الباحث القرآني

﴿إنَّهُ كانَ في أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ أيْ فَرِحًا بَطِرًا مُتْرَفًا لا يَعْرِفُ اللَّهَ ولا يُفَكِّرُ في عاقِبَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] بِخِلافِ المُؤْمِنِ، فَإنَّهُ حَزِينٌ مُكْتَئِبٌ يَتَفَكَّرُ في الآخِرَةِ ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾ أيْ أنْ لَنْ يَرْجِعَ إلى اللَّهِ، وهَذا تَكْذِيبٌ بِالبَعْثِ (بَلى) إيجابٌ بَعْدَ النَّفْيِ، أيْ بَلى لَيَحُورَنَّ ﴿إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ أيْ لا تَخْفى عَلَيْهِ أفْعالُهُ، فَلا بُدَّ مِن حَوْرِهِ ومُجازاتِهِ. ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾ أقْسَمَ تَعالى بِمَخْلُوقاتِهِ تَشْرِيفًا لَها وتَعْرِيضًا لِلِاعْتِبارِ بِها، والشَّفَقُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ. وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وأبُو حَنِيفَةَ: هو البَياضُ الَّذِي يَتْلُوهُ الحُمْرَةُ. ورَوى أسَدُ بْنُ عَمْرٍو أنَّ أبا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ هَذا إلى قَوْلِ الجُمْهُورِ. وقالَ مُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ، وابْنُ أبِي نَجِيحٍ: إنَّ الشَّفَقَ هُنا كَأنَّهُ لَمّا عَطَفَ عَلَيْهِ اللَّيْلَ قالَ ذَلِكَ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهَذا قَوْلٌ ضَعِيفٌ. انْتَهى. وعَنْ مُجاهِدٍ: هو الشَّمْسُ، وعَنْ عِكْرِمَةَ: ما بَقِيَ مِنَ النَّهارِ ﴿وما وسَقَ﴾ ما ضَمَّ مِنَ الحَيَوانِ وغَيْرِهِ، إذْ جَمِيعُ ذَلِكَ يَنْضَمُّ ويَسْكُنُ في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿وما وسَقَ﴾ أيْ ما غَطّى عَلَيْهِ مِنَ الظُّلْمَةِ. وقالَ مُجاهِدٌ: وما ضَمَّ مِن خَيْرٍ وشَرٍّ. وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: وما ساقَ وحَمَلَ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: وما عُمِلَ فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: فَيَوْمًا تَرانا صالِحِينَ وتارَةً تَقُومُ بِنا كالواسِقِ المُتَلَبِّبِ وقالَ ابْنُ الفَضْلِ: لَفَّ كُلُّ أحَدٍ إلى اللَّهِ، أيْ سَكَنَ الخَلْقُ إلَيْهِ ورَجَعَ كُلٌّ إلى ما رَآهُ لِقَوْلِهِ: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧] وقَرَأ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والأسْوَدُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، ومَسْرُوقٌ، والشَّعْبِيُّ، وأبُو العالِيَةِ، وابْنُ وثّابٍ، وطَلْحَةُ، وعِيسى والأخَوانِ وابْنُ كَثِيرٍ: بِتاءِ الخِطابِ وفَتْحِ الباءِ، فَقِيلَ: خِطابٌ لِلرَّسُولِ ﷺ، أيْ حالًا بَعْدَ حالٍ مِن مُعالَجَةِ الكُفّارِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: سَماءٌ بَعْدَ سَماءٍ في الإسْراءِ، وقِيلَ: عِدَةٌ بِالنَّصْرِ، أيْ لَتَرْكَبُنَّ أمْرَ العَرَبِ قَبِيلًا بَعْدَ قَبِيلٍ وفَتْحًا بَعْدَ فَتْحٍ كَما كانَ ووُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقُرِئَ (لَتَرْكَبَنَّ) عَلى خِطابِ الإنْسانِ في ﴿ياأيُّها الإنْسانُ﴾ [الإنشقاق: ٦] وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ المَعْنى: لَتَرْكَبُنَّ السَّماءَ في أهْوالِ القِيامَةِ حالًا بَعْدَ حالٍ، تَكُونُ كالمُهْلِ، وكالدِّهانِ وتَنْفَطِرُ وتَنْشَقُّ، فالتّاءُ لِلتَّأْنِيثِ، وهو إخْبارٌ عَنِ السَّماءِ بِما يَحْدُثُ لَها، والضَّمِيرُ الفاعِلُ عائِدٌ عَلى السَّماءِ، وقَرَأ عُمَرُ، وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا: بِالياءِ مِن أسْفَلَ وفَتْحِ الباءِ عَلى ذِكْرِ الغائِبِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَعْنِي نَبِيَّكم، ﷺ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ الغائِبُ يَعُودُ عَلى القَمَرِ؛ لِأنَّهُ يَتَغَيَّرُ أحْوالًا مِن إسْرارٍ واسْتِهْلالٍ وإبْدارٍ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَيَرْكَبَنَّ الإنْسانُ، وقَرَأ عُمَرُ، وابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا وأبُو جَعْفَرٍ، والحَسَنُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ، والأعْمَشُ وباقِي السَّبْعَةِ: بِتاءِ الخِطابِ وضَمِّ الباءِ، أيْ لَتَرْكَبَنَّ أيُّها الإنْسانُ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَتَرْكَبُنَّ بِالضَّمِّ عَلى خِطابِ الجِنْسِ، لِأنَّ النِّداءَ لِلْجِنْسِ، فالمَعْنى: لَتَرْكَبُنَّ الشَّدائِدَ: المَوْتَ والبَعْثَ والحِسابَ حالًا بَعْدَ حالٍ، أوْ يَكُونُ الأحْوالُ مِنَ النُّطْفَةِ إلى الهِرَمِ، كَما تَقُولُ: طَبَقَةٌ بَعْدَ طَبَقَةٍ، قالَ نَحْوَهُ عِكْرِمَةُ، وقِيلَ: عَنْ تَجِيءُ بِمَعْنى بَعْدَ، وقِيلَ: المَعْنى لَتَرْكَبُنَّ هَذِهِ الأحْوالَ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، ومِنهُ قَوْلُ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ في رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ:(p-٤٤٨) ؎وأنْتَ لَمّا وُلِدْتَ أشْرَقَتِ الأرْضُ وضاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ ؎تُنْقَلُ مِن صالِبٍ إلى رَحِمٍ ∗∗∗ إذا مَضى عالَمٌ بَدا طَبَقُ وقالَ مَكْحُولٌ وأبُو عُبَيْدَةَ: المَعْنى لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكم، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: المَعْنى لَتَرْكَبُنَّ الآخِرَةَ بَعْدَ الأُولى، وقَرَأ عُمَرُ أيْضًا: لَيَرْكَبُنَّ بِياءِ الغَيْبَةِ وضَمِّ الباءِ، قِيلَ: أرادَ بِهِ الكُفّارَ لا بَيانَ تَوْبِيخِهِمْ بَعْدَهُ، أيْ يَرْكَبُونَ حالًا بَعْدَ أُخْرى مِنَ المَذَلَّةِ والهَوانِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ: (لَتِرْكَبُنَّ) بِكَسْرِ التّاءِ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ، قِيلَ: والخِطابُ لِلرَّسُولِ ﷺ، وقُرِئَ بِالتّاءِ وكَسْرِ الباءِ عَلى خِطابِ النَّفْسِ، وطَبَقَ الشَّيْءُ مُطابَقَةً لِأنَّ كُلَّ حالٍ مُطابِقَةٌ لِلْأُخْرى في الشِّدَّةِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ اسْمَ جِنْسٍ واحِدَةَ طَبَقَةٍ، وهي المَرْتَبَةُ مِن قَوْلِهِمْ: هم عَلى طَبَقاتٍ، و﴿عَنْ طَبَقٍ﴾ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ: (طَبَقًا) أوْ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في (لَتَرْكَبُنَّ) . وعَنْ مَكْحُولٍ، كُلُّ عِشْرِينَ عامًا تَجِدُونَ أمْرًا لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهِ ﴿فَما لَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾: تَعَجُّبٌ مِنَ انْتِفاءِ إيمانِهِمْ وقَدْ وضَحَتِ الدَّلائِلُ. ﴿لا يَسْجُدُونَ﴾ لا يَتَواضَعُونَ ويَخْضَعُونَ، قالَهُ قَتادَةُ، وقالَ عِكْرِمَةُ: لا يُباشِرُونَ بِجِباهِهِمُ المُصَلّى، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لا يُصَلُّونَ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: (يُكَذِّبُونَ) مُشَدَّدًا، والضَّحّاكُ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: مُخَفَّفًا وبِفَتْحِ الياءِ. ﴿بِما يُوعُونَ﴾ بِما يَجْمَعُونَ مِنَ الكُفْرِ والتَّكْذِيبِ، كَأنَّهم يَجْعَلُونَهُ في أوْعِيَةٍ، وعَيْتُ العِلْمَ وأوْعَيْتُ المَتاعَ، قالَ نَحْوَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِما تُضْمِرُونَ مِن عَداوَةِ الرَّسُولِ ﷺ، والمُؤْمِنِينَ، وقالَ مُجاهِدٌ: بِما يَكْتُمُونَ مِن أفْعالِهِمْ، وقَرَأ أبُو رَجاءٍ: بِما يَعُونَ، مِن وعى يَعِي. ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ سَبَقَ لَهم في عِلْمِهِ أنَّهم يُؤْمِنُونَ. ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ غَيْرُ مَقْطُوعٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: (مَمْنُونٍ) مُعَدَّدٍ عَلَيْهِمْ، مَحْسُوبٍ مُنَغَّصٍ بِالمَنِّ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ذَلِكَ في فُصِّلَتْ، واللَّهُ المُوَفِّقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب