الباحث القرآني

﴿وإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ اسْتِئْنافُ إخْبارٍ، أيْ عَلَيْهِمْ مَن يَحْفَظُ أعْمالَهم ويَضْبُطُها. ويَظْهَرُ أنَّها جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ، والواوُ واوُ الحالِ، أيْ تُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الجَزاءِ. والكاتِبُونَ: الحَفَظَةُ يَضْبُطُونَ أعْمالَكم لِأنْ تُجازَوْا عَلَيْها، وفي تَعْظِيمِ الكَتَبَةِ بِالثَّناءِ عَلَيْهِمْ تَعْظِيمٌ لِأمْرِ الجَزاءِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (يَصْلَوْنَها) مُضارِعُ صَلِيَ مُخَفَّفًا، وابْنُ مِقْسَمٍ: مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ﴿يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ فَيَكْتُبُونَ ما تَعَلَّقَ بِهِ الجَزاءُ. قالَ الحَسَنُ: يَعْلَمُونَ ما ظَهَرَ دُونَ حَدِيثِ النَّفْسِ. وقالَ سُفْيانُ: إذا هَمَّ العَبْدُ بِالحَسَنَةِ أوِ السَّيِّئَةِ، وجَدَ الكاتِبانِ رِيحَها. وقالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: حَيْثُ قالَ يَعْلَمُونَ ولَمْ يَقُلْ يَكْتُبُونَ دَلَّ عَلى أنَّهُ لا يَكْتُبُ الجَمِيعَ فَيَخْرُجُ عَنْهُ السَّهْوُ والخَطَأُ وما لا تَبِعَةَ فِيهِ ﴿وما هم عَنْها بِغائِبِينَ﴾: أيْ عَنِ الجَحِيمِ، أيْ لا يُمْكِنُهُمُ الغَيْبَةُ، كَقَوْلِهِ: ﴿وما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ [البقرة: ١٦٧] . وقِيلَ: إنَّهم مُشاهِدُوها في البَرْزَخِ، لَمّا أخْبَرَ عَنْ صَلْبِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ أخْبَرَ بِانْتِفاءِ غَيْبَتِهِمْ عَنْها قَبْلَ الصَّلْيِ، أيْ يَرَوْنَ مَقاعِدَهم مِنَ النّارِ. ﴿وما أدْراكَ﴾ تَعْظِيمٌ لِهَوْلِ ذَلِكَ اليَوْمِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحاقَ، وعِيسى، وابْنُ جُنْدُبٍ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: (يَوْمُ لا تَمْلِكُ) بِرَفْعِ المِيمِ، أيْ هو يَوْمٌ، وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِمّا قَبْلَهُ، وقَرَأ مَحْبُوبٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو: (يَوْمٌ لا تَمْلِكُ) عَلى التَّنْكِيرِ مُنَوَّنًا مَرْفُوعًا فَكَّهُ عَنِ الإضافَةِ، وارْتِفاعُهُ عَلى هو يَوْمٌ، ولا تَمْلِكُ جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ، أيْ لا تَمْلِكُ فِيهِ، وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والحَسَنُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، والأعْرَجُ وباقِي السَّبْعَةِ: يَوْمَ بِالفَتْحِ عَلى الظَّرْفِ، فَعِنْدَ البَصْرِيِّينَ هي حَرَكَةُ إعْرابٍ، وعِنْدَ الكُوفِيِّينَ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ حَرَكَةَ بِناءٍ، وهو عَلى التَّقْدِيرَيْنِ في مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرِ المَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ: الجَزاءُ يَوْمَ لا تَمْلِكُ، أوْ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الظَّرْفِ، أيْ يُدانُونَ يَوْمَ لا تَمْلِكُ، أوْ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، أيِ اذْكُرْ يَوْمَ لا تَمْلِكُ، ويَجُوزُ عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ بِناءَهُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هو ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾ عامٌّ كَقَوْلِهِ: ﴿فاليَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكم لِبَعْضٍ نَفْعًا ولا ضَرًّا﴾ [سبإ: ٤٢] . وقالَ مُقاتِلٌ: لِنَفْسٍ كافِرَةٍ شَيْئًا مِنَ المَنفَعَةِ. ﴿والأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ قالَ قَتادَةُ: وكَذَلِكَ هو اليَوْمُ، لَكِنَّهُ هُناكَ لا يَدَّعِي أحَدٌ مُنازَعَةً، ولا يُمَكِّنُ هو أحَدًا مِمّا كانَ مَلَّكَهُ في الدُّنْيا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب