الباحث القرآني

سُورَةُ التَّكْوِيرِ مَكِّيَّةٌ وهي تِسْعٌ وعِشْرُونَ آيَةً ﷽ ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ ﴿وإذا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ ﴿وإذا الجِبالُ سُيِّرَتْ﴾ ﴿وإذا العِشارُ عُطِّلَتْ﴾ ﴿وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ ﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧] ﴿وإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: ٨] ﴿بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٩] ﴿وإذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير: ١٠] ﴿وإذا السَّماءُ كُشِطَتْ﴾ [التكوير: ١١] ﴿وإذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ [التكوير: ١٢] ﴿وإذا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ [التكوير: ١٣] ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ [التكوير: ١٤] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥] ﴿الجَوارِي الكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٦] ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ [التكوير: ١٧] ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير: ١٨] ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [التكوير: ١٩] ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير: ٢٠] ﴿مُطاعٍ ثَمَّ أمِينٍ﴾ [التكوير: ٢١] ﴿وما صاحِبُكم بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: ٢٢] ﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ [التكوير: ٢٣] ﴿وما هو عَلى الغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤] ﴿وما هو بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ٢٥] ﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: ٢٦] ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٧] ﴿لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير: ٢٨] ﴿وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩] انْكَدَرَتِ النُّجُومُ: انْتَثَرَتْ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: انْصَبَّتْ كَما تَنْصَبُّ القِعابُ إذا كُسِرَتْ. قالَ العَجّاجُ يَصِفُ صَقْرًا: ؎أبْصَرَ حُرُماتِ فَلاةٍ فانْكَدَرْ تَقَصِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ العِشارُ جَمْعُ عُشَراءَ، وهي النّاقَةُ الَّتِي مَرَّ لِحَمْلِها عَشَرَةُ أشْهُرٍ، ثُمَّ هو اسْمُها إلى أنْ تَضَعَ في تَمامِ السَّنَةِ. التَّعْطِيلُ: التَّفْرِيغُ والإهْمالُ. الوَحْشُ: حَيَوانُ البَرِّ الَّذِي لَيْسَ في طَبْعِهِ التَّآنُسُ بِبَنِي آدَمَ. المَوْءُودَةُ: البِنْتُ الَّتِي تُدْفَنُ حَيَّةً: وأصْلُهُ مِنَ النَّقْلِ، كَأنَّها تُنْقَلُ مِنَ التُّرابِ حَتّى تَمُوتَ، ومِنهُ اتَّئِدْ: أيْ تَوَقَّرْ وأثْقِلْ ولا تَخَفْ. الكَشْطُ: التَّقْشِيرُ، كَشَطْتُ جِلْدَ الشّاةِ: سَلَخْتُهُ عَنْها. الخُنَّسُ جَمْعُ خانِسٍ، والخُنُوسُ: الِانْقِباضُ والِاسْتِخْفاءُ. تَقُولُ خَنَسَ بَيْنَ القَوْمِ وانْخَنَسَ. الكُنَّسُ جَمْعُ كانِسٍ وكانِسَةٍ، يُقالُ: كَنَسَ إذا دَخَلَ الكِناسَ، وهو المَكانُ الَّذِي تَأْوِي إلَيْهِ الظِّباءُ. والخَنْسُ: تَأخُّرُ الأنْفِ عَنِ الشَّفَةِ مَعَ ارْتِفاعٍ قَلِيلٍ مِنَ الأرْنَبَةِ. (عَسْعَسَ) قالَ الفَرّاءُ: عَسْعَسَ اللَّيْلُ وعَسَسَ، إذا لَمْ يَبْقَ مِنهُ القَلِيلُ. وقالَ الخَلِيلُ: عَسْعَسَ اللَّيْلُ: أقْبَلَ وأدْبَرَ. قالَ المُبَرِّدُ: هو مِنَ الأضْدادِ. وقالَ عَلْقَمَةُ بْنُ قُرْطٍ: ؎حَتّى إذا الصُّبْحُ لَها تَنَفَّسا ∗∗∗ وانْجابَ عَنْها لَيْلُها وعَسْعَسا وقالَ رُؤْبَةُ: ؎يا هِنْدُ ما أسْرَعَ ما تَعَسْعَسا ∗∗∗ مِن بَعْدَما كانَ فَتًى قَرْعَرْعا التَّنَفُّسُ: خُرُوجُ النَّسِيمِ مِنَ الجَوْفِ، واسْتُعِيرَ لِلصُّبْحِ، ومَعْناهُ: امْتِدادُهُ حَتّى يَصِيرَ نَهارًا واضِحًا. الظَّنِينُ: المُتَّهَمُ، فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، ظَنَنْتُ الرَّجُلَ: اتَّهَمْتُهُ، والظَّنِينُ: البَخِيلُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎أجُودُ بِمَكْنُونِ الحَدِيثِ وإنَّنِي ∗∗∗ بِسِرِّكَ عَنْ ما سَألْتَنِي لَضَنِينُ (p-٤٣١)﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ ﴿وإذا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ ﴿وإذا الجِبالُ سُيِّرَتْ﴾ ﴿وإذا العِشارُ عُطِّلَتْ﴾ ﴿وإذا الوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ ﴿وإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧] ﴿وإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: ٨] ﴿بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٩] ﴿وإذا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير: ١٠] ﴿وإذا السَّماءُ كُشِطَتْ﴾ [التكوير: ١١] ﴿وإذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ [التكوير: ١٢] ﴿وإذا الجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ [التكوير: ١٣] ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ [التكوير: ١٤] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥] ﴿الجَوارِي الكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٦] ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ [التكوير: ١٧] ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير: ١٨] ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [التكوير: ١٩] ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير: ٢٠] ﴿مُطاعٍ ثَمَّ أمِينٍ﴾ [التكوير: ٢١] ﴿وما صاحِبُكم بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: ٢٢] ﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ [التكوير: ٢٣] ﴿وما هو عَلى الغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤] ﴿وما هو بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ٢٥] ﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: ٢٦] ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٧] ﴿لِمَن شاءَ مِنكم أنْ يَسْتَقِيمَ﴾ [التكوير: ٢٨] ﴿وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩] . هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها في غايَةِ الظُّهُورِ، وتَكْوِيرُ الشَّمْسِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إدْخالُها في العَرْشِ. وقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ والحَسَنُ: ذَهابُ ضَوْئِها. وقالَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ: رَمى بِها، ومِنهُ: كَوَّرْتُهُ فَتَكَوَّرَ. وقالَ أبُو صالِحٍ: نَكَسَتْ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: أظْلَمَتْ، وعَنْ مُجاهِدٍ: اضْمَحَلَّتْ. وقِيلَ: غَوَّرَتْ، وقِيلَ: يَلُفُّ بَعْضَها بِبَعْضٍ ويَرْمِي بِها في البَحْرِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: كُوِّرَتْ مِثْلَ تَكْوِيرِ العِمامَةِ. وقالَ القُرْطُبِيُّ: مِن كارَ العِمامَةَ عَلى رَأْسِهِ يُكَوِّرُها، أيْ لاثَها وجَمَعَها، فَهي تُكَوَّرُ، ثُمَّ يَمْحِي ضَوْءَها، ثُمَّ يَرْمِي بِها. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ارْتِفاعُ الشَّمْسِ عَلى الِابْتِداءِ أوِ الفاعِلِيَّةِ ؟ قُلْتُ: بَلْ عَلى الفاعِلِيَّةِ، رافِعُها فِعْلٌ مُضْمَرٌ يُفَسِّرُهُ (كُوِّرَتْ) لِأنَّ إذا يَطْلُبُ الفِعْلَ لِما فِيهِ مِن مَعْنى الشَّرْطِ. انْتَهى. ومِن طَرِيقَتِهِ أنَّهُ يُسَمِّي المَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ فاعِلًا، ولا مُشاحَّةَ في الِاصْطِلاحِ، (p-٤٣٢)ولَيْسَ ما ذُكِرَ مِنِ الإعْرابِ مُجْمَعًا عَلى تَحَتُّمِهِ عِنْدَ النُّحاةِ، بَلْ يَجُوزُ رَفْعُ الشَّمْسِ عَلى الِابْتِداءِ عِنْدَ الأخْفَشِ والكُوفِيِّينَ؛ لِأنَّهم يُجِيزُونَ أنْ تَجِيءَ الجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ بَعْدَ إذا، نَحْوُ: إذا زَيْدٌ يُكْرِمُكَ فَأكْرِمْهُ. ﴿انْكَدَرَتْ﴾ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: تَساقَطَتْ، وعَنْهُ أيْضًا: تَغَيَّرَتْ فَلَمْ يَبْقَ لَها ضَوْءٌ لِزَوالِها عَنْ أماكِنِها، مِن قَوْلِهِمْ: ماءٌ كَدِرٌ: أيْ مُتَغَيِّرٌ. وتَسْيِيرُ الجِبالِ: أيْ عَنْ وجْهِ الأرْضِ، أوْ سُيِّرَتْ في الجَوِّ تَسْيِيرَ السَّحابِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ [النمل: ٨٨] وهَذا قَبْلُ نَسْفِها، وذَلِكَ في أوَّلِ هَوْلِ يَوْمِ القِيامَةِ. والعِشارُ: أنْفَسُ ما عِنْدَ العَرَبِ مِنَ المالِ، وتَعْطِيلُها: تَرْكُها مُسَيَّبَةً مُهْمَلَةً، أوْ عَنِ الحَلْبِ لِاشْتِغالِهِمْ بِأنْفُسِهِمْ، أوْ عَنْ أنْ يُحْمَلَ عَنْها الفُحُولُ، وأطْلَقَ عَلَيْها عِشارًا بِاعْتِبارِ ما سَبَقَ لَها ذَلِكَ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وهَذا عَلى وجْهِ المَثَلِ؛ لِأنَّهُ في القِيامَةِ لا يَكُونُ عُشَراءُ، فالمَعْنى: أنَّهُ لَوْ كانَ عُشَراءُ لَعَطَّلَها أهْلُها واشْتَغَلُوا بِأنْفُسِهِمْ. وقِيلَ: إذا قامُوا مِنَ القُبُورِ شاهَدُوا الوُحُوشَ والدَّوابَّ مَحْشُورَةً وعِشارُهم فِيها الَّتِي كانَتْ كَرائِمَ أمْوالِهِمْ، لَمْ يَعْبَئُوا بِها لِشُغْلِهِمْ بِأنْفُسِهِمْ. وقِيلَ: العِشارُ: السَّحابُ، وتَعْطِيلُها مِنَ الماءِ فَلا تُمْطِرُ. والعَرَبُ تُسَمِّي السَّحابَ بِالحامِلِ. وقِيلَ: العِشارُ: الدِّيارُ تُعَطَّلُ فَلا تُسْكَنُ. وقِيلَ: العِشارُ: الأرْضُ الَّتِي يُعَشَّرُ زَرْعُها، تُعَطَّلُ فَلا تُزْرَعُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (عُطِّلَتْ) بِتَشْدِيدِ الطّاءِ، ومُضَرُ عَنِ اليَزِيدِيِّ: بِتَخْفِيفِها، كَذا في كِتابِ ابْنِ خالَوَيْهِ، وفي كِتابِ اللَّوامِحِ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، قالَ في اللَّوامِحِ، وقِيلَ: هو وهْمٌ إنَّما هو عَطَلَتْ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنى تَعَطَّلَتْ، لِأنَّ التَّشْدِيدَ فِيهِ التَّعَدِّي، يُقالُ: مِنهُ عَطَّلْتُ الشَّيْءَ وأعْطَلْتُهُ فَعَطِلَ بِنَفْسِهِ، وعَطِلَتِ المَرْأةُ فَهي عاطِلٌ إذا لَمْ يَكُنْ عَلَيْها الحُلِيُّ، فَلَعَلَّ هَذِهِ القِراءَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ لُغَةٌ اسْتَوى فِيها فَعِلَتْ وأفْعَلَتْ، واللَّهُ أعْلَمُ. انْتَهى. وقالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎وجِيدٍ كَجِيدِ الرِّيمِ لَيْسَ بِفاحِشٍ ∗∗∗ إذا هي نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطَّلِ (حُشِرَتْ): أيْ جُمِعَتْ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ. فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: جُمِعَتْ بِالمَوْتِ، فَلا تُبْعَثُ ولا يَحْضُرُ في القِيامَةِ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ. وعَنْهُ وعَنْ قَتادَةَ وجَماعَةٍ: يُحْشَرُ كُلُّ شَيْءٍ حَتّى الذُّبابُ. وعَنْهُ: تُحْشَرُ الوُحُوشُ حَتّى يُقْتَصَّ مِن بَعْضِها لِبَعْضٍ، ثُمَّ يُقْتَصَّ لِلْجَمّاءِ مِنَ القَرْناءِ، ثُمَّ يُقالُ لَها مُوتِي فَتَمُوتُ. وقِيلَ: إذا قُضِيَ بَيْنَها رُدَّتْ تُرابًا فَلا يَبْقى مِنها إلّا ما فِيهِ سُرُورٌ لِبَنِي آدَمَ وإعْجابٌ بِصُورَتِهِ، كالطّاوُوسِ ونَحْوِهِ. وقالَ أُبَيٌّ: في الدُّنْيا في أوَّلِ الهَوْلِ تَفِرُّ في الأرْضِ وتَجْتَمِعُ إلى بَنِي آدَمَ تَآنُسًا بِهِمْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (حُشِرَتْ) بِخَفِّ الشِّينِ، والحَسَنُ وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: بِشَدِّها ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾: تَقَدَّمَ أقْوالُ العُلَماءِ في سَجْرِ البَحْرِ في (الطُّورِ، والبَحْرِ المَسْجُورِ) وفي كِتابِ لُغاتِ القِراءاتِ، (سُجِّرَتْ) جُمِعَتْ بِلُغَةِ خَثْعَمَ. وقالَ هُنا ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: مُلِكَتْ وقُيِّدَ اضْطِرابُها حَتّى لا تَخْرُجَ عَلى الأرْضِ مِنَ الهَوْلِ، فَتَكُونَ اللَّفْظَةُ مَأْخُوذَةً مِن ساجُورِ الكَلْبِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: بِخَفِّ الجِيمِ، وباقِي السَّبْعَةِ: بِشَدِّها. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ هَذِهِ الأشْياءَ المَذْكُورَةَ اسْتِعاراتٌ في كُلِّ ابْنِ آدَمَ وأحْوالِهِ عِنْدَ المَوْتِ. فالشَّمْسُ نَفْسُهُ، والنُّجُومُ عَيْناهُ وحَواسُّهُ، وهَذا قَوْلٌ ذاهِبٌ إلى إثْباتِ الرُّمُوزِ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى. انْتَهى. وهَذا مَذْهَبُ الباطِنِيَّةِ، ومَذاهِبُ مَن يَنْتَمِي إلى الإسْلامِ مِن غُلاةِ الصُّوفِيَّةِ، وقَدْ أشَرْنا إلَيْهِمْ في خُطْبَةِ هَذا الكِتابِ، وإنَّما هَؤُلاءِ زَنادِقَةٌ تَسَتَّرُوا بِالِانْتِماءِ إلى مِلَّةِ الإسْلامِ. وكِتابُ اللَّهِ جاءَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، لا رَمْزَ فِيهِ ولا لُغْزَ ولا باطِنَ، ولا إيماءَ لِشَيْءٍ مِمّا تَنْتَحِلُهُ الفَلاسِفَةُ ولا أهْلُ الطَّبائِعِ، ولَقَدْ ضَمَّنَ تَفْسِيرَهُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ المَعْرُوفُ بِابْنِ خَطِيبِ الرَّيِّ أشْياءَ مِمّا قالَهُ الحُكَماءُ عِنْدَهُ وأصْحابُ النُّجُومِ وأصْحابُ الهَيْئَةِ، وذَلِكَ كُلُّهُ بِمَعْزِلٍ عَنْ تَفْسِيرِ كِتابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وكَذَلِكَ ما ذَكَرَهُ صاحِبُ التَّحْرِيرِ والتَّحْبِيرِ في آخِرِ ما يُفَسِّرُهُ مِنَ الآياتِ مِن كَلامِ مَن يَنْتَمِي إلى الصُّوفِ ويُسَمِّيها الحَقائِقَ، وفِيها ما لا يَحِلُّ كِتابَتُهُ، (p-٤٣٣)فَضْلًا عَنْ أنْ يُعْتَقَدَ، نَسْألُ اللَّهَ تَعالى السَّلامَةَ في دِينِنا وعَقائِدِنا وما بِهِ قِوامُ دِينِنا ودُنْيانا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب