الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾: هو خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، أُمِرُوا بِكَوْنِهِمْ مَعَ أهْلِ الصِّدْقِ بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ نَفَعَهم صِدْقُهم وأزاحَهم عَنْ رِبْقَةِ النِّفاقِ. واعْتَرَضَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَنْبِيهًا عَلى رُتْبَةِ الصِّدْقِ، وكَفى بِها أنَّها ثانِيَةٌ لِرُتْبَةِ النُّبُوَّةُ في قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ﴾ [النساء: ٦٩] قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وغَيْرُهُ: الصِّدْقُ هُنا صِدْقُ الحَدِيثِ. وقالَ الضَّحّاكُ ونافِعٌ ما مَعْناهُ: اللَّفْظُ أعَمُّ مِن صِدْقِ الحَدِيثِ، وهو بِمَعْنى الصِّحَّةِ في الدِّينِ، والتَّمَكُّنِ في الخَيْرِ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: رَجُلُ صِدْقٍ. وقالَتْ هَذِهِ الفِرْقَةُ: كُونُوا مَعَ مُحَمَّدٍ وأبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وخِيارِ المُهاجِرِينَ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ في الإسْلامِ. وقِيلَ: هُمُ الثَّلاثَةُ، أيْ: كُونُوا مِثْلَ هَؤُلاءِ في صِدْقِهِمْ وثَباتِهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُمُ الَّذِينَ صَدَقُوا في إيمانِهِمْ ومُعاهَدَتُهُمُ اللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣] وهُمُ الَّذِينَ صَدَقُوا في دِينِ اللَّهِ نِيَّةً وقَوْلًا وعَمَلًا. انْتَهى. وقِيلَ: الخِطابُ بِالَّذِينَ آمَنُوا لِمَن تَخَلَّفَ مِنَ الطُّلَقاءِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: الخِطابُ لِمَن آمَنَ مِن أهْلِ الكِتابِ، أيْ: كُونُوا مَعَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، و”مَعَ“ تَقْتَضِي الصُّحْبَةَ في الحالِ والمُشارَكَةَ في الوَصْفِ المُقْتَضِي لِلْمَدْحِ. وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ: (مِنَ الصّادِقِينَ)، ورُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ . وكانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَتَأوَّلَهُ في صِدْقِ الحَدِيثِ وقالَ: الكَذِبُ لا يَصْلُحُ مِنهُ جِدٌّ ولا هَزْلٌ، ولا أنْ يَعِدَ مِنكم أحَدٌ صَبِيَّهُ ثُمَّ لا يُنْجِزَهُ، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ: ﴿وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ . وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: و(مِن) أعَمُّ مِن ”مَعَ“؛ لِأنَّ كُلَّ مَن كانَ مِن قَوْمٍ فَهو مَعَهم في المَعْنى المَأْمُورِ بِهِ، ولا يَنْعَكِسُ ذَلِكَ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وابْنُ السَّمَيْقَعِ، وأبُو المُتَوَكِّلِ، ومُعاذٌ القارِئُ: ﴿مَعَ الصّادِقِينَ﴾ بِفَتْحِ القافِ وكَسْرِ النُّونِ عَلى التَّثْنِيَةِ، ويَظْهَرُ أنَّهُما اللَّهُ ورَسُولُهُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَمّا رَأى المُؤْمِنُونَ الأحْزابَ قالُوا هَذا ما وعَدَنا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ﴾ [الأحزاب: ٢٢]، ولَمّا تَقَدَّمَ: ﴿وظَنُّوا أنْ لا مَلْجَأ مِنَ اللَّهِ إلّا إلَيْهِ﴾ [التوبة: ١١٨]؛ أُمِرُوا بِأنْ يَكُونُوا مَعَ اللَّهِ ورَسُولِهِ بِامْتِثالِ الأمْرِ واجْتِنابِ المَنهِيِّ عَنْهُ كَما يُقالُ: كُنْ مَعَ اللَّهِ يَكُنْ مَعَكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب