الباحث القرآني

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ﴾ صَحَّ الِابْتِداءُ في هَذا وفي قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ﴾ [الغاشية: ٢] بِالنَّكِرَةِ لِوُجُودِ مُسَوِّغِ ذَلِكَ وهو التَّفْصِيلُ، ناعِمَةٌ لِحُسْنِها ونَضارَتِها أوْ مُتَنَعِّمَةٌ. ﴿لِسَعْيِها راضِيَةٌ﴾ أيْ لِعَمَلِها في الدُّنْيا بِالطّاعَةِ، راضِيَةٌ إذا كانَ ذَلِكَ العَمَلُ جَزاؤُهُ الجَنَّةُ ﴿فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ﴾ أيْ مَكانًا ومَكانَةً، وقَرَأ الأعْرَجُ وأهْلُ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، ونافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو بِخِلافٍ عَنْهم (لا تُسْمَعُ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (لاغِيَةٌ) رُفِعَ، أيْ كَلِمَةٌ لاغِيَةٌ، أوْ جَماعَةٌ لاغِيَةٌ، أوْ لَغْوٌ، فَيَكُونُ مَصْدَرًا كالعاقِبَةِ، ثَلاثَةُ أقْوالٍ، الثّالِثُ لِأبِي عُبَيْدَةَ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وعِيسى، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو كَذَلِكَ إلّا أنَّهم قَرَءُوا بِالياءِ لِمَجازِ التَّأْنِيثِ، والفَضْلُ والجَحْدَرِيُّ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ نَصَبَ لاغِيَةً عَلى مَعْنى لا يَسْمَعُ فِيها، أيْ أحَدٌ مِن قَوْلِكَ: أسْمَعْتُ زَيْدًا، والحَسَنُ، وأبُو رَجاءٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ سِيرِينَ، ونافِعٌ في رِوايَةِ خارِجَةَ، وأبُو عَمْرٍو بِخِلافٍ عَنْهُ، وباقِي السَّبْعَةِ: لا تَسْمَعُ بِتاءِ الخِطابِ عُمُومًا، أوْ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، أوِ الفاعِلُ الوُجُودُ. (لاغِيَةً) بِالنَّصْبِ ﴿فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ﴾ عَيْنٌ اسْمُ جِنْسٍ، أيْ عُيُونٌ، أوْ مَخْصُوصَةٌ ذُكِرَتْ تَشْرِيفًا لَها ﴿فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ مِن رِفْعَةِ المَنزِلَةِ أوْ رِفْعَةِ المَكانِ لِيَرى ما خَوَّلَهُ رَبُّهُ مِنَ المُلْكِ والنَّعِيمِ، أوْ مَخْبُوءَةٌ، مِن رَفَعْتُ لَكَ هَذا أيْ خَبَّأْتُهُ. ﴿وأكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾ أيْ بِأشْرِبَتِها مُعَدَّةٌ لا تَحْتاجُ إلى مالِئٍ، أوْ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ أيْدِيهِمْ، أوْ مَوْضُوعَةٌ عَلى حافّاتِ العُيُونِ ﴿ونَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾ أيْ وسائِدُ صُفَّ بَعْضُها إلى جَنْبِ بَعْضٍ لِلِاسْتِنادِ إلَيْها والِاتِّكاءِ عَلَيْها ﴿وزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ مُتَفَرِّقَةٌ هُنا وهُنا في المَجالِسِ. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى أمْرَ القِيامَةِ وانْقِسامَ أهْلِها إلى أشْقِياءَ وسُعَداءَ، وعُلِمَ أنَّهُ لا سَبِيلَ إلى إثْباتِ ذَلِكَ إلّا بِواسِطَةِ الصّانِعِ الحَكِيمِ، أتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ هَذِهِ الدَّلائِلَ، وذِكْرِ ما العَرَبُ مُشاهِدُوهُ ومُلابِسُوهُ دائِمًا فَقالَ: ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ وهي الجِمالُ، فَإنَّهُ اجْتَمَعَ فِيها ما تَفَرَّقَ مِنَ المَنافِعِ في غَيْرِها مِن أكْلِ لَحْمِها، وشُرْبِ لَبَنِها، والحَمْلِ عَلَيْها، والتَّنَقُّلِ عَلَيْها إلى البِلادِ الشّاسِعَةِ، وعَيْشِها بِأيِّ نَباتٍ أكْلَتْهُ، وصَبْرِها عَلى العَطَشِ حَتّى إنَّ فِيها ما يَرِدُ الماءَ لِعَشْرٍ، وطَواعِيَتِها لِمَن يَقُودُها، ونَهْضَتِها وهي بارِكَةٌ بِالأحْمالِ الثِّقالِ، وكَثْرَةِ جَنِينِها، وتَأثُّرِها بِالصَّوْتِ الحَسَنِ عَلى غِلَظِ أكْبادِها، وهي لا شَيْءَ مِنَ الحَيَوانِ جَمَعَ هَذِهِ الخِصالَ غَيْرُها. وقَدْ أبانَ تَعالى امْتِنانَهُ (p-٤٦٤)عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا خَلَقْنا لَهم مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعامًا﴾ [يس: ٧١] الآياتِ. ولِكَوْنِها أفْضَلَ ما عِنْدَ العَرَبِ، جَعَلُوها دِيَةَ القَتْلِ، ووَهَبُوا المِائَةَ مِنها مَن يَقْصِدُهم ومَن أرادُوا إكْرامَهُ، وذَكَرَها الشُّعَراءُ في مَدْحِ مَن وهَبَها، كَما قالَ: أعْطَوْا هُنَيْدَةَ تَحْدُوها ثَمانِيَةٌ وقالَ آخَرُ: الواهِبُ المِائَةَ الهِجانَ بِرُمَّتِها وناسَبَ التَّنْبِيهَ بِالنَّظَرِ إلَيْها وإلى ما حَوَتْ مِن عَجائِبِ الصِّفاتِ، ما ذُكِرَ مَعَها مِنَ السَّماءِ والجِبالِ والأرْضِ لِانْتِظامِ هَذِهِ الأشْياءِ في نَظَرِ العَرَبِ في أوْدِيَتِهِمْ وبَوادِيهِمْ، ولِيَدُلَّ عَلى الِاسْتِدْلالِ عَلى إثْباتِ الصّانِعِ، وأنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ، بَلْ هو عامٌّ في كُلِّ مَوْجُوداتِهِ، كَما قِيلَ: ؎وفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ واحِدُ وقالَ أبُو العَبّاسِ المُبَرِّدُ: الإبِلُ هُنا السَّحابُ؛ لِأنَّ العَرَبَ قَدْ تُسَمِّيها بِذَلِكَ، إذْ تَأْتِي أرْسالًا كالإبِلِ، وتُزْجى كَما تُزْجى الإبِلُ، وهي في هَيْئَتِها أحْيانًا تُشْبِهُ الإبِلَ والنَّعامَ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ؎كَأنَّ السَّحابَ ذَوَيْنَ السَّما ∗∗∗ ءَ نَعامٌ تَعَلَّقَ بِالأجَلِ وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَمْ يَدْعُ مَن زَعَمَ أنَّ الإبِلَ السَّحابُ إلى قَوْلِهِ إلّا طَلَبُ المُناسَبَةِ، ولَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ أنَّ الإبِلَ مِن أسْماءِ السَّحابِ، كالغَمامِ، والمُزْنِ، والرَّبابِ والغَيْمِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وإنَّما رَأى السَّحابَ مُشَبَّهًا بِالإبِلِ كَثِيرًا في أشْعارِهِمْ، فَجَوَّزَ أنْ يُرادَ بِها السَّحابُ عَلى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ والمَجازِ. انْتَهى. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (الإبِلِ) بِكَسْرِ الباءِ وتَخْفِيفِ اللّامِ، والأصْمَعِيُّ عَنْ أبِي عَمْرٍو: بِإسْكانِ الباءِ، وعَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ: بِشَدِّ اللّامِ. ورُوِيَتْ عَنْ أبِي عَمْرٍو، وأبِي جَعْفَرٍ، والكِسائِيِّ وقالُوا: إنَّها السَّحابُ عَنْ قَوْمٍ مِن أهْلِ اللُّغَةِ. وقالَ الحَسَنُ: خَصَّ الإبِلَ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّها تَأْكُلُ النَّوى والقَتَّ وتُخْرِجُ اللَّبَنَ، فَقِيلَ لَهُ: الفِيلُ أعْظَمُ في الأُعْجُوبَةِ، وقالَ: العَرَبُ بَعِيدَةُ العَهْدِ بِالفِيلِ، ثُمَّ هو خِنْزِيرٌ لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ولا يُرْكَبُ ظَهْرُهُ ولا يُحْلَبُ دَرُّهُ. والإبِلُ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ وهو مُؤَنَّثٌ، ولِذَلِكَ إذا صُغِّرَ دَخَلَتْهُ التّاءُ فَقالُوا: أُبَيْلَةٌ، وقالُوا في الجَمْعِ: آبالٌ. وقَدِ اشْتَقُّوا مِن لَفْظِهِ فَقالُوا: تَأبَّلَ الرَّجُلُ، وتَعَجَّبُوا مِن هَذا الفِعْلِ عَلى غَيْرِ قِياسٍ فَقالُوا: ما آبَلَ زَيْدًا. وإبْلٌ اسْمٌ جاءَ عَلى فِعْلٍ، ولَمْ يَحْفَظْ سِيبَوَيْهِ مِمّا جاءَ عَلى هَذا الوَزْنِ غَيْرَهُ. و﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ جُمْلَةٌ اسْتِفْهامِيَّةٌ في مَوْضِعِ البَدَلِ مِنِ الإبِلِ، ويَنْظُرُونَ: تَعَدّى إلى الإبِلِ بِواسِطَةِ إلى، وإلى كَيْفَ خُلِقَتْ عَلى سَبِيلِ التَّعْلِيقِ، وقَدْ تُبْدَلُ الجُمْلَةُ وفِيها الِاسْتِفْهامُ مِنَ الِاسْمِ الَّذِي قَبْلَها كَقَوْلِهِمْ: عَرَفْتُ زَيْدًا أبُو مَن هو ؟ عَلى أصَحِّ الأقْوالِ، عَلى أنَّ العَرَبَ قَدْ أدْخَلَتْ إلى عَلى كَيْفَ، فَحَكى أنَّهم قالُوا: انْظُرْ إلى كَيْفَ يَصْنَعُ، وكَيْفَ سُؤالٌ عَنْ حالٍ والعامِلُ فِيها خُلِقَتْ، وإذا عُلِّقَ الفِعْلُ عَنْ ما فِيهِ الِاسْتِفْهامُ لَمْ يَبْقَ الِاسْتِفْهامُ عَلى حَقِيقَتِهِ، وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ في كِتابِنا المُسَمّى بِالتَّذْكِرَةِ وفي غَيْرِهِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (خُلِقَتْ، رُفِعَتْ، نُصِبَتْ) سُطِحَتْ بِتاءِ التَّأْنِيثِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وعَلِيٌّ، وأبُو حَيْوَةَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: بِتاءِ المُتَكَلِّمِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أيْ خَلَقْتُها، رَفَعْتُها، نَصَبْتُها، رُفِعَتْ رَفْعًا بَعِيدَ المَدى بِلا عَمَدٍ، نُصِبَتْ نَصْبًا ثابِتًا لا تَمِيلُ ولا تَزُولُ، سُطِحَتْ سَطْحًا حَتّى صارَتْ كالمِهادِ لِلْمُتَقَلِّبِ عَلَيْها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (سُطِحَتْ) خَفِيفَةَ الطّاءِ، والحَسَنُ وهارُونُ: بِشَدِّها. ولَمّا حَضَّهم عَلى النَّظَرِ أمَرَ رَسُولَهُ بِتَذْكِيرِهِمْ فَقالَ: (فَذَكِّرْ) ولا يَهُمَّنَّكَ كَوْنُهم لا يَنْظُرُونَ ﴿إنَّما أنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ عَلَيْكَ إلّا البَلاغُ﴾ [الشورى: ٤٨]، ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ أيْ بِمُسَلَّطٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿وما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ﴾ [ق: ٤٥] . وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِالصّادِ وكَسْرِ الطّاءِ، وابْنُ عامِرٍ في رِوايَةٍ، ونُطَيْقٌ عَنْ قُنْبُلٍ، وزَرْعانُ عَنْ حَفْصٍ: بِالسِّينِ، وحَمْزَةُ في رِوايَةٍ: بِإشْمامِ الزّايِ، وهارُونُ: بِفَتْحِ الطّاءِ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ. وسَيْطَرَ مُتَعَدٍّ عِنْدَهم ويَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ المُطاوَعَةِ وهو تَسَطَّرَ، ولَيْسَ في الكَلامِ عَلى هَذا (p-٤٦٥)الوَزْنِ إلّا مُسَيْطِرٌ ومُهَيْمِنٌ ومُبَيْطِرٌ ومُبَيْقِرٌ، وهي أسْماءُ فاعِلِينَ مِن سَيْطَرَ وهَيْمَنَ وبَيْطَرَ، وجاءَ مُجَيْمِرٌ اسْمُ وادٍ ومُدَيْبِرٌ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ أصْلُهُما: مُدَبِّرٌ ومُجَمِّرٌ فَصُغِّرا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: إلّا حَرْفُ اسْتِثْناءٍ فَقِيلَ مُتَّصِلٌ، أيْ فَأنْتَ مُسَيْطِرٌ عَلَيْهِ. وقِيلَ: مُتَّصِلٌ مِن (فَذَكِّرْ)، أيْ فَذَكِّرْ إلّا مَنِ انْقَطَعَ طَمَعُكَ مِن إيمانِهِ وتَوَلّى فاسْتَحَقَّ العَذابَ الأكْبَرَ، وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ. وقِيلَ: مُنْقَطِعٌ، وهي آيَةُ مُوادَعَةٍ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وقَتادَةُ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: ألا حَرْفُ تَنْبِيهٍ واسْتِفْتاحٍ، والعَذابُ الأكْبَرُ هو عَذابُ جَهَنَّمَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (إيابَهم) بِتَخْفِيفِ الياءِ مَصْدَرُ آبَ، وأبُو جَعْفَرٍ وشَيْبَةُ: بِشَدِّها مَصْدَرًا لِفَيْعَلَ مِن أيَّبَ عَلى وزْنِ فِيعالٍ، أوْ مَصْدَرًا كَفَوْعَلَ كَحَوْقَلَ عَلى وزْنِ فِيعالٍ أيْضًا كَحِيقالٍ، أوْ مَصْدَرًا لِفَعُولٍ كَجَهُورٍ عَلى وزْنِ فَعْوالٍ كَجَهْوارٍ فَأصْلُهُ أوْوابٍ فَقُلِبَتِ الواوُ الأُولى ياءً لِسُكُونِها وانْكِسارِ ما قَبْلَها، واجْتَمَعَ في هَذا البِناءِ والبِناءَيْنِ قَبْلَهُ واوٌ وياءٌ، وسَبَقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً، وأُدْغِمَ ولَمْ يَمْنَعِ الإدْغامُ مِنَ القَلْبِ لِأنَّ الواوَ والياءَ لَيْسَتا عَيْنَيْنِ مِنِ الفِعْلِ، بَلِ الياءُ في فَيْعَلَ والواوُ في فَعُولٍ زائِدَتانِ، وقالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ، وتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَكُونُ أصْلُهُ إوّابًا مَصْدَرَ أوَّبَ، نَحْوَ كَذَّبَ كِذّابًا، ثُمَّ قِيلَ إيوابًا فَقُلِبَتِ الواوُ الأُولى ياءً لِانْكِسارِ ما قَبْلَها، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَدِيوانٍ في دِوّانٍ، ثُمَّ فُعِلَ بِهِ ما فُعِلَ بِسَيِّدٍ، يَعْنِي أنَّهُ اجْتَمَعَ ياءٌ وواوٌ وسَبَقَتْ إحْداهُما بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً وأُدْغِمَتِ الياءُ في الواوِ، فَأمّا كَوْنُهُ مَصْدَرَ أوَّبَ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ؛ لِأنَّهم نَصُّوا عَلى أنَّ الواوَ الأُولى إذا كانَتْ مَوْضُوعَةً عَلى الإدْغامِ وجاءَ ما قَبْلَها مَكْسُورًا فَلا تُقْلَبُ الواوُ الأُولى ياءً لِأجْلِ الكَسْرَةِ، ومَثَّلُوا بِاخْرِوّاطٍ مَصْدَرِ اخْرَوَّطَ، ومَثَّلُوا أيْضًا بِمَصْدَرِ أوَّبَ نَحْوَ أوَّبَ إوّابًا، فَهَذِهِ وُضِعَتْ عَلى الإدْغامِ، فَحَصَّنَها مِنِ الإبْدالِ ولَمْ تَتَأثَّرْ لِلْكَسْرِ، وأمّا تَشْبِيهُ الزَّمَخْشَرِيِّ بِدِيوانٍ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأنَّهم لَمْ يَنْطِقُوا بِها في الوَضْعِ مُدْغَمَةً، فَلَمْ يَقُولُوا: دِوّانٌ، ولَوْلا الجَمْعُ عَلى دَواوِينَ لَمْ يُعْلَمْ أنَّ أصْلَ هَذِهِ الياءِ واوٌ، وأيْضًا فَنَصُّوا عَلى شُذُوذِ دِيوانٍ فَلا يُقاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ مِن أأْوَبَ، فَيَجِيءُ إيوابًا سُهِّلَتِ الهَمْزَةُ، وكانَ اللّازِمُ في الإدْغامِ بِرَدِّها إوّابًا، لَكِنِ اسْتُحْسِنَتْ فِيهِ الياءُ عَلى غَيْرِ قِياسٍ. انْتَهى. فَقَوْلُهُ: وكانَ اللّازِمُ في الإدْغامِ بِرَدِّها إوّابًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلِ اللّازِمُ إذا اعْتُبِرَ الإدْغامُ أنْ يَكُونَ إيّابًا؛ لِأنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَتْ ياءٌ وهي المُبْدَلَةُ مِنَ الهَمْزَةِ بِالتَّسْهِيلِ. وواوٌ وهي عَيْنُ الكَلِمَةِ وإحْداهُما ساكِنَةٌ، فَتُقْلَبُ الواوُ ياءً وتُدْغَمُ فِيها الياءُ فَيَصِيرُ إيّابًا. ولَمّا كانَ مِن مَذْهَبِ الزَّمَخْشَرِيِّ أنَّ تَقْدِيمَ المَعْمُولِ يُفِيدُ الحَصْرَ، قالَ مَعْناهُ: أنَّ إيابَهم لَيْسَ إلّا إلى الجَبّارِ المُقْتَدِرِ عَلى الِانْتِقامِ، وأنَّ حِسابَهم لَيْسَ بِواجِبٍ إلّا عَلَيْهِ تَعالى، وهو الَّذِي يُحاسِبُ عَلى النَّقِيرِ والقِطْمِيرِ، ومَعْنى الوُجُوبِ: الوُجُوبُ في الحِكْمَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب