الباحث القرآني
﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِمَن في أيْدِيكم مِنَ الأسْرى إنْ يَعْلَمِ اللَّهُ في قُلُوبِكم خَيْرًا يُؤْتِكم خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنكم ويَغْفِرْ لَكم واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ﴿وإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأمْكَنَ مِنهم واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ .
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَقِيبَ بَدْرٍ في أسْرى بَدْرٍ، أُعْلِمُوا أنَّ لَهم مَيْلًا إلى الإسْلامِ وأنَّهم يُؤَمِّلُونَهُ إنْ فُدُوا ورَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ؛ وقِيلَ: في عَبّاسٍ وأصْحابِهِ قالُوا لِلرَّسُولِ: آمَنّا بِما جِئْتَ ونَشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَنَنْصَحَنَّ لَكَ عَلى قَوْمِنا، ومَعْنى في أيْدِيكم، أيْ: مَلَّكْتُكم، كَأنَّ الأيْدِيَ قابِضَةٌ عَلَيْهِمْ، والصَّحِيحُ أنَّ الأُسارى كانُوا سَبْعِينَ والقَتْلى سَبْعِينَ، كَما ثَبَتَ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ المُسَيَّبِ وأبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ، وكانَ عَلَيْهِمْ حِينَ جِيءَ بِهِمْ إلى المَدِينَةِ شُقْرانُ مَوْلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وقالَ مالِكٌ: كانُوا مُشْرِكِينَ، ومِنهُمُ العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أسَرَهُ أبُو اليُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو أخُو بَنِي سَلِمَةَ، وكانَ قَصِيرًا والعَبّاسُ ضَخْمٌ طَوِيلٌ، فَلَمّا جاءَ بِهِ قالَ الرَّسُولُ ﷺ: لَقَدْ أعانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ، وعَنِ العَبّاسِ: كَنْتُ مُسْلِمًا ولَكِنَّهُمُ اسْتَكْرَهُونِي، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنْ يَكُنْ ما تَقُولُ حَقًّا فاللَّهُ يَجْزِيكَ فَأمّا ظاهِرُ أمْرِكَ فَقَدْ كُنْتَ عَلَيْنا، وكانَ أحَدَ الَّذِينَ ضَمِنُوا إطْعامَ أهْلِ بَدْرٍ وخَرَجَ بِالذَّهَبِ لِذَلِكَ»، ورُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لِلْعَبّاسِ «افْدِ ابْنَيْ أخِيكَ» عَقِيلَ بْنَ أبِي طالِبٍ ونَوْفَلَ بْنَ الحارِثِ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، تَرَكْتَنِي أتَكَفَّفُ قُرَيْشًا ما بَقِيتُ، فَقالَ لَهُ: أيْنَ المالُ الَّذِي دَفَعْتَهُ إلى أُمِّ الفَضْلِ وقْتَ خُرُوجِكَ مِن مَكَّةَ وقُلْتَ لَها: لا أدْرِي ما يُصِيبُنِي في وجْهِي هَذا، فَإنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَهو لَكِ ولِعَبْدِ اللَّهِ وعُبَيْدِ اللَّهِ والفَضْلِ، فَقالَ العَبّاسُ: وما يُدْرِيكَ ؟ قالَ: أخْبَرَنِي بِهِ رَبِّي، قالَ العَبّاسُ: فَأنا أشْهَدُ أنَّكَ صادِقٌ وأنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنْتَ عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، واللَّهِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أحَدٌ إلّا اللَّهُ، ولَقَدْ دَفَعْتُهُ إلَيْها في سَوادِ اللَّيْلِ ولَقَدْ كُنْتُ مُرْتابًا في أمْرِكَ فَأمّا إذا أخْبَرْتَنِي بِذَلِكَ فَلا رَيْبَ، قالَ العَبّاسُ: فَأبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِن ذَلِكَ لِيَ الآنَ عِشْرُونَ عَبْدًا إنَّ أدْناهم لَيَضْرِبُ في عِشْرِينَ ألْفًا، وأعْطانِي زَمْزَمَ ما أُحِبُّ أنَّ لِي بِها جَمِيعَ أمْوالِ مَكَّةَ وأنا أنْتَظِرُ المَغْفِرَةَ مِن رَبِّي، ورُوِيَ أنَّهُ قَدِمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مالُ البَحْرَيْنِ ثَمانُونَ ألْفًا فَتَوَضَّأ لِصَلاةِ الظُّهْرِ وما صَلّى حَتّى فَرَّقَهُ وأمَرَ العَبّاسَ أنْ يَأْخُذَ مِنهُ فَأخَذَ ما قَدَرَ عَلى حَمْلِهِ، وكانَ يَقُولُ: (p-٥٢١)هَذا خَيْرٌ مِمّا أُخِذَ مِنِّي وأرْجُو المَغْفِرَةَ، ومَعْنى ﴿إنْ يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ إنْ يَتَبَيَّنْ لِلنّاسِ عِلْمُ اللَّهِ في قُلُوبِكم خَيْرًا، أيْ: إسْلامًا كَما زَعَمْتُمْ بِأنْ تُظْهِرُوا الإسْلامَ فَإنَّهُ سَيُعْطِيكم أفْضَلَ مِمّا أُخِذَ مِنكم بِالفِداءِ، وسَيَغْفِرُ لَكم ما اجْتَرَحْتُمُوهُ، فَإنَّ الإسْلامَ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: مِنَ الأسْرى، وابْنُ مُحَيْصِنٍ: مِن أسْرى، مُنَكَّرًا، وقَتادَةُ وأبُو جَعْفَرٍ وابْنُ أبِي إسْحاقَ ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ وأبُو عَمْرٍو مِنَ السَّبْعَةِ: مِنَ الأُسارى، واخْتُلِفَ عَنِ الحَسَنِ وعَنِ الجَحْدَرِيِّ، وقَرَأ الأعْمَشُ: يُثِبْكم خَيْرًا، مِنَ الثَّوابِ، وقَرَأ الحَسَنُ وأبُو حَيْوَةَ وشَيْبَةُ وحُمَيْدٌ: مِمّا أخَذَ، مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وإيتاءُ هَذا الخَيْرِ قِيلَ: في الدُّنْيا، وقِيلَ: في الآخِرَةِ؛ وقِيلَ: فِيهِما، والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في: وإنْ يُرِيدُوا عَلى الأسْرى؛ لِأنَّهُ أقْرَبُ مَذْكُورٍ، والخِيانَةُ هي كَوْنُهم أظْهَرَ الإسْلامَ بَعْضُهم ثُمَّ رُدُّوا إلى دِينِهِمْ، فَقَدْ خانُوا اللَّهَ لِخُرُوجِهِمْ مَعَ المُشْرِكِينَ، وقالَ الكِرْمانِيُّ: وإنْ يُرِيدُوا، يَعْنِي: الأسْرى خِيانَتَكَ، يَعْنِي: نَقْضَ ما عَهِدُوا مَعَكَ، فَقَدْ خانُوا اللَّهَ بِالكُفْرِ والشُّكْرِ قَبْلَ العَهْدِ؛ وقِيلَ: قَبْلَ بَدْرٍ، فَأمْكَنَ مِنهم، أوْ فَأمْكَنَكَ مِنهم وهَزَمْتَهم وأسَرْتَهم، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خِيانَتَكَ، أيْ: يَنْكُثُ ما بايَعُوكَ عَلَيْهِ مِنَ الإسْلامِ والرِّدَّةِ واسْتِحْبابِ دِينِ آبائِهِمْ، فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ في كُفْرِهِمْ ونَقْضِ ما أُخِذَ عَلى كُلِّ عاقِلٍ مِن مَشاقِّهِ، فَأمْكَنَ مِنهم، كَما رَأيْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَيُمْكِنُ مِنهم إنْ أعادُوا الخِيانَةَ؛ وقِيلَ: المُرادُ بِالخِيانَةِ مَنعُ ما ضَمِنُوا مِنَ الفِداءِ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنْ أخْلَصُوا فُعِلَ بِهِمْ كَذا، وإنْ أبْطَنُوا خِيانَةً ما رَغِبُوا أنْ يُؤْتَمَنُوا عَلَيْهِ مِنَ العَهْدِ فَلا يَسُرُّهم ذَلِكَ، ولا يَسْكُنُونَ إلَيْهِ فَإنَّ اللَّهَ بِالمِرْصادِ، فَهُمُ الَّذِينَ خانُوهُ بِكُفْرِهِمْ وتَرْكِهِمُ النَّظَرَ في آياتِهِ، وهو قَدْ بَيَّنَها لَهم وجَعَلَ لَهم إدْراكًا يُحَصِّلُونَها بِهِ فَصارَ ذَلِكَ كَعَهْدٍ مُتَقَرَّرٍ فَجُعِلَ جَزاؤُهم عَلى خِيانَتِهِمْ إيّاهُ أنْ مَكَّنَ مِنهُمُ المُؤْمِنِينَ وجَعَلَهم أسْرى في أيْدِيهِمْ، واللَّهُ عَلِيمٌ بِما يُبْطِنُونَهُ مِن إخْلاصٍ أوْ خِيانَةٍ حَكِيمٌ فِيما يُجازِيهِمُ، انْتَهى؛ وقِيلَ: الضَّمِيرُ في: وإنْ يُرِيدُوا، عائِدٌ عَلى الَّذِينَ قِيلَ في حَقِّهِمْ: وإنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ، أيْ: وإنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ في إظْهارِ الصُّلْحِ، والجُمْهُورُ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ في: (وإنْ يُرِيدُوا)، عائِدٌ عَلى الأسْرى، ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ في قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي سَرْحٍ فَإنْ كانَ قالَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ فَيُمْكِنُ، وإنْ كانَ عَلى سَبِيلِ أنَّها نَزَلَتْ في ذَلِكَ فَلا؛ لِأنَّهُ إنَّما بَيَّنَ أمْرَهُ في فَتْحِ مَكَّةَ، وهَذِهِ نَزَلَتْ عَقِيبَ بَدْرٍ.
{"ayahs_start":70,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّمَن فِیۤ أَیۡدِیكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰۤ إِن یَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِی قُلُوبِكُمۡ خَیۡرࣰا یُؤۡتِكُمۡ خَیۡرࣰا مِّمَّاۤ أُخِذَ مِنكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","وَإِن یُرِیدُوا۟ خِیَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُوا۟ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّمَن فِیۤ أَیۡدِیكُم مِّنَ ٱلۡأَسۡرَىٰۤ إِن یَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِی قُلُوبِكُمۡ خَیۡرࣰا یُؤۡتِكُمۡ خَیۡرࣰا مِّمَّاۤ أُخِذَ مِنكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق