الباحث القرآني

وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ ﴿عَنِ اليَمِينِ وعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ﴾ ﴿أيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم أنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ ﴿كَلّا إنّا خَلَقْناهم مِمّا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ إنّا لَقادِرُونَ﴾ ﴿عَلى أنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهم وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ ﴿فَذَرْهم يَخُوضُوا ويَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِراعًا كَأنَّهم إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ ﴿خاشِعَةً أبْصارُهم تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ﴾ . كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ ويَقْرَأُ القُرْآنَ، فَكانُوا يَحْتَفُّونَ بِهِ حِلَقًا حِلَقًا يَسْمَعُونَ ويَسْتَهْزِؤُنَ بِكَلامِهِ، ويَقُولُونَ إنْ دَخَلَ هَؤُلاءِ الجَنَّةَ كَما يَقُولُ مُحَمَّدٌ، فَلَنَدْخُلَنَّها قَبْلَهم فَنَزَلَتْ، وتَقَدَّمَ شَرْحُ مُهْطِعِينَ في سُورَةِ إبْراهِيمَ (p-٣٣٦)عَلَيْهِ السَّلامُ. ومَعْنى ”قِبَلَكَ“ أيْ: في الجِهَةِ الَّتِي تَلِيكَ ﴿عَنِ اليَمِينِ وعَنِ الشِّمالِ﴾ أيْ: عَنْ يَمِينِكَ وشِمالِكَ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في المُسْتَهْزِئِينَ الخَمْسَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”أنْ يُدْخَلَ“ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وابْنُ يَعْمَرَ والحَسَنُ وأبُو رَجاءٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وطَلْحَةُ والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ: مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. ”كَلّا“: رَدٌّ ورَدْعٌ لِطَماعِيَّتِهِمْ، إذْ أظْهَرُوا ذَلِكَ، وإنْ كانُوا لا يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ البَعْثِ، ولا أنْ ثَمَّ جَنَّةً ولا نارًا. ﴿إنّا خَلَقْناهم مِمّا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: أنْشَأْناهم مِن نُطْفَةٍ مَذِرَةٍ، فَنَحْنُ قادِرُونَ عَلى إعادَتِهِمْ وبَعْثِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ، وعَلى الِاسْتِبْدالِ بِهِمْ خَيْرًا مِنهم، قِيلَ: بِنَفْسِ الخَلْقِ، ومِنَّتُهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ يُعْطِي الجَنَّةَ، بَلْ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ. وقالَ قَتادَةُ في تَفْسِيرِها: إنَّما خُلِقْتَ مِن قَذَرٍ يا ابْنَ آدَمَ. وقالَ أنَسٌ: كانَ أبُو بَكْرٍ إذا خَطَبَنا ذَكَرَ مَناتِنَ ابْنِ آدَمَ ومُرُورَهُ في مَجْرى البَوْلِ مَرَّتَيْنِ، وكَذَلِكَ نُطْفَةٌ في الرَّحِمِ، ثُمَّ عَلَقَةٌ، ثُمَّ مُضْغَةٌ إلى أنْ يَخْرُجَ فَيَتَلَوَّثُ في نَجاسَتِهِ طِفْلًا. فَلا يُقْلِعُ أبُو بَكْرٍ حَتّى يَقْذُرَ أحَدُنا نَفْسَهُ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: إذا كانَ خَلْقُكم مِن نُطْفَةٍ مَذِرَةٍ، فَمِن أيْنَ تَتَشَرَّفُونَ وتَدَّعُونَ دُخُولَ الجَنَّةِ قَبْلَ المُؤْمِنِينَ ؟ وأبْهَمَ في قَوْلِهِ ”مّمّا يَعْلَمُونَ“، وإنْ كانَ قَدْ صَرَّحَ بِهِ في عِدَّةِ مَواضِعَ إحالَةً عَلى تِلْكَ المَواضِعِ. ورَأى مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ المُهَلَّبَ بْنَ أبِي صُفْرَةَ يَتَبَخْتَرُ في مُطَرِّفِ خَزٍّ وجُبَّةِ خَزٍّ، فَقالَ لَهُ: يا عَبْدَ اللَّهِ، ما هَذِهِ المِشْيَةُ الَّتِي يُبْغِضُها اللَّهُ تَعالى ؟ فَقالَ لَهُ: أتَعْرِفُنِي ؟ قالَ: نَعَمْ، أوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وآخِرُكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وأنْتَ تَحْمِلُ عَذِرَةً. فَمَضى المُهَلَّبُ وتَرَكَ مِشْيَتَهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ لا نَفْيًا وجَمَعَهُما وقَوْمٌ بِلامٍ دُونَ ألِفٍ. وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ والجَحْدَرِيُّ: (المَشْرِقِ والمَغْرِبِ) مُفْرَدَيْنِ. أقْسَمَ تَعالى بِمَخْلُوقاتِهِ عَلى إيجابِ قُدْرَتِهِ، عَلى أنْ يُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهم، وأنَّهُ لا يَسْبِقُهُ شَيْءٌ إلى ما يُرِيدُ. ﴿فَذَرْهم يَخُوضُوا ويَلْعَبُوا﴾: وعِيدٌ، وما فِيهِ مِن مَعْنى المُهادَنَةِ هو مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وقَرَأ أبُو جَعْفَرٍ وابْنُ مُحَيْصِنٍ: يُلْقُوا مُضارِعُ لَقِيَ، والجُمْهُورُ: ”يُلاقُوا“ مُضارِعُ لاقى. والجُمْهُورُ: ”يَخْرُجُونَ“ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ورَوى أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، و”يَوْمَ“ بَدَلٌ مِن ”يَوْمَهُمُ“ . وقَرَأ الجُمْهُورُ: (نَصْبٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وسُكُونِ الصّادِ. وأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ ومُجاهِدٌ: بِفَتْحِهِما، وابْنُ عامِرٍ وحَفْصٌ: بِضَمِّهِما، والحَسَنُ وقَتادَةُ: بِضَمِّ النُّونِ وسُكُونِ الصّادِ. والنُّصُبُ: ما نُصِبَ لِلْإنْسانِ، فَهو يَقْصِدُهُ مُسْرِعًا إلَيْهِ مِن عِلْمٍ أوْ بِناءٍ أوْ صَنَمٍ، وغَلَبَ في الأصْنامِ حَتّى قِيلَ الأنْصابُ. وقالَ أبُو عَمْرٍو: هو شَبَكَةٌ يَقَعُ فِيها الصَّيْدُ، فَيُسارِعُ إلَيْها صاحِبُها مَخافَةَ أنْ يَتَفَلَّتَ الصَّيْدُ مِنها. وقالَ مُجاهِدٌ: (نُصُبٍ) عَلَمٌ، ومَن قَرَأ بِضَمِّهِما. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: أيْ أصْنامٌ مَنصُوبَةٌ كانُوا يَعْبُدُونَها. وقالَ الأخْفَشُ: هو جَمْعُ نَصْبٍ، كَرَهْنٍ ورُهُنٍ، والأنْصابُ جَمْعُ الجَمْعِ. يُوفِضُونً: يُسْرِعُونَ. وقالَ أبُو العالِيَةِ: يَسْتَبِقُونَ إلى غاياتٍ. قالَ الشّاعِرُ: ؎فَوارِسُ ذُبْيانَ تَحْتَ الحَدِيدِ كالجِنِّ يُوفِضْنَ مِن عَبْقَرِ وقالَ آخَرُ في مَعْنى الإسْراعِ: ؎لَأنْعَتْنَ نَعامَةً مِيفاضا ∗∗∗ خَرْجاءُ ظَلَّتْ تَطْلُبُ الإضاضا وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: يَسْعَوْنَ، وقالَ الضَّحّاكُ: يَنْطَلِقُونَ، وقالَ الحَسَنُ: يَبْتَدِرُونَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ”ذِلَّةٌ“ مُنَوَّنًا. ذَلِكَ اليَوْمُ بِرَفْعِ المِيمِ مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. وقَرَأ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلّادٍ، عَنْ داوُدَ بْنِ سالِمٍ، عَنْ يَعْقُوبَ والحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ التَّمّارِ: ”ذِلَّةُ“ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ مُضافًا إلى ذَلِكَ، و(اليَوْمِ) بِخَفْضِ المِيمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب