الباحث القرآني

﴿فَإذا جاءَتِ الطّامَّةُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَّحّاكُ: القِيامَةُ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا والحَسَنُ: النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ. وقالَ القاسِمُ: وقْتُ سَوْقِ أهْلِ الجَنَّةِ إلَيْها، وأهْلِ النّارِ إلَيْها، وهو مَعْنى قَوْلِ مُجاهِدٍ ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنْسانُ ما سَعى﴾ أيْ: عَمَلَهُ الَّذِي كانَ سَعى فِيهِ في الدُّنْيا. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (وبُرِّزَتْ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُشَدَّدَ الرّاءِ ﴿لِمَن يَرى﴾ بِياءِ الغَيْبَةِ، أيْ: لِكُلِّ أحَدٍ، فَيَشْكُرُ المُؤْمِنُ نِعْمَةَ اللَّهِ. وقِيلَ: ﴿لِمَن يَرى﴾ هو الكافِرُ، وعائِشَةُ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وعِكْرِمَةُ، ومالِكُ بْنُ دِينارٍ: مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ مُخَفَّفًا وبِتاءٍ، يَجُوزُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلرَّسُولِ ﷺ، أيْ لِمَن تَرى مِن أهْلِها، وأنْ يَكُونَ إخْبارًا عَنِ الجَحِيمِ، فَهي تاءُ التَّأْنِيثِ. قالَ تَعالى: ﴿إذا رَأتْهم مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢] . وقالَ أبُو نَهِيكٍ، وأبُو السَّمّالِ، وهارُونُ عَنْ أبِي عَمْرٍو: (وبَرَزَتْ) مَبْنِيًّا ومُخَفَّفًا، و﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ﴾ بَدَلٌ مِن (فَإذا) وجَوابُ إذا، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ. وقِيلَ: عايَنُوا وعَلِمُوا. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: انْقَسَمَ الرّاءُونَ قِسْمَيْنِ، والأوْلى أنْ يَكُونَ الجَوابُ (فَأمّا) وما بَعْدَهُ، كَما تَقُولُ: إذا جاءَكَ بَنُو تَمِيمٍ، فَأمّا العاصِي فَأهِنْهُ، وأمّا الطّائِعُ فَأكْرِمْهُ. (طَغى): تَجاوَزَ الحَدَّ في عِصْيانِهِ ﴿وآثَرَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ عَلى الآخِرَةِ، وهي مُبْتَدَأٌ أوْ فَصْلٌ، والعائِدُ عَلى مَن مِنَ الخَبَرِ مَحْذُوفٌ عَلى رَأْيِ البَصْرِيِّينَ، أيِ المَأْوى لَهُ، وحَسَّنَ حَذْفَهُ وُقُوعُ المَأْوى فاصِلَةً، وأمّا الكُوفِيُّونَ فَمَذْهَبُهم أنَّ (ال) عِوَضٌ مِنَ الضَّمِيرِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والمَعْنى فَإنَّ الجَحِيمَ مَأْواهُ، كَما تَقُولُ لِلرَّجُلِ: غُضَّ الطَّرْفَ. تُرِيدُ طَرْفَكَ، ولَيْسَ الألِفُ واللّامُ بَدَلًا مِنِ الإضافَةِ، ولَكِنْ لَمّا عُلِمَ أنَّ الطّاغِيَ هو صاحِبُ المَأْوى، وأنَّهُ لا يَغُضُّ الرَّجُلُ طَرْفَ غَيْرِهِ، تُرِكَتِ الإضافَةُ، ودُخُولُ حَرْفِ التَّعْرِيفِ في المَأْوى والطَّرْفِ لِلتَّحْرِيفِ؛ لِأنَّهُما مُعَرَّفانِ. انْتَهى. وهو كَلامٌ لا يَتَحَصَّلُ مِنهُ الرّابِطُ العائِدُ عَلى المُبْتَدَأِ، إذْ قَدْ نَفى مَذْهَبَ الكُوفِيِّينَ، ولَمْ يُقَدِّرْ ضَمِيرًا مَحْذُوفًا، كَما قَدَّرَهُ البَصْرِيُّونَ، فَرامَ حُصُولَ الرَّبْطِ بِلا رابِطٍ. ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ أيْ مَقامًا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ يَوْمَ القِيامَةِ لِلْجَزاءِ، وفي إضافَةِ المَقامِ إلى الرَّبِّ تَفْخِيمٌ لِلْمَقامِ وتَهْوِيلٌ عَظِيمٌ واقِعٌ مِنَ النُّفُوسِ مَوْقِعًا عَظِيمًا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: خافَهُ عِنْدَما هَمَّ بِالمَعْصِيَةِ فانْتَهى عَنْها ﴿ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى﴾ أيْ عَنْ شَهَواتِ (p-٤٢٤)النَّفْسِ، وأكْثَرُ اسْتِعْمالِ الهَوى فِيما لَيْسَ بِمَحْمُودٍ. قالَ سَهْلٌ: لا يَسْلَمُ مِنَ الهَوى إلّا الأنْبِياءُ وبَعْضُ الصِّدِّيقِينَ. وقالَ بَعْضُ الحُكَماءِ: إذا أرَدْتَ الصَّوابَ فانْظُرْ هَواكَ فَخالِفْهُ. وقالَ عِمْرانُ المِيرِتْلِيُّ: ؎فَخالِفْ هَواها واعْصَها إنَّ مَن يُطِعْ هَوى نَفْسِهِ ؎تَنْزِعُ بِهِ كُلَّ مَنزَعِ ∗∗∗ ومَن يُطِعِ النَّفْسَ اللَّجُوجَةَ ؎تَرُدَّهُ وتَرْمِ بِهِ ∗∗∗ في مَصْرَعٍ أيَّ مَصْرَعِ وقالَ الفُضَيْلُ: أفْضَلُ الأعْمالِ خِلافُ الهَوى، وهَذا التَّفْضِيلُ هو عامٌّ في أهْلِ الجَنَّةِ وأهْلِ النّارِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: نَزَلَ ذَلِكَ في أبِي جَهْلٍ، ومُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ العَبْدَرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وعَنْهُ أيْضًا: ﴿فَأمّا مَن طَغى﴾ فَهو أخٌ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أُسِرَ فَلَمْ يَشُدُّوا وثاقَهُ، وأكْرَمُوهُ وبَيَّتُوهُ عِنْدَهم، فَلَمّا أصْبَحُوا حَدَّثُوا مُصْعَبًا، فَقالَ: ما هو لِي بِأخٍ، شُدُّوا أسِيرَكم، فَإنَّ أُمَّهُ أكْثَرُ أهْلِ البَطْحاءِ حُلِيًّا ومالًا فَأوْثَقُوهُ ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ «فَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وقى رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ تَفَرَّقَ النّاسُ عَنْهُ حَتّى نَفَذَتِ المَشاقِصُ في جَوْفِهِ، وهي السِّهامُ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ مُتَشَحِّطًا في دَمِهِ قالَ: (عِنْدَ اللَّهِ أحْتَسِبُكَ) وقالَ لِأصْحابِهِ: (لَقَدْ رَأيْتُهُ وعَلَيْهِ بُرْدانِ ما تُعْرَفُ قِيمَتُهُما، وإنَّ شِراكَ نَعْلِهِ مِن ذَهَبٍ») . قِيلَ: واسْمُ أخِيهِ عامِرٌ. وفي الكَشّافِ، وقِيلَ: الآيَتانِ نَزَلَتا في أبِي عُزَيْرِ بْنِ عُمَيْرٍ، ومُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وقَدْ قَتَلَ مُصْعَبٌ أخاهُ أبا عُزَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ، ووَقى رَسُولَ اللَّهِ بِنَفْسِهِ حَتّى نَفَذَتِ المَشاقِصُ في جَوْفِهِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب