الباحث القرآني
(سُورَةُ المَعارِجِ مَكِّيَّةٌ وهي أرْبَعٌ وأرْبَعُونَ آيَةً)
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ ﴿لِلْكافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ﴾ [المعارج: ٣] ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤] ﴿فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: ٥] ﴿إنَّهم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ [المعارج: ٦] ﴿ونَراهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: ٧] ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ﴾ [المعارج: ٨] ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ﴾ [المعارج: ٩] ﴿ولا يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: ١٠] ﴿يُبَصَّرُونَهم يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِن عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ [المعارج: ١١] ﴿وصاحِبَتِهِ وأخِيهِ﴾ [المعارج: ١٢] ﴿وفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ [المعارج: ١٣] ﴿ومَن في الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ [المعارج: ١٤] ﴿كَلّا إنَّها لَظى﴾ [المعارج: ١٥] ﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: ١٦] ﴿تَدْعُو مَن أدْبَرَ وتَوَلّى﴾ [المعارج: ١٧] ﴿وجَمَعَ فَأوْعى﴾ [المعارج: ١٨] ﴿إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ [المعارج: ١٩] ﴿إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ [المعارج: ٢٠] ﴿وإذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا﴾ [المعارج: ٢١] ﴿إلّا المُصَلِّينَ﴾ [المعارج: ٢٢] ﴿الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ [المعارج: ٢٣] ﴿والَّذِينَ في أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] ﴿لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ [المعارج: ٢٥] ﴿والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المعارج: ٢٦] ﴿والَّذِينَ هم مِن عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المعارج: ٢٧] ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ [المعارج: ٢٨] ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ [المعارج: ٢٩] ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المعارج: ٣٠] ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ [المعارج: ٣١] ﴿والَّذِينَ هم لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾ [المعارج: ٣٢] ﴿والَّذِينَ هم بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ﴾ [المعارج: ٣٣] ﴿والَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ [المعارج: ٣٤] ﴿أُولَئِكَ في جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ [المعارج: ٣٥] ﴿فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ [المعارج: ٣٦] ﴿عَنِ اليَمِينِ وعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ﴾ [المعارج: ٣٧] ﴿أيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم أنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ [المعارج: ٣٨] ﴿كَلّا إنّا خَلَقْناهم مِمّا يَعْلَمُونَ﴾ [المعارج: ٣٩] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ إنّا لَقادِرُونَ﴾ [المعارج: ٤٠] ﴿عَلى أنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنهم وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ [المعارج: ٤١] ﴿فَذَرْهم يَخُوضُوا ويَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ [المعارج: ٤٢] ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِراعًا كَأنَّهم إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [المعارج: ٤٣] ﴿خاشِعَةً أبْصارُهم تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ﴾ [المعارج: ٤٤] .
العِهْنُ: الصُّوفُ دُونَ تَقْيِيدٍ، أوِ الأحْمَرُ، أوِ المَصْبُوغُ ألْوانًا، أقْوالٌ. الفَصِيلَةُ، قالَ ثَعْلَبٌ: الآباءُ الأدْنُونَ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الفَخْذُ. وقِيلَ: عَشِيرَتُهُ الأقْرَبُونَ. لَظى: اسْمٌ لِجَهَنَّمَ، أوْ لِلدَّرَكَةِ الثّانِيَةِ مِن دَرَكاتِها، وهو عَلَمٌ مَنقُولٌ مِنَ اللَّظى، وهو اللَّهَبُ، ومَنعُ الصَّرْفِ هو لِلْعَلِمِيَّةِ والتَّأْنِيثِ. والشَّوى جَمْعُ شَواةٍ، وهي جِلْدَةُ الرَّأْسِ. وقالَ الأعْشى:
؎قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لَهُ قَدْ جُلِّلَتْ شَيْبًا شَواتُهُ
والشَّوى: جِلْدُ الإنْسانِ، والشَّوى: قَوائِمُ الحَيَوانِ، والشَّوى: كُلُّ عُضْوٍ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ، ومِنهُ: رَمى فَأشْوى: إذا لَمْ يُصِبِ المَقْتَلَ، والشَّوى: زَوالُ المالِ، والشَّوى: الشَّيْءُ الهَيِّنُ اليَسِيرُ. الهَلَعُ: الفَزَعُ والِاضْطِرابُ السَّرِيعُ عِنْدَ مَسِّ المَكْرُوهِ، والمَنعُ السَّرِيعُ عِنْدَ مَسِّ الخَيْرِ، مِن قَوْلِهِمْ: ناقَةٌ هَلُوعٌ، سَرِيعَةُ السَّيْرِ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: الهَلَعُ في اللُّغَةِ أشَدُّ الحِرْصِ وأسْوَأُ الجَزَعِ. الجَزَعُ: الخَوْفُ، قالَ الشّاعِرُ:
؎جَزَعْتُ ولَمْ أجْزَعْ مِنَ البَيْنِ مَجْزَعًا
عِزِينَ جَمْعُ عِزَةٍ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: جَماعاتٌ في تَفْرِقَةٍ، (p-٣٣١)وقِيلَ: الجَمْعُ اليَسِيرُ كَثَلاثَةٍ ثَلاثَةٍ وأرْبَعَةٍ أرْبَعَةٍ. وقالَ الأصْمَعِيُّ: في الدّارِ عِزُونَ أيْ: أصْنافٌ مِنَ النّاسِ، وقالَ عَنْتَرَةُ:
؎وقَرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ لِذِي ولِيٍّ ∗∗∗ عَلَيْهِ الطَّيْرُ كالعُصْبِ العَزِينِ
(وقالَ الرّاعِي):
؎أخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّ عَشِيرَتِي ∗∗∗ أمْسى سَوامُهم عِزِينَ فُلُولا
(وقالَ الكُمَيْتُ):
؎ونَحْنُ وجَنْدَلٌ باغٍ تَرَكْنا ∗∗∗ كَتائِبَ جَنْدَلٍ شَتّى عِزِينا
(وقالَ آخَرُ):
؎تَرانا عِنْدَهُ واللَّيْلُ داجٍ ∗∗∗ عَلى أبْوابِهِ حِلَقًا عِزِينا
(وقالَ آخَرُ):
؎فَلَمّا أنْ أتَيْنَ عَلى أُضاحٍ ∗∗∗ ضَرَحْنَ حَصاهُ أشْتاتًا عِزِينا
و(عِزَةٌ) مِمّا حُذِفَتْ لامُهُ، فَقِيلَ: هي واوٌ وأصْلُهُ عِزْوَةٌ، كَأنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ تَعْتَزِي إلى غَيْرِ مَن تَعْتَزِي إلَيْهِ الأُخْرى، فَهم مُتَفَرِّقُونَ. ويُقالُ: عَزاهُ يَعْزُوهُ: إذا أضافَهُ إلى غَيْرِهِ. وقِيلَ: لامُها هاءٌ والأصْلُ عِزْهَةٌ، وجُمِعَتْ عِزَةٌ بِالواوِ والنُّونِ، كَما جُمِعَتْ سَنَةٌ وأخَواتُها بِذَلِكَ، وتُكْسَرُ العَيْنُ في الجَمْعِ وتُضَمُّ. وقالُوا: عِزًى عَلى فِعَلٍ، ولَمْ يَقُولُوا عِزاتٍ.
﴿سَألَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ ﴿لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ﴾ ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي المَعارِجِ﴾ [المعارج: ٣] ﴿تَعْرُجُ المَلائِكَةُ والرُّوحُ إلَيْهِ في يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: ٤] ﴿فاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: ٥] ﴿إنَّهم يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ [المعارج: ٦] ﴿ونَراهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: ٧] ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كالمُهْلِ﴾ [المعارج: ٨] ﴿وتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ﴾ [المعارج: ٩] ﴿ولا يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: ١٠] ﴿يُبَصَّرُونَهم يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِن عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ [المعارج: ١١] ﴿وصاحِبَتِهِ وأخِيهِ﴾ [المعارج: ١٢] ﴿وفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ [المعارج: ١٣] ﴿ومَن في الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ [المعارج: ١٤] ﴿كَلّا إنَّها لَظى﴾ [المعارج: ١٥] ﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: ١٦] ﴿تَدْعُو مَن أدْبَرَ وتَوَلّى﴾ [المعارج: ١٧] ﴿وجَمَعَ فَأوْعى إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ [المعارج: ١٨] ﴿إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ [المعارج: ٢٠] ﴿وإذا مَسَّهُ الخَيْرُ مَنُوعًا﴾ [المعارج: ٢١] ﴿إلّا المُصَلِّينَ الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾ [المعارج: ٢٢] ﴿والَّذِينَ في أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] ﴿لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ [المعارج: ٢٥] ﴿والَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المعارج: ٢٦] ﴿والَّذِينَ هم مِن عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المعارج: ٢٧] ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ [المعارج: ٢٨] ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ﴾ [المعارج: ٢٩] ﴿إلّا عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المعارج: ٣٠] ﴿فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ [المعارج: ٣١] ﴿والَّذِينَ هم لِأماناتِهِمْ وعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾ [المعارج: ٣٢] ﴿والَّذِينَ هم بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ﴾ [المعارج: ٣٣] ﴿والَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ [المعارج: ٣٤] ﴿أُولَئِكَ في جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ [المعارج: ٣٥] .
(p-٣٣٢)هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. قالَ الجُمْهُورُ: نَزَلَتْ في النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ حِينَ قالَ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآيَةِ. وقالَ الرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ: في أبِي جَهْلٍ. وقِيلَ: في جَماعَةٍ مِن قُرَيْشٍ قالُوا: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ﴾ [الأنفال: ٣٢] الآيَةِ. وقِيلَ: السّائِلُ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - سَألَ العَذابَ عَلى الكافِرِينَ. وقِيلَ: السّائِلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَألَ اللَّهَ أنْ يَشْدُدَ وطْأتَهُ عَلى مُضَرَ. الحَدِيثَ، فاسْتَجابَ اللَّهُ دَعَوْتَهُ. ومُناسَبَةُ أوَّلِها لِآخِرِ ما قَبْلَها: أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ ﴿وإنّا لَنَعْلَمُ أنَّ مِنكم مُكَذِّبِينَ﴾ [الحاقة: ٤٩] أخْبَرَ عَنْ ما صَدَرَ عَنْ بَعْضِ المُكَذِّبِينَ بِنِقَمِ اللَّهِ، وإنْ كانَ السّائِلُ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - أوِ الرَّسُولَ، ﷺ . فَناسَبَ تَكْذِيبَ المُكَذِّبِينَ أنْ دَعا عَلَيْهِمْ رَسُولُهم حَتّى يُصابُوا فَيَعْرِفُوا صِدْقَ ما جاءَهم بِهِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿سَألَ﴾ بِالهَمْزِ أيْ: دَعا داعٍ، مِن قَوْلِهِمْ: دَعا بِكَذا: إذا اسْتَدْعاهُ وطَلَبَهُ، فالباءُ عَلى أصْلِها. وقِيلَ: المَعْنى بَحَثَ باحِثٌ واسْتَفْهَمَ. قِيلَ: فالباءُ بِمَعْنى (عَنْ) .
وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ: (سالَ) بِألِفٍ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَدْ أُبْدِلَتْ هَمْزَتُهُ ألِفًا، وهو بَدَلٌ عَلى غَيْرِ قِياسٍ، وإنَّما قِياسُ هَذا بَيْنَ بَيْنَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى لُغَةِ مَن قالَ: سَلْتُ أسالُ، حَكاها سِيبَوَيْهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هي لُغَةُ قُرَيْشٍ، يَقُولُونَ: سَلْتَ تَسالُ، وهُما يَتَسايَلانِ. انْتَهى. ويَنْبَغِي أنْ يُتَثَبَّتَ في قَوْلِهِ إنَّها لُغَةُ قُرَيْشٍ؛ لِأنَّ ما جاءَ في القُرْآنِ مِن بابِ السُّؤالِ هو مَهْمُوزٌ أوْ أصْلُهُ الهَمْزُ، كَقِراءَةِ مَن قَرَأ: وسَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ، إذْ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِن سالَ الَّتِي عَيْنُها واوٌ، إذْ كانَ يَكُونُ ذَلِكَ وسَلُوا اللَّهَ مِثْلَ: خافُوا الأمْرَ، فَيَبْعُدُ أنْ يَجِيءَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلى لُغَةٍ غَيْرَ قُرَيْشٍ، وهُمُ الَّذِينَ نَزَلَ القُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ إلّا يَسِيرًا فِيهِ لُغَةُ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ جاءَ في كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ: وهُما يَتَسايَلانِ، بِالياءِ، وأظُنُّهُ مِنَ النّاسِخِ، وإنَّما هو يَتَساوَلانِ بِالواوِ. فَإنْ تَوافَقَتِ النُّسَخُ بِالياءِ، فَيَكُونُ التَّحْرِيفُ مِنَ الزَّمَخْشَرِيِّ. وعَلى تَقْدِيرِ أنَّهُ مِنَ السُّؤالِ، فَسائِلٌ اسْمُ فاعِلٍ مِنهُ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلافِ في السّائِلِ مَن هو. وقِيلَ: سالَ مِنَ السَّيَلانِ، ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ ابْنِ عَبّاسٍ: سالَ سايِلٌ. وقالَ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ: في جَهَنَّمَ وادٍ يُسَمّى سايِلًا وأخْبَرَ هُنا عَنْهُ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويَحْتَمِلُ إنْ لَمْ يَصِحَّ أمْرُ الوادِي أنْ يَكُونَ الإخْبارُ عَنْ نُفُوذِ القَدَرِ بِذَلِكَ العَذابِ قَدِ اسْتُعِيرَ لَهُ السَّيْلُ لِما عُهِدَ مِن نُفُوذِ السَّيْلِ وتَصْمِيمِهِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والسَّيْلُ مَصْدَرٌ في مَعْنى السّايِلِ، كالغَوْرِ بِمَعْنى الغايِرِ، والمَعْنى: انْدَفَعَ عَلَيْهِمْ وادِي عَذابٍ، فَذَهَبَ بِهِمْ وأهْلَكَهم. انْتَهى. وإذا كانَ السّائِلُ هُمُ الكُفّارُ، فَسُؤالُهم إنَّما كانَ عَلى أنَّهُ كَذِبٌ عِنْدَهم، فَأخْبَرَ تَعالى أنَّهُ واقِعٌ وعِيدًا لَهم. وقَرَأ أُبَيٌّ وعَبْدُ اللَّهِ: سالَ سالٍ، مِثْلُ: مالٍ، بِإلْقاءِ صُورَةِ الهَمْزَةِ، وهي الياءُ مِنَ الخَطِّ تَخْفِيفًا. قِيلَ: والمُرادُ سائِلٌ. انْتَهى. ولَمْ يُحْكَ هَلْ قَرَأ بِالهَمْزِ أوْ بِإسْقاطِها البَتَّةَ. فَإنْ قَرَأ بِالهَمْزِ فَظاهِرٌ، وإنْ قَرَأ بِحَذْفِها فَهو مِثْلُ شاكَ شايِكٌ، حُذِفَتْ عَيْنُهُ واللّامُ جَرى فِيها الإعْرابُ، والظّاهِرُ تَعَلُّقُ (بِعَذابٍ) بِـ (سالَ) وقالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ: يَتَعَلَّقُ بِمَصْدَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: ما سُؤالُهُ ؟ فَقِيلَ: سُؤالُهُ بِعَذابٍ، والظّاهِرُ اتِّصالُ الكافِرِينَ بِـ (واقِعٍ) فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، واللّامُ لِلْعِلَّةِ، أيْ: نازِلٌ بِهِمْ لِأجْلِهِمْ، أيْ: لِأجْلِ كُفْرِهِمْ، أوْ عَلى أنَّ اللّامَ بِمَعْنى (عَلى) قالَهُ بَعْضُ النُّحاةِ، ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ أُبَيٍّ: عَلى الكافِرِينَ، أوْ عَلى أنَّهُ في مَوْضِعٍ، أيْ: واقِعٌ كائِنٌ لِلْكافِرِينَ. وقالَ قَتادَةُ والحَسَنُ: المَعْنى كَأنَّ قائِلًا قالَ: لِمَن هَذا العَذابُ الواقِعُ ؟ فَقِيلَ: لِلْكافِرِينَ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أوْ بِالفِعْلِ، أيْ دُعاءٌ لِلْكافِرِينَ، (p-٣٣٣)ثُمَّ قالَ: وعَلى الثّانِي - وهو ثانِي ما ذَكَرَ مِن تَوْجِيهِهِ في الكافِرِينَ - قالَ: هو كَلامٌ مُبْتَدَأٌ جَوابٌ لِلسّائِلِ، أيْ: هو لِلْكافِرِينَ، وكانَ قَدْ قَرَّرَ أنَّ سالَ ضُمِّنَ مَعْنى دَعا، فَعُدِّيَ تَعْدِيَتَهُ كَأنَّهُ قالَ: دَعا داعٍ بِعَذابٍ مِن قَوْلِكَ: دَعا بِكَذا: إذا اسْتَدْعاهُ وطَلَبَهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ [الدخان: ٥٥] . انْتَهى. فَعَلى ما قَرَّرَهُ أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِـ (دَعا) يَعْنِي بِـ (سالَ) فَكَيْفَ يَكُونُ كَلامًا مُبْتَدَأً جَوابًا لِلسّائِلِ ؟ أيْ هو لِلْكافِرِينَ ؟ هَذا لا يَصِحُّ. فَقَدْ أخَذَ قَوْلَ قَتادَةَ والحَسَنِ وأفْسَدَهُ، والأجْوَدُ أنْ يَكُونَ (مِنَ اللَّهِ) مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: (واقِعٍ) . و﴿لَيْسَ لَهُ دافِعٌ﴾: جُمْلَةُ اعْتِراضٍ بَيْنَ العامِلِ والمَعْمُولِ. وقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِدافِعٍ، أيْ: مِن جِهَتِهِ إذا جاءَ وقْتُهُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["سَأَلَ سَاۤىِٕلُۢ بِعَذَابࣲ وَاقِعࣲ","لِّلۡكَـٰفِرِینَ لَیۡسَ لَهُۥ دَافِعࣱ"],"ayah":"سَأَلَ سَاۤىِٕلُۢ بِعَذَابࣲ وَاقِعࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق