الباحث القرآني
(p-٤٣٨)سُورَةُ المُطَفِّفِينَ مَكِّيَّةٌ وهي سِتٌّ وثَلاثُونَ آيَةً
﷽
﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ إذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾ ﴿وإذا كالُوهم أوْ وزَنُوهم يُخْسِرُونَ﴾ ﴿ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهم مَبْعُوثُونَ﴾ ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿كَلّا إنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفي سِجِّينٍ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ ﴿ويْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المطففين: ١١] ﴿وما يُكَذِّبُ بِهِ إلّا كُلُّ مُعْتَدٍ أثِيمٍ﴾ [المطففين: ١٢] ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [المطففين: ١٣] ﴿كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: ١٤] ﴿كَلّا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] ﴿ثُمَّ إنَّهم لَصالُو الجَحِيمِ﴾ [المطففين: ١٦] ﴿ثُمَّ يُقالُ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [المطففين: ١٧] ﴿كَلّا إنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ﴾ [المطففين: ١٨] ﴿وما أدْراكَ ما عِلِّيُّونَ﴾ [المطففين: ١٩] ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٢٠] ﴿يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: ٢١] ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ [المطففين: ٢٢] ﴿عَلى الأرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين: ٢٣] ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤] ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ [المطففين: ٢٥] ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ [المطففين: ٢٦] ﴿ومِزاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ﴾ [المطففين: ٢٧] ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِها المُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: ٢٨] ﴿إنَّ الَّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٢٩] ﴿وإذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ﴾ [المطففين: ٣٠] ﴿وإذا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ [المطففين: ٣١] ﴿وإذا رَأوْهم قالُوا إنَّ هَؤُلاءِ لَضالُّونَ﴾ [المطففين: ٣٢] ﴿وما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ﴾ [المطففين: ٣٣] ﴿فاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٣٤] ﴿عَلى الأرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين: ٣٥] ﴿هَلْ ثُوِّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: ٣٦]
التَّطْفِيفُ النُّقْصانُ وأصْلُهُ مِنَ الطَّفِيفِ، وهو النُّزُلُ الحَقِيرُ، والمُطَفِّفُ الآخِذُ في وزْنٍ أوْ كَيْلٍ طَفِيفًا أيْ شَيْئًا حَقِيرًا خَفِيًّا. رانَ غَطّى وغَشّى كالصَّدَأِ يُغَشِّي السَّيْفَ، قالَ الشّاعِرُ:
؎وكَمْ رانَ مِن ذَنْبٍ عَلى قَلْبِ فاجِرٍ فَتابَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي رانَ فانْجَلا
وأصْلُ الرَّيْنِ الغَلَبَةُ، يُقالُ: رانَتِ الخَمْرُ عَلى عَقْلِ شارِبِها ورانَ الغَشْيُ عَلى عَقْلِ المَرِيضِ. قالَ أبُو زُبَيْدٍ:
؎ثُمَّ لَمّا رَآهُ رانَتْ بِهِ الخَمْرُ ∗∗∗ وأنْ لا يَرِينَهُ بِانْتِقاءِ
وقالَ أبُو زَيْدٍ يُقالُ رِينَ بِالرَّجُلِ يُرانُ بِهِ رَيْنًا إذا وقَعَ فِيما لا يَسْتَطِيعُ مِنهُ الخُرُوجَ. الرَّحِيقُ: قالَ الخَلِيلُ: أجْوَدُ الخَمْرِ. وقالَ الأخْفَشُ والزَّجّاجُ الشَّرابُ الَّذِي لا غِشَّ فِيهِ، قالَ حَسّانُ:
بَرَدى يُصَفِّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
نافَسَ في الشَّيْءِ رَغِبَ فِيهِ، ونَفُسْتُ عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ أنْفُسُ نَفاسَةً إذا بَخِلْتَ بِهِ عَلَيْهِ ولَمْ تُحِبَّ أنْ يَصِيرَ إلَيْهِ. التَّسْنِيمُ أصْلُهُ الِارْتِفاعُ ومِنهُ تَسْنِيمُ القَبْرِ وسَنامُ البَعِيرِ، وتَسَنَّمْتُهُ: عَلَوْتَ سَنامَهُ. الغَمْزُ الإشارَةُ بِالعَيْنِ والحاجِبِ.
﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ إذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ﴾ ﴿وإذا كالُوهم أوْ وزَنُوهم يُخْسِرُونَ﴾ ﴿ألا يَظُنُّ أُولَئِكَ أنَّهم مَبْعُوثُونَ﴾ ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿كَلّا إنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفي سِجِّينٍ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ ﴿ويْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المطففين: ١١] ﴿وما يُكَذِّبُ بِهِ إلّا كُلُّ مُعْتَدٍ أثِيمٍ﴾ [المطففين: ١٢] ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [المطففين: ١٣] ﴿كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: ١٤] ﴿كَلّا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] ﴿ثُمَّ إنَّهم لَصالُو الجَحِيمِ﴾ [المطففين: ١٦] ﴿ثُمَّ يُقالُ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [المطففين: ١٧] .
(p-٤٣٩)هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، والضَّحّاكِ ومُقاتِلٍ، مَدَنِيَّةٌ في قَوْلِ الحَسَنِ وعِكْرِمَةَ ومُقاتِلٍ أيْضًا. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: مَدَنِيَّةٌ إلّا مِن ﴿إنَّ الَّذِينَ أجْرَمُوا﴾ [المطففين: ٢٩] إلى آخِرِها، فَهو مَكِّيٌّ، ثَمانِ آياتٍ. وقالَ السُّدِّيُّ: كانَ بِالمَدِينَةِ رَجُلٌ يُكَنّى أبا جُهَيْنَةَ لَهُ مَكِيلانِ، يَأْخُذُ بِالأوْفى ويُعْطِي بِالأنْقَصِ، فَنَزَلَتْ. ويُقالُ: إنَّها أوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ بِالمَدِينَةِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَزَلَ بَعْضُها بِمَكَّةَ، ونَزَلَ أمْرُ التَّطْفِيفِ بِالمَدِينَةِ؛ لِأنَّهم كانُوا أشَدَّ النّاسِ فَسادًا في هَذا المَعْنى، فَأصْلَحَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ السُّورَةِ. وقِيلَ: نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ لِيُصْلِحَ اللَّهُ تَعالى أمْرَهم قَبْلَ وُرُودِ رَسُولِهِ. والمُناسَبَةُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ ظاهِرَةٌ. لَمّا ذَكَرَ تَعالى السُّعَداءَ والأشْقِياءَ ويَوْمَ الجَزاءِ وعَظَّمَ شَأْنَ يَوْمِهِ ذَكَرَ ما أعَدَّ لِبَعْضِ العُصاةِ، وذَكَّرَهم بِأخَسِّ ما يَقَعُ مِنَ المَعْصِيَةِ، وهي التَّطْفِيفُ الَّذِي لا يَكادُ يُجْدِي شَيْئًا في تَثْمِيرِ المالِ وتَنْمِيَتِهِ.
﴿إذا اكْتالُوا عَلى النّاسِ﴾ قَبَضُوا لَهم ﴿وإذا كالُوهم أوْ وزَنُوهُمْ﴾ أقْبَضُوهم. وقالَ الفَرّاءُ: مِن وعَلى يَعْتَقِبانِ هُنا، اكْتَلْتُ عَلى النّاسِ، واكْتَلْتُ مِنَ النّاسِ. فَإذا قالَ: اكْتَلْتُ مِنكَ، فَكَأنَّهُ قالَ: اسْتَوْفَيْتُ مِنكَ، وإذا قالَ: اكْتَلْتُ عَلَيْكَ، فَكَأنَّهُ قالَ: أخَذْتُ ما عَلَيْكَ، والظّاهِرُ أنَّ (عَلى) مُتَعَلِّقٌ بِـ(اكْتالُوا) كَما قَرَّرْناهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَمّا كانَ اكْتِيالُهم مِنَ النّاسِ اكْتِيالًا يَضُرُّهم ويُتَحامَلُ فِيهِ عَلَيْهِمْ، أبْدَلَ عَلى مَكانٍ مِن لِلدَّلالَةِ عَلى ذَلِكَ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ(يَسْتَوْفُونَ)، أيْ يَسْتَوْفُونَ عَلى النّاسِ خاصَّةً، فَأمّا أنْفُسُهم فَيَسْتَوْفُونَ لَها. انْتَهى. وكالَ ووَزَنَ مِمّا يَتَعَدّى بِحَرْفِ الجَرِّ، فَتَقُولُ: كِلْتُ لَكَ ووَزَنْتُ لَكَ، ويَجُوزُ حَذْفُ اللّامِ، كَقَوْلِكَ: نَصَحْتُ لَكَ ونَصَحْتُكَ، وشَكَرْتُ لَكَ وشَكَرْتُكَ، والضَّمِيرُ ضَمِيرُ نَصْبٍ، أيْ كالُوا لَهم أوْ وزَنُوا لَهم، فَحَذَفَ حَرْفَ الجَرِّ ووَصَلَ الفِعْلَ بِنَفْسِهِ، والمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وهو المَكِيلُ والمَوْزُونُ، وعَنْ عِيسى وحَمْزَةَ: المَكِيلُ لَهُ والمَوْزُونُ لَهُ مَحْذُوفٌ، وهم ضَمِيرٌ مَرْفُوعٌ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ المَرْفُوعِ الَّذِي هو الواوُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ ضَمِيرًا مَرْفُوعًا لِلْمُطَفِّفِينَ، لِأنَّ الكَلامَ يَخْرُجُ بِهِ إلى نَظْمٍ فاسِدٍ، وذَلِكَ أنَّ المَعْنى: إذا أخَذُوا مِنَ النّاسِ اسْتَوْفَوْا، وإذا أعْطَوْهم أخْسَرُوا، وإنْ جَعَلْتَ الضَّمِيرَ لِلْمُطَفِّفِينَ، انْقَلَبَ إلى قَوْلِكَ: إذا أخَذُوا مِنَ النّاسِ اسْتَوْفَوْا، وإذا تَوَلَّوُا الكَيْلَ أوِ الوَزْنَ هم عَلى الخُصُوصِ أخْسَرُوا، وهو كَلامٌ مُتَنافِرٌ، لِأنَّ الحَدِيثَ واقِعٌ في الفِعْلِ لا في المُباشِرِ. انْتَهى. ولا تَنافُرَ فِيهِ بِوَجْهٍ، ولا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يُؤَكَّدَ الضَّمِيرُ وأنْ لا يُؤَكَّدَ، والحَدِيثُ واقِعٌ في الفِعْلِ، غايَةُ ما في هَذا أنَّ مُتَعَلِّقَ الِاسْتِيفاءِ، وهو (عَلى النّاسِ)، مَذْكُورٌ وهو في ﴿كالُوهم أوْ وزَنُوهُمْ﴾ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّهم لا يُخْسِرُونَ الكَيْلَ والمِيزانَ إذا كانَ لِأنْفُسِهِمْ، إنَّما يُخْسِرُونَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: هَلْ لا قِيلَ أوِ اتَّزَنُوا، كَما قِيلَ أوْ وزَنُوهم ؟ قُلْتُ: كَأنَّ المُطَفِّفِينَ كانُوا لا يَأْخُذُونَ ما يُكالُ ويُوزَنُ إلّا بِالمَكايِيلِ دُونَ المَوازِينِ لِتَمَكُّنِهِمْ بِالِاكْتِيالِ مِنِ الِاسْتِيفاءِ والسَّرِقَةِ؛ لِأنَّهم يُدَعْدِعُونَ ويَحْتالُونَ في المَلْءِ، وإذا أعْطَوْا كالُوا أوْ وزَنُوا لِتَمَكُّنِهِمْ مِنَ البَخْسِ في النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا. (يُخْسِرُونَ): يُنْقِصُونَ. انْتَهى. و(يُخْسِرُونَ) مُعَدًّى بِالهَمْزَةِ، يُقالُ: خَسِرَ الرَّجُلُ وأخْسَرَهُ غَيْرُهُ.
﴿ألا يَظُنُّ﴾ تَوْقِيفٌ عَلى أمْرِ القِيامَةِ وإنْكارٌ عَلَيْهِمْ في فِعْلِهِمْ ذَلِكَ.
أيْ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ وهو يَوْمُ القِيامَةِ، و(يَوْمَ) ظَرْفٌ، العامِلُ فِيهِ مُقَدَّرٌ، أيْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ. ويَجُوزُ أنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَبْعُوثُونَ، ويَكُونَ مَعْنى (لِيَوْمٍ) أيْ لِحِسابِ يَوْمٍ. وقالَ الفَرّاءُ: هو بَدَلٌ مِن يَوْمٍ عَظِيمٍ، لَكِنَّهُ (p-٤٤٠)بُنِيَ.
وقُرِئَ (يَوْمِ يَقُومُ) بِالجَرِّ، وهو بَدَلٌ مِن (لِيَوْمٍ) حَكاهُ أبُو مُعاذٍ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: (يَوْمُ) بِالرَّفْعِ، أيْ ذَلِكَ يَوْمٌ، ويَظُنُّ بِمَعْنى يُوقِنُ، أوْ هو عَلى وضْعِهِ مِنَ التَّرْجِيحِ. وفي هَذا الإنْكارِ والتَّعَجُّبِ، ووَصْفِ اليَوْمِ بِالعِظَمِ وقِيامِ النّاسِ لِلَّهِ خاضِعِينَ، ووَصْفِهِ بِرَبِّ العالَمِينَ دَلِيلٌ عَلى عِظَمِ هَذا الذَّنْبِ وهو التَّطْفِيفُ. (كَلّا) رَدْعٌ لِما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّطْفِيفِ، وهَذا القِيامُ تَخْتَلِفُ النّاسُ فِيهِ بِحَسَبِ أحْوالِهِمْ، وفي هَذا القِيامِ إلْجامُ العَرَقِ لِلنّاسِ، وأحْوالُهم فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ، كَما ورَدَ في الحَدِيثِ. والفُجّارُ: الكُفّارُ، وكِتابُهم هو الَّذِي فِيهِ تَحْصِيلُ أعْمالِهِمْ. و(سِجِّينٌ) قالَ الجُمْهُورُ: فِعِّيلٌ مِنَ السِّجْنِ، كَسِكِّيرٍ، أوْ في مَوْضِعِ ساجِنٍ، فَجاءَ بِناءَ مُبالَغَةٍ، فَسَجِّينٌ عَلى هَذا صِفَةٌ لِمَوْضِعِ المَحْذُوفِ. قالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
؎ورُفْقَةٌ يَضْرِبُونَ البَيْضَ ضاحِيَةً ∗∗∗ ضَرْبًا تَواصَتْ بِهِ الأبْطالُ سِجِّينا
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ما سِجِّينٌ ؟ أصِفَةٌ هو أمِ اسْمٌ ؟ قُلْتُ: بَلْ هو اسْمُ عَلَمٍ مَنقُولٍ مِن وصْفٍ كَحاتِمٍ، وهو مُنْصَرِفٌ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلّا سَبَبٌ واحِدٌ وهو التَّعْرِيفُ. انْتَهى. وكانَ قَدْ قُدِّمَ أنَّهُ كِتابٌ جامِعٌ، وهو دِيوانُ الشَّرِّ، دَوَّنَ اللَّهُ فِيهِ أعْمالَ الشَّياطِينِ وأعْمالَ الكَفَرَةِ والفَسَقَةِ مِنِ الجِنِّ والإنْسِ، وهو: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ مَسْطُورٌ بَيْنَ الكِتابَةِ، أوْ مُعَلَّمٌ يَعْلَمُ مَن رَآهُ أنَّهُ لا خَيْرَ فِيهِ، والمَعْنى: أنَّ ما كُتِبَ مِن أعْمالِ الفُجّارِ مُثْبَتٌ في ذَلِكَ الدِّيوانِ. انْتَهى. واخْتَلَفُوا في سِجِّينٍ إذا كانَ مَكانًا اخْتِلافًا مُضْطَرِبًا حَذَفْنا ذِكْرَهُ، والظّاهِرُ أنَّ سِجِّينًا هو كِتابٌ، ولِذَلِكَ أُبْدِلَ مِنهُ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ . وقالَ عِكْرِمَةُ: سِجِّينٌ عِبارَةٌ عَنِ الخَسارِ والهَوانِ، كَما تَقُولُ: بَلَغَ فُلانٌ الحَضِيضَ إذا صارَ في غايَةِ الجُمُودِ. وقالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: سِجِّينٌ، نُونُهُ بَدَلٌ مِن لامٍ، وهو مِنَ السِّجِّيلِ، فَتَلَخَّصَ مِن أقْوالِهِمْ أنَّ سِجِّينًا نُونُهُ أصْلِيَّةٌ، أوْ بَدَلٌ مِن لامٍ، وإذا كانَتْ أصْلِيَّةً، فاشْتِقاقُهُ مِنَ السِّجْنِ، وقِيلَ: هو مَكانٌ، فَيَكُونُ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ هو كِتابٌ. وعَنى بِالضَّمِيرِ عَوْدَهُ عَلى ﴿كِتابَ الفُجّارِ﴾ أوْ عَلى سِجِّينٍ عَلى حَذْفٍ، أيْ هو مَحَلُّ كِتابٍ مَرْقُومٍ، و﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ تَفْسِيرٌ لَهُ عَلى جِهَةِ البَدَلِ، أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، والضَّمِيرُ المُقَدَّرُ الَّذِي هو عائِدٌ عَلى سِجِّينٍ، أوْ كِنايَةٌ عَنِ الخَسارِ والهَوانِ، هَلْ هو صِفَةٌ أوْ عَلَمٌ ؟ ﴿وما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ أيْ لَيْسَ ذَلِكَ مِمّا كُنْتَ تَعْلَمُ، مَرْقُومٌ: أيْ مُثْبَتٌ كالرَّقْمِ لا يَبْلى ولا يُمْحى. قالَ قَتادَةُ: رُقِمَ لَهم بِشَرٍّ، لا يُزادُ فِيهِمْ أحَدٌ ولا يُنْقَصُ مِنهم أحَدٌ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ: مَرْقُومٌ: مَخْتُومٌ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وأصْلُ الرَّقْمِ الكِتابَةُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎سَأرْقُمُ في الماءِ القُراحِ إلَيْكم ∗∗∗ عَلى بُعْدِكم إنْ كانَ لِلْماءِ راقِمُ
وتَبَيَّنَ مِنَ الإعْرابِ السّابِقِ أنَّ ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ بَدَلٌ أوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وكانَ ابْنُ عَطِيَّةَ قَدْ قالَ: إنَّ سِجِّينًا مَوْضِعُ ساجِنٍ عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ، وعِبارَةٌ عَنِ الخَسارِ عَلى قَوْلِ عِكْرِمَةَ، مَن قالَ: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ مَن قالَ بِالقَوْلِ الأوَّلِ في سِجِّينٍ، فَكِتابٌ مُرْتَفِعٌ عِنْدَهُ عَلى خَبَرِ إنَّ، والظَّرْفُ الَّذِي هو ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ مُلْغًى. ومَن قالَ في سِجِّينٍ بِالقَوْلِ الثّانِي، فَكِتابٌ مَرْقُومٌ عَلى خَبَرِ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ التَّقْدِيرُ هو كِتابٌ مَرْقُومٌ ويَكُونُ هَذا الكِتابُ مُفَسِّرًا لِسِجِّينٍ ما هو. انْتَهى. فَقَوْلُهُ: والظَّرْفُ الَّذِي هو ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ مُلْغًى قَوْلٌ لا يَصِحُّ؛ لِأنَّ اللّامَ الَّتِي في ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ داخِلَةٌ عَلى الخَبَرِ، وإذا كانَتْ داخِلَةً عَلى الخَبَرِ فَلا إلْغاءَ في الجارِّ والمَجْرُورِ، بَلْ هو الخَبَرُ، ولا جائِزٌ أنْ تَكُونَ هَذِهِ اللّامُ دَخَلَتْ في ﴿لَفي سِجِّينٍ﴾ عَلى فَضْلَةٍ هي مَعْمُولَةٌ لِلْخَبَرِ أوْ لِصِفَةِ الخَبَرِ، فَيَكُونُ الجارُّ والمَجْرُورُ مُلْغًى لا خَبَرًا؛ لِأنَّ (كِتابٌ) مَوْصُوفٌ بِمَرْقُومٍ فَلا يَعْمَلُ؛ ولِأنَّ مَرْقُومًا الَّذِي هو صِفَةٌ لِكِتابٍ لا يَجُوزُ أنْ تَدْخُلَ اللّامُ في مَعْمُولِهِ، ولا يَجُوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ مَعْمُولُهُ عَلى المَوْصُوفِ، فَتَعَيَّنَ بِهَذا أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ هو خَبَرُ إنَّ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَیۡلࣱ لِّلۡمُطَفِّفِینَ","ٱلَّذِینَ إِذَا ٱكۡتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ یَسۡتَوۡفُونَ","وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ یُخۡسِرُونَ","أَلَا یَظُنُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ","لِیَوۡمٍ عَظِیمࣲ","یَوۡمَ یَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","كَلَّاۤ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِی سِجِّینࣲ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّینࣱ","كِتَـٰبࣱ مَّرۡقُومࣱ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ"],"ayah":"أَلَا یَظُنُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق