الباحث القرآني

(p-٤٠٩)سُورَةُ النَّبَأِ مَكِّيَّةٌ وهي إحْدى وأرْبَعُونَ آيَةً ﷽ ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ﴾ ﴿عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ﴾ ﴿الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ ﴿كَلّا سَيَعْلَمُونَ﴾ ﴿ثُمَّ كَلّا سَيَعْلَمُونَ﴾ ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادًا﴾ ﴿والجِبالَ أوْتادًا﴾ ﴿وخَلَقْناكم أزْواجًا﴾ ﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ ﴿وجَعَلْنا اللَّيْلَ لِباسًا﴾ ﴿وجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ ﴿وبَنَيْنا فَوْقَكم سَبْعًا شِدادًا﴾ ﴿وجَعَلْنا سِراجًا وهّاجًا﴾ ﴿وأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجًا﴾ ﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا ونَباتًا﴾ ﴿وجَنّاتٍ ألْفافًا﴾ ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كانَ مِيقاتًا﴾ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأْتُونَ أفْواجًا﴾ ﴿وفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أبْوابًا﴾ ﴿وسُيِّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا﴾ ﴿إنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصادًا﴾ [النبإ: ٢١] ﴿لِلطّاغِينَ مَآبًا﴾ [النبإ: ٢٢] ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا﴾ [النبإ: ٢٣] ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا ولا شَرابًا﴾ [النبإ: ٢٤] ﴿إلّا حَمِيمًا وغَسّاقًا﴾ [النبإ: ٢٥] ﴿جَزاءً وِفاقًا﴾ [النبإ: ٢٦] ﴿إنَّهم كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابًا﴾ [النبإ: ٢٧] ﴿وكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّابًا﴾ [النبإ: ٢٨] ﴿وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ كِتابًا﴾ [النبإ: ٢٩] ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكم إلّا عَذابًا﴾ [النبإ: ٣٠] ﴿إنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازًا﴾ [النبإ: ٣١] ﴿حَدائِقَ وأعْنابًا﴾ [النبإ: ٣٢] ﴿وكَواعِبَ أتْرابًا﴾ [النبإ: ٣٣] ﴿وكَأْسًا دِهاقًا﴾ [النبإ: ٣٤] ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا ولا كِذّابًا﴾ [النبإ: ٣٥] ﴿جَزاءً مِن رَبِّكَ عَطاءً حِسابًا﴾ [النبإ: ٣٦] ﴿رَبِّ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنهُ خِطابًا﴾ [النبإ: ٣٧] ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وقالَ صَوابًا﴾ [النبإ: ٣٨] ﴿ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَن شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مَآبًا﴾ [النبإ: ٣٩] ﴿إنّا أنْذَرْناكم عَذابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ ويَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا﴾ [النبإ: ٤٠] السُّباتُ، قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: السُّباتُ أصْلُهُ القَطْعُ والمَدُّ، فالنَّوْمُ قَطْعُ الأشْغالِ الشّاقَّةِ، ومِنَ المَدِّ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎وإنْ سَبَّتَتْهُ مالَ حَبْلًا كَأنَّهُ سَدى وامِلاتٍ مِن نَواسِجِ خَثْعَما أيْ: إنْ مَدَّتْ شَعْرَها مالَ والتَفَّ كالتِفافِ السَّدى بِأيْدِي نِساءٍ ناسِجاتٍ. الوَهّاجُ: المُتَوَقِّدُ المُتَلَأْلِئُ. المُعْصِرُ، قالَ الفَرّاءُ: السَّحابُ الَّذِي يَجْلِبُ المَطَرَ، ولَمّا يَجْتَمِعْ مِثْلَ الجارِيَةِ المُعْصِرِ، قَدْ كادَتْ تَحِيضُ ولَمّا تَحِضْ، وقالَ نَحْوَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وقالَ أبُو النَّجْمِ العِجْلِيُّ: ؎تَمْشِي الهُوَيْنا مائِلًا خِمارُها ∗∗∗ قَدْ أعْصَرَتْ أوْ قَدْ دَنا إعْصارُها الثَّجُّ، قالَ ثَعْلَبٌ: أصْلُهُ شِدَّةُ الِانْصِبابِ. وقالَ الأزْهَرِيُّ: مَطَرٌ ثَجّاجٌ: شَدِيدُ الِانْصِبابِ، ثَجَّ الماءَ وثَجَجْتُهُ ثَجًّا وثُجُوجًا: يَكُونُ لازِمًا بِمَعْنى الِانْصِبابِ وواقِعًا بِمَعْنى الصَّبِّ، قالَ الشّاعِرُ في وصْفِ الغَيْثِ: ؎إذا رَمَقَتْ فِيها رَحًى مُرْجَحِنَّةٌ ∗∗∗ تَنْعُجُ ثَجّاجًا غَزِيرَ الحَوافِلِ ألْفافًا: جَمْعُ لَفٍّ، ثُمَّ جُمِعَ لَفٌّ عَلى ألْفافٍ، الكَواعِبُ جَمْعُ كاعِبٍ: وهي الَّتِي بَرَزَ نَهْدُها، ومِنهُ كَعْبُ الرَّجُلِ لِبُرُوزِهِ، ومِنهُ الكَعْبَةُ، قالَ عاصِمُ بْنُ قَيْسٍ المِنقَرِيُّ: ؎وكَمْ مِن حَصانٍ قَدْ حَوَيْنا كَرِيمَةٍ ∗∗∗ ومِن كاعِبٍ لَمْ تَدْرِ ما البُؤْسُ مُعْصِرِ الدِّهاقُ: المَلْأى، مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّهْقِ، وهو ضَغْطُ الشَّيْءِ وشَدُّهُ بِاليَدِ كَأنَّهُ لِامْتِلائِهِ انْضَغَطَ، وقِيلَ: الدِّهاقُ: المُتَتابِعَةُ، قالَ الشّاعِرُ: ؎أتانا عامِرٌ يَبْغِي قِرانا ∗∗∗ فَأتْرَعْنا لَهُ كَأْسًا دِهاقا وقالَ آخَرُ: ؎لَأنْتَ إلى الفُؤادِ أحَبُّ قُرْبًا ∗∗∗ مِنَ الصّادِي إلى كَأْسٍ دِهاقِ (p-٤١٠)﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ﴾ ﴿عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ﴾ ﴿الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ ﴿كَلّا سَيَعْلَمُونَ﴾ ﴿ثُمَّ كَلّا سَيَعْلَمُونَ﴾ ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادًا﴾ ﴿والجِبالَ أوْتادًا﴾ ﴿وخَلَقْناكم أزْواجًا﴾ ﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ ﴿وجَعَلْنا اللَّيْلَ لِباسًا﴾ ﴿وجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ ﴿وبَنَيْنا فَوْقَكم سَبْعًا شِدادًا﴾ ﴿وجَعَلْنا سِراجًا وهّاجًا﴾ ﴿وأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجًا﴾ ﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا ونَباتًا﴾ ﴿وجَنّاتٍ ألْفافًا﴾ ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ كانَ مِيقاتًا﴾ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأْتُونَ أفْواجًا﴾ ﴿وفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أبْوابًا﴾ ﴿وسُيِّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرابًا﴾ . هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، ورُوِيَ «أنَّهُ ﷺ لَمّا بُعِثَ جَعَلَ المُشْرِكُونَ يَتَساءَلُونَ بَيْنَهم فَيَقُولُونَ: ما الَّذِي أتى بِهِ ؟ ويَتَجادَلُونَ فِيما بُعِثَ بِهِ، فَنَزَلَتْ»، ومُناسَبَتُها لِما ذُكِرَ قَبْلَها ظاهِرَةٌ، لَمّا ذَكَرَ ﴿فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [المرسلات: ٥٠] أيْ بَعْدَ الحَدِيثِ الَّذِي هو القُرْآنُ، وكانُوا يَتَجادَلُونَ فِيهِ ويُسائِلُونَ عَنْهُ، قالَ: ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ﴾ وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿عَمَّ﴾ وعَبْدُ اللَّهِ، وأُبَيٌّ، وعِكْرِمَةُ، وعِيسى: (عَمّا) بِالألِفِ، وهو أصْلُ ”عَمَّ“، والأكْثَرُ حَذْفُ الألِفِ مِن ما الِاسْتِفْهامِيَّةِ إذا دَخَلَ عَلَيْها حَرْفُ الجَرِّ وأُضِيفَ إلَيْها، ومِن إثْباتِ الألِفِ قَوْلُهُ: ؎عَلى ما قامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ ∗∗∗ كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ وقَرَأ الضَّحّاكُ، وابْنُ كَثِيرٍ في رِوايَةٍ: عَمَّهْ بِهاءِ السَّكْتِ أجْرى الوَصْلَ مُجْرى الوَقْفِ؛ لِأنَّ الأكْثَرَ في الوَقْفِ عَلى ما الِاسْتِفْهامِيَّةِ هو بِإلْحاقِ هاءِ السَّكْتِ، إلّا إذا أُضِيفَ إلَيْها فَلا بُدَّ مِنَ الهاءِ في الوَقْفِ، نَحْوَ: بِحَيِّ مَهْ ؟ والِاسْتِفْهامُ عَنْ هَذا فِيهِ تَفْخِيمٌ وتَهْوِيلٌ وتَقْرِيرٌ وتَعْجِيبٌ، كَما تَقُولُ: أيُّ رَجُلٍ زَيْدٌ ؟ ! وزَيْدٌ ما زَيْدٌ ! كَأنَّهُ لَمّا كانَ عَدِيمَ النَّظِيرِ أوْ قَلِيلَهُ خَفِيَ عَلَيْكَ جِنْسُهُ فَأخَذْتَ تَسْتَفْهِمُ عَنْهُ، ثُمَّ جَرَّدَ العِبارَةَ عَنْ تَفْخِيمِ الشَّيْءِ، فَجاءَ في القُرْآنِ، والضَّمِيرُ في (يَتَساءَلُونَ) لِأهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّهم ﴿يَتَساءَلُونَ﴾ ﴿عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ﴾ وهو أمْرُ رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، وما جاءَ بِهِ مِنَ القُرْآنِ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِجَمِيعِ العالَمِ، فَيَكُونُ الِاخْتِلافُ تَصْدِيقَ المُؤْمِنِ وتَكْذِيبَ الكافِرِ. وقِيلَ: المُتَساءَلُ فِيهِ البَعْثُ والِاخْتِلافُ فِيهِ، عَمَّ مُتَعَلِّقٌ بِـ(يَتَساءَلُونَ)، ومَن قَرَأ عَمَّهْ بِالهاءِ في الوَصْلِ فَقَدْ ذَكَرْنا أنَّهُ يَكُونُ أجْرى الوَصْلَ مُجْرى (p-٤١١)الوَقْفِ، وعَنِ النَّبَأِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أيْ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ، وأجازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنْ يَكُونَ وقَفَ عَلى عَمَّهْ، ثُمَّ ابْتَدَأ بِـ(يِتَساءَلُونَ) عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ عَلى أنْ يُضْمِرَ لِعَمَّهْ يَتَساءَلُونَ، وحُذِفَتْ لِدَلالَةِ ما بَعْدَها عَلَيْهِ، كَشَيْءٍ مُبْهَمٍ ثُمَّ يُفَسَّرُ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قالَ أكْثَرُ النُّحاةِ قَوْلُهُ ﴿عَنِ النَّبَإ العَظِيمِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ(يَتَساءَلُونَ)، الظّاهِرُ كَأنَّهُ قالَ: لِمَ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ ؟ وقالَ الزَّجّاجُ: الكَلامُ تامٌّ في قَوْلِهِ ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ﴾ ثُمَّ كانَ مُقْتَضى القَوْلِ أنْ يُجِيبَ مُجِيبٌ فَيَقُولُ: يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ، فاقْتَضى إيجازُ القُرْآنِ وبَلاغَتُهُ أنْ يُبادِرَ المُحْتَجُّ بِالجَوابِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الحالُ، والمُجاوَرَةُ اقْتِضاءً بِالحُجَّةِ وإسْراعًا إلى مَوْضِعِ قَطْعِهِمْ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ، وابْنُ جُبَيْرٍ: يَسّاءلُونَ بِغَيْرِ تاءٍ وشَدِّ السِّينَ، وأصْلُهُ يَتَساءَلُونَ بِتاءِ الخِطابِ، فَأدْغَمَ التّاءَ الثّانِيَةَ في السِّينِ (كَلّا): رَدْعٌ لِلْمُتَسائِلِينَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِياءِ الغَيْبَةِ فِيهِما. وعَنِ الضَّحّاكِ: الأوَّلُ بِالتّاءِ عَلى الخِطابِ، والثّانِي بِالياءِ عَلى الغَيْبَةِ. وهَذا التَّكْرارُ تَوْكِيدٌ في الوَعِيدِ وحَذْفُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ العِلْمُ عَلى سَبِيلِ التَّهْوِيلِ، أيْ سَيَعْلَمُونَ ما يَحِلُّ بِهِمْ، ثُمَّ قَرَّرَهم تَعالى عَلى النَّظَرِ في آياتِهِ الباهِرَةِ وغَرائِبِ مَخْلُوقاتِهِ الَّتِي ابْتَدَعَها مِنَ العَدَمِ الصِّرْفِ، وأنَّ النَّظَرَ في ذَلِكَ يُفْضِي إلى الإيمانِ بِما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ البَعْثِ والجَزاءِ، فَقالَ: ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادًا﴾ فَبَدَأ بِما هم دائِمًا يُباشِرُونَهُ، والمِهادُ: الفِراشُ المُوَطَّأُ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿مِهادًا﴾ ومُجاهِدٌ وعِيسى وبَعْضُ الكُوفِيِّينَ: مَهْدًا، بِفَتْحِ المِيمِ وسُكُونِ الهاءِ، ولَمْ يَنْسُبِ ابْنُ عَطِيَّةَ عِيسى في هَذِهِ القِراءَةِ، وقالَ ابْنُ خالَوَيْهِ: مَهْدًا عَلى التَّوْحِيدِ، مُجاهِدٌ وعِيسى الهَمْدانِيُّ وهو الحَوْفِيُّ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ وبَعْضِ الكُوفِيِّينَ كِنايَةً عَنْ عِيسى الهَمْدانِيِّ. وإذا أطْلَقُوا عِيسى، أوْ قالُوا: عِيسى البَصْرَةِ، فَهو عِيسى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في المِهادِ في البَقَرَةِ في أوَّلِ حِزْبِ ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٠٣]، ﴿والجِبالَ أوْتادًا﴾: أيْ ثَبَّتْنا الأرْضَ بِالجِبالِ، كَما ثُبِّتُ البَيْتَ بِالأوْتادِ، قالَ الأفْوَهُ: ؎والبَيْتُ لا يَنْبَنِي إلّا لَهُ عَمَدٌ ∗∗∗ ولا عِمادَ إذا لَمْ تُرْسَ أوْتادُ (أزْواجًا): أيْ أنْواعًا مِنَ اللَّوْنِ والصُّورَةِ واللِّسانِ. وقالَ الزَّجّاجُ وغَيْرُهُ: مُزْدَوِجِينَ ذَكَرًا وأُنْثى (سُباتًا): سُكُونًا وراحَةً. سَبَتَ الرَّجُلُ: اسْتَراحَ وتَرَكَ الشُّغْلَ، والسُّباتُ عِلَّةٌ مَعْرُوفَةٌ يُفْرَطُ عَلى الإنْسانِ السُّكُوتُ حَتّى يَصِيرَ قاتِلًا، والنَّوْمُ شَبِيهٌ بِهِ إلّا في الضَّرَرِ. وقالَ قَتادَةُ: النّائِمُ مَسْبُوتٌ لا يَعْقِلُ، كَأنَّهُ مَيِّتٌ. (لِباسًا): أيْ يَسْتَتِرُونَ بِهِ عَنِ العُيُونِ فِيما لا يُحِبُّونَ أنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ ﴿وجَعَلْنا النَّهارَ﴾ قابَلَ النَّوْمَ بِالنَّهارِ، إذْ فِيهِ اليَقَظَةُ. ﴿مَعاشًا﴾: وقْتَ عَيْشٍ، وهو الحَياةُ تَتَصَرَّفُونَ فِيهِ في حَوائِجِكم (سَبْعًا) أيْ سَماواتٍ ﴿شِدادًا﴾: مُحْكَمَةَ الخَلْقِ قَوِيَّةً لا تَتَأثَّرُ بِمُرُورِ الإعْصارِ إلّا إذا أرادَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎فَلَمّا جِئْتُهُ أعْلى مَحَلِّي ∗∗∗ وأجْلَسَنِي عَلى السَّبْعِ الشِّدادِ (سِراجًا): هو الشَّمْسُ ﴿وهّاجًا﴾: حارًّا مُضْطَرِمَ الِاتِّقادِ. وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: والشَّمْسُ في السَّماءِ الرّابِعَةِ، إلَيْنا ظَهْرُها، ولَهِيبُها يَضْطَرِمُ عُلُوًّا ﴿مِنَ المُعْصِراتِ﴾ قالَ أُبَيٌّ، والحَسَنُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ، وقَتادَةُ، ومُقاتِلٌ: هي السَّماواتُ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو العالِيَةِ، والرَّبِيعُ، والضَّحّاكُ: السَّحابُ القاطِرَةُ، مَأْخُوذٌ مِنَ العَصْرِ؛ لِأنَّ السَّحابَ يَنْعَصِرُ فَيَخْرُجُ مِنهُ الماءُ. وقِيلَ: السَّحابُ الَّتِي فِيها الماءُ ولَمْ تُمْطِرْ، وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِن حَيْثُ تُغِيثُ، فَهي مِنَ العَصْرَةِ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿وفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: ٤٩] والعاصِرُ: المُغِيثُ، فَهو ثُلاثِيٌّ، وجاءَ هُنا مِن أعْصَرَ: أيْ دَخَلَتْ في حِينِ العَصْرِ، فَحانَ لَها أنْ تَعْصِرَ، وأفْعَلُ لِلدُّخُولِ في الشَّيْءِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: الرِّياحُ لِأنَّها تَعْصِرُ السَّحابَ، جَعَلَ الإنْزالَ مِنها لَمّا كانَتْ سَبَبًا فِيهِ. وقَرَأ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وابْنُ عَبّاسٍ، والفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ أخُوهُ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، وعِكْرِمَةُ (p-٤١٢)وقَتادَةُ: بِالمُعْصِراتِ بِالباءِ بَدَلَ مِن. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَهَذا يُقَوِّي أنَّهُ أرادَ الرِّياحَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِيهِ وجْهانِ: أنْ يُرادَ بِالرِّياحِ الَّتِي حانَ لَها أنْ تَعْصِرَ السَّحابَ، وأنْ يُرادَ السَّحابُ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ الإنْزالُ مِنها فَهو بِها، كَما تَقُولُ: أعْطى مِن يَدِهِ دِرْهَمًا، وأعْطى بِيَدِهِ دِرْهَمًا (ثَجّاجًا): مُنْصَبًّا بِكَثْرَةٍ، ومِنهُ أفْضَلُ الحَجِّ العَجُّ والثَّجُّ: أيْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وصَبُّ دِماءِ الهَدْيِ. وقَرَأ الأعْرَجُ: (ثَجّاحًا) بِالحاءِ آخِرًا، ومَساجِحُ الماءِ: مَصابُّهُ، والماءُ يَنْثَجِحُ في الوادِي. ﴿حَبًّا ونَباتًا﴾: بَدَأ بِالحَبِّ لِأنَّهُ الَّذِي يُتَقَوَّتُ بِهِ، كالحِنْطَةِ والشَّعِيرِ، وثَنّى بِالنَّباتِ فَشَمِلَ كُلَّ ما يَنْبُتُ مِن شَجَرٍ وحَشِيشٍ ودَخَلَ فِيهِ الحَبُّ (ألْفافًا): مُلْتَفَّةً، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولا واحِدَ لَهُ، كالأوْزاعِ والأخْيافِ. وقِيلَ: الواحِدُ لَفٌّ. وقالَ صاحِبُ الإقْلِيدِ: أنْشَدَنِي الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ: ؎جَنَّةٌ لَفٌّ وعَيْشٌ مُغْدِقُ ∗∗∗ ونَدامى كُلُّهم بِيضٌ زُهْرُ ولَوْ قِيلَ: هو جَمْعُ مُلْتَفَّةٍ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الزَّوائِدِ لَكانَ قَوْلًا وجِيهًا. انْتَهى. ولا حاجَةَ إلى هَذا القَوْلِ ولا إلى وجاهَتِهِ، فَقَدْ ذُكِرَ في المُفْرَداتِ أنَّ مُفْرَدَهُ لِفٌّ بِكَسْرِ اللّامِ، وأنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أهْلِ اللُّغَةِ ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ﴾: هو يَوْمُ القِيامَةِ يُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ ﴿كانَ مِيقاتًا﴾: أيْ في تَقْدِيرِ اللَّهِ وحُكْمِهِ تُؤَقَّتُ بِهِ الدُّنْيا وتَنْتَهِي عِنْدَهُ أوْ حَدًّا لِلْخَلائِقِ يَنْتَهُونَ إلَيْهِ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾: بَدَلٌ مِن ﴿يَوْمَ الفَصْلِ﴾، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ عَطْفُ بَيانٍ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ في الصُّورِ. وقَرَأ أبُو عِياضٍ: (في الصُّوَرِ) بِفَتْحِ الواوِ، جَمْعُ صُورَةٍ، أيْ يَرُدُّ اللَّهُ الأرْواحَ إلى الأبْدانِ. والجُمْهُورُ: بِسُكُونِ الواوِ. و﴿فَتَأْتُونَ﴾ مِنَ القُبُورِ إلى المَوْقِفِ أُمَمًا، كُلُّ أُمَّةٍ بِإمامِها، وقِيلَ: جَماعاتٍ مُخْتَلِفَةً. وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ حَدِيثًا في كَيْفِيّاتٍ قَبِيحَةٍ لِعَشَرَةِ أصْنافٍ يُخْلَقُونَ عَلَيْها، وسَبَبُ خَلْقِهِ مَن خَلَقَ عَلى تِلْكَ الكَيْفِيَّةِ. اللَّهُ أعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. وقَرَأ الكُوفِيُّونَ: (وفُتِحَتْ) خُفَّ، والجُمْهُورُ: بِالتَّشْدِيدِ ﴿فَكانَتْ أبْوابًا﴾ تَنْشَقُّ حَتّى يَكُونَ فِيها فُتُوحٌ كالأبْوابِ في الجُدُراتِ، وقِيلَ: يَنْقَطِعُ قِطَعًا صِغارًا حَتّى تَكُونَ كالألْواحِ، الأبْوابُ المَعْهُودَةُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فُتِحَتْ فَكانَتْ أبْوابًا): أيْ كَثُرَتْ أبْوابُها لِنُزُولِ المَلائِكَةِ، كَأنَّها لَيْسَتْ إلّا أبْوابًا مُفَتَّحَةً، كَقَوْلِهِ: ﴿وفَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا﴾ [القمر: ١٢] كَأنَّ كُلَّها عُيُونٌ تَنْفَجِرُ، وقِيلَ: الأبْوابُ: الطُّرُقُ والمَسالِكُ، أيْ تُكْشَطُ فَيَنْفَتِحُ مَكانُها وتَصِيرُ طُرُقًا لا يَسُدُّها شَيْءٌ ﴿فَكانَتْ سَرابًا﴾: أيْ تَصِيرُ شَيْئًا كَلا شَيْءٍ لِتَفَرُّقِ أجْزائِها وانْبِثاثِ جَواهِرِها. انْتَهى. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عِبارَةٌ عَنْ تَلاشِيها وفَنائِها بَعْدَ كَوْنِها هَباءً مُنْبَثًّا، ولَمْ يَرِدْ أنَّ الجِبالَ تُشْبِهُ الماءَ عَلى بُعْدٍ مِنَ النّاظِرِ إلَيْها، وقالَ الواحِدِيُّ: عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ ذاتُ أبْوابٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب