الباحث القرآني

سُورَةُ الِانْشِقاقِ مَكِّيَّةٌ وهي خَمْسٌ وعِشْرُونَ آيَةً ﷽ ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ ﴿وأذِنَتْ لِرَبِّها وحُقَّتْ﴾ ﴿وإذا الأرْضُ مُدَّتْ﴾ [الإنشقاق: ٣] ﴿وألْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ﴾ [الإنشقاق: ٤] ﴿وأذِنَتْ لِرَبِّها وحُقَّتْ﴾ [الإنشقاق: ٥] ﴿يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ [الإنشقاق: ٦] ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الإنشقاق: ٧] ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ [الإنشقاق: ٨] ﴿ويَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الإنشقاق: ٩] ﴿وأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ وراءَ ظَهْرِهِ﴾ [الإنشقاق: ١٠] ﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ [الإنشقاق: ١١] ﴿ويَصْلى سَعِيرًا﴾ [الإنشقاق: ١٢] ﴿إنَّهُ كانَ في أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الإنشقاق: ١٣] ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾ [الإنشقاق: ١٤] ﴿بَلى إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ [الإنشقاق: ١٥] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾ [الإنشقاق: ١٦] ﴿واللَّيْلِ وما وسَقَ﴾ [الإنشقاق: ١٧] ﴿والقَمَرِ إذا اتَّسَقَ﴾ [الإنشقاق: ١٨] ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الإنشقاق: ١٩] ﴿فَما لَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢٠] ﴿وإذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢١] ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢٢] ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِما يُوعُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢٣] ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الإنشقاق: ٢٤] ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [الإنشقاق: ٢٥] (p-٤٤٤)الكَدْحُ: جَهْدُ النَّفْسِ في العَمَلِ حَتّى يُؤَثِّرَ فِيها، مِن كَدَحَ جِلْدَهُ إذا خَدَشَهُ، قالَ ابْنُ مُقْبِلٍ: ؎وما الدَّهْرُ إلّا تارَتانِ فَمِنهُما أمُوتُ وأُخْرى أبْتَغِي العَيْشَ أكْدَحُ وقالَ آخَرُ: ؎ومَضَتْ بَشاشَةُ كُلِّ عَيْشٍ صالِحٍ ∗∗∗ وبَقِيتُ أكْدَحُ لِلْحَياةِ وأنْصَبُ حارَ: رَجَعَ، قالَ الشّاعِرُ: ؎وما المَرْءُ إلّا كالشِّهابِ وضَوْئِهِ ∗∗∗ يَحُورُ رَمادًا بَعْدَ إذْ هو ساطِعُ الشَّفَقُ: الحُمْرَةُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ حِينَ تَأْتِي صَلاةُ العِشاءِ الآخِرَةُ. قِيلَ: أصْلُهُ مِن رِقَّةِ الشَّيْءِ، يُقالُ شَيْءٌ شَفَقٌ: أيْ لا يَتَماسَكُ لِرِقَّتِهِ، ومِنهُ أشْفَقَ عَلَيْهِ: رَقَّ قَلْبُهُ، والشَّفَقَةُ: الِاسْمُ مِنِ الشِّفاقِ، وكَذَلِكَ الشَّفَقُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎تَهْوى حَياتِي وأهْوى مَوْتَها شَفَقًا ∗∗∗ والمَوْتُ أكْرَمُ نَزّالٍ عَلى الحُرَمِ وسَقَ: ضَمَّ وجَمَعَ، ومِنهُ الوَسَقُ: الأصْواعُ المَجْمُوعَةُ، وهي سِتُّونَ صاعًا، وطَعامٌ مَوْسُوقٌ: أيْ مَجْمُوعٌ، وإبِلٌ مُسْتَوْسِقَةٌ، قالَ الشّاعِرُ: ؎أنَّ لَنا قَلائِصًا حَقائِقا ∗∗∗ مُسْتَوْسِقاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سائِقا اتَّسَقَ، قالَ الفَرّاءُ: اتِّساقُ القَمَرِ: امْتِلاؤُهُ واسْتِواؤُهُ لَيالِيَ البَدْرِ، وهو افْتِعالٌ مِنَ الوَسْقِ الَّذِي هو الجَمْعُ، يُقالُ: وسَقْتُهُ فاتَّسَقَ، ويُقالُ: أمْرُ فُلانٍ مُتَّسِقٌ: أيْ مُجْتَمِعٌ عَلى الصَّلاحِ مُنْتَظِمٌ. (طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) حالٌ بَعْدَ حالٍ، والطَّبَقُ: ما طابَقَ غَيْرَهُ، وأطْباقُ الثَّرى: ما تَطابَقَ مِنهُ، ومِنهُ قِيلَ لِلْغِطاءِ الطَّبَقُ. قالَ الأعْرَجُ بْنُ حابِسٍ: إنِّي امْرُؤٌ قَدْ حَلَبْتُ الدَّهْرَ أشْطُرَهُ وساقَنِي طَبَقٌ مِنهُ إلى طَبَقِ وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ: دِيمَةٌ هَطْلاءُ فِيها وطَفٌ طَبَقٌ لِلْأرْضِ تَجْرِي وتَذُرُّ ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ ﴿وأذِنَتْ لِرَبِّها وحُقَّتْ﴾ ﴿وإذا الأرْضُ مُدَّتْ﴾ [الإنشقاق: ٣] ﴿وألْقَتْ ما فِيها وتَخَلَّتْ﴾ [الإنشقاق: ٤] ﴿وأذِنَتْ لِرَبِّها وحُقَّتْ﴾ [الإنشقاق: ٥] ﴿ياأيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾ [الإنشقاق: ٦] ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الإنشقاق: ٧] ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا﴾ [الإنشقاق: ٨] ﴿ويَنْقَلِبُ إلى أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الإنشقاق: ٩] ﴿وأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ وراءَ ظَهْرِهِ﴾ [الإنشقاق: ١٠] ﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ [الإنشقاق: ١١] ﴿ويَصْلى سَعِيرًا﴾ [الإنشقاق: ١٢] ﴿إنَّهُ كانَ في أهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الإنشقاق: ١٣] ﴿إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ﴾ [الإنشقاق: ١٤] ﴿بَلى إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ [الإنشقاق: ١٥] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾ [الإنشقاق: ١٦] ﴿واللَّيْلِ وما وسَقَ﴾ [الإنشقاق: ١٧] ﴿والقَمَرِ إذا اتَّسَقَ﴾ [الإنشقاق: ١٨] ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الإنشقاق: ١٩] ﴿فَما لَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢٠] ﴿وإذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ القُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢١] ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢٢] ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِما يُوعُونَ﴾ [الإنشقاق: ٢٣] ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الإنشقاق: ٢٤] ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [الإنشقاق: ٢٥] . (p-٤٤٥)هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، واتِّصالُها بِما قَبْلَها ظاهِرٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: انْشَقَّتْ تَنْشَقُّ: أيْ تَتَصَدَّعُ بِالغَمامِ، وقالَهُ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ. وقِيلَ: تَنْشَقُّ لِهَوْلِ يَوْمِ القِيامَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهي يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٦] . وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِسُكُونِ تاءِ انْشَقَّتْ وما بَعْدَها وصْلًا ووَقْفًا. وقَرَأ عُبَيْدُ بْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أبِي عَمْرٍو: بِإشْمامِ الكَسْرِ وقْفًا بَعْدَما لَمْ تَخْتَلِفْ في الوَصْلِ إسْكانًا. قالَ صاحِبُ اللَّوامِحِ: فَهَذا مِنَ التَّغْيِيراتِ الَّتِي تَلْحَقُ الرَّوِيَّ في القَوافِي، وفي هَذا الإشْمامِ بَيانُ أنَّ هَذِهِ التّاءَ مِن عَلامَةِ تَرْتِيبِ الفِعْلِ لِلْإناثِ، ولَيْسَتْ مِمّا تَنْقَلِبُ في الأسْماءِ، فَصارَ ذَلِكَ فارِقًا بَيْنَ الِاسْمِ والفِعْلِ فِيمَن وقَفَ عَلى ما في الأسْماءِ بِالتّاءِ، وذَلِكَ لُغَةُ طَيِّئٍ، وقَدْ حُمِلَ في المَصاحِفِ بَعْضُ التّاءاتِ عَلى ذَلِكَ. انْتَهى. وقالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: (إذا السَّماءُ انْشَقَّتِ) بِكَسْرِ التّاءِ، عُبَيْدٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: (وانْشَقَّتْ) يَقِفُ عَلى التّاءِ كَأنَّهُ يُشِمُّها شَيْئًا مِنَ الجَرِّ، وكَذَلِكَ في أخَواتِها. قالَ أبُو حاتِمٍ: سَمِعْتُ أعْرابِيًّا فَصِيحًا في بِلادِ قَيْسٍ يَكْسِرُ هَذِهِ التّاءاتِ، وهي لُغَةٌ. انْتَهى. وذَلِكَ أنَّ الفَواصِلَ قَدْ تُجْرى مُجْرى القَوافِي، فَكَما أنَّ هَذِهِ التّاءَ تُكْسَرُ في القَوافِي، تُكْسَرُ في الفَواصِلِ، ومِثالُ كَسْرِها في القَوافِي قَوْلُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ: ؎وما أنا بِالدّاعِي لِعَزَّةَ بِالرَّدى ∗∗∗ ولا شامِتٍ أنَّ نَعْلَ عَزَّةَ زَلَّتِ وكَذَلِكَ باقِي القَصِيدَةِ. وإجْراءُ الفَواصِلِ في الوَقْفِ مُجْرى القَوافِي مَهْيَعٌ مَعْرُوفٌ، كَقَوْلِهِ تَعالى: (الظُّنُونا) و(الرَّسُولا) في سُورَةِ الأحْزابِ، وحَمْلُ الوَصْفِ عَلى حالَةِ الوَقْفِ أيْضًا مَوْجُودٌ في الفَواصِلِ (وأذِنَتْ): أيِ اسْتَمَعَتْ وسَمِعَتْ أمْرَهُ ونَهْيَهُ، وفي الحَدِيثِ: (ما أذِنَ اللَّهُ بِشَيْءٍ إذْنَهُ لِنَبِيٍّ يَتَغَنّى بِالقُرْآنِ) . وقالَ الشّاعِرُ: ؎صُمٌّ إذا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْتُ بِهِ ∗∗∗ وإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهم أذِنُوا وقالَ قَعْنَبٌ: ؎إنْ يَأْذَنُوا رِيبَةً طارُوا بِها فَرَحًا ∗∗∗ وما هم أذِنُوا مِن صالِحٍ دَفَنُوا وقالَ الحَجّافُ بْنُ حَكِيمٍ: ؎أذِنْتُ لَكم لِما سَمِعْتُ هَرِيرَكُمْ وإذْنُها: انْقِيادُها لِلَّهِ تَعالى حِينَ أرادَ انْشِقاقَها فِعْلَ المُطِيعِ إذا ورَدَ عَلَيْهِ أمْرُ المُطاعِ أنْصَتَ وانْقادَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَتا أتَيْنا طائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] . (وحُقَّتْ) قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وابْنُ جُبَيْرٍ: وحُقَّ لَها أنْ تَسْمَعَ. وقالَ الضَّحّاكُ: أطاعَتْ وحُقَّ لَها أنْ تُطِيعَ. وقالَ قَتادَةُ: وحُقَّ لَها أنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ، وهَذا الفِعْلُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، والفاعِلُ هو اللَّهُ تَعالى، أيْ وحَقَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْها الِاسْتِماعَ. ويُقالُ: فُلانٌ مَحْقُوقٌ بِكَذا وحَقِيقٌ بِكَذا، والمَعْنى: أنَّهُ لَمْ يَكُنْ في جِرْمِ السَّماءِ ما يَمْنَعُ مِن تَأْثِيرِ القُدْرَةِ في انْشِقاقِهِ وتَفْرِيقِ أجْزائِهِ وإعْدامِهِ. قِيلَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: وحُقَّ لَها أنْ تَنْشَقَّ لِشِدَّةِ الهَوْلِ وخَوْفِ اللَّهِ تَعالى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهي حَقِيقَةٌ بِأنْ تَنْقادَ ولا تَمْتَنِعَ، ومَعْناهُ: الإيذانُ بِأنَّ القادِرَ الذّاتِ يَجِبُ أنْ يَتَأتّى لَهُ كُلُّ مَقْدُورٍ ويَحِقَّ ذَلِكَ. انْتَهى. وفي قَوْلِهِ القادِرُ الذّاتِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ، وما أُولِعَ هَذا الرَّجُلُ بِمَذْهَبِ الِاعْتِزالِ يَدُسُّهُ مَتى أمْكَنَهُ في كُلِّ ما يَتَكَلَّمُ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب