الباحث القرآني
﴿وإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهم وقالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ وإنِّي جارٌ لَكم فَلَمّا تَراءَتِ الفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وقالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكم إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ إنِّي أخافُ اللَّهَ واللَّهُ شَدِيدُ العِقابِ﴾ أعْمالَهم: ما كانُوا فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وعِبادَةِ الأصْنامِ، ومَسِيرُهم إلى بَدْرٍ، وعَزْمُهم عَلى قِتالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهَذا التَّزْيِينُ والقَوْلُ والنُّكُوصُ هَلْ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ المَجازِ أوِ الحَقِيقَةِ ؟ قَوْلانِ لِلْمُفَسِّرِينَ، بَدَأ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالأوَّلِ فَقالَ: وسْوَسَ إلَيْهِمْ أنَّهم لا يُغْلَبُونَ ولا يُطاقُونَ، وأوْهَمَهم أنَّ اتِّباعَ خُطُواتِ الشَّيْطانِ وطاعَتَهُ مِمّا تُحَيِّرُهم، فَلَمّا تَلاقى الفَرِيقانِ نَكَصَ الشَّيْطانُ وتَبَرَّأ مِنهم، أيْ: بَطَلَ كَيْدُهُ حِينَ نَزَلَتْ جُنُودُ اللَّهِ، وكَذا عَنِالحَسَنِ كانَ ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الوَسْوَسَةِ ولَمْ يَتَمَثَّلْ لَهُمُ، انْتَهى، ويَكُونُ ذَلِكَ مِن بابِ مُجازِ التَّمْثِيلِ، وقالَ المَهْدَوِيُّ يُضَعِّفُ هَذا القَوْلَ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وإنِّي (p-٥٠٥)جارٌ لَكُمْ﴾ لَيْسَ مِمّا يُلْقى بِالوَسْوَسَةِ، انْتَهى، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ صُدُورُ هَذا القَوْلِ عَلى لِسانِ بَعْضِ الغُواةِ مِنَ النّاسِ، قالَ لَهم ذَلِكَ بِإغْواءِ إبْلِيسَ لَهُ، ونُسِبَ ذَلِكَ إلى إبْلِيسَ لِأنَّهُ هو المُتَسَبِّبُ في ذَلِكَ القَوْلِ، فَيَكُونُ القَوْلُ والنُّكُوصُ صادِرَيْنِ مِن إنْسانٍ حَقِيقَةً، والجُمْهُورُ عَلى أنَّ إبْلِيسَ تَصَوَّرَ لَهم، فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في صُورَةِ رَجُلٍ مِن بَنِي مُدْلِجٍ في جُنْدٍ مِنَ الشَّياطِينِ مَعَهُ رايَةٌ؛ وقِيلَ: جاءَهم في طَرِيقِهِمْ إلى بَدْرٍ في صُورَةِ سُراقَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وقَدْ خافُوا مِن بَنِي بَكْرٍ وكِنانَةَ لِدَخُولٍ كانَتْ بَيْنَهم، وكانَ مِن أشْرافِ كِنانَةَ فَقالَ ما حَكى اللَّهُ عَنْهُ، ومَعْنى: جارٌ لَكم: مُجِيرُكم مِن بَنِي كِنانَةَ، فَلَمّا رَأى المَلائِكَةَ تَنْزِلُ نَكَصَ؛ وقِيلَ: كانَتْ يَدُهُ في يَدِ الحارِثِ بْنِ هِشامٍ، فَلَمّا نَكَصَ قالَ لَهُ الحارِثُ: إلى أيْنَ ؟ أتَخْذُلُنا في هَذِهِ الحالِ ؟ فَقالَ: إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ، ودَفَعَ في صَدْرِ الحارِثِ وانْطَلَقَ وانْهَزَمُوا، فَلَمّا بَلَغُوا مَكَّةَ قالُوا: هَزَمَ النّاسَ سُراقَةُ بْنُ مالِكٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سُراقَةَ فَقالَ: واللَّهِ ما شَعُرْتُ بِمَسِيرِكم حَتّى بَلَغَتْنِي هَزِيمَتُكم، فَلَمّا أسْلَمُوا عَلِمُوا أنَّهُ الشَّيْطانُ، وفي المُوَطَّأِ وغَيْرِهِ: «ما رُؤِيَ الشَّيْطانُ في يَوْمٍ أقَلَّ ولا أحْقَرَ ولا أصْغَرَ في يَوْمِ عَرَفَةَ لِما يَرى مِن نُزُولِ الرَّحْمَةِ، إلّا ما رَأى يَوْمَ بَدْرٍ، قِيلَ: وما رَأى يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: رَأى المَلائِكَةَ يُرِيحُها جِبْرِيلُ»، وقالَ الحَسَنُ: رَأى إبْلِيسُ جِبْرِيلَ يَقُودُ فَرَسَهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ وهو مُعْتَجِرٌ بِبُرْدَةٍ، وفي يَدِهِ اللِّجامُ، ولَكم لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: لا غالِبَ؛ لِأنَّهُ كانَ يَلْزَمُ تَنْوِينُهُ؛ لِأنَّهُ يَكُونُ اسْمُ لا مُطَوَّلًا، والمُطَوَّلُ يُعْرَبُ ولا يُبْنى، بَلْ لَكم في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الخَبَرِ، أيْ: كائِنٌ لَكم، وبِما تَعَلَّقَ المَجْرُورُ تَعَلَّقَ الظَّرْفُ، واليَوْمَ عِبارَةٌ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وإنِّي جارٌ لَكم، مَعْطُوفًا عَلى لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الواوُ لِلْحالِ، أيْ: لا أحَدَ يَغْلِبُكم وأنا جارٌ لَكم أُعِينُكم وأنْصُرُكم بِنَفْسِي وبِقَوْمِي، والفِئَتانِ جَمْعا المُؤْمِنِينَ والكافِرِينَ؛ وقِيلَ: فِئَةُ المُؤْمِنِينَ وفِئَةُ المَلائِكَةِ، نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ رَجَعَ في ضِدِّ إقْبالِهِ، وقالَ: ﴿إنِّي بَرِيءٌ مِنكُمْ﴾، مُبالَغَةٌ في الخِذْلانِ والِانْفِصالِ عَنْهم لَمْ يَكْتَفِ بِالفِعْلِ حَتّى أكَّدَ ذَلِكَ بِالقَوْلِ، ﴿ما لا تَرَوْنَ﴾: رَأى خَرْقَ العادَةِ ونُزُولَ المَلائِكَةِ، إنِّي أخافُ اللَّهَ، قالَ قَتادَةُ وابْنُ الكَلْبِيِّ مَعْذِرَةٌ كاذِبَةٌ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ قَطُّ، وقالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ: بَلْ خافَ مِمّا رَأى مِنَ الهَوْلِ أنَّهُ يَكُونُ اليَوْمَ الَّذِي أُنْظِرَ إلَيْهِ، انْتَهى، ويُنْظَرُ إلى هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ لِلْإنْسانِ اكْفُرْ﴾ [الحشر: ١٦]، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ واللَّهُ شَدِيدُ العِقابِ مَعْطُوفًا عَلى مَعْمُولِ القَوْلِ، قالَ ذَلِكَ بَسْطًا لِعُذْرِهِ عِنْدَهم، وهو مُتَحَقِّقٌ أنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ اللَّهِ اسْتُؤْنِفَ تَهْدِيدًا لِإبْلِيسَ ومَن تابَعَهُ مِن مُشْرِكِي قُرَيْشٍ.
{"ayah":"وَإِذۡ زَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّی جَارࣱ لَّكُمۡۖ فَلَمَّا تَرَاۤءَتِ ٱلۡفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ وَقَالَ إِنِّی بَرِیۤءࣱ مِّنكُمۡ إِنِّیۤ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق