الباحث القرآني
﴿وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدى الطّائِفَتَيْنِ أنَّها لَكم وتَوَدُّونَ أنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكم ويُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ ويَقْطَعَ دابِرَ الكافِرِينَ لِيُحِقَّ الحَقَّ ويُبْطِلَ الباطِلَ ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ ﴿إحْدى الطّائِفَتَيْنِ﴾ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، والطّائِفَتانِ هُما كَطائِفَةِ عِيرِ قُرَيْشٍ، وكانَتْ فِيهِما تِجارَةٌ عَظِيمَةٌ لَهم ومَعَها أرْبَعُونَ راكِبًا فِيها أبُو سُفْيانَ، وعَمْرُو بْنُ العاصِ، وعَمْرُو بْنُ هِشامٍ، وطائِفَةُ الَّذِينَ اسْتَنْفَرَهم أبُو جَهْلٍ وكانُوا في العَدَدِ الَّذِي ذَكَرْناهُ، ﴿غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ﴾ هي العِيرُ؛ لِأنَّها (p-٤٦٤)لَيْسَتْ ذاتَ قِتالٍ، وإنَّما هي غَنِيمَةٌ بارِدَةٌ، ومَعْنى إثْباتِ الحَقِّ تَثْبِيتُهُ وإعْلاؤُهُ، وبِكَلِماتِهِ بِآياتِهِ المُنَزَّلَةِ في مُحارَبَةِ ذاتِ الشَّوْكَةِ، وبِما أمَرَ المَلائِكَةَ مِن نُزُولِهِمْ لِلنُّصْرَةِ، وبِما قَضى مِن أسْرِهِمْ وقَتْلِهِمْ وطَرْحِهِمْ في قَلِيبِ بَدْرٍ، وبِما ظَهَرَ ما أخْبَرَ بِهِ ﷺ، وقَطْعُ الدّابِرِ عِبارَةٌ عَنِ الِاسْتِئْصالِ، والمَعْنى: أنَّكم تَرْغَبُونَ في إبْقاءِ العاجِلَةِ وسَلامَةِ الأحْوالِ وسَفْسافِ الأُمُورِ وإعْلاءِ الحَقِّ والفَوْزِ في الدّارَيْنِ، وشَتّانَ ما بَيْنَ المُرادَيْنِ، ولِذَلِكَ اخْتارَ لَكم ذاتَ الشَّوْكَةِ وأراكَهم عِيانًا، خَذَلَهم ونَصَرَكم، وأذَلَّهم وأعَزَّكم، وحَصَّلَ لَكم ما أرْبى عَلى دائِرَةِ العِيرِ وما أدْناهُ خَيْرٌ مِنهُما، وقَرَأ مَسْلَمَةُ بْنُ مُحارِبٍ: يَعِدْكم، بِسُكُونِ الدّالِ لِتَوالِي الحَرَكاتِ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: اللَّهُ احْدى، بِإسْقاطِ هَمْزَةِ إحْدى عَلى غَيْرِ قِياسٍ، وعَنْهُ أيْضًا: أحَدَ، عَلى التَّذْكِيرِ؛ إذْ تَأْنِيثُ الطّائِفَةِ مَجازٌ، وأدْغَمَ أبُو عَمْرٍو: الشَّوْكَة تَّكُونُ، وقَرَأ مُسْلِمُ بْنُ مُحارِبٍ: بِكَلِمَتِهِ، عَلى التَّوْحِيدِ، وحَكاها ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ شَيْبَةَ وأبِي جَعْفَرٍ ونافِعٍ، بِخِلافٍ عَنْهم وأطْلَقَ المُفْرَدَ مُرادًا بِهِ الجَمْعُ لِلْعِلْمِ بِهِ، أوْ أُرِيدَ بِهِ كَلِمَةُ تَكْوِينِ الأشْياءِ، وهو: كُنْ، قِيلَ: وكَلِماتُهُ هي ما وعَدَ نَبِيَّهُ في سُورَةِ الدُّخانِ، فَقالَ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرى إنّا مُنْتَقِمُونَ﴾ [الدخان: ١٦]، أيْ: مِن أبِي جَهْلٍ وأصْحابِهِ؛ وقِيلَ: أوامِرُهُ ونَواهِيهِ؛ وقِيلَ: مَواعِيدُهُ النَّصْرُ والظَّفَرُ والِاسْتِيلاءُ عَلى إحْدى الطّائِفَتَيْنِ؛ وقِيلَ: كَلِماتُهُ الَّتِي سَبَقَتْ في الأزَلِ، ومَعْنى ﴿لِيُحِقَّ الحَقَّ﴾ لِيُظْهِرَ ما يَجِبُ إظْهارُهُ، وهو الإسْلامُ ﴿ويُبْطِلَ الباطِلَ﴾ فَعَلَ ذَلِكَ؛ وقِيلَ: الحَقُّ القُرْآنُ، والباطِلُ إبْلِيسُ، وتَتَعَلَّقُ هَذِهِ اللّامُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: لِيُحِقَّ الحَقَّ ويُبْطِلَ الباطِلَ فَعَلَ ذَلِكَ، أيْ: ما فَعَلَهُ إلّا لَهُما، وهو إثْباتُ الإسْلامِ وإظْهارُهُ وإبْطالُ الكُفْرِ ومَحْوُهُ، ولَيْسَ هَذا بِتَكْرِيرٍ لِاخْتِلافِ المَعْنَيَيْنِ، الأوَّلُ: تَبْيِينٌ بَيْنَ الإرادَتَيْنِ، والثّانِي: بَيانٌ لِما فُعِلَ مِنِ اخْتِيارِ ذاتِ الشَّوْكَةِ عَلى غَيْرِها لَهم ونُصْرَتِهِمْ عَلَيْها، وأنَّهُ ما نَصَرَهم ولا خَذَلَ أُولَئِكَ عَلى كَثْرَتِهِمْ إلّا لِهَذا المَقْصِدِ الَّذِي هو أسْنى المَقاصِدِ، وتَقْدِيرُ ما تَعَلَّقَ بِهِ مُتَأخِّرًا أحْسَنُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجِبُ أنْ يُقَدَّرَ المَحْذُوفُ مُتَأخِّرًا حَتّى يُفِيدَ مَعْنى الِاخْتِصاصِ ويَنْطَبِقَ عَلَيْهِ المَعْنى، انْتَهى، وذَلِكَ عَلى مَذْهَبِهِ في أنَّ تَقْدِيمَ المَفْعُولِ والمَجْرُورِ يَدُلُّ عَلى الِاخْتِصاصِ والحَصْرِ، وذَلِكَ عِنْدَنا لا يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ؛ إنَّما يَدُلُّ عَلى الِاعْتِناءِ والِاهْتِمامِ بِما قُدِّمَ لا عَلى تَخْصِيصٍ ولا حَصْرٍ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ مَعَهُ في ذَلِكَ؛ وقِيلَ: يَتَعَلَّقُ لِيُحِقَّ بِقَوْلِهِ: ويَقْطَعَ؛ وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ولَوْ كَرِهَ، أيْ: وكَراهَتُكم واقِعَةٌ فَهي جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ، انْتَهى، وقَدْ تَقَدَّمَ لَنا الكَلامُ مَعَهُ في ذَلِكَ وأنَّ التَّحْقِيقَ فِيهِ أنَّ الواوَ لِلْعَطْفِ عَلى مَحْذُوفٍ ذَلِكَ المَحْذُوفُ في مَوْضِعِ الحالِ، والمَعْطُوفُ عَلى الحالِ حالٌ، ومَثَّلْنا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أعْطُوا السّائِلَ ولَوْ جاءَ عَلى فَرَسٍ، أيْ: عَلى كُلِّ حالٍ ولَوْ عَلى هَذِهِ الحالَةِ الَّتِي تُنافِي الصَّدَقَةَ عَلى السّائِلِ، وأنْ ولَوْ هَذِهِ تَأْتِي لِاسْتِقْصاءِ ما بَطَنَ؛ لِأنَّهُ لا يَنْدَرِجُ في عُمُومِ ما قَبْلَهُ لِمُلاقاةِ الَّتِي بَيْنَ هَذِهِ الحالِ وبَيْنَ المُسْنَدِ الَّذِي قَبْلَهُما، وقالَ الحَسَنُ: هاتانِ الآيَتانِ مُتَقَدِّمَتانِ في النُّزُولِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿كَما أخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ [الأنفال: ٥]، وفي القِراءَةِ بَعْدَهُما لِتَقابُلِ الحَقِّ بِالحَقِّ والكَراهَةِ بِالكَراهَةِ، انْتَهى، وهَذِهِ دَعْوى لا دَلِيلَ عَلَيْها، ولا حاجَةَ تَضْطَرُّنا إلى تَصْحِيحِها.
﴿إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكم فاسْتَجابَ لَكم أنِّي مُمِدُّكم بِألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ اسْتَغاثَ: طَلَبَ الغَوْثَ، لَمّا عَلِمُوا أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ القِتالِ شَرَعُوا في طَلَبِ الغَوْثِ مِنَ اللَّهِ تَعالى والدُّعاءِ بِالنُّصْرَةِ، والظّاهِرُ أنَّهُ خِطابٌ لِمَن خُوطِبَ بِقَوْلِهِ: وإذْ يَعِدُكم وتَوَدُّونَ، وأنَّ الخِطابَ في قَوْلِهِ: كَما أخْرَجَكَ، ويُجادِلُونَكَ، هو خِطابٌ لِلرَّسُولِ، ولِذَلِكَ أفْرَدَ، فالخِطابانِ مُخْتَلِفانِ؛ وقِيلَ: المُسْتَغِيثُ هو النَّبِيُّ ﷺ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: «لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ إلى أصْحابِهِ وهم ثَلاثُمِائَةٍ ونَيِّفٌ، وإلى المُشْرِكِينَ وهم (p-٤٦٥)ألْفٌ، فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ ومَدَّ يَدَهُ وهو يَقُولُ: اللَّهُمَّ أنْجِزْنِي ما وعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العُصْبَةَ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ، ولَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى سَقَطَ رِداؤُهُ، فَرَدَّهُ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَفاكَ يا رَسُولَ اللَّهِ مُناشَدَتَكَ اللَّهَ فَإنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ ما وعَدَكَ»، قالُوا: فَيَكُونُ مِن خِطابِ الواحِدِ المُعَظَّمِ خِطابُ الجَمِيعِ، ورُوِيَ أنَّ أبا جَهْلٍ عِنْدَما اصْطَفَّ القَوْمُ قالَ: اللَّهُمَّ أوْلانا بِالحَقِّ فانْصُرْهُ، وإذْ بَدَلٌ مِن إذْ يَعِدُكم، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ، وكانَ قَدْ قَدَّمَ أنَّ العامِلَ في إذْ يَعِدُكُمُ اذْكُرْ، وقالَ الطَّبَرِيُّ: هي مُتَعَلِّقَةٌ بِيُحِقَّ ويُبْطِلَ، وأجازَ هو والحَوْفِيُّ أنْ تَكُونَ مَنصُوبَةً بِيَعِدُكم، وأجازَ الحَوْفِيُّ أنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً عَلى إضْمارِ واذْكُرُوا، وأجازَ أبُو البَقاءِ أنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِتَوَدُّونَ، واسْتَغاثَ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ، كَما هو في الآيَةِ، ويَتَعَدّى بِحَرْفِ جَرٍّ، كَما جاءَ في لَفْظِ سِيبَوَيْهِ في بابِ الِاسْتِغاثَةِ، وفي بابِ ابْنِ مالِكٍ في النَّحْوِ المُسْتَغاثُ، ولا يَقُولُ: المُسْتَغاثُ بِهِ، وكَأنَّهُ لَمّا رَآهُ في القُرْآنِ تَعَدّى بِنَفْسِهِ قالَ: المُسْتَغاثُ، ولَمْ يُعَدِّهِ بِالباءِ كَما عَدّاهُ سِيبَوَيْهِ والنَّحْوِيُّونَ، وزَعَمَ أنَّ كَلامَ العَرَبِ بِخِلافِ ذَلِكَ، وكَلامُهُ مَسْمُوعٌ مِن كَلامِ العَرَبِ فَما جاءَ مُعَدًّى بِالباءِ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎حَتّى اسْتَغاثَ بِماءٍ لا رِشاءَ لَهُ مِنَ الأباطِحِ في حاجاتِهِ البُرَكُ
؎مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّبْتِ تَنْسُجُهُ ∗∗∗ رِيحٌ حَرِيقٌ لِضاحِي مائِهِ حُبُكُ
؎كَما اسْتَغاثَ بِشَيْءٍ قَبْرُ عَنْطَلَةٍ ∗∗∗ خافَ العُيُونَ ولَمْ يُنْظَرْ بِهِ الحَشَكُ
وقَرَأ الجُمْهُورُ: أنِّي، بِفَتْحٍ، أيْ: بِأنِّي، وعِيسى بْنُ عُمَرَ رَواها عَنْ أبِي عَمْرٍو: وإنِّي، بِكَسْرِها عَلى إضْمارِ القَوْلِ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ، أوْ عَلى الحِكايَةِ بِاسْتَجابَ لِإجْرائِهِ مَجْرى الفِعْلِ؛ إذْ سَوّى في مَعْناهُ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في شَرْحِ اسْتَجابَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ بِألْفٍ عَلى التَّوْحِيدِ، والجَحْدَرِيُّ بِآلُفٍ عَلى وزْنِ أفْلُسٍ، وعَنْهُ وعَنِ السُّدِّيِّ بِآلافٍ، والجَمْعُ بَيْنَ الإفْرادِ والجَمْعِ، أنْ يُحْمَلَ الإفْرادُ عَلى مَن قاتَلَ مِنهم، أوْ عَلى الوُجُوهِ الَّذِينَ مَن سِواهم أتْباعٌ لَهم؛ وقَرَأ نافِعٌ وجَماعَةٌ مِن أهْلِ المَدِينَةِ وغَيْرُهم مُرْدَفِينَ بِفَتْحِ الدّالِ، وباقِي السَّبْعَةِ والحَسَنُ ومُجاهِدٌ بِكَسْرِها، أيْ: مُتابِعًا بَعْضُهم بَعْضًا، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: خَلْفَ كُلِّ مَلَكٍ مَلَكٌ وراءَهُ. وقَرَأ بَعْضُ المَكِّيِّينَ فِيما رَوى عَنْهُ الخَلِيلُ بْنُ أحْمَدَ، وحَكاهُ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ: مُرَدِّفِينَ، بِفَتْحِ الرّاءِ وكَسْرِ الدّالِ مُشَدَّدَةً أصْلُهُ مُرْتَدِفِينَ فَأُدْغِمَ؛ وقالَ أبُو الفَضْلِ الرّازِيُّ: وقَدْ يَجُوزُ فَتْحُ الرّاءِ فِرارًا إلى أخَفِّ الحَرَكاتِ، أوْ لِثِقَلِ حَرَكَةِ التّاءِ إلى الرّاءِ عِنْدَ الإدْغامِ، ولا يُعْرَفُ فِيهِ أثَرًا انْتَهى. ورُوِيَ عَنِ الخَلِيلِ أنَّهُ يُضَمُّ الرّاءُ إتْباعًا لِحَرَكَةِ المِيمِ لِقَوْلِهِمْ: مُخَضَّمٌ؛ وقُرِئَ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ بِكَسْرِ الرّاءِ إتْباعًا لِحَرَكَةِ الدّالِ، أوْ حُرِّكَتْ بِالكَسْرِ عَلى أصْلِ التِقاءِ السّاكِنَيْنِ؛ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَحْسُنُ مَعَ هَذِهِ القِراءَةِ كَسْرُ المِيمِ، ولا أحْفَظُهُ قِراءَةً، كَقَوْلِهِمْ: مُخَضَّمٌ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في عَدَدِ المَلائِكَةِ وهَلْ قاتَلَتْ أمْ لَمْ تُقاتِلْ في آلِ عِمْرانَ ولَمْ تَتَعَرَّضِ الآيَةُ لِقِتالِهِمْ، والظّاهِرُ أنَّ قِراءَةَ مَن قَرَأ ﴿مُرْدِفِينَ﴾ بِسُكُونِ الرّاءِ وفَتْحِ الدّالِ أنَّهُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: ﴿بِألْفٍ﴾، أيْ: أرْدَفَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ؛ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِالمُرْدَفِينَ المُؤْمِنِينَ، أيْ: أُرْدِفُوا بِالمَلائِكَةِ، فَمُرْدَفِينَ عَلى هَذا حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأرْدَفْتُهُ إيّاهُ إذا أتْبَعْتَهُ، ويُقالُ: أرْدَفْتُهُ، كَقَوْلِكَ: أتْبَعْتُهُ إذا جِئْتَ بَعْدَهُ، فَلا يَخْلُو المَكْسُورُ الدّالِ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى مُتْبِعِينَ أوْ مُتَّبَعِينَ، فَإنْ (p-٤٦٦)كانَ بِمَعْنى مُتْبِعِينَ فَلا يَخْلُو أنْ يَكُونَ بِمَعْنى مُتْبِعِينَ بَعْضُهم بَعْضًا، أوْ مُتْبِعِينَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ، أوْ بِمَعْنى مُتْبِعِينَ إيّاهُمُ المُؤْمِنُونَ، أيْ: يَتَقَدَّمُونَهم فَيَتْبَعُونَهم أنْفُسَهم، أوْ مُتْبِعِينَ لَهم يُشَيِّعُوهم ويُقَدِّمُونَهم بَيْنَ أيْدِيهِمْ وهم عَلى ساقَتِهِمْ لِيَكُونُوا عَلى أعْيُنِهِمْ وحِفْظِهِمْ، أوْ بِمَعْنى مُتْبِعِينَ أنْفُسَهم مَلائِكَةً آخَرِينَ، أوْ مُتْبِعِينَ غَيْرَهم مِنَ المَلائِكَةِ، ويُعَضِّدُ هَذا الوَجْهَ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ: ﴿بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٤]، ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥]، انْتَهى. وهَذا تَكْثِيرٌ في الكَلامِ، ومُلَخَّصُهُ أنَّ اتَّبَعَ مُشَدَّدًا يَتَعَدّى إلى واحِدٍ، وأتْبَعَ مُخَفَّفًا يَتَعَدّى إلى اثْنَيْنِ، وأرْدَفَ أتى بِمَعْناهُما، والمَفْعُولُ لِـ (تَبِعَ) مَحْذُوفٌ والمَفْعُولانِ لِـ (تَبِعَ) مَحْذُوفانِ، فَيُقَدَّرُ ما يَصِحُّ بِهِ المَعْنى، وقَوْلُهُ: أوْ مُتْبِعِينَ إيّاهُمُ المُؤْمِنِينَ، هَذا لَيْسَ مِن مَواضِعِ فَصْلِ الضَّمِيرِ، بَلْ مِمّا يُتَّصَلُ وتُحْذَفُ لَهُ النُّونُ، لا يُقالُ: هَؤُلاءِ كاسُّونَ إيّاكَ ثَوْبًا، بَلْ يُقالُ: كاسُوكَ، فَتَصْحِيحُهُ أنْ يَقُولَ: أوْ بِمَعْنى مُتْبِعِيهِمُ المُؤْمِنِينَ، أوْ يَقُولَ: أوْ بِمَعْنى مُتْبِعِينَ أنْفُسَهُمُ المُؤْمِنِينَ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَإِذۡ یَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّاۤىِٕفَتَیۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَیۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَیُرِیدُ ٱللَّهُ أَن یُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَیَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","لِیُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَیُبۡطِلَ ٱلۡبَـٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ","إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّی مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُرۡدِفِینَ"],"ayah":"إِذۡ تَسۡتَغِیثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّی مُمِدُّكُم بِأَلۡفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُرۡدِفِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق