الباحث القرآني
﴿ولُوطًا إذْ قالَ لِقَوْمِهِ أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكم بِها مِن أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ﴾ (p-٣٣٣)هُوَ لُوطُ بْنُ هارُونَ أخِي إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وناحُورَ وهم بَنُو تارِحِ بْنِ ناحُورَ وتَقَدَّمَ رَفْعُ نَسَبِهِ، وقَوْلُهُ هم أهْلُ سَدُومَ وسائِرِ القُرى المُؤْتَفِكَةِ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِمْ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: بَعَثَهُ اللَّهُ إلى أُمَّةٍ تُسَمّى سَدُومُ وانْتَصَبَ (لُوطًا) بِإضْمارِ وأرْسَلْنا عَطْفًا عَلى الأنْبِياءِ قَبْلَهُ، و(إذْ) مَعْمُولَةٌ (لِأرْسَلْنا) وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وابْنُ عَطِيَّةَ نَصْبَهُ بـِ ”واذْكُرْ“ مُضْمَرَةً، زادَ الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ (إذْ) بَدَلٌ مِن لُوطٍ، أيْ: واذْكُرْ وقْتَ قالَ لِقَوْمِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى كَوْنِ إذْ تَكُونُ مَفْعُولًا بِها صَرِيحًا لِاذْكُرْ، وأنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِيها، والِاسْتِفْهامُ هو عَلى جِهَةِ الإنْكارِ والتَّوْبِيخِ والتَّشْنِيعِ والتَّوْقِيفِ عَلى هَذا الفِعْلِ القَبِيحِ، والفاحِشَةُ هُنا إتْيانُ ذُكْرانِ الآدَمِيِّينَ في الأدْبارِ ولَمّا كانَ هَذا الفِعْلُ مَعْهُودًا قُبْحُهُ ومَرْكُوزًا في العُقُولِ فُحْشُهُ أتى مُعَرَّفًا بِالألِفِ واللّامِ، أوْ تَكُونُ ألْ فِيهِ لِلْجِنْسِ عَلى سَبِيلِ المُبالَغَةِ كَأنَّهُ لِشِدَّةِ قُبْحِهِ جُعِلَ جَمِيعَ الفَواحِشِ ولِبُعْدِ العَرَبِ عَنْ ذَلِكَ البُعْدَ التّامَّ، وذَلِكَ بِخِلافِ الزِّنا فَإنَّهُ قالَ فِيهِ: ﴿ولا تَقْرَبُوا الزِّنا إنَّهُ كانَ فاحِشَةً﴾ [الإسراء: ٣٢] فَأتى بِهِ مُنَكَّرًا، أيْ: فاحِشَةٌ مِنَ الفَواحِشِ وكانَ كَثِيرٌ مِنَ العَرَبُ يَفْعَلُهُ ولا يَسْتَنْكِرُونَ مِن فِعْلِهِ ولا ذِكْرِهِ في أشْعارِهِمْ، والجُمْلَةُ المَنفِيَّةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهم هم أوَّلُ مَن فَعَلَ هَذِهِ الفِعْلَةَ القَبِيحَةَ، وأنَّهم مُبْتَكِرُوها، والمُبالَغَةُ في (مِن أحَدٍ) حَيْثُ زِيدَتْ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الجِنْسِ، وفي الإتْيانِ بِعُمُومِ العالَمِينَ جَمْعًا.
قالَ عُمَرُ بْنُ دِينارٍ: ما رُئِيَ ذَكَرٌ عَلى ذَكَرٍ قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ رُوِيَ أنَّهم كانَ يَأْتِي بَعْضُهم بَعْضًا، وقالَ الحَسَنُ: كانُوا يَأْتُونَ الغُرَباءَ، كانَتْ بِلادُهُمُ الأُرْدُنَّ تُؤْتى مِن كُلِّ جانِبٍ لِخِصْبِها فَقالَ لَهم إبْلِيسُ وهو في صُورَةِ غُلامٍ إنْ أرَدْتُمْ دَفْعَ الغُرَباءِ فافْعَلُوا بِهِمْ هَكَذا، فَمَكَّنَهم مِن نَفْسِهِ تَعْلِيمًا، ثُمَّ فَشا واسْتَحَلُّوا ما اسْتَحَلُّوا وأبْعَدَ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ المُرادَ مِن عالَمِي زَمانِهِمْ ومَن ذَهَبَ إلى أنَّ المَعْنى ﴿ما سَبَقَكُمْ﴾ إلى لُزُومِها ويَشْهَدُها وفي تَسْمِيَةِ هَذا الفِعْلِ بِالفاحِشَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ يَجْرِي مَجْرى الزِّنا يُرْجَمُ مَن أُحْصِنَ ويُجْلَدُ مَن لَمْ يُحْصَنْ، وفَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أُتِيَ بِسَبْعَةٍ مِنهم فَرَجَمَ أرْبَعَةً أُحْصِنُوا وجَلَدَ ثَلاثَةً وعِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ، وابْنُ عَبّاسٍ ولَمْ يُنْكِرُوا، وبِهِ قالَ الشّافِعِيُّ، وقالَ مالِكٌ: يُرْجَمُ أُحْصِنَ، أوْ لَمْ يُحْصَنْ، وكَذا المَفْعُولُ بِهِ إنْ كانَ مُحْتَلِمًا. وعِنْدَهُ يُرْجَمُ المُحْصَنُ ويُؤَدَّبُ ويُحْبَسُ غَيْرُ المُحْصَنِ وهو مَذْهَبُ ابْنِ عَطِيَّةَ، وابْنِ المُسَيَّبِ والنَّخَعِيِّ، وغَيْرِهِمْ، وعَنْ مالِكٍ أيْضًا يُعَزَّرُ أُحْصِنَ أوْ لَمْ يُحْصَنْ، وهو مَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ، وحَرَقَ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ رَجُلًا يُقالُ لَهُ الفُجاءُ عَمِلَ ذَلِكَ العَمَلَ وذَلِكَ بِرَأْيِ أبِي بَكْرٍ وعَلِيٍّ، وأنَّ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أجْمَعَ رَأْيُهم عَلَيْهِ وفِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ، ورُوِيَ أنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أحْرَقَهم في زَمانِهِ وخالِدٌ القَسْرِيُّ بِالعِراقِ وهِشامٌ.
و﴿ما سَبَقَكُمْ﴾ جُمْلَةٌ حالِيَّةٌ مِنَ الفاعِلِ، أوْ مِنَ (الفاحِشَةِ)؛ لِأنَّ في سَبَقَكم بِها ضَمِيرُهم وضَمِيرُها، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هي جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ أوَّلًا بِقَوْلِهِ: ﴿أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ﴾، ثُمَّ وبَّخَهم عَلَيْها فَقالَ: أنْتُمْ أوَّلُ مَن عَمِلَها، أوْ عَلى أنَّهُ جَوابٌ لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ كَأنَّهم قالُوا لِمَ لا نَأْتِيها فَقالَ ما سَبَقَكم بِها أحَدٌ فَلا تَفْعَلُوا ما لَمْ تُسْبَقُوا بِهِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والباءُ لِلتَّعْدِيَةِ مِن قَوْلِكَ سَبَقْتُهُ بِالكُرَةِ إذا ضَرَبْتُها قَبْلَهُ ومِنهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - «سَبَقَكَ بِها عُكّاشَةُ» . انْتَهى. ومَعْنى التَّعْدِيَةِ هُنا قَلِقٌ جِدًّا؛ لِأنَّ الباءَ المُعَدِّيَةُ في الفِعْلِ المُتَعَدِّي إلى واحِدٍ هي بِجَعْلِ المَفْعُولِ الأوَّلِ (p-٣٣٤)يَفْعَلُ ذَلِكَ الفِعْلَ بِما دَخَلَتْ عَلَيْهِ الباءُ فَهي كالهَمْزَةِ، وبَيانُ ذَلِكَ أنَّكَ إذا قُلْتَ صَكَكْتُ الحَجَرَ بِالحَجَرِ فَمَعْناهُ أصْكَكْتُ الحَجَرَ الحَجَرَ، أيْ: جَعَلْتَ الحَجَرَ يَصُكُّ الحَجَرَ، وكَذَلِكَ دَفَعْتُ زَيْدًا بِعَمْرٍو عَنْ خالِدٍ مَعْناهُ أدْفَعْتُ زَيْدًا عَمْرًا عَنْ خالِدٍ، أيْ: جَعَلْتَ زَيْدًا يَدْفَعُ عَمْرًا عَنْ خالِدٍ، فَلِلْمَفْعُولِ الأوَّلِ تَأْثِيرٌ في الثّانِي ولا يَتَأتّى هَذا المَعْنى هُنا إذْ لا يَصِحُّ أنْ يُقَدَّرَ أسْبَقْتُ زَيْدًا الكُرَةَ، أيْ: جَعَلْتُ زَيْدًا يَسْبِقُ الكُرَةَ إلّا بِمَجازٍ مُتَكَلَّفٍ، وهو أنْ تَجْعَلَ ضَرْبَكَ لِلْكُرَةِ أوَّلَ جَعْلِ ضَرْبَةٍ قَدْ سَبَقَها، أيْ: تَقَدَّمَها في الزَّمانِ فَلَمْ يَجْتَمِعا.
{"ayah":"وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦۤ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق