والأصْواتُ، ومَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ حُدُوثُ ذَلِكَ، وهَذا مَذْكُورٌ في عِلْمِ الكَلامِ.
وفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ النَّظَرَ في التَّوْحِيدِ أعْلى المَقاماتِ؛ إذْ عُصِمَ دَمُ الكافِرِ المُهْدَرِ الدَّمِ بِطَلَبِهِ النَّظَرَ والِاسْتِدْلالَ، وأوْجَبَ عَلى الرَّسُولِ أنْ يُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ، وفِيها دَلالَةٌ عَلى أنَّ التَّقْلِيدَ غَيْرُ كافٍ في الدِّينِ؛ إذْ كانَ لا يُمْهَلُ، بَلْ يُقالُ لَهُ: إمّا أنْ تُسْلِمَ، وإمّا أنْ تُقْتَلَ. وفِيها دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ بَعْدَ سَماعِ كَلامِ اللَّهِ لا يُقَرُّ بِأرْضِ الإسْلامِ، بَلْ يُبْلَغُ مَأْمَنَهُ، وأنَّهُ يَجِبُ حِفْظُهُ وحَوْطَتُهُ مُدَّةً يَسْمَعُ فِيها كَلامَ اللَّهِ.
والخِطابُ (p-١٢)بِقَوْلِهِ: (اسْتَجارَكَ) و(فَأجِرْهُ) يَدُلُّ عَلى أنَّ أمانَ السُّلْطانِ جائِزٌ، وأمّا غَيْرُهُ: فالحُرُّ يَمْضِي أمانُهُ، وقالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْظُرُ الإمامُ فِيهِ. والعَبْدُ: قالَ الأوْزاعِيُّ، والثَّوْرِيُّ، والشّافِعِيُّ، وأحْمَدُ، وإسْحاقُ، ومُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ، وأبُو ثَوْرٍ، وداوُدَ: لَهُ الأمانُ، وهو مَشْهُورُ مَذْهَبِ مالِكٍ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لا أمانَ لَهُ، وهو قَوْلٌ في مَذْهَبِ مالِكٍ. والحُرَّةُ لَها الأمانُ عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ، وقالَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ الماجِشُونِ: لا، إلّا أنْ يُجِيرَهُ الإمامُ، وقَوْلُهُ شاذٌّ. والصَّبِيُّ إذا أطاقَ القِتالَ جازَ أمانُهُ، ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾؛ أيْ ذَلِكَ الأمْرَ بِالإجارَةِ وإبْلاغِ المَأْمَنِ، بِسَبَبِ أنَّهم قَوْمٌ جَهَلَةٌ لا يَعْلَمُونَ ما الإسْلامُ ؟ وما حَقِيقَةُ ما تَدْعُو إلَيْهِ ؟ فَلا بُدَّ مِن إعْطائِهِمُ الأمانَ حَتّى يَسْمَعُوا ويَفْهَمُوا الحَقَّ، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إشارَةٌ إلى هَذا اللُّطْفِ في الإجارَةِ والإسْماعِ وتَبْلِيغِ المَأْمَنِ، (لا يَعْلَمُونَ) نَفى عِلْمَهم بِمَراشِدِهِمْ في اتِّباعِ الرَّسُولِ ﷺ .
﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وعِنْدَ رَسُولِهِ إلّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ فَما اسْتَقامُوا لَكم فاسْتَقِيمُوا لَهم إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾؛ هَذا اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ التَّعَجُّبُ والِاسْتِنْكارُ والِاسْتِبْعادُ. قالَ التَّبْرِيزِيُّ والكَرْمانِيُّ: مَعْناهُ النَّفْيُ؛ أيْ لا يَكُونُ لَهم عَهْدٌ وهم لَكم ضِدٌّ. ونَبَّهَ عَلى عِلَّةِ انْتِفاءِ العَهْدِ بِالوَصْفِ الَّذِي قامَ بِهِ وهو الإشْراكُ. وقالَ القُرْطُبِيُّ: وفي الآيَةِ إضْمارٌ؛ أيْ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ مَعَ إضْمارِ الغَدْرِ والنَّكْثِ ؟ انْتَهى. والِاسْتِفْهامُ يُرادُ بِهِ النَّفْيُ كَثِيرًا، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎فَها ذِي سُيُوفٌ يا هُدى بْنِ مالِكٍ ∗∗∗ كَثِيرٌ ولَكِنْ لَيْسَ بِالسَّيْفِ ضارِبٌ
أيْ لَيْسَ بِالسَّيْفِ ضارِبٌ. ولَمّا كانَ الِاسْتِفْهامُ مَعْناهُ النَّفْيُ، صَلَحَ مَجِيءُ الِاسْتِثْناءِ وهو مُتَّصِلٌ، وقِيلَ: مُنْقَطِعٌ، أيْ لَكِنَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنهم عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرامِ. قالَ الحَوْفِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (الَّذِينَ) في مَوْضِعِ جَرٍّ عَلى البَدَلِ مِنَ المُشْرِكِينَ؛ لِأنَّ مَعْنى ما تَقَدَّمَ النَّفْيُ؛ أيْ: لَيْسَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ إلّا الَّذِينَ لَمْ يَنْكُثُوا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هم قُرَيْشٌ، وقالَ السُّدِّيُّ: بَنُو جَذِيمَةَ بْنِ الدِّيلِ، وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: قَبائِلُ بَنِي بَكْرٍ كانُوا دَخَلُوا وقْتَ الحُدَيْبِيَةَ في المُدَّةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَ الرَّسُولِ ﷺ وقُرَيْشٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَبَنِي كِنانَةَ وبَنِي ضَمْرَةَ. وقالَ قَوْمٌ مِنهم مُجاهِدٌ: هم خُزاعَةُ ورُدَّ بِإسْلامِهِمْ عامَ الفَتْحِ. وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هم قُرَيْشٌ نَزَلَتْ فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا، فَنَزَلَ تَأْجِيلُهم أرْبَعَةَ أشْهُرٍ بَعْدَ ذَلِكَ. وضُعِّفَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ قُرَيْشًا بَعْدَ الأذانِ بِأرْبَعَةِ أشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إلّا مُسْلِمٌ، وذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ، وكَذَلِكَ خُزاعَةُ قالَهُ الطَّبَرِيُّ.
﴿فَما اسْتَقامُوا لَكُمْ﴾ عَلى العَهْدِ ﴿فاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ عَلى الوَفاءِ.
وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ خَبَرُ يَكُونُ كَيْفَ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ﴾ [النمل: ٥١]، وأنْ يَكُونَ الخَبَرُ ﴿لِلْمُشْرِكِينَ﴾ . و(عِنْدَ) عَلى هَذَيْنِ ظَرْفٌ لِلْعَهْدِ، أوْ لِيَكُونَ، أوْ لِلْحالِ، أوْ هي وصْفٌ لِلْعَهْدِ. وأنْ يَكُونَ الخَبَرُ (عِنْدَ اللَّهِ)، و(لِلْمُشْرِكِينَ) تَبْيِينٌ، أوْ مُتَعَلِّقٌ بِيَكُونَ، وكَيْفَ حالٌ مِنَ العَهْدِ انْتَهى. والظّاهِرُ أنَّ ما مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ، أيْ: اسْتَقِيمُوا لَهم مُدَّةَ اسْتِقامَتِهِمْ، ولَيْسَتْ شَرْطِيَّةً. وقالَ أبُو البَقاءِ: هي شَرْطِيَّةٌ كَقَوْلِهِ: ﴿ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن رَحْمَةٍ﴾ [فاطر: ٢] انْتَهى. فَكانَ التَّقْدِيرُ: ما اسْتَقامُوا لَكم مِن زَمانٍ فاسْتَقِيمُوا لَهم. وقالَ الحَوْفِيُّ: (ما) شَرْطٌ في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ (اسْتَقامُوا)، و(لَكم) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتَقامُوا، ﴿فاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ الفاءُ جَوابُ الشَّرْطِ انْتَهى. فَكانَ التَّقْدِيرُ: فَأيُّ وقْتٍ اسْتَقامُوا فِيهِ لَكم فاسْتَقِيمُوا لَهم. وإنَّما جَوَّزَ أنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً لِوُجُودِ الفاءِ في (فاسْتَقِيمُوا)؛ لِأنَّ المَصْدَرِيَّةَ الزَّمانِيَّةَ لا تَحْتاجُ إلى الفاءِ. وقَدْ أجازَ ابْنُ مالِكٍ في المَصْدَرِيَّةِ الزَّمانِيَّةِ أنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وتَجْزِمَ، وأنْشَدَ عَلى ذَلِكَ ما يَدُلُّ ظاهِرُهُ عَلى صِحَّةِ دَعْواهُ. وقَدْ (p-١٣)ذَكَرْنا ذَلِكَ في كِتابِ التَّكْمِيلِ، وتَأوَّلْنا ما اسْتَشْهَدَ بِهِ. فَعَلى قَوْلِهِ تَكُونُ زَمانِيَّةً شَرْطِيَّةً.
﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ﴾، يَعْنِي أنَّ الوَفاءَ بِالعَهْدِ مِن أخْلاقِ المُتَّقِينَ، والتَّرَبُّصَ بِهَؤُلاءِ إنِ اسْتَقامُوا مِن أعْمالِ المُؤْمِنِينَ، والتَّقْوى تَتَضَمَّنُ الإيمانَ والوَفاءَ بِالعَهْدِ.
﴿كَيْفَ وإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكم لا يَرْقُبُوا فِيكم إلًّا ولا ذِمَّةً يُرْضُونَكم بِأفْواهِهِمْ وتَأْبى قُلُوبُهم وأكْثَرُهم فاسِقُونَ﴾ (كَيْفَ) تَأْكِيدٌ لِنَفْيِ ثَباتِهِمْ عَلى العَهْدِ. والظّاهِرُ أنَّ الفِعْلَ المَحْذُوفَ بَعْدَها هو مِن جِنْسِ أقْرَبِ مَذْكُورٍ لَها، وحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ في (كَيْفَ) السّابِقَةِ، والتَّقْدِيرُ: كَيْفَ يَكُونُ لَهم عَهْدٌ وحالُهم هَذِهِ ؟ وقَدْ جاءَ حَذْفُ الفِعْلِ بَعْدَ كَيْفَ لِدَلالَةِ المَعْنى عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ [النساء: ٤١]، وقالَ الشاعر:
؎وخَبَّرْتُمانِي أنَّما المَوْتُ بِالقُرى ∗∗∗ فَكَيْفَ وهاتا هَضْبَةٌ وكَثِيبُ
أيْ: فَكَيْفَ ماتَ ولَيْسَ في قَرْيَةٍ ؟ وقالَ الحُطَيْئَةُ:
؎فَكَيْفَ ولَمْ أعْلَمْهم خَذَلُوكم ∗∗∗ عَلى مُعْظَمٍ وأنَّ أدِيمَكم قَدُّوا
أيْ فَكَيْفَ تَلُومُونَنِي عَلى مَدْحِهِمْ ؟ واسْتَغْنى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ جَرى في القَصِيدَةِ ما دَلَّ عَلى ما أُضْمِرَ. وقَدَّرَ أبُو البَقاءِ الفِعْلَ المَحْذُوفَ بَعْدَ كَيْفَ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ تَطْمَئِنُّونَ إلَيْهِمْ ؟ وقَدَّرَهُ غَيْرُهُ: كَيْفَ لا يَقْتُلُونَهم ؟ والواوُ في ﴿وإنْ يَظْهَرُوا﴾ واوُ الحالِ. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى وُقُوعِ جُمْلَةِ الشَّرْطِ حالًا في قَوْلِهِ: ﴿وإنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ [الأعراف: ١٦٩] ومَعْنى الظُّهُورِ العُلُوُّ والظَّفَرُ، تَقُولُ: ظَهَرْتُ عَلى فُلانٍ عَلَوْتُهُ. والمَعْنى: وإنْ يَقْدِرُوا عَلَيْكم ويَظْفَرُوا بِكم. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: ﴿وإنْ يَظْهَرُوا﴾ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
(لا يَرْقُبُوا): لا يَحْفَظُوا ولا يَرْعَوْا (إلًّا): عَهْدًا أوْ قَرابَةً أوْ حِلْفًا أوْ سِياسَةً أوِ اللَّهَ تَعالى، أوْ جُؤارًا؛ أيْ: رَفْعَ صَوْتٍ بِالتَّضَرُّعِ، أقْوالٌ. قالَ مُجاهِدٌ وأبُو مِجْلَزٍ: ”إلٌّ“ اسْمُ اللَّهِ بِالسُّرْيانِيَّةِ وعُرِّبَ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ أبِي بَكْرٍ حِينَ سَمِعَ كَلامَ مُسَيْلِمَةَ فَقالَ: هَذا كَلامٌ لَمْ يَخْرُجْ مِن إلٍّ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: ”ألًّا“ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ، وهو مَصْدَرٌ مِن فِعْلِ الألِّ الَّذِي هو العَهْدُ. وقَرَأ عِكْرِمَةُ: إيلًا بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وياءٌ بَعْدَها، فَقِيلَ: هو اسْمُ اللَّهِ تَعالى. ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ إلًى أُبْدِلَ مِن أحَدِ المُضاعَفَيْنِ ياءٌ، كَما قالُوا في: إمّا إيما، قالَ الشّاعِرُ:
؎يا لَيْتَما أُمُّنا شالَتْ نَعامَتُها ∗∗∗ إيما إلى الجَنَّةِ إيما إلى نارِ
قالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِن آلَ يَئُولُ إذا ساسَ، أُبْدِلَ مِنَ الواوِ ياءً؛ لِسُكُونِها وانْكِسارِ ما قَبْلَها؛ أيْ: لا يَرْقُبُونَ فِيكم سِياسَةً ولا مُداراةً ولا ذِمَّةً، مَن رَأى أنَّ الإلَّ هو العَهْدُ جَعَلَهُ والذِّمَّةَ لَفْظَيْنِ لِمَعْنًى واحِدٍ أوْ مُتَقارِبَيْنِ، ومَن رَأى أنَّ الإلَّ غَيْرُ العَهْدِ فَهُما لَفْظانِ مُتَبايِنانِ.
ولَمّا ذَكَرَ حالَهم مَعَ المُؤْمِنِينَ إنْ ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ ذَكَرَ حالَهم مَعَهم إذا كانُوا غَيْرَ ظاهِرِينَ، فَقالَ: ﴿يُرْضُونَكم بِأفْواهِهِمْ﴾ . واسْتَأْنَفَ هَذا الكَلامَ أيْ: حالُهم في الظّاهِرِ مُخالِفٌ لِباطِنِهِمْ، وهَذا كُلُّهُ تَقْرِيرٌ واسْتِبْعادٌ لِثَباتِ قُلُوبِهِمْ عَلى العَهْدِ، وإباءُ القَلْبِ مُخالَفَتُهُ لِما يَجْرِي عَلى اللِّسانِ مِنَ القَوْلِ الحَسَنِ. وقِيلَ: ﴿يُرْضُونَكم بِأفْواهِهِمْ﴾ في العِدَةِ بِالإيمانِ، وتَأْبى قُلُوبُهم إلّا الكُفْرَ. وقِيلَ: يُرْضُونَكم في الطّاعَةِ، وتَأْبى قُلُوبُهم إلّا المَعْصِيَةَ. والظّاهِرُ بَقاءُ الأكْثَرِ عَلى حَقِيقَتِهِ فَقِيلَ: (وأكْثَرُهم)؛ لِأنَّ مِنهم مَن قَضى اللَّهُ لَهُ بِالإيمانِ، وقِيلَ: لِأنَّ مِنهم مَن لَهُ حِفْظٌ لِمُراعاةِ الحالِ الحَسَنَةِ مِنَ التَّعَفُّفِ عَمّا يَثْلِمُ العِرْضَ، ويَجُرُّ أُحْدُوثَةَ السُّوءِ، وأكْثَرُهم خُبْثُ الأنْفُسِ خِرِيجُونَ في الشَّرِّ لا مُرُوءَةَ تَرْدَعُهم، ولا طِباعَ مَرْضِيَّةً تَزَعُهم، لا يَحْتَرِزُونَ عَنْ كَذِبٍ ولا مَكْرٍ ولا خَدِيعَةٍ، ومَن كانَ بِهَذا الوَصْفِ كانَ مَذْمُومًا عِنْدَ النّاسِ وفي جَمِيعِ الأدْيانِ. ألا تَرى إلى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ وهم كُفّارٌ كَيْفَ يَمْدَحُونَ أنْفُسَهم بِالعَفافِ وبِالصِّدْقِ وبِالوَفاءِ بِالعَهْدِ وبِالأخْلاقِ الحَسَنَةِ. وقِيلَ: مَعْنى (وأكْثَرُهم) وكُلُّهم فاسِقُونَ، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ والكَرْمانِيُّ.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["إِلَّا ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ثُمَّ لَمۡ یَنقُصُوكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَلَمۡ یُظَـٰهِرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ أَحَدࣰا فَأَتِمُّوۤا۟ إِلَیۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِینَ","فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ حَیۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُوا۟ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدࣲۚ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِیلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَإِنۡ أَحَدࣱ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ یَسۡمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡلَمُونَ","كَیۡفَ یَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِینَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِیمُوا۟ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِینَ","كَیۡفَ وَإِن یَظۡهَرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ لَا یَرۡقُبُوا۟ فِیكُمۡ إِلࣰّا وَلَا ذِمَّةࣰۚ یُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَـٰسِقُونَ"],"ayah":"إِلَّا ٱلَّذِینَ عَـٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ثُمَّ لَمۡ یَنقُصُوكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَلَمۡ یُظَـٰهِرُوا۟ عَلَیۡكُمۡ أَحَدࣰا فَأَتِمُّوۤا۟ إِلَیۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق