الباحث القرآني
﴿وإذا الأرْضُ مُدَّتْ﴾ قالَ مُجاهِدٌ: سُوِّيَتْ. وقالَ الضَّحّاكُ: بُسِطَتْ بِانْدِكاكِ جِبالِها، ومِنهُ الحَدِيثُ: (تُمَدُّ الأرْضُ مَدَّ الأدِيمِ العُكاظِيِّ حَتّى لا يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنَ النّاسِ إلّا مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ)، وذَلِكَ أنَّ الأدِيمَ إذا مُدَّ زالَ ما فِيهِ مِن تِئْنٍ وانْبَسَطَ، فَتَصِيرُ الأرْضُ إذْ ذاكَ كَما قالَ تَعالى: ﴿قاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه: ١٠٦] ﴿لا تَرى فِيها عِوَجًا ولا أمْتًا﴾ [طه: ١٠٧] .
(p-٤٤٦)﴿وألْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ﴾ قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ والجُمْهُورُ: ألْقَتْ ما في بَطْنِها مِنَ الأمْواتِ، وتَخَلَّتْ مِمَّنْ عَلى ظَهْرِها مِنَ الأحْياءِ. وقِيلَ: تَخَلَّتْ مِمّا عَلى ظَهْرِها مِن جِبالِها وبِحارِها. وقالَ الزَّجّاجُ: ومِنَ الكُنُوزِ، وضُعِّفَ هَذا بِأنَّ ذَلِكَ يَكُونُ وقْتَ خُرُوجِ الدَّجّالِ، وإنَّما تُلْقِي يَوْمَ القِيامَةِ المَوْتى.
﴿وتَخَلَّتْ﴾: أيْ عَنْ ما كانَ فِيها، لَمْ تَتَمَسَّكْ مِنهم بِشَيْءٍ. وجاءَ تَخَلَّتْ: أيْ تَكَلَّفَتْ أقْصى جُهْدِها في الخُلُوِّ. كَما تَقُولُ: تَكَرَّمَ الكَرِيمُ: بَلَغَ جُهْدَهُ في الكَرَمِ وتَكَلَّفَ فَوْقَ ما في طَبْعِهِ، ونِسْبَةُ ذَلِكَ إلى الأرْضِ نِسْبَةٌ مَجازِيَّةٌ، واللَّهُ تَعالى هو الَّذِي أخْرَجَ تِلْكَ الأشْياءَ مِن باطِنِها. وجَوابُ إذا مَحْذُوفٌ، فَإمّا أنْ يُقَدِّرَهُ الَّذِي خَرَجَ بِهِ في سُورَةِ التَّكْوِيرِ أوْ الِانْفِطارِ، أوْ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ: ﴿إنَّكَ كادِحٌ﴾ أيْ لاقى كُلُّ إنْسانٍ كَدْحَهُ. وقالَ الأخْفَشُ والمُبَرِّدُ: هو مُلاقِيهِ، إذا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَأنْتَ مُلاقِيهِ. وقِيلَ: ﴿ياأيُّها الإنْسانُ﴾ [الإنفطار: ٦] عَلى حَذْفِ الفاءِ تَقْدِيرُهُ: فَيا أيُّها الإنْسانُ. وقِيلَ: ﴿وأذِنَتْ﴾ عَلى زِيادَةِ الواوِ، وعَنِ الأخْفَشِ: ﴿إذا السَّماءُ﴾ [الإنشقاق: ١] مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ ﴿وإذا الأرْضُ﴾ عَلى زِيادَةِ الواوِ، والعامِلُ فِيها عَلى قَوْلِ الأكْثَرِينَ: الجَوابُ إمّا المَحْذُوفُ الَّذِي قَدَّرُوهُ، وإمّا الظّاهِرُ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ جَوابٌ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: العامِلُ انْشَقَّتْ، وأبى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِن أئِمَّتِهِمْ، لِأنَّ إذا مُضافَةٌ إلى انْشَقَّتْ، ومَن يُجِيزُ ذَلِكَ تَضْعُفُ عِنْدَهُ الإضافَةُ ويَقْوى مَعْنى الجَزاءِ. انْتَهى. وهَذا القَوْلُ نَحْنُ نَخْتارُهُ، وقَدِ اسْتَدْلَلْنا عَلى صِحَّتِهِ فِيما كَتَبْناهُ، والتَّقْدِيرُ: وقْتُ انْشِقاقِ السَّماءِ وقْتُ مَدِّ الأرْضِ. وقِيلَ: لا جَوابَ لَها إذْ هي قَدْ نُصِبَتْ بِاذْكُرْ نَصْبَ المَفْعُولِ بِهِ، فَلَيْسَتْ شَرْطًا.
﴿وأذِنَتْ لِرَبِّها﴾ أيْ في إلْقاءِ ما في بَطْنِها وتَخَلِّيها. والإنْسانُ: يُرادُ بِهِ الجِنْسُ، والتَّقْسِيمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وقالَ مُقاتِلٌ: المُرادُ بِهِ الأسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الأسَدِ بْنِ هِلالٍ المَخْزُومِيُّ، جادَلَ أخاهُ أبا سَلَمَةَ في أمْرِ البَعْثِ، فَقالَ أبُو سَلَمَةَ: والَّذِي خَلَقَكَ لَتَرْكَبَنَّ الطَّبَقَةَ ولَتُوافِيَنَّ العَقَبَةَ. فَقالَ الأسْوَدُ: فَأيْنَ الأرْضُ والسَّماءُ ؟ وما حالُ النّاسِ ؟ انْتَهى. وكانَ مُقاتِلًا يُرِيدُ أنَّها نَزَلَتْ في الأسْوَدِ، وهي تَعُمُّ الجِنْسَ. وقِيلَ: المُرادُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، كانَ يَكْدَحُ في طَلَبِ الدُّنْيا وإيذاءِ الرَّسُولِ، ﷺ، والإصْرارِ عَلى الكُفْرِ. وأبْعَدُ مَن ذَهَبَ إلى أنَّهُ الرَّسُولُ، ﷺ، والمَعْنى: إنَّكَ تَكْدَحُ في إبْلاغِ رِسالاتِ اللَّهِ تَعالى وإرْشادِ عِبادِهِ واحْتِمالِ الضُّرِّ مِنَ الكُفّارِ، فَأبْشِرْ فَإنَّكَ تَلْقى اللَّهَ بِهَذا العَمَلِ، وهو غَيْرُ ضائِعٍ عِنْدَهُ.
﴿إنَّكَ كادِحٌ﴾ أيْ جاهِدٌ في عَمَلِكَ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ إلى رَبِّكَ، أيْ طُولَ حَياتِكَ إلى لِقاءِ رَبِّكَ، وهو أجَلُ مَوْتِكَ. (فَمُلاقِيهِ) أيْ جَزاءَ كَدْحِكَ مِن ثَوابٍ وعِقابٍ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فالفاءُ عَلى هَذا عاطِفَةٌ جُمْلَةَ الكَلامِ عَلى الَّتِي قَبْلَها، والتَّقْدِيرُ: فَأنْتَ مُلاقِيهِ، ولا يَتَعَيَّنُ ما قالَهُ، بَلْ يَصِحُّ أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى كادِحٍ عَطْفَ المُفْرَداتِ. وقالَ الجُمْهُورُ: الضَّمِيرُ في مُلاقِيهِ عائِدٌ عَلى رَبِّكَ، أيْ فَمُلاقِي جَزائِهِ، فاسْمُ الفاعِلِ مَعْطُوفٌ عَلى اسْمِ الفاعِلِ.
﴿حِسابًا يَسِيرًا﴾ قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها: يُقَرَّرُ ذُنُوبَهُ ثُمَّ يُتَجاوَزُ عَنْهُ. وقالَ الحَسَنُ: يُجازى بِالحَسَنَةِ ويُتَجاوَزُ عَنِ السَّيِّئَةِ. وفي الحَدِيثِ: (مَن حُوسِبَ عُذِّبَ)، فَقالَتْ عائِشَةُ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعالى ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ ؟ فَقالَ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (إنَّما ذَلِكَ العَرْضُ، وأمّا مَن نُوقِشَ الحِسابَ فَيَهْلِكُ) .
﴿ويَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ﴾ أيْ إلى مَن أعَدَّ اللَّهُ لَهُ في الجَنَّةِ مِن نِساءِ المُؤْمِناتِ ومِنَ الحُورِ العِينِ، أوْ إلى عَشِيرَتِهِ المُؤْمِنِينَ، فَيُخْبِرُهم بِخَلاصِهِ وسَلامَتِهِ، أوْ إلى المُؤْمِنِينَ، إذْ هم كُلُّهم أهْلُ إيمانٍ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: (ويُقْلَبُ) مُضارِعُ قُلِبَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
﴿وراءَ ظَهْرِهِ﴾ رُوِيَ أنَّ شِمالَهُ تَدْخُلُ مِن صَدْرِهِ حَتّى تَخْرُجَ مِن وراءِ ظَهْرِهِ، فَيَأْخُذُ كِتابَهُ بِها. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وأمّا مَن يَنْفُذُ عَلَيْهِ الوَعِيدُ مِن عُصاتِهِمْ، يَعْنِي عُصاةَ المُؤْمِنِينَ، فَإنَّهُ يُعْطى كِتابَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ النّارِ. وقَدْ جَوَّزَ قَوْمٌ أنْ يُعْطاهُ أوَّلًا قَبْلَ دُخُولِهِ النّارَ، وهَذِهِ الآيَةُ تَرُدُّ عَلى هَذا القَوْلِ. انْتَهى. والظّاهِرُ مِنَ الآيَةِ (p-٤٤٧)أنَّ الإنْسانَ انْقَسَمَ إلى هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ ولَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعُصاةِ الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ النّارَ ﴿يَدْعُو ثُبُورًا﴾ يَقُولُ: واثُبُوراهُ، والثُّبُورُ: الهَلاكُ، وهو جامِعٌ لِأنْواعِ المَكارِهِ. وقَرَأ قَتادَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وعِيسى، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ: (ويَصْلى) بِفَتْحِ الياءِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وباقِي السَّبْعَةِ وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وأبُو الشَّعْثاءِ، والحَسَنُ، والأعْرَجُ: بِضَمِّ الياءِ وفَتْحِ الصّادِ واللّامِ مُشَدَّدَةً، وأبُو الأشْهَبِ وخارِجَةُ عَنْ نافِعٍ، وأبانٌ عَنْ عاصِمٍ، وعِيسى أيْضًا والعَتَكِيُّ وجَماعَةٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو: بِضَمِّ الياءِ ساكِنِ الصّادِ مُخَفَّفِ اللّامِ، بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ مِنَ المُتَعَدِّي بِالهَمْزَةِ، كَما بُنِيَ (ويُصَلّى) المُشَدَّدُ لِلْمَفْعُولِ مِنَ المُتَعَدِّي بِالتَّضْعِيفِ.
{"ayahs_start":3,"ayahs":["وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ","وَأَلۡقَتۡ مَا فِیهَا وَتَخَلَّتۡ","وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحࣰا فَمُلَـٰقِیهِ","فَأَمَّا مَنۡ أُوتِیَ كِتَـٰبَهُۥ بِیَمِینِهِۦ","فَسَوۡفَ یُحَاسَبُ حِسَابࣰا یَسِیرࣰا","وَیَنقَلِبُ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورࣰا","وَأَمَّا مَنۡ أُوتِیَ كِتَـٰبَهُۥ وَرَاۤءَ ظَهۡرِهِۦ","فَسَوۡفَ یَدۡعُوا۟ ثُبُورࣰا","وَیَصۡلَىٰ سَعِیرًا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحࣰا فَمُلَـٰقِیهِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق