الباحث القرآني

سُورَةُ الطّارِقِ مَكِّيَّةٌ وهي سَبْعَ عَشْرَةَ آيَةً ﷽ ﴿والسَّماءِ والطّارِقِ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما الطّارِقُ﴾ ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾ ﴿إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ﴾ ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ ﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ﴾ [الطارق: ٦] ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ﴾ [الطارق: ٧] ﴿إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ﴾ [الطارق: ٨] ﴿يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ﴾ [الطارق: ٩] ﴿فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ﴾ [الطارق: ١٠] ﴿والسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ﴾ [الطارق: ١١] ﴿والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: ١٢] ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وما هو بِالهَزْلِ﴾ [الطارق: ١٣] ﴿إنَّهم يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ [الطارق: ١٥] ﴿وأكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق: ١٦] ﴿فَمَهِّلِ الكافِرِينَ أمْهِلْهم رُوَيْدًا﴾ [الطارق: ١٧] طَرَقَ يَطْرُقُ طُرُوقًا: أتى لَيْلًا، قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎ومِثْلُكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعًا وأصْلُهُ الضَّرْبُ؛ لِأنَّ الطّارِقَ يَطْرُقُ البابَ، ومِنهُ المِطْرَقَةُ: وهي المَبِيعَةُ، واتُّسِعَ فِيهِ فَكُلُّ ما جاءَ بِلَيْلٍ يُسَمّى طارِقًا، ويُقالُ: أطْرَقَ فُلانٌ: أمْسَكَ عَنِ الكَلامِ، وأطْرَقَ بِعَيْنَيْهِ: رَمى بِهِما نَحْوَ الأرْضِ، دَفَقَ الماءَ يَدْفُقُهُ دَفْقًا: صَبَّهُ، وماءٌ دافِقٌ عَلى النَّسَبِ، ويُقالُ: دَفَقَ اللَّهُ رُوحَهُ، إذا دَعا عَلَيْهِ بِالمَوْتِ. التَّرِيبَةُ: مَوْضِعُ القِلادَةِ مِنَ الصَّدْرِ. قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎مُهَفْهَفَةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ ∗∗∗ تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ جَمَعَها بِما حَوْلَها فَقالَ تَرائِبُها، وقالَ الشّاعِرُ: ؎والزَّعْفَرانُ عَلى تَرائِبِها ∗∗∗ شَرِقَتْ بِهِ اللَّبّاتُ والنَّحْرُ وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: وجَمْعُ تَرِيبَةٍ تَرِيبٌ، قالَ المُثَقَّبُ العَبْدِيُّ: ؎ومِن ذَهَبٍ يَبِينُ عَلى تَرِيبٍ ∗∗∗ كَلَوْنِ العاجِ لَيْسَ بِذِي غُصُونِ الهَزْلُ: ضِدُّ الجِدِّ، وقالَ الكُمَيْتُ: تَجِدُّ بِنا في كُلِّ يَوْمٍ وتَهْزِلُ أمْهَلْتُ الرَّجُلَ: انْتَظَرْتُهُ، والمَهَلُ والمُهْلَةُ: السَّكِينَةُ، ومَهَّلْتُهُ أيْضًا تَمْهِيلًا وتَمَهَّلَ في أمْرِهِ: اتَّأدَ، واسْتَمْهَلْتُ: انْتَظَرْتُهُ، ويُقالُ مَهْلًا: أيْ رِفْقًا وسُكُونًا. رُوَيْدًا: مَصْدَرُ أرْوَدَ يُرْوِدُ، مُصَغَّرٌ تَصْغِيرَ التَّرْخِيمِ، وأصْلُهُ إرْوادًا. وقِيلَ: هو تَصْغِيرُ رَوْدٍ، مِن قَوْلِهِ: يَمْشِي عَلى رَوْدٍ: أيْ مَهَلٍ، ويُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا، نَحْوَ: رُوَيْدَ عَمْرٍو بِالإضافَةِ أيْ: إمْهالَ عَمْرٍو، كَقَوْلِهِ: ﴿فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ [محمد: ٤] ونَعْتًا لِمَصْدَرٍ، نَحْوُ: سارُوا سَيْرًا رُوَيْدًا، وحالًا نَحْوُ: سارَ القَوْمُ رُوَيْدًا، ويَكُونُ اسْمَ فِعْلٍ، وهَذا كُلُّهُ مُوَضَّحٌ في عِلْمِ النَّحْوِ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. ﴿والسَّماءِ والطّارِقِ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما الطّارِقُ﴾ ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾ ﴿إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ﴾ ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ﴾ ﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ﴾ [الطارق: ٦] ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ﴾ [الطارق: ٧] ﴿إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ﴾ [الطارق: ٨] ﴿يَوْمَ تُبْلى السَّرائِرُ﴾ [الطارق: ٩] ﴿فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصِرٍ﴾ [الطارق: ١٠] ﴿والسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ﴾ [الطارق: ١١] ﴿والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: ١٢] ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق: ١٣] ﴿وما هو بِالهَزْلِ﴾ [الطارق: ١٤] ﴿إنَّهم يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ [الطارق: ١٥] ﴿وأكِيدُ كَيْدًا﴾ [الطارق: ١٦] ﴿فَمَهِّلِ الكافِرِينَ أمْهِلْهم رُوَيْدًا﴾ [الطارق: ١٧] . (p-٤٥٤)هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ولَمّا ذَكَرَ فِيما قَبْلَها تَكْذِيبَ الكُفّارِ لِلْقُرْآنِ نَبَّهَ هُنا عَلى حَقارَةِ الإنْسانِ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنهُ إلى أنَّ هَذا القُرْآنَ قَوْلٌ فَصْلٌ جِدٌّ، لا هَزْلَ فِيهِ ولا باطِلَ يَأْتِيهِ، ثُمَّ أمَرَ نَبِيَّهُ بِإمْهالِ هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ المُكَذِّبِينَ، وهي آيَةُ مُوادَعَةٍ مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. (والسَّماءِ) هي المَعْرُوفَةُ، قالَهُ الجُمْهُورُ. وقِيلَ: السَّماءُ هُنا المَطَرُ. ﴿والطّارِقِ﴾ هو الآتِي لَيْلًا، أيْ يَظْهَرُ بِاللَّيْلِ. وقِيلَ: لِأنَّهُ يَطْرُقُ الجِنِّيَّ أيْ يَصُكُّهُ، مِن طَرَقْتُ البابَ إذا ضَرَبْتَهُ لِيُفْتَحَ لَكَ. أتى بِالطّارِقِ مُقْسِمًا بِهِ، وهي صِفَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّجْمِ الثّاقِبِ وغَيْرِهِ. ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾ إظْهارًا لِفَخامَةِ ما أقْسَمَ بِهِ لِما عُلِمَ فِيهِ مِن عَجِيبِ القُدْرَةِ ولَطِيفِ الحِكْمَةِ، وتَنْبِيهًا عَلى ذَلِكَ. كَما قالَ تَعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [الواقعة: ٧٥] . وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَعْنى الآيَةِ: والسَّماءِ وجَمِيعِ ما يَطْرُقُ فِيها مِنَ الأُمُورِ والمَخْلُوقاتِ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلى جِهَةِ التَّنْبِيهِ أجَلَّ الطّارِقاتِ قَدْرًا وهو النَّجْمُ الثّاقِبُ، وكَأنَّهُ قالَ: وما أدْراكَ ما الطّارِقُ حَتّى الطّارِقِ. انْتَهى. فَعَلى هَذا يَكُونُ ﴿النَّجْمِ الثّاقِبِ﴾ بَعْضًا مِمّا دَلَّ عَلَيْهِ ﴿والطّارِقِ﴾ إذْ هو اسْمُ جِنْسٍ يُرادُ بِهِ جَمِيعُ الطَّوارِقِ، وعَلى قَوْلِ غَيْرِهِ: يُرادُ بِهِ واحِدٌ مُفَسَّرٌ بِالنَّجْمِ الثّاقِبِ. والنَّجْمُ الثّاقِبُ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ: الجَدْيُ، وعِنْدَ ابْنِ زَيْدٍ: زُحَلُ، وقالَ هو أيْضًا وغَيْرُهُ: الثُّرَيّا، وهو الَّذِي تُطْلِقُ عَلَيْهِ العَرَبُ اسْمَ النَّجْمِ. وقالَ عَلِيٌّ: نَجْمٌ في السَّماءِ السّابِعَةِ لا يَسْكُنُها غَيْرُهُ مِنَ النُّجُومِ، فَإذا أخَذَتِ النُّجُومُ أمْكِنَتَها مِنَ السَّماءِ هَبَطَ فَكانَ مَعَها، ثُمَّ رَجَعَ إلى مَكانِهِ مِنَ السَّماءِ السّابِعَةِ، فَهو طارِقٌ حِينَ يَنْزِلُ، وطارِقٌ حِينَ يَصْعَدُ. وقالَ الحَسَنُ: هو اسْمُ جِنْسٍ؛ لِأنَّها كُلَّها ثَواقِبُ، أيْ ظاهِرَةُ الضَّوْءِ. وقِيلَ: المُرادُ جِنْسُ النُّجُومِ الَّتِي يُرْمى بِها ويُرْجَمُ. والثّاقِبُ، قِيلَ: المُضِيءُ، يُقالُ: ثَقَبَ يَثْقُبُ ثُقُوبًا وثَقابَةً: أضاءَ، أيْ يَثْقُبُ الظَّلامَ بِضَوْئِهِ. وقِيلَ: المُرْتَفِعُ العالِي، ولِذَلِكَ قِيلَ هو زُحَلُ لِأنَّهُ أرَقُّها مَكانًا. وقالَ الفَرّاءُ: ثَقَبَ الطّائِرُ ارْتَفَعَ وعَلا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (إنْ) خَفِيفَةً. (كُلُّ) رَفْعًا (لَما) خَفِيفَةً، فَهي عِنْدُ البَصْرِيِّينَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، (كُلُّ) مُبْتَدَأٌ واللّامُ هي الدّاخِلَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ إنِ النّافِيَةِ وإنِ المُخَفَّفَةِ، وما زائِدَةٌ، وحافِظٌ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وعَلَيْها مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وعِنْدَ الكُوفِيِّينَ: إنْ نافِيَةٌ، واللّامُ بِمَعْنى إلّا، وما زائِدَةٌ، وكُلٌّ حافِظٌ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، والتَّرْجِيحُ بَيْنَ المَذْهَبَيْنِ مَذْكُورٌ في عِلْمِ النَّحْوِ. وقَرَأ الحَسَنُ والأعْرَجُ وقَتادَةُ وعاصِمٌ وابْنُ عامِرٍ وحَمْزَةُ وأبُو عَمْرٍو ونافِعٌ بِخِلافٍ عَنْهُما: (لَمّا) مُشَدَّدَةً وهي بِمَعْنى إلّا لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في هُذَيْلٍ وغَيْرِهِمْ. تَقُولُ العَرَبُ: أقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمّا فَعَلْتَ كَذا: أيْ إلّا فَعَلْتَ، قالَهُ الأخْفَشُ، فَعَلى هَذِهِ القِراءَةِ يَتَعَيَّنُ أنْ تَكُونَ نافِيَةً، أيْ ما كُلُّ نَفْسٍ إلّا عَلَيْها حافِظٌ. وحَكى هارُونُ أنَّهُ قُرِئَ: (إنَّ) بِالتَّشْدِيدِ، (كُلَّ) بِالنَّصْبِ، فاللّامُ هي الدّاخِلَةُ في خَبَرِ إنَّ، وما زائِدَةٌ، وحافِظٌ خَبَرُ إنَّ، وجَوابُ القَسَمِ هو ما دَخَلَتْ عَلَيْهِ إنَّ، سَواءٌ كانَتِ المُخَفَّفَةَ أوِ المُشَدَّدَةَ أوِ النّافِيَةَ، لِأنَّ كُلًّا مِنها يُتَلَقّى بِهِ القَسَمُ، فَتَلَقِّيهِ بِالمُشَدَّدَةِ مَشْهُورٌ، وبِالمُخَفَّفَةِ ﴿تاللَّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ [الصافات: ٥٦] وبِالنّافِيَةِ ﴿ولَئِنْ زالَتا إنْ أمْسَكَهُما﴾ [فاطر: ٤١] . وقِيلَ: جَوابُ القَسَمِ ﴿إنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ﴾ [الطارق: ٨] وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ، والظّاهِرُ عُمُومُ (كُلُّ نَفْسٍ) . (p-٤٥٥)وقالَ ابْنُ سِيرِينَ وقَتادَةُ وغَيْرُهُما: ﴿إنْ كُلُّ نَفْسٍ﴾ مُكَلَّفَةٍ ﴿عَلَيْها حافِظٌ﴾ يُحْصِي أعْمالَها ويَعُدُّها لِلْجَزاءِ عَلَيْها، فَيَكُونُ في الآيَةِ وعِيدٌ وزاجِرٌ وما بَعْدَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وقِيلَ: حَفَظَةٌ مِنَ اللَّهِ يَذُبُّونَ عَنْها، ولَوْ وكَلَ المَرْءَ إلى نَفْسِهِ لاخْتَطَفَتْهُ الغِيَرُ والشَّياطِينُ. وقالَ الكَلْبِيُّ والفَرّاءُ: حافِظٌ مِنَ اللَّهِ يَحْفَظُها حَتّى يُسَلِّمَها إلى المَقادِيرِ. وقِيلَ: الحافِظُ: العَقْلُ يُرْشِدُهُ إلى مَصالِحِهِ ويَكُفُّهُ عَنْ مَضارِّهِ. وقِيلَ: حافِظٌ مُهَيْمِنٌ ورَقِيبٌ عَلَيْهِ، وهو اللَّهُ تَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب