الباحث القرآني
﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ آوَوْا ونَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ والَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا وإنِ اسْتَنْصَرُوكم في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكم وبَيْنَهم مِيثاقٌ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ قَسَّمَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ إلى: المُهاجِرِينَ والأنْصارِ والَّذِينَ لَمْ يُهاجِرُوا، فَبَدَأ بِالمُهاجِرِينَ؛ لِأنَّهم أصْلُ الإسْلامِ وأوَّلُ مَنِ اسْتَجابَ لِلَّهِ، فَهاجَرَ قَوْمٌ إلى المَدِينَةِ، وقَوْمٌ إلى الحَبَشَةِ، وقَوْمٌ إلى ابْنِ ذِي يَزَنَ، ثُمَّ هاجَرُوا إلى المَدِينَةِ وكانُوا قُدْوَةً لِغَيْرِهِمْ في الإيمانِ وسَبَبَ تَقْوِيَةِ الدِّينِ، مَن سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُها وأجْرُ مَن عَمِلَ بِها إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وثَنّى بِالأنْصارِ لِأنَّهم ساوَوْهم في الإيمانِ، وفي الجِهادِ بِالنَّفْسِ والمالِ، لَكِنَّهُ عادَلَ الهِجْرَةَ الإيواءَ والنَّصْرَ، وانْفَرَدَ المُهاجِرُونَ بِالسَّبْقِ، وذَكَرَ ثالِثًا مَن آمَنَ ولَمْ يُهاجِرْ ولَمْ يَنْصُرْ فَفاتَهم هاتانِ الفَضِيلَتانِ وحُرِمُوا الوَلايَةَ حَتّى يُهاجِرُوا، ومَعْنى (أوْلِياءُ بَعْضٍ) في النُّصْرَةِ والتَّعاوُنِ والمُؤازَرَةِ، كَما جاءَ في غَيْرِ آيَةٍ، نَحْوُ: ﴿والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١] (p-٥٢٢)وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ: ذَلِكَ في المِيراثِ آخى الرَّسُولُ ﷺ بَيْنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، فَكانَ المُهاجِرِيُّ يَرِثُهُ أخُوهُ الأنْصارِيُّ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِالمَدِينَةِ ولِيٌّ مُهاجِرِيٌّ، ولا تَوارُثَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَرِيبِهِ المُسْلِمِ غَيْرِ المُهاجِرِيِّ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: واسْتَمَرَّ أمْرُهم كَذَلِكَ إلى فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ تَوارَثُوا بَعْدُ لَمّا لَمْ تَكُنْ هِجْرَةٌ، فَمَعْنى: ﴿ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ﴾ نَفْيُ المُوالاةِ في التَّوارُثِ، وكانَ قَوْلُهُ: ﴿وأُولُو الأرْحامِ بَعْضُهم أوْلى﴾ [الأنفال: ٧٥] نَسْخًا لِذَلِكَ، وعَلى القَوْلِ الأوَّلِ يَكُونُ المَعْنى في نَفْيِ الوَلايَةِ عَلى أنَّها صِفَةٌ لِلْحالِ؛ إذْ لا يُمْكِنُ ولايَتُهُ ونَصْرُهُ لِتَباعُدِ ما بَيْنَ المُهاجِرِينَ وبَيْنَهم، وفي ذَلِكَ حَضٌّ لِلْأعْرابِ عَلى الهِجْرَةِ، قِيلَ، ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ المُوالاةُ؛ لِأنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ وإنِ اسْتَنْصَرُوكم في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ، والمَعْطُوفُ مُغايِرٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ الوَلايَةُ المَنفِيَّةُ غَيْرَ النُّصْرَةِ، انْتَهى. ولَمّا نَزَلَ: (ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا) قالَ الزُّبَيْرُ: هَلْ نُعِينُهم عَلى أمْرٍ إنِ اسْتَعانُوا بِنا ؟ فَنَزَلَ: ﴿وإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ﴾، ومَعْنى (مِيثاقٌ): عَهْدٌ؛ لِأنَّ نَصْرَكم إيّاهم نَقْضٌ لِلْعَهْدِ فَلا تُقاتِلُونَ؛ لِأنَّ المِيثاقَ مانِعٌ مِن ذَلِكَ، وخَصَّ الِاسْتِنْصارَ بِالدِّينِ؛ لِأنَّهُ بِالحَمِيَّةِ والعَصَبِيَّةِ في غَيْرِ الدِّينِ مَنهِيٌّ عَنْهُ، وعَلى تَقْتَضِي الوُجُوبَ، ولِذَلِكَ قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِقَوْلِهِ: فَواجِبٌ عَلَيْكم أنْ تَنْصُرُوهم. وقالَ زُهَيْرٌ:
؎عَلى مُكْثِرِيهِمْ رِزْقُ مَن يَعْتَرِيهِمُ وعِنْدَ المُقِلِّينَ السَّماحَةُ والبَذْلُ
وقَرَأ الأعْمَشُ وابْنُ وثّابٍ وحَمْزَةُ: ﴿ولايَتِهِمْ﴾، بِالكَسْرِ، وباقِي السَّبْعَةِ والجُمْهُورُ بِالفَتْحِ، وهُما لُغَتانِ، قالَهُ الأخْفَشُ، ولَحَّنَ الأصْمَعِيُّ الأخْفَشَ في قِراءَتِهِ بِالكَسْرِ وأخْطَأ في ذَلِكَ؛ لِأنَّها قِراءَةٌ مُتَواتِرَةٌ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: بِالكَسْرِ مِن وِلايَةِ السُّلْطانِ وبِالفَتْحِ مِنَ المَوْلى، يُقالُ: مَوْلى بَيْنَ الوَلايَةِ بِفَتْحِ الواوِ، وقالَ الزَّجّاجُ بِالفَتْحِ مِنَ النُّصْرَةِ والنَّسَبِ، وبِالكَسْرِ بِمَنزِلَةِ الإمارَةِ قالَ: ويَجُوزُ الكَسْرُ؛ لِأنَّ في تَوَلِّي بَعْضِ القَوْمِ بَعْضًا جَنْسًا مِنَ الصِّناعَةِ والعَمَلِ، وكُلُّ ما كانَ مِن جِنْسِ الصِّناعَةِ مَكْسُورٌ، مِثْلُ القِصارَةِ والخِياطَةِ، وتَبِعَ الزَّمَخْشَرِيَّ الزَّجّاجُ، فَقالَ: وقُرِئَ مِن ﴿ولايَتِهِمْ﴾ بِالفَتْحِ والكَسْرِ، أيْ: مِن تَوَلِّيهِمْ في المِيراثِ، وُوُجِّهَ الكَسْرُ أنَّ تَوَلِّيَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا شُبِّهَ بِالعَمَلِ والصِّناعَةِ، كَأنَّهُ بِتَوَلِّيهِ صاحِبَهُ يُزاوِلُ أمْرًا ويُباشِرُ عَمَلًا، وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: والَّذِي عِنْدَنا الأخْذُ بِالفَتْحِ في هَذَيْنِ الحَرْفَيْنِ نَعْنِي هُنا، وفي الكَهْفِ؛ لِأنَّ مَعْناهُما مِنَ المُوالاةِ؛ لِأنَّها في الدِّينِ، وقالَ الفَرّاءُ: يُرِيدُ مِن مَوارِيثِهِمْ، فَكَسْرُ الواوِ أحَبُّ إلَيَّ مِن فَتْحِها؛ لِأنَّها إنَّما تُفْتَحُ إذا كانَتْ نُصْرَةً، وكانَ الكِسائِيُّ يَذْهَبُ بِفَتْحِها إلى النُّصْرَةِ، وقَدْ ذُكِرَ الفَتْحُ والكَسْرُ في المَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا، وقَرَأ السُّلَمِيُّ والأعْرَجُ بِما يَعْمَلُونَ بِالياءِ عَلى الغَيْبَةِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِینَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوۤا۟ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَـٰیَتِهِم مِّن شَیۡءٍ حَتَّىٰ یُهَاجِرُوا۟ۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ فَعَلَیۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُم مِّیثَـٰقࣱۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق