الباحث القرآني
﴿وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الماكِرِينَ﴾ لَمّا ذَكَّرَ المُؤْمِنِينَ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ ذَكَّرَهُ ﷺ نِعَمَهُ عَلَيْهِ في خاصَّةِ نَفْسِهِ، وكانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ تَشاوَرُوا في دارِ النَّدْوَةِ بِما تَفْعَلُ بِهِ، فَمِن قائِلٍ: يُحْبَسُ ويُقَيَّدُ ويُتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبُ المَنُونِ، ومِن قائِلٍ: يُخْرَجُ مِن مَكَّةَ تَسْتَرِيحُوا مِنهُ، وتَصَوَّرَ إبْلِيسُ في صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيٍّ، وقِيلَ: هَذَيْنِ الرَّأْيَيْنِ، ومِن قائِلٍ: يَجْتَمِعُ مِن كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ ويَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةً واحِدَةً بِأسْيافِهِمْ، فَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ في القَبائِلِ، فَلا تَقْدِرُ بَنُو هاشِمٍ لِمُحارَبَةِ قُرَيْشٍ كُلِّها، فَيَرْضَوْنَ بِأخْذِ الدِّيَةِ، فَصَوَّبَ إبْلِيسُ هَذا الرَّأْيَ، فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلى نَبِيِّهِ ﷺ بِذَلِكَ، وأمَرَهُ أنْ لا يَبِيتَ في مَضْجَعِهِ وأذِنَ لَهُ بِالخُرُوجِ إلى المَدِينَةِ، وأمَرَ عَلِيًّا أنْ يَبِيتَ في مَضْجَعِهِ ويَتَّشِحَ بِبُرْدَتِهِ، وباتُوا راصِدِينَ فَبادَرُوا إلى المَضْجَعِ فَأبْصَرُوا عَلِيًّا فَبُهِتُوا، وخَلَّفَ عَلِيًّا لِيَرُدَّ ودائِعَ كانَتْ عِنْدَهُ وخَرَجَ إلى المَدِينَةِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: لِيُثْبِتُوكَ، أيْ: يُقَيِّدُوكَ، وقالَ عَطاءٌ والسُّدِّيُّ: لِيُثْخِنُوكَ بِالجَرْحِ والضَّرْبِ، مِن قَوْلِهِمْ: ضَرَبُوهُ حَتّى أثْبَتُوهُ لا حَراكَ بِهِ ولا بَراحَ، ورَمى الطّائِرَ فَأثْبَتَهُ، أيْ: أثْخَنَهُ. قالَ الشّاعِرُ:
؎فَقُلْتُ ويْحَكَ ماذا في صَحِيفَتِكم قالَ الخَلِيفَةُ أمْسى مُثْبَتًا وجِعا
أيْ مُثْخَنًا. وقَرَأ النَّخَعِيُّ لِيُبَيِّتُوكَ مِنَ البَياتِ، وهَذا المَكْرُ هُنا هو بِإجْماعِ المُفَسِّرِينَ ما اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ في دارِ النَّدْوَةِ، كَما أشَرْنا إلَيْهِ، وهَذِهِ الآيَةُ مَدَنِيَّةٌ كَسائِرِ السُّورَةِ، وهو الصَّوابُ، وعَنْ عِكْرِمَةَ ومُجاهِدٍ أنَّها مَكِّيَّةٌ، وعَنِ ابْنِ زَيْدٍ نَزَلَتْ عَقِيبَ كِفايَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ المُسْتَهْزِئِينَ، ويُتَأوَّلُ قَوْلُ عِكْرِمَةَ ومُجاهِدٍ عَلى أنَّهُما أشارا إلى قِصَّةِ الآيَةِ إلى وقْتِ نُزُولِها، وتَكَرَّرَ ويَمْكُرُونَ إخْبارًا بِاسْتِمْرارِ مَكْرِهِمْ وكَثْرَتِهِ، وتَقَدَّمَ شَرْحُ مِثْلِ باقِي الآيَةِ في آلِ عِمْرانَ.
﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا﴾ قائِلُ ذَلِكَ هو النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ واتَّبَعَهُ قائِلُونَ كَثِيرُونَ، وكانَ مِن مَرَدَةِ قُرَيْشٍ، سافَرَ (p-٤٨٨)إلى فارِسَ والحِيرَةِ، وسَمِعَ مِن قَصَصِ الرُّهْبانِ والأناجِيلِ، وأخْبارِ رُسْتُمَ واسْفَنْدِيارَ، ويَرى اليَهُودَ والنَّصارى يَرْكَعُونَ ويَسْجُدُونَ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَبْرًا بِالصَّفْراءِ بِالأثِيلِ مِنها مُنْصَرَفَهُ مِن بَدْرٍ، وفي هَذا التَّرْكِيبِ جَوازُ وُقُوعِ المُضارِعِ بَعْدَ إذا وجَوابُهُ الماضِي جَوازًا فَصِيحًا، بِخِلافِ أدَواتِ الشَّرْطِ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيها إلّا في الشِّعْرِ، نَحْوَ:
؎مَن يَكِدْنِي بِشَيْءٍ كُنْتُ مِنهُ
ومَعْنى قَدْ سَمِعْنا: قَدْ سَمِعْنا ولا نُطِيعُ، أوْ قَدْ سَمِعْنا مِنكَ هَذا، وقَوْلُهم: لَوْ نَشاءُ، أيْ: لَوْ نَشاءُ القَوْلَ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا الَّذِي تَتْلُوهُ، وذُكِرَ عَلى مَعْنى المَتْلُوِّ، وهَذا القَوْلُ مِنهم عَلى سَبِيلِ البَهْتِ والمُصادَمَةِ، ولَيْسَ ذَلِكَ في اسْتِطاعَتِهِمْ، فَقَدْ طُولِبُوا بِسُورَةٍ مِنهُ فَعَجَزُوا، وكانَ أصْعَبَ شَيْءٍ إلَيْهِمُ الغَلَبَةُ وخُصُوصًا في بابِ البَيانِ، فَقَدْ كانُوا يَتَمالَطُونَ ويَتَعارَضُونَ ويُحْكَمُ بَيْنَهم في ذَلِكَ، وكانُوا أحْرَصَ النّاسِ عَلى قَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَيْفَ يُحِيلُونَ المُعارَضَةَ عَلى المَشِيئَةِ ويَتَعَلَّلُونَ بِأنَّهم لَوْ أرادُوا لَقالُوا مِثْلَ هَذا القَوْلِ ؟ !
﴿إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ في الأنْعامِ.
﴿وإذْ قالُوا اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ قائِلُ ذَلِكَ النَّضْرُ؛ وقِيلَ: أبُو جَهْلٍ، رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ، وقالَ الجُمْهُورُ: قائِلُ ذَلِكَ كُفّارُ قُرَيْشٍ، والإشارَةُ في قَوْلِهِ: (إنْ كانَ هَذا) إلى القُرْآنِ، أوْ ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِنَ التَّوْحِيدِ وغَيْرِهِ، أوْ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِن بَيْنِ سائِرِ قُرَيْشٍ، أقْوالٌ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى اللَّهُمَّ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: هو الحَقَّ، بِالنَّصْبِ، جَعَلُوا هو فَصْلًا، وقَرَأ الأعْمَشُ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِالرَّفْعِ وهي جائِزَةٌ في العَرَبِيَّةِ، فالجُمْلَةُ خَبَرُ كانَ وهي لُغَةُ تَمِيمٍ يَرْفَعُونَ بَعْدَ هو الَّتِي هي فَصْلٌ في لُغَةِ غَيْرِهِمْ، كَما قالَ:
؎وكُنْتَ عَلَيْها بِالمَلا أنْتَ أقْدَرُ
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى الفَصْلِ وفائِدَتِهِ في أوَّلِ البَقَرَةِ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَجُوزُ في العَرَبِيَّةِ رَفْعُ (الحَقَّ) عَلى أنَّهُ خَبَرٌ والجُمْلَةُ خَبَرُ كانَ. قالَ الزَّجّاجُ، ولا أعْلَمُ أحَدًا قَرَأ بِهَذا الجائِزِ، وقِراءَةُ النّاسِ إنَّما هي بِنَصْبِ (الحَقَّ)، انْتَهى، وقَدْ ذُكِرَ مَن قَرَأ بِالرَّفْعِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ فِيها مُبالَغَةٌ في إنْكارِ الحَقِّ عَظِيمَةٌ، أيْ: إنْ كانَ حَقًّا فَعاقِبْنا عَلى إنْكارِهِ بِإمْطارِ الحِجارَةِ عَلَيْنا أمْ بِعَذابٍ آخَرَ، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومُرادُهُ نَفْيُ كَوْنِهِ حَقًّا، فَإذا انْتَفى كَوْنُهُ حَقًّا لَمْ يَسْتَوْجِبْ مُنْكِرُهُ عَذابًا، فَكانَ تَعْلِيقُ العَذابِ بِكَوْنِهِ حَقًّا مَعَ اعْتِقادِ أنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ كَتَعْلِيقِهِ بِالمُحالِ في قَوْلِهِ: إنْ كانَ الباطِلُ حَقًّا، مَعَ اعْتِقادِهِ أنَّهُ لَيْسَ بِحَقِّ، وقَوْلُهُ: هو الحَقَّ، تَهَكُّمٌ بِمَن يَقُولُ عَلى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ والتَّعْيِينِ هَذا هو الحَقُّ، ويُقالُ: أمْطَرَتْ كَأنْجَمَتْ وأسْبَلَتْ، ومَطَرَتْ كَهَتَفَتْ، وكَثُرَ الأمْطارُ في مَعْنى العَذابِ، (فَإنْ قُلْتَ): فَما فائِدَةُ قَوْلِهِ: مِنَ السَّماءِ، والأمْطارُ لا تَكُونُ إلّا مِنها، (قُلْتُ): كَأنَّهُ أرادَ أنْ يُقالَ: فَأمْطِرْ عَلَيْنا السِّجِّيلَ، وهي الحِجارَةُ المُسَوَّمَةُ لِلْعَذابِ، مَوْضِعُ حِجارَةٍ مِنَ السَّماءِ مَوْضِعُ السِّجِّيلِ، كَما يُقالُ: صَبَّ عَلَيْهِ مَسْرُودَةً مِن حَدِيدٍ يُرِيدُ دِرْعًا، انْتَهى، ومَعْنى جَوابِهِ أنَّ قَوْلَهُ: مِنَ السَّماءِ جاءَ عَلى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ، كَما أنَّ قَوْلَهُ: مِن حَدِيدٍ مَعْناهُ التَّأْكِيدُ؛ لِأنَّ المَسْرُودَةَ لا تَكُونُ إلّا مِن حَدِيدٍ، (p-٤٨٩)كَما أنَّ الأمْطارَ لا تَكُونُ إلّا مِنَ السَّماءِ
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَوْلُهم مِنَ السَّماءِ مُبالَغَةٌ وإغْراقٌ، انْتَهى. والَّذِي يَظْهَرُ لِي أنَّ حِكْمَةَ قَوْلِهِمْ مِنَ السَّماءِ هي مُقابَلَتُهم مَجِيءَ الأمْطارِ مِنَ الجِهَةِ الَّتِي ذُكِرَ أنَّهُ يَأْتِيهِ الوَحْيُ مِن جِهَتِها، أيْ: إنَّكَ تَذْكُرُ أنَّهُ يَأْتِيكَ الوَحْيُ مِنَ السَّماءِ فَأْتِنا بِعَذابٍ مِنَ الجِهَةِ الَّتِي يَأْتِيكَ مِنها الوَحْيُ؛ إذْ كانَ يَحْسُنُ أنْ يُعَبَّرَ عَنْ إرْسالِ الحِجارَةِ عَلَيْهِمْ مِن غَيْرِ جِهَةِ السَّماءِ بِقَوْلِهِمْ: فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً، وقالُوا ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِبْعادِ والِاعْتِقادِ أنَّ ما أُتِيَ بِهِ لَيْسَ بِحَقٍّ؛ وقِيلَ: عَلى سَبِيلِ الحَسَدِ والعِنادِ مَعَ عِلْمِهِمْ أنَّهُ حَقٌّ، واسْتَبْعَدَ هَذا الثّانِيَ ابْنُ فُورَكٍ، قالَ: ولا يَقُولُ هَذا عَلى وجْهِ العِنادِ عاقِلٌ، انْتَهى، وكَأنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ: ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤] وقِصَّةُ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ وأحْبارِ اليَهُودِ الَّذِينَ قالَ اللَّهُ تَعالى فِيهِمْ: ﴿فَلَمّا جاءَهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩]، وقَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ لَهم: «واللَّهِ إنَّكم لَتَعْلَمُونَ أنِّي رَسُولُ اللَّهِ»، أوْ كَلامٌ يُقارِبُهُ، واقْتِراحُهم هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ هو عَلى ما جَرى عَلَيْهِ اقْتِراحُ الأُمَمِ السّالِفَةِ، وسَألَ يَهُودِيٌّ ابْنَ عَبّاسٍ مِمَّنْ أنْتَ، قالَ مِن قُرَيْشٍ، فَقالَ أنْتَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا: ﴿إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ﴾ الآيَةَ، فَهَلّا قالُوا: فاهْدِنا إلَيْهِ ؟ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَأنْتَ يا إسْرائِيلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ لَمْ تَجِفَّ أرْجُلُهم مِن بَلَلِ البَحْرِ الَّذِي أُغْرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ ونَجا مُوسى وقَوْمُهُ حَتّى قالُوا: ﴿اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨] فَقالَ لَهم مُوسى: ﴿إنَّكم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٨] فَأطْرَقَ اليَهُودِيُّ مُفْحَمًا، وعَنْ مُعاوِيَةَ أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ مِن سَبَأٍ: ما أجْهَلَ قَوْمَكَ حِينَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمُ امْرَأةً، فَقالَ أجْهَلُ مِن قَوْمِي قَوْمُكَ قالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ دَعاهم إلى الحَقِّ: (إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ) الآيَةَ، ولَمْ يَقُولُوا: فاهْدِنا لَهُ.
﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ﴾ نَزَلَتْ هَذِهِ إلى ”يَعْلَمُونَ“ بِمَكَّةَ؛ وقِيلَ: بَعْدَ وقْعَةِ بَدْرٍ حِكايَةً عَمّا حَصَلَ فِيها. وقالَ ابْنُ أبْزى: الجُمْلَةُ الأُولى بِمَكَّةَ إثْرَ قَوْلِهِ: (بِعَذابٍ ألِيمٍ)، والثّانِيَةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِن مَكَّةَ في طَرِيقِهِ إلى المَدِينَةِ، وقَدْ بَقِيَ بِمَكَّةَ مُؤْمِنُونَ يَسْتَغْفِرُونَ، والثّالِثَةُ بَعْدَ بَدْرٍ عِنْدَ ظُهُورِ العَذابِ عَلَيْهِمْ، ولَمّا عَلَّقُوا إمْطارَ الحِجارَةِ أوِ الإتْيانَ بِعَذابٍ ألِيمٍ عَلى تَقْدِيرِ كَيْنُونَةِ ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ حَقًّا أخْبَرَ تَعالى أنَّهم مُسْتَحِقُّو العَذابِ، لَكِنَّهُ لا يُعَذِّبُهم وأنْتَ فِيهِمْ إكْرامًا لَهُ وجَرْيًا عَلى عادَتِهِ تَعالى مَعَ مُكَذِّبِي أنْبِيائِهِ أنْ لا يُعَذِّبَهم وأنْبِياؤُهم مُقِيمُونَ فِيهِمْ عَذابًا يَسْتَأْصِلُهم فِيهِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمْ تُعَذَّبْ أُمَّةٌ قَطُّ ونَبِيُّها فِيها، وعَلَيْهِ جَماعَةُ المُتَأوِّلِينَ، فالمَعْنى فَما كانَتْ لِتُعَذَّبَ أُمَّتُكَ وأنْتَ فِيهِمْ، بَلْ كَرامَتُكَ عِنْدَ رَبِّكَ أعْظَمُ، وقالَ تَعالى ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، ومِن رَحْمَتِهِ تَعالى أنْ لا يُعَذِّبَهم والرَّسُولُ ﷺ فِيهِمْ، ولَمّا كانَ الإمْطارُ لِلْحِجارَةِ عَلَيْهِمْ مُنْدَرِجًا تَحْتَ العَذابِ كانَ النَّفْيُ مُتَسَلِّطًا عَلى العَذابِ الَّذِي إمْطارُ الحِجارَةِ نَوْعٌ مِنهُ، فَقالَ تَعالى: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ﴾ ولَمْ يَجِئِ التَّرْكِيبُ: وما كانَ اللَّهُ لِيُمْطِرَ أوْ لِيَأْتِيَ بِعَذابٍ، وتَقْيِيدُ نَفْيِ العَذابِ بِكَيْنُونَةِ الرَّسُولِ فِيهِمْ إعْلامٌ بِأنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وفارَقَهم عَذَّبَهم، ولَكِنَّهُ لَمْ يُعَذِّبْهم إكْرامًا لَهُ مَعَ كَوْنِهِمْ بِصَدَدِ مَن يُعَذَّبُ لِتَكْذِيبِهِمْ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَنْ أبِي زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ العَرَبِ مَن يَقُولُ: وما كانَ اللَّهُ لَيُعَذِّبُهم، بِفَتْحِ اللّامِ، وهي لُغَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، ولا مُسْتَعْمَلَةٍ في القُرْآنِ، انْتَهى، وبِفَتْحِ اللّامِ في لِيُعَذِّبَهم قَرَأ أبُو السَّمالِ، وقَرَأ عَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبِي عَمْرٍو بِالفَتْحِ في لامِ الأمْرِ في قَوْلِهِ: فَلَيَنْظُرُ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ، ورَوى ابْنُ مُجاهِدٍ عَنْ أبِي زَيْدٍ أنَّ مِنَ العَرَبِ مَن يَفْتَحُ كُلَّ لامٍ إلّا في نَحْوِ: الحَمْدُ لِلَّهِ، انْتَهى، يَعْنِي لامَ الجَرِّ إذا دَخَلَتْ عَلى الظّاهِرِ، أوْ عَلى ياءِ المُتَكَلِّمِ، والظَّرْفِيَّةُ في فِيهِمْ مَجازٌ، والمَعْنى: وأنْتَ مُقِيمٌ بَيْنَهم غَيْرُ راحِلٍ عَنْهم.
﴿وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ﴾ انْظُرْ إلى حُسْنِ مَساقِ هاتَيْنِ (p-٤٩٠)الجُمْلَتَيْنِ لَمّا كانَتْ كَيْنُونَتُهُ فِيهِمْ سَبَبًا؛ لِانْتِفاءِ تَعْذِيبِهِمْ أكَّدَ خَبَرَ كانَ بِاللّامِ عَلى رَأْيِ الكُوفِيِّينَ، أوْ جَعَلَ خَبَرَ كانَ الإرادَةَ المَنفِيَّةَ عَلى رَأْيِ البَصْرِيِّينَ، وانْتِفاءُ الإرادَةِ لِلْعَذابِ أبْلَغُ مِنِ انْتِفاءِ العَذابِ، ولَمّا كانَ اسْتِغْفارُهم دُونَ تِلْكَ الكَيْنُونَةِ الشَّرِيفَةِ لَمْ يُؤَكِّدْ بِاللّامِ، بَلْ جاءَ خَبَرُ كانَ قَوْلُهُ: مُعَذِّبَهم، فَشَتّانَ ما بَيْنَ اسْتِغْفارِهِمْ وكَيْنُونَتِهِ ﷺ فِيهِمْ، والظّاهِرُ أنَّ هَذِهِ الضَّمائِرَ كُلَّها في الجُمَلِ عائِدَةٌ عَلى الكُفّارِ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ أبْزى وأبُو مالِكٍ والضَّحّاكُ ما مُقْتَضاهُ: إنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ: مُعَذِّبَهم، عائِدٌ عَلى كُفّارِ مَكَّةَ، والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: وهم، عائِدٌ عَلى المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ بَقُوا بَعْدَ الرَّسُولِ ﷺ بِمَكَّةَ، أيْ: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ الكُفّارَ والمُؤْمِنُونَ بَيْنَهم يَسْتَغْفِرُونَ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَدْفَعُ في صَدْرِ هَذا القَوْلِ أنَّ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ رُدَّ الضَّمِيرُ إلَيْهِمْ لَمْ يَجْرِ لَهم ذِكْرٌ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا ما مُقْتَضاهُ: إنَّ الضَّمِيرَيْنِ عائِدانِ عَلى الكُفّارِ، وكانُوا يَقُولُونَ في دُعائِهِمْ: غُفْرانَكَ، ويَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ، ونَحْوَ هَذا مِمّا هو دُعاءٌ واسْتِغْفارٌ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ أمَنَةً مِن عَذابِ الدُّنْيا، عَلى هَذا تَرَكَّبَ قَوْلُ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ وابْنِ عَبّاسٍ: إنَّ اللَّهَ جَعَلَ مِن عَذابِ الدُّنْيا أمَنَتَيْنِ كَوْنَ الرَّسُولِ ﷺ مَعَ النّاسِ والِاسْتِغْفارَ، فارْتَفَعَتِ الواحِدَةُ وبَقِيَ الِاسْتِغْفارُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وقالَ الزَّجّاجُ وحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: وهم يَسْتَغْفِرُونَ، عائِدٌ عَلى الكُفّارِ، والمُرادُ بِهِ مَن سَبَقَ لَهُ في عِلْمِ اللَّهِ أنْ يُسْلِمَ ويَسْتَغْفِرَ، فالمَعْنى: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَ الكُفّارَ، ومِنهم مَن يَسْتَغْفِرُ ويُؤْمِنُ في ثانِي حالٍ، وقالَ مُجاهِدٌ: وهم يَسْتَغْفِرُونَ، أيْ: وذَرِّيَّتُهم يَسْتَغْفِرُونَ ويُؤْمِنُونَ فَأُسْنِدَ إلَيْهِمْ إذْ ذُرِّيَّتُهم مِنهم، والِاسْتِغْفارُ طَلَبُ الغُفْرانِ، وقالَ الضَّحّاكُ ومُجاهِدٌ: مَعْنى يَسْتَغْفِرُونَ يُصَلُّونَ، وقالَ عِكْرِمَةُ ومُجاهِدٌ أيْضًا: يُسْلِمُونَ، وظاهِرُ قَوْلِهِ: وهم يَسْتَغْفِرُونَ أنَّهم مُلْتَبِسُونَ بِالِاسْتِغْفارِ، أيْ: هم يَسْتَغْفِرُونَ فَلا يُعَذَّبُونَ، كَما أنَّ الرَّسُولَ فِيهِمْ فَلا يُعَذَّبُونَ، فَكِلا الحالَيْنِ مَوْجُودٌ كَوْنُ الرَّسُولِ فِيهِمْ واسْتِغْفارُهم، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهم يَسْتَغْفِرُونَ في مَوْضِعِ الحالِ، ومَعْناهُ نَفْيُ الِاسْتِغْفارِ عَنْهم، أيْ: ولَوْ كانُوا مِمَّنْ يُؤْمِنُ ويَسْتَغْفِرُ مِنَ الكُفْرِ لَما عَذَّبَهم، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرى بِظُلْمٍ وأهْلُها مُصْلِحُونَ﴾ [هود: ١١٧] ولَكِنَّهم لا يَسْتَغْفِرُونَ ولا يُؤْمِنُونَ، ولا يُتَوَقَّعُ ذَلِكَ مِنهُمُ، انْتَهى، وما قالَهُ تَقَدَّمَهُ إلَيْهِ غَيْرُهُ، فَقالَ: المَعْنى وهم بِحالِ تَوْبَةٍ واسْتِغْفارٍ مِن كُفْرِهِمْ أنْ لَوْ وقَعَ ذَلِكَ مِنهم، واخْتارَهُ الطَّبَرِيُّ، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ قَتادَةَ وابْنِ زَيْدٍ.
﴿وما لَهم ألا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وهم يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ وما كانُوا أوْلِياءَهُ إنْ أوْلِياؤُهُ إلّا المُتَّقُونَ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ الظّاهِرُ أنَّ ما اسْتِفْهامِيَّةٌ، أيْ: أيُّ شَيْءٍ لَهم في انْتِفاءِ العَذابِ، وهو اسْتِفْهامٌ مَعْناهُ التَّقْرِيرُ، أيْ: كَيْفَ لا يُعَذَّبُونَ وهم مُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الحالَةِ المُقْتَضِيَةِ لِلْعَذابِ وهي صَدُّهُمُ المُؤْمِنِينَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ ولَيْسُوا بِوُلاةِ البَيْتِ، ولا مُتَأهِّلِينَ لِوِلايَتِهِ، ومِن صَدِّهِمْ ما فَعَلُوا بِالرَّسُولِ ﷺ عامَ الحُدَيْبِيَةِ، وإخْراجُهُ مَعَ المُؤْمِنِينَ داخِلٌ في الصَّدِّ، كانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ وُلاةُ البَيْتِ نَصُدُّ مَن نَشاءُ ونُدْخِلُ مَن نَشاءُ، وأنْ مَصْدَرِيَّةٌ، وقالَ الأخْفَشُ: هي زائِدَةٌ، قالَ النَّحّاسُ: لَوْ كانَ كَما قالَ لَرَفَعَ تَعْذِيبَهُمُ، انْتَهى، فَكانَ يَكُونُ الفِعْلُ في مَوْضِعِ الحالِ، كَقَوْلِهِ: وما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ، ومَوْضِعُ أنْ نَصْبٌ، أوْ جَرٌّ عَلى الخِلافِ؛ إذْ حُذِفَ مِنهُ في وهي تَتَعَلَّقُ بِما تَعَلَّقَ بِهِ لَهم، أيْ: أيُّ شَيْءٍ كائِنٍ أوْ مُسْتَقِرٍّ لَهم في أنْ لا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ، والمَعْنى: لا حَظَّ لَهم في انْتِفاءِ العَذابِ، وإذا انْتَفى ذَلِكَ فَهم مُعَذَّبُونَ ولا بُدَّ، وتَقْدِيرُ الطَّبَرِيِّ وما يَمْنَعُهم مِن أنْ يُعَذَّبُوا هو تَفْسِيرُ مَعْنى لا تَفْسِيرُ إعْرابٍ، وكَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يُتَأوَّلَ كَلامُ ابْنِ عَطِيَّةَ أنَّ التَّقْدِيرَ: وما قُدْرَتُهم، ونَحْوُهُ مِنَ الأفْعالِ مُوجِبٌ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، والظّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ في (أوْلِياءَهُ) عَلى المَسْجِدِ لِقُرْبِهِ وصِحَّةِ المَعْنى؛ وقِيلَ: ما لِلنَّفْيِ فَيَكُونُ إخْبارًا، أيْ: ولَيْسَ (p-٤٩١)لَهم أنْ لا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ، أيْ: لَيْسَ يَنْتَفِي العَذابُ عَنْهم مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِهَذِهِ الحالِ؛ وقِيلَ: الضَّمِيرُ في (أوْلِياءَهُ) عائِدٌ عَلى اللَّهِ تَعالى، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: وما كانُوا أوْلِياءَهُ اسْتِئْنافُ إخْبارٍ، أيْ: وما اسْتَحَقُّوا أنْ يَكُونُوا وُلاةَ أمْرِهِ ﴿إنْ أوْلِياؤُهُ إلّا المُتَّقُونَ﴾، أيِ: المُتَّقُونَ لِلشِّرْكِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إلّا المُتَّقُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ لَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ أيْضًا مِمَّنْ يَصْلُحُ أنْ يَلِيَ أمْرَهُ، إنَّما يَسْتَأْهِلُ وِلايَتَهُ مَن كانَ بَرًّا تَقِيًّا فَكَيْفَ عَبَدَةُ الأصْنامِ ؟ انْتَهى، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿وما كانُوا أوْلِياءَهُ﴾ مَعْطُوفًا عَلى وهم يَصُدُّونَ، فَيَكُونُ حالًا، والمَعْنى: كَيْفَ لا يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ وهم مُتَّصِفُونَ بِهَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ صَدِّهِمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ وانْتِفاءِ كَوْنِهِمْ أوْلِياءَهُ، أيْ: أوْلِياءَ المَسْجِدِ، أيْ: لَيْسُوا وُلاتَهُ فَلا يَنْبَغِي أنْ يَصُدُّوا عَنْهُ، أوْ أوْلِياءَ اللَّهِ، فَهم كُفّارٌ، فَيَكُونُ قَدِ ارْتَقى مِن حالٍ إلى أعْظَمَ مِنها، وهو كَوْنُهم لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ، فَمَن كانَ صادًّا عَنِ المَسْجِدِ كافِرًا بِاللَّهِ فَهو حَقِيقٌ بِالتَّعْذِيبِ، والضَّمِيرُ في (إنْ أوْلِياؤُهُ) مُتَرَتِّبٌ عَلى ما يَعُودُ عَلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿وما كانُوا أوْلِياءَهُ﴾، واخْتَلَفُوا في هَذا التَّعْذِيبِ فَقالَ قَوْمٌ: هو الأوَّلُ إلّا أنَّهُ كانَ امْتَنَعَ بِشَيْئَيْنِ: كَوْنِ النَّبِيِّ فِيهِمْ واسْتِغْفارِ مَن بَيْنَهم مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَلَمّا وقَعَ التَّمْيِيزُ بِالهِجْرَةِ وقَعَ بِالباقِينَ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وقِيلَ: بَلْ وقَعَ بِفَتْحِ مَكَّةَ، وقالَ قَوْمٌ: هَذا التَّعْذِيبُ غَيْرُ ذَلِكَ، فالأوَّلُ: اسْتِئْصالُ كُلِّهِمْ، فَلَمْ يَقَعْ لِما عَلِمَ مِن إسْلامِ بَعْضِهِمْ وإسْلامِ بَعْضِ ذَرارِيهِمْ، والثّانِي: قَتْلُ بَعْضِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: الأوَّلُ عَذابُ الدُّنْيا، والثّانِي: عَذابُ الآخِرَةِ، فالمَعْنى وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَ المُشْرِكِينَ لِاسْتِغْفارِهِمْ في الدُّنْيا وما لَهم أنْ لا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ في الآخِرَةِ، ومُتَعَلِّقُ لا يَعْلَمُونَ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: لا يَعْلَمُونَ أنَّهم لَيْسُوا أوْلِياءَهُ بَلْ يَظُنُّونَ أنَّهم أوْلِياؤُهُ، والظّاهِرُ اسْتِدْراكُ الأكْثَرِ في انْتِفاءِ العِلْمِ؛ إذْ كانَ بَيْنَهم، وفي خِلالِهِمْ مَن جَنَحَ إلى الإيمانِ، فَكانَ يَعْلَمُ أنَّ أُولَئِكَ الصّادِّينَ لَيْسُوا أوْلِياءَ البَيْتِ، أوْ أوْلِياءَ اللَّهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ولَكِنَّ أكْثَرَهم، أيْ: أكْثَرَ المُقِيمِينَ بِمَكَّةَ لا يَعْلَمُونَ لِتُخْرِجَ مِنهُمُ العَبّاسَ وأُمَّ الفَضْلِ وغَيْرَهُما مِمَّنْ وقَعَ لَهُ عِلْمٌ، أوْ إذْ كانَ فِيهِمْ مَن يَعْلَمُهُ، وهو يُعانِدُ طَلَبًا لِلرِّياسَةِ، أوْ أُرِيدَ بِالأكْثَرِ الجَمِيعُ عَلى سَبِيلِ المَجازِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ولَكِنَّهم لا يَعْلَمُونَ، كَما قِيلَ: قَلَّما رَجُلٌ يَقُولُ ذَلِكَ، في مَعْنى النَّفْيِ المَحْضِ، وإبْقاءُ الأكْثَرِ عَلى ظاهِرِهِ أوْلى، وكَوْنُهُ أُرِيدَ بِهِ الجَمِيعُ هو تَخْرِيجُ الزَّمَخْشَرِيِّ وابْنِ عَطِيَّةَ.
{"ayahs_start":30,"ayahs":["وَإِذۡ یَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیُثۡبِتُوكَ أَوۡ یَقۡتُلُوكَ أَوۡ یُخۡرِجُوكَۚ وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ","وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا قَالُوا۟ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَاۤءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَـٰذَاۤ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","وَإِذۡ قَالُوا۟ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَیۡنَا حِجَارَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ","وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ","وَمَا لَهُمۡ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ یَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَهُۥۤۚ إِنۡ أَوۡلِیَاۤؤُهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتُنَا قَالُوا۟ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَاۤءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَـٰذَاۤ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق