الباحث القرآني

﴿يَسْألُونَكَ﴾ [النازعات: ٤٢] أيْ قُرَيْشٌ، وكانُوا يُلِحُّونَ في البَحْثِ عَنْ وقْتِ السّاعَةِ، إذْ كانَ يَتَوَعَّدُهم بِها ويُكْثِرُ مِن ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. ﴿أيّانَ مُرْساها﴾ [النازعات: ٤٢]: مَتى إقامَتُها ؟ أيْ مَتى يُقِيمُها اللَّهُ ويُثْبِتُها ويُكَوِّنُها ؟ وقِيلَ: أيّانَ مُنْتَهاها ومُسْتَقَرُّها ؟ كَما أنَّ مَرْسى السَّفِينَةِ ومُسْتَقَرَّها حَيْثُ تَنْتَهِي إلَيْهِ. ﴿فِيمَ أنْتَ مِن ذِكْراها﴾ [النازعات: ٤٣] قالَتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْألُ عَنِ السّاعَةِ كَثِيرًا، فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. انْتَهى» . والمَعْنى: في أيِّ شَيْءٍ أنْتَ مِن ذِكْرِ تَحْدِيدِها ووَقْتِها ؟ أيْ لَسْتَ مِن ذَلِكَ في شَيْءٍ ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ﴾ . ﴿إلى رَبِّكَ مُنْتَهاها﴾ [النازعات: ٤٤] أيِ انْتِهاءُ عِلْمِ وقْتِها، لَمْ يُؤْتَ عِلْمَ ذَلِكَ أحَدٌ مِن خَلْقِهِ، وقِيلَ: (فِيمَ) إنْكارٌ لِسُؤالِهِمْ، أيْ فِيمَ هَذا السُّؤالُ ؟ ثُمَّ قالَ: ﴿أنْتَ مِن ذِكْراها﴾ [النازعات: ٤٣]، وعَلامَةٌ مِن عَلاماتِها، فَكَفاهم بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلى دُنُوِّها ومُشارَفَتِها ووُجُوبِ الِاسْتِعْدادِ لَها، ولا مَعْنى لِسُؤالِهِمْ عَنْها ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾: أيْ لَمْ تُبْعَثْ لِتُعْلِمَهم بِوَقْتِ السّاعَةِ الَّذِي لا فائِدَةَ لَهم في عِلْمِهِ، وإنَّما بُعِثْتَ لِتُنْذِرَ مِن أهْوالِها مَن يَكُونُ إنْذارُكَ لُطْفًا بِهِ في الخَشْيَةِ مِنها. انْتَهى. وهَذا القَوْلُ حَكاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وزَمَّكَهُ بِكَثْرَةِ ألْفاظِهِ، وهو تَفْكِيكٌ لِلْكَلامِ وخُرُوجٌ عَنِ الظّاهِرِ المُتَبادِرِ إلى الفَهْمِ، ولَمْ يُخْلِهِ مِن دَسِيسَةِ الِاعْتِزالِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿مُنْذِرُ مَن﴾ بِالإضافَةِ، وقَرَأ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، وخالِدٌ الحَذّاءُ، وابْنُ هُرْمُزَ، وعِيسى، وطَلْحَةُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وأبُو عُمَرَ في رِوايَةٍ، وابْنُ مِقْسَمٍ: (مُنْذِرٌ) بِالتَّنْوِينِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقُرِئَ مُنْذِرٌ بِالتَّنْوِينِ، وهو الأصْلُ والإضافَةُ تَخْفِيفٌ، وكِلاهُما يَصْلُحُ لِلْحالِ والِاسْتِقْبالِ، فَإذا أُرِيدَ الماضِي، فَلَيْسَ إلّا الإضافَةُ، كَقَوْلِكَ: هو مُنْذِرُ زَيْدٍ أمْسَ. انْتَهى. أمّا قَوْلُهُ: وهو الأصْلُ، يَعْنِي التَّنْوِينَ، فَهو قَوْلٌ قَدْ قالَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وقَدْ قَرَّرْنا في هَذا الكِتابِ، وفِيما كَتَبْناهُ في هَذا العِلْمِ أنَّ الأصْلَ الإضافَةُ، لِأنَّ العَمَلَ إنَّما هو بِالشَّبَهِ، والإضافَةُ هي أصْلٌ في الأسْماءِ، وأمّا قَوْلُهُ: فَإذا أُرِيدَ الماضِي، فَلَيْسَ إلّا الإضافَةُ، فَهَذا فِيهِ تَفْصِيلٌ وخِلافٌ مَذْكُورٌ في عِلْمِ النَّحْوِ، وخَصَّ ﴿مَن يَخْشاها﴾ لِأنَّهُ هو المُنْتَفِعُ بِالإنْذارِ، ﴿كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَها﴾ تَقْرِيبٌ وتَقْرِيرٌ لِقِصَرِ مُقامِهِمْ في الدُّنْيا ﴿لَمْ يَلْبَثُوا﴾ لَمْ يُقِيمُوا في الدُّنْيا ﴿إلّا عَشِيَّةً﴾ يَوْمٌ أوْ بُكْرَتُهُ، وأضافَ الضُّحى إلى العَشِيَّةِ لِكَوْنِها طَرَفَيِ النَّهارِ بَدَأ بِذِكْرِ أحَدِهِما فَأضافَ الآخَرَ إلَيْهِ تَجَوُّزًا واتِّساعًا، وحَسَّنَ الإضافَةَ كَوْنُ الكَلِمَةِ فاصِلَةً، واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب